fbpx

السرّ الذي كذئب يقرع طبل الليل ليوقظ الشاعر من الموت!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

كثيرون يودّون معرفة تفاصيل عن الحياة الخاصة، والحياة الجنسية للكتاب المفضلين لديهم، أكانوا فلاسفة او أدباء أو شعراء أو حتى باحثين ومؤرخين.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

يغمض جاك دريدا عينيه نصف اغماضة يتخللها الكثير من “الترميش” ويفكّر لأكثر من خمسة عشر ثانية بعد سماعه سؤال المحاورة، عما يريد ان يرى فيما لو توفر وثائقي يحكي قصة حياة فيلسوف كهايدغر أو كانط أو هيغل، ثم يجيبها بثلاث كلمات بالفرنسية ترجمتها: “حياتهم الجنسية”. ويستطرد: “أن يحكوا عن حياتهم الجنسية”. تسأله المحاورة: “لماذا”، فيجيبها “لأنه شيء لا يحكون عنه في كتاباتهم. لماذا هؤلاء الفلاسفة يظهرون من خلال كتاباتهم كما لو انهم لاجنسيين؟”. ويشرح أنه لا يقصد بالضرورة أن نرى “فيلم بورنو” لهايدغر أو هيغل، لكن “سيكون مغرياً أن أعرف عن حياتهم الخاصة”. دريدا فيلسوف فرنسي مشهور باستخدامه مفهوم التفكيك وتوظيفه في الفلسفة، وفيديو هذه المقابلة متوفر على موقع “يوتيوب”. طبعاً لا نعرف الكثير عن الحياة الجنسية لدريدا، فهو بدوره على غرار البقية لم يكتب في هذا الجانب ولم يكشف تفاصيل كثيرة عن حياته الخاصة. ومع ذلك نجده راغباً في زحزحة أبواب غرف النوم الموصدة، لا لرغبة في التلصلص الجنسي، بل لرغبة في ان يعرف أكثر عن هذه الشخصيات التي قرأ لها وتأثر بها وصنعت شيئاً من فلسفته. 

جاك دريدا

بهذا المعنى كثيرون مثل دريدا يودّون معرفة تفاصيل عن الحياة الخاصة، والحياة الجنسية للكتاب المفضلين لديهم، أكانوا فلاسفة او أدباء أو شعراء أو حتى باحثين ومؤرخين. هذا الإغراء لا بد أنه حاضر دائماً، خصوصاً مع شخصيات إشكالية، تضمر أكثر مما تفصح، ومع ظهورها الشخصي أو النصيّ تجعل الظلّ مستقراً للحياة الخاصة والحياة الجنسية.  فكم من باحث اهتم بمعرفة السرّ وراء إبقاء المرأة في شعر سعيد عقل بعيدة لا تمسّ ولا تلمس، “لا تقربي مني وظلّي فكرة لغدي جميلة”، أو “هم بالنظر لا تقرّب يدا، أبقى الأثر ما لم يزل موصدا”. كم من باحث عن مفتاح لهذا الأثر الموصد في شعر سعيد عقل؟ وكم هي المعطيات المتوفرة لدراسة حضور المرأة- الحبيبة في حياته؟ لقد تزوج سعيد عقل مرة واحدة من السيدة آمال جنبلاط ووصف زواجهما بـ”زواج الحب والوحدة الوطنية”، ثم ما لبثت أن اطلقت النار على نفسها من مسدس بعد خمسين يوماً من زواجها من الشاعر، وكتبت إحدى الصحف حينذاك “لا أحد يصدق أن آمال جنبلاط زوجة سعيد عقل ماتت منتحرة”. وهي كانت بحسب التقارير الرسمية لقوى الأمن الداخلي قد طلبت القهوة من العاملة المنزلية التي “سمعتها تجري محادثة هاتفية تحولت إلى مشادة وسرعان ما سمعت طلقاً نارياً فاتجهت إلى غرفة نومها لتراها ممددة على الأرض والدماء تسيل منها بغزارة”. ألا تشكّل حادثة موثقة(وغير سرية) كهذه مادة للبحث حول علاقة الشاعر سعيد عقل بالمرأة، في النصّ وفي الحياة؟ ألا نود جميعنا أن نعرف سرّ بقاء المرأة في حياة سعيد عقل كائناً لغوياً يعيش في شعره، ولا أثر محسوس له في حياته الفعلية؟ 

لا نعرف الكثير عن الحياة الجنسية لدريدا، فهو بدوره على غرار البقية لم يكتب في هذا الجانب ولم يكشف تفاصيل كثيرة عن حياته الخاصة.

وأود لانسولان وماري لومونييه باحثتان فرنسيتان حاولتا البحث في علاقة الفلاسفة بالحب والعلاقات الجنسية في كتاب صادر بالفرنسية وترجم إلى العربية (دار التنوير) بعنوان “الفلاسفة والحب: الحب من سقراط إلى سيمون دي بوفوار” وتطرحان فيه موضوع الحب في أبعاده المتعالية والجسدية كما عرفه الفلاسفة مثل أفلاطون، ولوكريس، وجان جاك روسو، وآرثر شوبنهاور، وكيركيغارد، ونيتشه، وصولاً إلى جان بول سارتر وسيمون دي بوفوار. وهذا الكتاب وما يشابهه يدلّ إلى الرغبة لدى الباحثين في التفتيش عن الزوايا الخفية من الحيوات الشخصية للفلاسفة والكتّاب، والتفتيش عن كل ما يفتح أبواباً تمكّن القارئ من فهم الشخصيات الإشكالية لكتّابه المفضلين، وهذا النوع من الأبحاث يكاد يشبه عمل مصوّري الباباراتزي، إذ يوغل الباحثون في حفر قبور الكتّاب والفلاسفة والشعراء والمغنين بحثاً عن آثار تدل إلى حياتهم الخاصة. وكثيرون مثل الباحثتين الفرنسيتين حاولوا الغوص في التحليل النفسي لشخصيات عامة بحثاً عن إجابات يمكن معها رسم شخصياتها وتفسير سلوكياتها وكتاباتها، وبعضهم ذهب بعيداً في إخضاع حتى الأنبياء للتحليل النفسي كما فعل سيغموند فرويد في “موسى والتوحيد” والعفيف الأخصر في “من محمد الإيمان إلى محمد التاريخ”. هو شيء من الهيرمينوطيقا التي تؤوّل الحياة الجنسية لتفسير النص، وهذا ربما ما فتح شهية كثيرين بعد ما كشفه سليم بركات عن وجود ابنة “غير شرعية” في حياة صديقه المتوفى محمود درويش، ليضعوا جثة الشاعر الراحل على سرير التحليل النفسي. بيد أن بركات ليس باحثاً محايداً ولا يضع المعلومة هذه (مع عدم الخوض في مدى صحتها وأهميتها) في خدمة تحليل نصوص محمود درويش، بل هو تبرّع بإفشاء سرّ لم يُسأل عنه، وما كان يمكن حتى لباحثين محترفين أن يصلوا إليه فيما لو كان في موضع كذلك الذي يضع فيه المتنبي أسراره، “فلا يناله نديم ولا يفضي إليه شراب”.

إذا عدنا إلى محمود درويش في قصيدته المهداة إلى سليم بركات “ليس للكردي إلا الريح”، نعثر ربما على تفسير محتمل: “يُناجي الذئبَ، يسأله النزالَ/ تعال يا اُبن الكلب نَقْرَعْ طَبْلَ/ هذا الليل حتى نوقظ الموتى”. أتراه بإفشاء هذا السرّ يقرع سليم بركات طبل الليل ليوقظ محمود درويش من موته؟ أم ليوقظ نفسه الميتة من الموت؟