fbpx

انتحار سارة حجازي… السياسة وحقوق المثليين

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

نظام السيسي، بأجهزته وإعلامه وعسكره، هو المتسبب في دفع سارة للانتحار، بفعل اعتقالها بسبب مشاركتها برفع علم المثليين في حفلة مشروع ليلى قبل أعوام، والتجربة القاسية التي عاشتها.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

الاتهامات التي كيلت للجهة المسؤولة عن انتحار الناشطة المثلية سارة حجازي، تتجنب التعيين الدقيق، وتكتفي بكلام عام عن “الثقافة الذكورية” و”التخلف الاجتماعي” و”نظام عبد الفتاح السيسي”، مغلفة ذلك، بتضامن وتعاطف، يستجد مع كل قضية من هذا النوع. وضبابية التعيين، تضمر في تشكلها، إغفال متواصل للبحث موقع المثلية الجنسية في السياسة والثقافة العربيتين، والاكتفاء بكلام عام، بقدر ما يحمل إدانة، فهو يوسع هوية الفاعل، حتى لو حدد نظاماً سياسياً بعينه، بحيث يغدو المعلوم وجهاً آخر للمجهول في لعبة تستند إلى التعميم والشمول.
نظام السيسي، بأجهزته وإعلامه وعسكره، هو المتسبب في دفع سارة للانتحار، بفعل اعتقالها بسبب مشاركتها برفع علم المثليين في حفلة مشروع ليلى قبل أعوام، والتجربة القاسية التي عاشتها، لكن، الاتهام هكذا من دون وضع هذا النظام في سياق تكونه، وتقاطعه مع مناخ قيمي كاره الفرديات، يحيل الفاعل إلى قاتل عام، لا يخصص ضحيته بناء على هوية وخيار.

فنظام السيسي، له جذور في الناصرية حيث القطع مع محاولات تأسيس ليبيرالية مؤسساتية، واستبدال ذلك براديكالية متطرفة مع تعميم العسكرة، والتركيز على عقائد

حرية الأوطان في وجه المستعمر، واستعادة فلسطين من محتليها. عقائد ساهمت في محو الأفراد وصهر خياراتهم في أيديولوجية قومية جامعة، تكترث بالبلد واستقلاله لا بمن يسكن البلد وحريتهم. وهذا المحو لما هو فردي وخاص لمصلحة الجماعي والعام، اكتسب سياقاً، واستُكمل مع الساداتية التي لم تؤسس لأي خروج عن القاعدة، على رغم التحولات التي طرحتها من انفتاح وسلام، وكذلك مع المباركاتية التي ورثت المدرستين، ضمن خليط سياسي هجين، لا يقترح أي تغيير قيمي على مستوى الفرد المصري.

والحال أن الأنظمة التي تعاقبت، بنت قواعد اجتماعية، استفادت من طبيعة التحولات، مثل “الإصلاحات” في زمن عبد الناصر، والانفتاح الاقتصادي في زمن السادات، وبينهم إسلام سياسي يصعد ويهبط تبعاً للهوامش المتاحة وحاجة السلطة. والقواعد الاجتماعية تلك، كانت أداة فاعلة ضمن مشاريع أوسع وأشمل من الأفراد وخياراتهم. هكذا، سحقت المشاريع الكبرى الفرد، بين زمن سقوط الملكية وثورة 25 يناير، هو سحق استند على فهم فقير للحرية يحيلها إلى ضدٍ تجاه الغريب، بدل أن تكون تشريعات تضمن للفرد حق اختيار هويته، بما فيها الجنسية. 

مع انطلاق الثورة تزايد أكثر فأكثر حضور المثليين والعابرين جنسياً، لكن هؤلاء لم يجدوا أي حامل سياسي، يلتقط معاناتهم ويستوعبها في نضاله. ذاك أن السعي إلى إسقاط مفهوم الحرية الموروث من الناصرية وما تلاها من نظم، والمتمثل آنذاك في مبارك، لم يتطور بوصفه استيعاباً شاملاً، لأصحاب الخيارات المتنوعة، بل سقط في فخ ما أراد إسقاطه. وهو ما قد يفسر، جزئياً، انتهاء الصراع بين القوى المدنية وتلك الإسلامية عند اندلاع الثورة الثانية، عند ديكتاتور ساذج مثل عبد الفتاح السيسي. الطرفان كانا يتصارعان على الحرية بوصفها قيمة مجردة، يمكن استخدامها في لعبة المنافسة على السلطة، وليس حالة استيعابية لا تكتفي بالحشود فقط وإنما تلحظ الأفراد.

مع انطلاق الثورة تزايد أكثر فأكثر حضور المثليين والعابرين جنسياً، لكن هؤلاء لم يجدوا أي حامل سياسي، يلتقط معاناتهم ويستوعبها في نضاله.

وكما يبدو كاشفاً، أن حزب “العيش والحرية” (قيد التأسيس) اليساري الذي تنتمي إليه سارة، يضمّن وثيقته التأسيسية كلاماً عاماً حول المساواة في الحقوق بما فيها الجنسية، من دون تعيين يحدد هذه المساواة ويطرح مقاربات حولها في القانون والدستور. اكتفى الحزب، بنعي سارة التي يتبدى انتحارها كنتيجة جزئية لخلو السياسة في مصر من أي ذكر للمثليين، قبل الثورة وخلالها وبعدها، ما سهّل لنظام سلطوي اعتقال فتاة حملت علم في حفلة، وتعريضها لتجربة قاسية انتهت بمنفى وانتحار.

طبعاً، أن يوضح الحزب مقاربته مسألة المثليين، لن يكون لذلك مردود، في ظل نظام سلطوي، لا تستوي معه أي حياة حزبية، لكن إغفال هذا يحمل دلالة أوسع، تتجاوز السلطوية نحو القواعد الاجتماعية التي أسستها منذ منتصف الخمسينات. تجاهل السياسة المثليين في مصر، مرده محو الفرديات في مسار طويل بدأ مع الناصرية واستمر، ولم تفلح ثورتان عارمتان في تجاوزه، لكن أيضاً، هذا التجاهل يستند إلى اجتماع تفاعل مع تحولات شتى، من دون أن تتأثر قيمه المحافظة.

وعليه، فإن أي حزب أو سياسي، سيقدم طرحاً حول حقوق المثليين سيكون محرجاً من المجتمع، الذي منعته السلطويات المتعاقبة على مصر، من النظر إلى نفسه كأفراد لهم خيارات في الجسد والسياسة والثقافة، وليسوا مجموع وظيفته التضحية أمام المشاريع الكبرى. 

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!