fbpx

ضخ الدولار لدعم السوقين اللبناني والسوري: عراضة إعلامية

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

ستكمن الإشكاليّة الأكبر لاحقاً في طريقة التأكّد من وجهة استعمال الدولارات. فعمليّاً، تؤكّد الأرقام أن مليارات الدولارات تم استنزافها من احتياطي مصرف لبنان خلال السنوات الماضية عبر تهريب المواد المدعومة منه –وتحديداً المحروقات والطحين- باتجاه الأراضي السوريّة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تفيد أرقام الجمارك اللبنانيّة بأن لبنان استورد حتّى شهر آذار/ مارس الماضي ما قيمته 2.93 مليار دولار من البضائع، أي بمعدّل يقل قليلاً عن مستوى المليار دولار شهريّاً. وبذلك، يمكن القول إنّ ما تبقى من احتياطات سائلة بالعملة الأجنبيّة في المصرف المركزي، والتي تقدّر بنحو 20 مليار دولار، بالكاد تكفي لتمويل عمليّات الاستيراد لمدّة 20 شهراً، إذا أراد مصرف لبنان فعلاً التدخّل لتمويلها من دون ضوابط. مع العلم أن هذه المدّة ستقل كثيراً إذا أخذنا في الاعتبار أي ارتفاع محتمل في أسعار النفط، خصوصاً كون أرقام الاستيراد للأشهر الماضية تعكس انخفاضاً كبيراً، نتيجة انخفاض فاتورة استيراد المحروقات. ولهذا السبب تحديداً تَشدد المصرف المركزي طوال الفترة الماضية في تقنين الإنفاق من هذه الإحتياطات، وحَصر استعمالها بتمويل عمليّات استيراد المحروقات والقمح والأدوية، عبر توفير الدولار بالسعر الرسمي المدعوم للمستوردين، لحماية أسعار هذه البضائع من ارتفاع سعر الصرف.

أمام هذه العوامل الضاغطة على دولارات مصرف لبنان، كان مفاجئاً أن يخرج أركان الحكم مبشّرين اللبنانيين بالاتفاق على ضخ الدولار، بهدف تخفيض سعر الصرف إلى ما دون الأربعة آلاف ليرة مقابل الدولار الأميركي، على أن يتم تخفيضه تدريجاً إلى مستوى 3200 ليرة مقابل الدولار. وفي حين كانت الأصوات ترتفع خلال الفترة الأخيرة لتحذّر من هدر دولارات الاحتياطي في عمليّات دعم السلع الحيويّة التي يتم تهريبها عبر الحدود، أي القمح والمحروقات، كانت السلطة تخرج لتؤكّد توسعة نطاق دعم السلع المستوردة، من خلال الطلب من مصرف لبنان توفير الدولار للصرّافين بقدر حاجتهم، طالما أن هدف شراء الدولارات هو الاستيراد. 

فعلى أي دولارات تراهن السلطة بعد وصول احتياطي العملة الصعبة إلى مستويات حسّاسة؟ وهل توفير الدولار بهذه الطريقة هو العلاج الأمثل؟

المنصّة ودولارات المغتربين

لم يكن مجلس الوزراء صاحب فكرة تدخّل مصرف لبنان في سوق القطع الموازية، فحاكم المصرف المركزي كان يحضّر منذ بداية شهر نيسان/ أبريل الماضي لهذه الخطوة من خلال التعميم 149، الذي أعلن من خلاله تأسيس “الذراع” القادرة على التدخّل في هذه السوق، والمتمثّلة بمنصّته المخصصة بالتداول بالعملات الأجنبيّة. لكنّ مصرف لبنان كان يدرك في ذلك الوقت أن منصّته ستكون بحاجة إلى مصدر للدولار النقدي، كي يتمكّن من التدخّل في السوق من خلالها لبيع الدولار وضبط سعره. لذلك، أصدر في منتصف نيسان تعميماً آخر قضى بمصادرة الدولارات المتأتية من التحويلات الخارجيّة الواردة عبر شركات تحويل الأموال، على أن يتم سداد قيمتها لمستحقّيها بالليرة اللبنانيّة، ووفقاً لسعر صرف سماه “سعر السوق”. 

على أي دولارات تراهن السلطة بعد وصول احتياطي العملة الصعبة إلى مستويات حسّاسة؟

باختصار، تمثّل هذه التحويلات حالياً المصدر الدولارات الوحيد لمنصّة مصرف لبنان. وحين أصدر الحاكم تعميمه الذي قضى بمصادرة هذه الدولارات، كان يراهن على الحصول على ما نحو 5 ملايين دولار يوميّاً منها، وهي قيمة التحويلات التي كان يرسلها المغتربون إلى ذويهم في لبنان يوميّاً من خلال شركات تحويل الأموال. لكن بعد إصدار التعميم، تدنّت قيمة هذه التحويلات إلى ما دون مستوى 2.5 مليون دولار، نتيجة الفارق الكبير بين “سعر السوق” الذي تم تحديده لسداد قيمة التحويلات، والذي بلغ حدود الـ3200 ليرة للدولار، وسعر الصرف الفعلي الذي يتراوح اليوم عند مستويات تتجاوز الـ4200 ليرة للدولار الواحد. بمعنى آخر، أصبحت هذه التحويلات تنطوي على خسارة تقارب نسبتها ربع المبلغ الذي تم تحويله.

لكن بعد اجتماع الحاكم مع مجلس الوزراء أخيراً، والاتفاق على ضخ مصرف لبنان دولارات في السوق، أصدرت مديريّة العمليات النقديّة لدى مصرف لبنان قراراً قضى بتعديل سعر صرف الدولار المعتمد لسداد هذه التحويلات بالليرة اللبنانيّة، وتم رفعه من 3200 ليرة إلى 3840 ليرة للدولار الواحد. وهكذا، كان من الواضح أن مصرف لبنان يحاول من خلال هذا القرار تشجيع زبائن شركات تحويل الأموال على رفع قيمة التحويلات التي يتلقونها، وإلى المستويات المرتفعة ذاتها، التي سبقت قرار سداد قيمة التحويلات بالليرة، خصوصاً أن الفارق بين سعر الصرف الفعلي وسعر الصرف المعتمد لسداد قيمة التحويلات، كان أحد الأسباب التي أدّت إلى تراجع حجم هذه التحويلات. 

وعمليّاً، أظهر الاستعجال في إصدار هذا القرار بالتحديد، بعد قرار “ضخ الدولار” مباشرةً، أنّ دولارات المغتربين المتأتية من هذه التحويلات ستمثّل رهان المصرف المركزي الأساسي وربما الوحيد خلال المرحلة المقبلة، خصوصاً أن مستويات الاحتياطي المتبقي من العملات الصعبة وصلت إلى مستويات حسّاسة لا تسمح باستخدامها لأي عمليّة ضخ للدولار. مع العلم أن الـ20 مليار دولار من هذا الاحتياطي تضم نحو 17 مليار دولار من الاحتياطات الإلزاميّة التي أودعتها المصارف لدى مصرف لبنان، والتي لا يفترض أن تكون قابلة للاستخدام في عمليات توفير الدولار للاستيراد. 

ثغرات ومحاذير كثيرة 

في الواقع، حتّى لو تمكّن مصرف لبنان من إعادة رفع حجم التحويلات الواردة عبر الشركات إلى مستوياتها السابقة بعد رفع السعر الصرف المعتمد لدفعها، فلن تتجاوز قيمة هذه التحويلات الإجماليّة مستوى الـ150 مليون دولار شهريّاً، وهو ما لا يكفي لتغطية أكثر من 15 في المئة من حاجة البلاد إلى الدولار للاستيراد. وبالتالي، فمن الواضح أن خطوة “ضخ الدولار” مع كل ما رافقها من ضجّة هي أقرب إلى كونها عراضة إعلاميّة ولا تمثّل حلاً واقعياً لأزمة سعر الصرف. علماً أن مصرف لبنان قادر خلال الأيام الأولى من تطبيق الخطّة على تحقيق انخفاض بسيط في سعر الصرف، بالنظر إلى احتفاظه بكمية من الدولارات التي راكمها في منصّته منذ تطبيق قرار مصادرة دولارات التحويلات الواردة، لكنّه غير قادر حكماً على التدخّل بحجم مؤثّر في المدى الأطول.

وبمعزل عن هذه الثغرة، ستكمن الإشكاليّة الأكبر لاحقاً في طريقة التأكّد من وجهة استعمال الدولارات. فعمليّاً، تؤكّد الأرقام أن مليارات الدولارات تم استنزافها من احتياطي مصرف لبنان خلال السنوات الماضية عبر تهريب المواد المدعومة منه –وتحديداً المحروقات والطحين- باتجاه الأراضي السوريّة. ومن خلال هذه العمليّات، كان المهرّبون يستفيدون من غلاء أسعار هذه المواد وتقنينها في الجانب السوري من الحدود، في مقابل القدرة على شرائها في لبنان بالدولار المدعوم من المصرف المركزي.

ضخ الدولار سيكون مجرّد قنبلة صوتيّة لن تنتج أي معالجة فعليّة للخلل في موازين العرض والطلب في السوق.

واليوم، وفي ظل شح الدولار في السوق السوري وارتفاع سعر صرفه بشكل سريع وغير مسبوق، يبادر مصرف لبنان –بإلحاح من الرؤساء الثلاثة والحكومة- إلى ضخ الدولار لمصلحة الصرّافين تحديداً، وبسعر صرف سيتدنّى تدريجاً وفقاً لاتفاق الحكومة مع الحاكم. وبحسب ما تبيّن حتّى اللحظة من آليّة ضخ الدولارات، سيكون الشرط الوحيد لبيع الدولارات لمصلحة الصرّافين هو التصريح عن غاية استخدام هذه الدولارات، وتقديم المستندات التي تثبت أن الغاية هي تمويل عمليّات إستيراد. وبذلك، فلا ضوابط ستمنع استعمال هذه الدولارات لاستيراد سلع سيتم تهريبها لاحقاً إلى الأراضي السوريّة، على النحو الذي يحصل حاليّاً مع السلع المدعومة كالمازوت والطحين. مع العلم أن شح الدولار في السوق السوري، وارتفاع سعر صرفه، والعقوبات المفروضة على النظام، تمثّل حاليّاً عوامل ستضغط باتجاه توسيع عمليّات التهريب في اللحظة التي تتوفّر فيها دولارات المصرف المركزي من خلال الصرّافين وبحسب الآليّة التي تم الإعلان عنها.

الأزمة مستمرّة

إذاً ضخ الدولار سيكون مجرّد قنبلة صوتيّة لن تنتج أي معالجة فعليّة للخلل في موازين العرض والطلب في السوق. في الواقع، يمكن السؤال هنا عن غاية رئيس الحكومة من الإندفاع المفاجئ خلف هذا الهدف، في حين أن واقع البلاد كان يستلزم التشدد في المحافظة على دولارات المصرف المركزي وتقنينها بدل ضخّها، خصوصاً في ظل انحسار احتياطي العملات الصعبة لدى مصرف لبنان وتفلّت الحدود أمام عمليّات تهريب السلع المستوردة. بمعنى آخر، كانت مصلحة اللبنانيين، بخاصة محدودي الدخل، تقتضي التفكير في كيفيّة التشدد في حصر استعمال هذه الدولارات بما يضمن عدم هدرها، فيما يمثّل القرار الأخير الاتجاه المعاكس تماماً. 

ومن ناحية أخرى، يمكن طرح أسئلة أخرى، كهدف الانفتاح على الصرّافين كطرف ينبغي التعامل معه لتوفير الدولار للاستيراد، مع العلم أن المصارف قادرة على القيام بهذا النوع من عمليات القطع مع مصرف لبنان، مع إضافة بعض الضوابط كإجراء التحاويل بشكل مباشر للتأكّد من هدف عمليّات القطع. علماً أن جميع التجارب السابقة أظهرت شركات الصيرفة ككتلة غير منضبطة يصعب التفاهم معها بشكل جماعي، بما فيها التفاهم الأخير مع رئيس الحكومة. فيما أظهرت التجارب السابقة أيضاً أن البيئة التي تعمل فيها هذه الشركات –وخصوصاً في منطقة البقاع- ترتبط بعوامل العرض والطلب في السوق السوريّة، وهو ما سيؤثّر حكماً في وجهة استعمال دولارات مصرف لبنان.

بصراحة شديدة، ترتبط هذه المخاوف بإمكان تحميل مصرف لبنان وزر توفير الدولار لدعم السوق السوري، إضافة إلى السوق اللبنانيّة. ومن الواضح أن لا شيء في آليّة ضخ الدولار المتفق عليها سيمنع ذلك. 

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!