fbpx

“شو يا سودا…؟” : مشاهد من العنصرية المحليّة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“شو يا سودا” نادى رجل الأمن -أمام أحد المستشفيات- ابنة شقيقتي، وأنا جالسة في الحديقة أحضّر لسرد بعض القصص هنا، توقفت لبرهة وسألته، ماذا تعني بمناداة الطفلة بذلك؟ أجاب، “كان مزاحاً”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

انقضى الموقف سريعاً، فمثل هذه التعليقات تتكرر يومياً وبالكاد يلتفت إليها أحد.

في مشهد آخر، “فلسطيني وعندك بنطلون تاني”، يسأل العسكري المناوب على حاجز مخيم عين الحلوة جنوب لبنان محمد، بعدما قال له الأخير إنه نسي بطاقة هويته في سرواله الآخر في المنزل. 

وهذا واحد من المواقف التي يتعرض لها الشاب الفلسطيني محمد

(24 سنة) في حياته اليومية، “يؤلمني أن نهان ممَن نعتبرهم أبناء جلدتنا، نعم لدينا أكثر من بنطال وسُرقت أرضنا وتم تهجير جدي إلى لبنان وانتهى بي الأمر لاجئاً”. يقول محمد لـ”درج”. 

في شباط/ فبراير من العام الماضي تقدم محمد للعمل في شركة للهندسة لم تذكر في إعلانها في الدليل المدني أي شروط تمنع الفلسطيني من التقدم للوظيفة. ذهب محمد إلى مقابلة العمل وتم قبوله، إلا أنه رفض قبل يوم من بدء مزاولته العمل، بسبب اكتشاف الإدارة أنه فلسطيني. “لماذا لم تخبرنا أنك فلسطيني! صاحب العمل يرفض توظيف فلسطيني”، هذا ما قالته موظفة الموارد البشرية.

“ما تعرض له جورج فلويد مستفز ويتعرض الفلسطينيون له في فلسطين من قبل الاحتلال ويقف العالم بصمت”، يقول محمد ثم يضيف: “الفلسطيني في أرضه تحت سلطة الاحتلال وفي أرض أشقائه العرب يعاني، نحن نعاني من العنصرية أينما وجدنا مع الأسف”.

ليس فقط شعارا Black lives matter 

زينب كنعان

لم تتوقع زينب أن يحدث المنشور على صفحتها في “فايسبوك” هذا الصدى فاتحاً الباب أمام كل من يحمل المعاناة ذاتها. وزينب مريم كنعان- كما تطلق على صفحتها في “فايسبوك”، صحافية لبنانية من أم أفريقية، ولدت في سيراليون ثم جاءت إلى لبنان بعمر 3 سنوات وعاشت مع جدتها “الخليط” أيضاً من أم أفريقية وأب لبناني. 

شعرت زينب بمزيج من التناقض والاستفزاز وهي تتابع منشورات التعاطف مع السود في أميركا بعد جريمة قتل جورج فلويد العنصرية. 

لم يكن سهلاً على زينب فهم هذا الغضب ضد جريمة عنصرية فعلاًَ حصلت في أميركا فيما عليها أن تعيش على وقع تمييز يومي هنا في لبنان!

“باختصار مشكورين على إنسانتيكم، “بلاك لايف ماترز” ليس فقط شعاراً إنما يجب أن تحملوه بأفعالكم، بداية من كيف تحدثون أطفالكم عنا، صدقاً كلمات الأطفال تجرحنا أيضاً”، كتبت زينب في منشورها الذي لقي تفاعلاً وصدى واسعاً.

“الذي حدث مع جورج فلويد أحدث ضجة لأنه وُثّق، لكن هل مورست الرقابة على أفعال البعض هنا؟ هناك أحداث ومواقف عنصرية كثيرة تحصل في بلدان العربية ليس في لبنان فقط، يحدث هذا يومياً في صمت شبه تام”.

فقدت زينب صديقات كثيرات هاجرن إلى دول أخرى، هرباً من بلدٍ يخال لك أنه يقبل الجميع على اختلافهم إلا أنه يعجز عن احتضان أبنائه حتى، هاجرت صديقات زينب وبقيت هي وكثيرات مثلها يعانين.

“منذ الصغر وأنا أسمع مصطلح “عبيد” ،”زنجية” من أقرب الناس”، تقول زينب لـ”درج”. لطالما تعرضت منذ طفولتها لمواقف عدة، من الحي إلى المدرسة ثم الجامعة حتى في مشوارها من الجنوب إلى بيروت في الحافلة.

“مع إنك سمرا بس حلوة”، عبارة كثيراً ما ترددت على مسامع زينب. “من قال إن جمالنا مقرون بتفتيح لون بشرتنا؟”، سؤال تطرحه زينب وكثيرات، في مجتمعات تقيّم الجمال وفق لون البشرة. هذا ما تروجه الإعلانات التي يتَجسد فيها الجمال في صورة امرأة بيضاء البشرة وصولاً إلى اعتبار كل إنسان أبيض جميلاً ومتفوّقاً على أصحاب البشرة السوداء. 

مع اغتراب لبناني واسع في افريقيا، ولدت اجيال من المخالطين لعائلات لبنانية افريقية ، وشريحة واسعة منهم تتعرض للتنمر اجتماعياً وثقافياً في لبنان، وهذا ما تحاول زينب مواجهته، “يسعدني أنني امتلكت صوتاً ورسالتي وصلت لكثيرين ولكنني قطعة صغيرة أدور في هذا الفلك، هناك معاناة أكبر لم تصل، إذا أراد اللبنانيون أن يقفوا بوجه العنصرية ويحاربوها فماذا عن عشرات العاملات اللواتي يتم رميهن أمام سفاراتهن. إذا أردنا أن نتضامن مع هؤلاء فلنبدأ بمعالجة مشكلة نظام الكفالة .”

https://www.facebook.com/permalink.php?story_fbid=265662291512416&id=100042059406398

“لا تبدين سورية” 

بشرى الدعاس

كانت بشرى تشارك في ندوة حول “مشروع الحوكمة الرشيدة ومنع النزاع بين السوريين واللبنانيين”، عندما احتدم النقاش عن فارق الراتب بين السوري واللبناني، بينها وبين إحدى المشاركات اللبنانيات، التي انفجرت قائلة” نحن نأكل من برغر كينغ وهم (السوريون) لا يترددون إلى تلك المطاعم”.

“العنصرية تكمن في التفاصيل” تقول بشرى الدعاس لـ”درج”. في الندوة ذاتها قالت إحداهن” السوريات خاطفات رجال”، جملة لطالما سمعناه في ضيعنا، إنها التفاصيل التي تتسرب إلينا من مجتمعاتنا وتسيطر على خطابنا مع الآخر من دون أن ندري ما تسببه من أذى نفسي للآخر.

بشرى (26 سنة) صحافية من ريف دمشق، نزحت إلى لبنان عام 2014. نالت شهادتها في الصحافة والإعلام من إحدى الجامعات في لبنان، ولم تخلُ سني دراستها من لحظات عصيبة، “العنصري هو شخص يمثل نفسه ولا يمثل مجتمعه ولا عائلته، لي أصدقاء كثر من مختلف الجنسيات ولم يضايقوني يوماً، الأمر يقتصر على مواقف نمر فيها، لكنها تترك أثراً كبيراً في نفوسنا”.

“لا تبدين سورية”، سمعتها بشرى كثيراً، وتلقي اللوم على الإعلام الذي لا يروج هوية السوريين الحقيقية ويستغل المشاهد التي يظهرها في مصالحه السياسية.

تقول بشرى “الذي حدث مع جورج فلويد أحدث ضجة لأنه وُثّق، لكن هل مورست الرقابة على أفعال البعض هنا؟ هناك أحداث ومواقف عنصرية كثيرة تحصل في بلدان العربية ليس في لبنان فقط، يحدث هذا يومياً في صمت شبه تام”.

رسالة روز من الفيليبين 

راسلتني روز إيسور بعدما وضعتُ منشوراً على صفحة “هذا لبنان”، بأنني أود سرد إحدى قصص معاناة العاملات الأجنبيات مع العنصرية في لبنان. بدأت رسالتها بـ”كانت سيدتي تناديني بالغبية وتقول لي الفليبينيات عاهرات”.

عملت روز في منزل “الانفلوينسر” ياسمينا أ. لمدة أربعة أشهر، انتهى بها الأمر بالفرار من المنزل بعد معاناة من اعتداء نفسي وجسدي عليها ورفض ياسمينا دفع راتبها، تقول روز: “عملت في منزلها كالروبوت من الساعة الرابعة والنصف صباحاً حتى منتصف الليل، لا راحة ولا طعام بما يكفي، كانت تضربني وتغضب كثيراً بلا سبب”.

“أكثر ما نخافه نحن العاملات ألا نعود إلى بلداننا، الذهاب إلى لبنان مغامرة سوداء”، تضيف روز. لم تحظ روز بيوم عطلة للخروج، لأن ربة العمل لم تكن تثق بها، ولم تعطها هاتفاً وأخذت جوالها منها. “أحاول اليوم جاهدة أن أنسى ما مررت به لأكمل حياتي” تقول روز.

روز هي واحدة من مئات العاملات المهاجرات اللواتي يتعرضن للانتهاكات والتعنيف ويتم استغلالهن بسبب عدم شمولهن في قانون العمل اللبناني بحسب المادة 7 منه، بل يخضعن لنظام الكفالة الذي لا يضمن حقوقهن ولا يوفر لهن الحماية.

المشاهد السابقة بعض من يوميات كثيرة في بلادنا، وكأنه فصام أبدي أن نعيش ازدواجية في التعامل مع أي قضية. العنصرية في أميركا (على رغم فداحتها) أمر يسهل إدانته هنا، ولكن حدوثه عندنا بصفته “مزحة” لا يستحق التوقف عنده.

نشاهد يومياً غزلاً تضامنياً مع احتجاجات السود في أميركا، ولكن هل مارس أحدهم يوماً الرقابة على نفسه في التعامل مع الآخر المختلف عنه بالدين أو العرق أو الجنسية أو الجندر؟ هل مارست الطبقات البرجوازية الرقابة على تعاملها مع الطبقات الفقيرة؟

هل مارس سياسيون ومشرعون الرقابة على القوانين التمييزية التي يحكمون بها؟