fbpx

ليبيا بين وباءين: “كورونا”… والحرب الأهلية- الدولية!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

الصورة قاسية. شظايا الزجاج المتحطّم متناثرة على سرير في مستشفى الهضبة الخضراء المخصص لعلاج حالات “كورونا” في ليبيا. قوات خليفة حفتر شنت هجوماً طاول المستشفى. المرضى تعرضوا لنوعين من الخطر: خطر القصف وخطر “كورونا”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]
ينشر هذا النص بالتعاون مع “مبادرة الإصلاح العربي” 
خير الدين باشا- محلل قانوني تونسي

هذه حال ليبيا كلها. تعاني البلاد من أوضاع صعبة، مع احتدام المعارك على وقع انتشار الفايروس الذي يشلّ العالم. 

أكثر من سنة مرّت على بداية الحملة العسكرية التي شنها خليفة حفتر على حكومة الوفاق المعترف بها دولياً، في مسعى للاستيلاء على المؤسسات الاقتصادية ومركز القرار السياسي. أسفرت العملية عن كارثة إنسانية عميقة في ظل تردي الواقع المؤسساتي للبلاد ولم تنته إلى أي حسم عسكري. إلا أنّ الكلفة الإنسانية للنزاع تتصاعد مُنبئة بتهديد أكبر بعد رصد الحالات الأولى من وباء “كوفيد-19” في المنطقة الغربية من البلاد، مع فشل المحاولات الدولية لفرض هدنة موقتة.

ظهرت أولى حالات الإصابة بفايروس “كورونا” في ليبيا في 24 آذار/ مارس  بعد أكثر من ثلاثة أسابيع من ظهوره عند جيرانها، ليصل عددها في 19 أيار/ مايو إلى 68 حالة مؤكدة وثلاث حالات وفاة بعد تحليل اختبارات شملت 3762 عينة. 

عبّرت “منظمة الصحة العالمية” ومنظمات دولية أخرى عن تخوفات كبرى تجاه تطورات الأزمة الصحية في ظل الواقع الليبي وضعف الإجراءات المعتمدة من السلطات الليبية لمواجهة “كورونا”. وتشمل أهم التحديات التي قد تساهم في تفاقم الوضع، ضعف المراقبة الحدودية للوضع الصحي، ما أدى إلى تسرب كثيرين من المنافذ الحدودية من دون التدقيق في أوضاعهم الصحية. كما يحد ضعف المنظومة الصحية الليبية من القدرة على إدارة الاتصال بين المراكز الصحية وتتبع الحالات، إضافة إلى غياب الصرامة في تطبيق إجراءات العزل، إذ لم تسجل سوى حالات محدودة من العزل في المستشفيات، بينما تم حجر معظم المصابين في منازلهم من دون احترام إجراءات الحجر الصحي الموصى بها.

إلى ذلك، برز خلاف على المستوى المؤسساتي في المرحلة الأولى من إدارة الأزمة بين السلطة المركزية والبلديات حول اختصاص الرصد. قدّرت وزارة الصحة أن البلديات لا تمتلك الأدوات الكافية للرصد والتحليل الدقيق، في حين أقرّت بلديات بغياب السلطة المركزية عن اتخاذ إجراءات مبكرة لتفادي انتشار العدوى. وصل التصعيد بين السلطة المركزية والبلديات إلى مطالبة 30 بلدية تابعة لحكومة الوفاق في الجنوب والغرب بإقالة وزير الصحة ووكيل الوزارة في بيان مشترك. إثر تلك الضغوط، تم تجاوز هذا الخلاف جزئياً عندما بدأت حملة لترصّد الحالات بمبادرة من مركز مكافحة الأمراض الليبي الذي عمد إلى إجراء فحوص سريعة في بعض أحياء العاصمة طرابلس بالتنسيق مع بلديات منها جنزور وسوق الجمعة وتاجوراء. لكن لم يرق التعاون بين السلطتين المركزية والمحلية إلى المستوى الشامل والفعّال للتصدي للوباء.

لتقصّي الحالات، خصصت السلطات أكثر من مركز للتحاليل في العاصمة طرابلس وعدد من المراكز في مناطق أخرى. إلا أن التجهيز الطبي في ليبيا يبقى مفتقراً إلى العدد الكافي من أسرة العناية المركزة على المستوى الوطني التي لا تتعدى 482 سريراً، معظمها في المنطقة الغربية مع عدد قليل في الشرق والوسط وافتقار لهذه التجهيزات في مستشفى الهراوة وانعدامها بالكامل في الجنوب. 

وتشهد الخطة المعتمدة من الحكومتين المسيطرتين على ليبيا تفاوتاً في التنفيذ بين المناطق، ففي المنطقة الغربية من البلاد تم اتخاذ إجراءات وقائية ووضع ست مراكز للعزل الصحي في طرابلس، إضافة إلى مركز في مصراتة والكثير من المراكز في زليطن وزوارة والزاوية ونالوت والخمس وغدامس.

عبّرت “منظمة الصحة العالمية” ومنظمات دولية أخرى عن تخوفات كبرى تجاه تطورات الأزمة الصحية في ظل الواقع الليبي وضعف الإجراءات المعتمدة من السلطات الليبية لمواجهة “كورونا”.

أما في الشرق الليبي، فلا يزال الانقسام السياسي عاملاً مؤثراً يعيق المجهودات الطبية. هناك قصور في التعاون وتبادل المعلومات بين الهياكل الحكومية في المنطقة والهياكل الصحية التابعة لحكومة الوفاق باستثناء مركز “طبرق”. كما أن اللجنة المكلفة بمكافحة الوباء في الشرق تقودها السلطة العسكرية ويرأسها الجنرال عبد الرزاق الناظوري، رئيس أركان القوات المسلحة العربية الليبية، الأمر الذي قد ينعكس سلباً على شفافية التعامل مع المنظمات الدولية وتداول المعلومات المتعلقة بحالة الفايروس في المناطق الخاضعة لسيطرة قوات حفتر. بينما يسود الغموض الوضع الوبائي في الجنوب حيث تتنازع حكومتا الوفاق و”الموقتة” الموالية لحفتر حصص الخدمات المدنية في المنطقة التي خصصت لمكافحة الوباء. وقد يزيد ضعف المراقبة الحدودية من سوء الوضع الصحي في هذا الإقليم الذي عُرف تاريخياً بأنه معبر للمهاجرين غير الشرعيين في اتجاه سواحل البحر المتوسط، في حال دخول عدد من المصابين من خارج ليبيا. وكان اكتشاف حالة وفاة في سبها يوم 21 أيار يشتبه في إصابتها بـ”كورونا”، عاملاً آخر يزيد من تعزيز المخاوف حول الوضع الوبائي في الجنوب، على رغم المساعدات التقنية التي قدمتها منظمة الصحة العالمية لمستشفيات المنطقة.

من جهة أخرى، رصدت المنظمات الدولية جملة من التبعات السلبية للوباء على الوضع الإنساني لآلاف المهاجرين من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء، المحتجزين في مراكز الإيواء في طرابلس والزاوية، خصوصاً القريبة من مناطق القتال الأمامية، حيث علقت المنظمة الدولية للهجرة والمفوضية الأممية للاجئين الكثير من برامجها لإعادة التوطين والعودة الطوعية التي تشمل قرابة 15 ألف مهاجر محتجز في ليبيا. واقتصرت على برنامج موقت للمساعدة الحضرية يُقدم بعض المعدات الوقائية والمساعدات المالية للمحتجزين. يلقى هذا البرنامج معارضة قوية ومستمرة من المهاجرين الذين يطالبون في المقابل بحلول ناجعة ونهائية كخطوط عودة قانونية إلى بلدانهم أو هجرة إلى بلدان أوروبية.

ومن ضمن الإجراءات المهمة الأخرى التي وضعت لتوفير الحماية من الفايروس أفرجت وزارة العدل التابعة للوفاق في 28 آذار عن 466 سجيناً من سجون طرابلس كخطوة أولى لتقليص الاكتظاظ. كما وضعت منظمات حقوقية منها “هيومان رايتس واتش” جملة توصيات للحد من خطر انتقال العدوى داخل السجون، من بينها النظر في إطلاق سراح الأطفال ومرتكبي الجرائم البسيطة غير العنيفة والأشخاص الذين أمضوا معظم عقوباتهم، إضافة إلى زوجات وأطفال المقاتلين المشتبه في انتمائهم لتنظيم الدولة الإسلامية.

في المجمل، تهدد الأزمة الوبائية وتبعاتها القدرة الاستيعابية للدولة وتصورها لإدارة الشأن العام في ظل مشكلات موروثة، من بينها تأثير العمل العسكري المتواصل في مرافق حيوية كإمدادات الطاقة والقدرة على التزود بالمواد الأساسية. لم تنجح الهدنة المقترحة في شهر كانون الثاني/ يناير بالتزامن مع مؤتمر برلين في تحقيق الحد الأدنى من خفض التصعيد. الهدنة الثانية المقترحة في 22 آذار من قبل الأمم المتحدة و9 عواصم عربية وأوروبية لاقت المصير نفسه، على رغم الموافقة الرسمية عليها من قبل حكومة الوفاق وحكومة الشرق الليبي المؤيدة لحفتر. ولم تسلم المستشفيات في زمن “كورونا” من الانتهاكات العسكرية، فقد قامت قوات حفتر بقصف جوي لمستشفى الخضراء بحي الهضبة في طرابلس لثلاث مرات منذ 6 نيسان/ أبريل بحجة أن الوفاق يستغله عسكرياً، ما دمر أجزاء من المستشفى الذي يحتوي على 400 سرير، وعقّد من تطويق انتشار الفايروس، خصوصاً أن المستشفى يأوي حالة مصابة بالوباء. وفي المقابل، ساهم استهداف طيران “الوفاق” المسيّر خطوط تزويد قوات حفتر بالمؤن والذخائر، في حدوث أزمة غذائية ودوائية في مدينتي بني وليد وترهونة، استدعت تدخل منظمة الصحة العالمية التي أرسلت مجموعة من الإمدادات الطبية الرئيسية في 10 أيار.

التجهيز الطبي في ليبيا يبقى مفتقراً إلى العدد الكافي من أسرة العناية المركزة على المستوى الوطني التي لا تتعدى 482 سريراً.

وأدى الضعف والتفلّت في الخضوع للتعليمات العسكرية وغياب تراتبية مؤسساتية صارمة للقوات الناشطة ميدانياً، إلى إخلالات خطيرة أخرى كإغلاق مجموعة قبلية مساندة لحفتر إمدادات المياه عن طرابلس في منطقة الشويرف الصحراوية التي يمر منها النهر الصناعي الذي يعتبر الشريان الرئيسي لإمداد العاصمة وأكثر من ستين بالمائة من الأراضي الليبية بالمياه. وكان ذلك بحجة احتجاز قوات الوفاق أحد قياديها. ونتجت عن ذلك أزمة إنسانية في المدينة تضاعفت بسبب حالة الحجر التي حدت من استكشاف طرائق بديلة لتدارك النقص في الوصول إلى مياه الشرب.

كما يؤدي استمرار حصار المواقع النفطية من قبل قوات حفتر ومنع تصدير النفط إلى مفاقمة الأزمة الاقتصادية المستمرة منذ بداية الحرب، إذ بلغت خسائر حكومة الوفاق الاقتصادية قرابة الأربعة مليارات دولار منذ بداية إغلاق المنشآت النفطية. كما ساهم إغلاق صمام الغاز في منطقة سيدي السائح من قبل موالين لحفتر في قطع التيار الكهربائي عن  مناطق عدة، غرب ليبيا. 

أمام هذه التطورات، لم يقم المجتمع الدولي بدور حاسم لوقف الانتهاكات، بل إن القوى الإقليمية تمعن في التدخل في العمليات العسكرية، على رغم بداية بروز الأزمة الوبائية، مع شلل الحل السياسي على المستوى الديبلوماسي وتفرغ الاتحاد الأوروبي لمكافحة الهجرة غير الشرعية عن ماعداها من متعلقات الأزمة الليبية. فمنذ تشرين الثاني/ نوفمبر 2019 تنامى الدعم التركي لحكومة الوفاق بعد توقيع مذكرتي تفاهم بهذا الخصوص، نتج عنهما إمداد قوات الوفاق بأنواع جديدة من الجيل الحديث لطائرات الدرونز التركية؛ الأمر الذي ساعد هذه القوات على بسط سيطرتها الجوية على مجال العمليات الميدانية، كما كان واضحاً مع عملية “عاصفة السلام”. وساهمت تركيا في التخطيط العسكري عبر عدد من مستشاريها للعمليات الحربية الجديدة قرب طرابلس. ومن الملاحظ أن الدعم التركي لم يتأثر بالأزمة الوبائية بل زادت وتيرته ابتداءً من آذار، ليساهم بشكل جذري في تفوّق قوات الوفاق ميدانياً اعتماداً على التطور التقني والسيطرة التامة على الأجواء عسكرياً.

استعملت تركيا أيضاً قدراتها المادية لتقديم إعانات لبعض الدول الأوروبية المتضررة من أزمة “كورونا”، لضمان عدم مشاركتها في عملية “إيريني” البحرية التي تستهدف خطوط الإمداد العسكري التركي، بحراً نحو ليبيا. كما لم تحدّ الأزمة الوبائية العالمية من الدور الإماراتي ولا المصري المساند لحفتر، إذ تواصلت شحنات الأسلحة بالتوافد على المنطقة الشرقية منذ كانون الثاني.

وقد بقي الدور الروسي الواضح في مساندة قوات حفتر مثيراً الجدل خصوصاً مع ما تسرب من معلومات عن تقرير خبراء الأمم المتحدة السري حول ليبيا الذي أشار إلى وجود ما بين 800 و1400 عنصر من مرتزقة شركة فاغنر الروسية، من بينهم مجموعة من فرق القناصة المختصة، إضافة إلى مشاركة كيان استخباراتي مرتبط بفاغنر في عملية معقدة على وسائل التواصل الاجتماعي لدعم حفتر وعمليته.

غير أن الأزمة الوبائية قلصت بوضوح الدور الأوروبي الذي خالجه الضعف في فرض الحل السياسي والالتزام بمقررات اتفاق برلين، ولم يتسم بالتجانس بين مختلف أعضاء الاتحاد الأوروبي في تبني عملية “إيريني” البحرية على عرض الشواطئ الليبية التي تهدف إلى تنفيذ أحد مقررات الاتفاق المتعلقة بحظر توريد الأسلحة، والتي بدأت مهمتها في 7 أيار. وذلك عبر بارجة فرنسية لمراقبة مناطق شرق المتوسط بمساندة لوجستية أوروبية عبر السفن والطائرات والأقمار الاصطناعية، فيما ظهر اختلاف في الرأي لدى بلدان الاتحاد الأوروبي حيال الأزمة الليبية، إذ ركز الطرف الفرنسي على أولوية المناطق البحرية الغربية بالعملية في حين أكدت إيطاليا أن المراقبة الجوية ستشمل أيضاً الحدود الشرقية لليبيا مع مصر كنوع من التطمين لحكومة الوفاق.

أما على المستوى السياسي، فإن تأجيل اختيار مبعوث جديد للأمم المتحدة يفتح صراعاً جديداً بين أطراف النزاع الذين يحاولون التأثير في الحل السياسي في الاتجاه الذي يخدم مصالحهم. خصوصاً مع دعم الإمارات العربية المتحدة ومصر والسعودية لتولي الموريتاني إسماعيل ولد الشيخ أحمد المنصب. 

وبمعزل عن هوية المبعوث الجديد، بالتأكيد ستكون مهمته لإحلال السلام، صعبة للغاية.

تم نشر هذا التقرير بالتعاون مع مبادرة الإصلاح العربي.

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.