fbpx

“قانون قيصر”… تدمير نظام الأسد أم إجباره على التفاوض؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

حتّى الآن، هناك أسئلة كثيرة لم يُجب عليها “قانون قيصر”، الموجه ضد النظام السوري، ومن أبرز هذه الأسئلة: “هل يتمكّن قانون قيصر من تعطيل الآلة العسكرية والقبضة الأمنية للنظام السوري طالما أنّه سُمّي قانون حماية المدنيين؟”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

على مدار السنوات الماضية، فُرضت على نظام الأسد سلسلة عقوبات اقتصادية أممية، رداً على انتهاكات النظام السوري بحق المدنيين، ولكن اليوم بعد 9 سنوات من عمر الثورة السورية، يتضح أن هذه العقوبات لم تؤثّر في النظام السوري، بل زادت من وحشيته سواء على جبهات القتال أو داخل أقبية الأفرع الأمنية.

الآن يدخل قانون قيصر لحماية المدنيين حيز التنفيذ، بعد أربع سنوات من طرحه كمشروع قانون. مرَّ هذا القانون بمراحل كثيرة ومعقّدة حتّى أقرّته الولايات المتّحدة رسمياً، وبدأت هذه المراحل مذ غامر أحد الضبّاط السوريين بحياته لمحاولة الهروب بـ55 ألف صورة تعود إلى 11 آلاف معتقل قضوا في سجون النظام السوري، وانتهت المراحل مع اعتماده من مجلسي النواب والشيوخ الأميركيين.

يُفترض أن يشكّل القانون علامة فارقة في تاريخ العقوبات على النظام السوري، كما أن علامته الفارقة سوف تنعكس سلباً على المدنيين في داخل سوريا.

في هذا التقرير، يطرح “درج” سؤالاً، حول مدى قدرة هذا القانون على تجميد الآلة العسكرية للنظام السورية، وإرهاق أفرعه الأمنية اقتصادياً، وهذا السؤال يشكّل روح القانون الجديد وهدفه الأساسي.

نتائج غير مضمونة

الدكتور في الاقتصاد، كرم شعّار والباحث في معهد الشرق الأوسط في واشنطن، يرى أن آلية تطبيق القانون هي وحدها التي تحدّد نتائجه. ويلفت الشعار الى دراسات أكاديمية سابقة حللت نتائج العقوبات الاقتصادية على سياسات البلدان التي عوقبت، مثل كوريا الشمالية والسودان، ودول أخرى، ورصدت مدى قدرة العقوبات على تغيير سلوك الحكومات.

الدراسات وجدت أن العقوبات لا تؤثر في سلوك الحكومات وهذا الحال ينطبق على قانون النظام السوري أمام قانون قيصر، ولكن القانون قد يجعل النظام مثل “القط المحشور في زاوية حين يتحوّل إلى نمر”.

كرم الشعار

ويقول شعّار لـ”درج”: “العبرة بقانون قيصر ليست في القانون بحد ذاته بل في آلية تطبيقه، فهناك الكثير من القوانين التي وُضعت بصيغةٍ ما وتم تطبيقها بصيغة أخرى”.

ويضيف أن الولايات المتحدة، إذا أرادت تطبيق القانون بشكل صارم فإن عواقبه سوف تكون مهولة على النظام في سوريا، ويرى أن الأمل الأكبر من هذه العقوبات هو إجبار النظام على الجلوس على طاولة التفاوض، “من وضع العقوبات لا يريد انهيار النظام الحاكم في سوريا، ثم إعادة بنائه لأن ذلك سيكون مكلفاً لذلك من الأفضل إصلاحه من الداخل ودفعه نحو التفاوض”.

أما عن مدى قدرة هذه العقوبات على الدفع نحو التفاوض فيعتبر شعار، أنّه إذا كان هدفها دفع النظام نحو الانهيار فلن تنجح.

دفع النظام إلى التفاوض

يقول المستشار الاقتصادي والباحث الدكتور أسامة القاضي: “إن قانون قيصر قد لا يستطيع وحده إيقاف الآلة العسكرية ولكنه محفز لحلفاء النظام لإيقاف هذا الدعم حتى يدخل في حل سياسي”.

ويرى القاضي، أن القانون يشكل نوعاً من الضغط من أجل الدخول في حل سياسي ولكنه لن يوقف بالضرورة الآلة العسكرية للنظام السوري، وهو بالمقابل يضغط على روسيا على الأقل كي تجبر النظام على الدخول في حل سياسي من أجل دخول بقية الدول في مسألة إعادة الإعمار والحصول على ثروة اقتصادية طال انتظارها من قبل الروس على مدى خمس سنوات منذ دخولهم المعركة في أيلول/ سبتمبر 2015.

ويكمل: “إذا تصرف النظام السوري كما يتصرف دائماً برعونة سياسية وعدم اكتراث لعذابات السوريين يمكن أن يستمر بآلة القتل بدعم إيراني ولكن حلفاءه يجب أن يجبروه على الدخول في حل سياسي، لا سيما أن الروس يبحثون عن صفقة سياسية للخروج من الرمال المتحركة السورية”.

التحرّك نحو حل سياسي سريع ليس من سياسة النظام الذي لا يأبه لآلام السوريين ويعتقد أنّه يحارب الإمبريالية العالمية، كما أنّه من المستبعد بعد تطبيق القانون أن يكون عاجزاً عن خوض المزيد من المعارك

ولكن ماذا تعني كلمة “تفاوض” في الحالة السورية؟ منذ اليوم الأول للثورة، عمد النظام السوري إلى إقامة “حلقات حوار وطني” جمع فيها مؤيديه وفتح بينهم حلقات نقاش حول قضايا غير سيادية، لا تتطرّق إلى المعتقلين ولا حالة الحريات العامة، ولا انتهاكات الجيش أو ضرورة تفكيك أفرع الأمن، ولم تشارك في تلك الحوارات شخصية معارضة واحدة.

وفي المقابل، يتمسّك الأسد منذ اليوم الأول للثورة حتّى الآن بخطاب موحّد لا يبدو أنّه يريد تغييره، يتمثّل في ضخ العداء المطلق لتركيا ودول الخليج وأوروبا وأميركا ومجلس الأمن والمجتمع الدولي، ويروّج نفسه على أنّه ماضٍ في خوض المعارك حتّى “استرجاع آخر شبر من سوريا” وعدم تهديم ما يسمّيها “قلعة المقاومة والممانعة”.

هذا الخطاب ملَّ منه مؤيدو النظام قبل معارضيه، وملّت منه الدول الحليفة للنظام مثل روسيا قبل الدول التي ترغب في سقوطه، كما أنّ هذه الشعارات لم تعد قابلة للصرف أمام نظامٍ يتآكل باستمرار.

يبدو قانون قيصر الأمل الوحيد في دفع النظام نحو اختيار طريقه، إمّا الاستمرار في التآكل وفي نهاية المطاف سينتهي النظام ولكن سيُنهي معه أي “عافية” اقتصادية لسوريا، أو الاعتراف على الأقل بأنّ هناك معارضة لديها مطالب تنادي فيها منذ 10 سنوات، والجلوس على طاولة لمناقشة هذه المطالب بضغطٍ من حلفائه.

ويوضح القاضي، أن الاقتصاد السوري بات من الهشاشة بمكان بحيث أن أي عارض خارجي سيزيد بؤسه، فقانون قيصر سيؤثر طبعاً في الاقتصاد السوري ولكن الأثر الأكبر بسبب شلل معظم القطاعات الاقتصادية السورية منذ أكثر من 9 سنوات.

والتحرّك نحو حل سياسي سريع ليس من سياسة النظام الذي لا يأبه لآلام السوريين ويعتقد أنّه يحارب الإمبريالية العالمية، كما أنّه من المستبعد بعد تطبيق القانون أن يكون عاجزاً عن خوض المزيد من المعارك، ويوضح القاضي أن وتيرة المعارك ستتراجع لأن النظام لن يعود قادراً على خوض حروب ضخمة كما كان سابقاً، وبالتالي قد يبقى في حالة مناورة وكر وفر لسنوات، ضمن معارك فاشلة لا تثمر إلا قتل المزيد من السوريين وترهيبهم وتهجيرهم.

كما لفت إلى أن الشيء الوحيد القادر على إيقاف العمليات العسكرية هو ضغط الروس إذا اقتنعوا بذلك.

عملياً، يتشابه قانون قيصر مع العقوبات السابقة، ولكنّه أشد قسوة، فإذا تم تصنيف البنك المركزي السوري على أنّه يدعم الإرهاب أو يغسل الأموال فإن ذلك سيؤدّي إلى شلل المركزي بحيث يصبح غير قادر على تعاملات باليورو والدولار وسيكتفي بالعملات الروسية والصينية والكورية الشمالية وهذا صعب جداً، ويؤدي إلى شلل كامل لما تبقى من نظام اقتصادي.

ويعتقد القاضي، أن قانون قيصر، يؤدي إلى تضييق الخناق أكثر على النظام، ما يمنعه من خلق واجهات اقتصادية للتحايل على هذه العقوبات، موضحاً أن هذا القانون سيكون أكثر تعقيداً وأكثر مراقبةً على تطبيقه للضغط على النظام وحلفائه.

الالتفاف على القانون؟

خلال السنوات الماضية، كان المجتمع الدولي في كل مرّة يفرض عقوباتٍ ما على النظام السوري، كان الأخير بالمقابل يطوّر أدواته وسبل حلوله لتقليل أثرها إلى الصفر.

من خلال تحليل سلوك النظام السوري في التعامل مع العقوبات الاقتصادية على مدى السنوات السابقة، يتّضح أنّه يعمل على جهتين، الأولى هي فهم مسار هذه العقوبات لإيجاد حلول غير قانونية لتجاوزها، والثانية محاولة توجيه أضرار هذه العقوبات على السوريين الذين يعيشون في مناطقه، في مقابل تخفيف أثرها على مؤسّساته العسكرية والأمنية، والتي لا تزال حتّى كتابة هذا التقرير، تقصف المدن السورية وتحتجز أكثر من 100 ألف مدني في معتقلات سيئة السمعة.

وفقاً للدكتور كرم شعّار، فبعد العقوبات على إيران عام 2015 كانت إيران قادرة على الالتفاف على هذه العقوبات عبر استخدام بواخر نفط وسيطة لتفريغ النفط الإيراني فيها داخل البحر ثم بيعها من طريق السفن الوسيطة، ولكن أخيراً باتت جميع هذه الأعمال مكشوفة من قبل صور الأقمار الصناعية، وهو ما سينطبق على سوريا الآن، فقدرة الدول التي تفرض عقوبات، على مراقبة تطبيق هذه العقوبات أصبحت متطوّرة وباتت بإمكانها معرفة أي محاولات لكسر هذه العقوبات.

ويرى أيضاً أن قدرة النظام على التهرّب من العقوبات تنعدم يوماً بعد يوم وخصوصاً أن الهامش الربحي من السوق السورية أصبح ضئيلاً بالنسبة إلى الشركات الأجنبية، التي باتت تفضّل الانسحاب وعدم مجابهة العقوبات.

هذا الأمر انسحب أيضاً على محلات التجزئة، حيث بدأ كثر من تجار المفرق في سوريا يغلقون متاجرهم، لأنّهم محاصرون بين اتهامات المواطنين بالغش وبين الضغط من مؤسسات حماية المستهلك.

وبحسب شعّار، فإن التخوّف الأساسي لدى النظام هو عدم توفّر القطع الأجنبي، ما يؤدّي إلى انخفاض القدرة على استيراد السلع الأساسية المطلوبة يومياً من المواطنين، وهو ما يؤدّي إلى خلق زعزعة وحالة حقد لدى المدنيين، لافتاً إلى أن الحرب لم تدفع المدنيين في المدن التي تقطنها أقليات نحو درجةٍ كهذه من الغليان، علماً أن السيطرة العسكرية مُحقّقة.