fbpx

قانون “قيصر” : كيف سيجري تطويق نظام الأسد وحلفاءه؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

في بلد أنهكته الحرب ودولة غدت في مصاف الدول الفاشلة، والتي تخضع لاحتلالات أجنبية متعددة، ليست المشكلة الأساسية في هذا القانون الذي جاء لحماية المدنيين واجبار نظام الأسد على وقف انتهاكاته وفظائعه بحق السوريين. المشكلة في هذا النظام الاستبدادي القمعي…

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

دخل قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا حيز التنفيذ، وهو تشريع أميركي أدرج ضمن موازنة الدفاع الأميركية لعام 2020، ويفرض عقوبات اقتصادية على نظام الأسد وداعميه والمتعاونين معه، وقد جاء هذا الاسم نسبة إلى ضابط سوري منشق عن نظام الأسد عام 2013 سرب قرابة 55 ألف صورة لأكثر من 11 ألف معتقل سوري، قضوا تحت التعذيب في سجون الأسد ومعتقلاته.

يفرض القانون عقوبات على بشار الأسد كما يلاحق الشركات والأفراد الذين يموّلون النظام سواء كانوا سوريين أو أجانب، ويسمح بتجميد أصولهم ومنعهم من الدخول إلى الولايات المتحدة الأميركية. كما يستهدف القانون المصانع العسكرية والبنى التحتية والمصرف المركزي في سوريا، ويسمح بمعاقبة روسيا وإيران في حال استمرارهما في دعم نظام الأسد.

الآثار الاقتصادية لقانون قيصر 

ترافق بدء سريان قانون العقوبات الأميركي (قيصر) على نظام الأسد مع أزمة اقتصادية داخلية عاصفة، تمثلت بالخلاف المالي الكبير بين بشار الأسد وابن خاله رامي مخلوف، ومع آثار جائحة “كورونا” الاقتصادية، والأزمة المالية في لبنان جراء انتفاضة 17 تشرين اللبنانية، وما حملته من تبعات اقتصادية مباشرة على حكومة لبنان ونظام الأسد أيضاً. ومجمل هذه العوامل  تسببت بانهيار كبير لسعر صرف الليرة السورية فالليرة خسرت في سبعة أيام، فقط، 55 في المئة من قيمتها، ما يحمل نتائج تضخمية كارثية، دفعت بعض السوريين في مناطق النظام إلى التظاهر، ومنذ بداية شهر حزيران/ يونيو 2020، ارتفع “دولار دمشق” وسط توقعات بازدياد هذا الانخفاض في سعر الليرة.

تشمل العقوبات كل من ينخرط عن علم في أحد الأنشطة الاقتصادية المحظورة بموجب القانون وهي:

  1. من يوفر عن علم دعماً مالياً أو مادياً أو تقنياً مهماً، أو ينخرط عن علم في صفقة كبيرة، مع الحكومة السورية (بما في ذلك أي كيان تملكه أو تسيطر عليه الحكومة السورية) أو شخصية سياسية رفيعة في الحكومة السورية.
  2. كل شخص أجنبي، مقاول عسكري، أو مرتزق، أو قوة شبه عسكرية يعمل عن عمد، بصفة عسكرية داخل سوريا لصالح حكومة سوريا أو باسمها، أو حكومة الاتحاد الروسي، أو حكومة إيران.
  3. كل من يبيع أو يقدم سلعاً أو خدمات أو تكنولوجيا أو معلومات أو دعماً مهماً أو أي دعم آخر يسهل بشكل كبير صيانة أو توسيع الإنتاج المحلي للحكومة السورية للغاز الطبيعي أو البترول أو المنتجات البترولية.
  4. كل من  يبيع أو يقدم عن عمد قطع غيار للطائرات أو قطع الغيار التي تستخدم لأغراض عسكرية في سوريا لمصلحة الحكومة السورية أو نيابة عنها لأي شخص أجنبي يعمل في منطقة تخضع لسيطرة مباشرة أو غير مباشرة من قبل الحكومة السورية أو القوات الأجنبية المرتبطة مع الحكومة السورية.
  5. كل من يوفر عن علم سلعاً أو خدمات مهمة مرتبطة بتشغيل الطائرات التي تستخدم لأغراض عسكرية في سوريا لمصلحة الحكومة السورية أو نيابة عنها، لأي شخص أجنبي يعمل في منطقة موصوفة في الفقرة الفرعية من القانون، أو يقدم عن علم، بشكل مباشر أو غير مباشر، خدمات بناء أو هندسية مهمة إلى الحكومة السورية.

وعليه فإن القانون يزيد الضغوط على النظام السوري، إذ قد تنسحب شركات روسية متخصصة في الطاقة، وهو ما ستتأثر البلاد من تبعاته، بخاصة أن سوريا تستورد نحو 60 في المئة من احتياجاتها المحلية للغاز. كذلك تشمل العقوبات الاستثمار في مجال البناء والعقارات، إذ من المتوقع أن تفرض عقوبات على الشركات أو الأشخاص الذين يسعون إلى مشاركة النظام في عملية إعادة الاعمار، وهذا سيمنع نظام الأسد وحلفاءه من البدء أو الاستمرار في أي عملية إعادة إعمار قبل انطلاق العملية السياسية وتعليق العقوبات.

 وتشمل العقوبات المجالات المتعلقة بالتمويل والمصارف من قروض ومساعدات وحوالات واعتمادات مالية  قد تتجه لحكومة الأسد، وفي مقدمها المصرف المركزي السوري وكافة المصارف التي ستتعامل معه. كما ستؤثر العقوبات في حركة الاستيراد والتصدير من سوريا وإليها، ومعها ستتأثر دول الجوار السوري وبخاصة لبنان والأردن. ومجمل هذه العوامل ستؤدي إلى زيادة معدل التضخم وتراجع القوة الشرائية، وانخفاض الليرة السورية أمام الدولار الأميركي، ويدخل الاقتصاد السوري في مرحلة شلل وركود، تضاف إلى حالة العزلة السياسية التي يعيشها النظام منذ سنوات، ويمنع أي تطبيع سياسي أو اقتصادي علني معه.

كيف سيتعامل النظام مع القانون؟ 

غالباً سيلجأ نظام الأسد والجهات الراغبة بالتعاقد معه إلى أساليب احتيالية للالتفاف على القانون، من خلال تعاملهم مع وسطاء وشركات متعددة ومتشعبة في أكثر من بلد حول العالم، بغرض التحايل على هذه العقوبات ما سيزيد نسب المخاطرة لهذه الشركات، وتزيد معها معدلات الفساد وغسيل الأموال والتكلفة المالية لهذه التعاقدات، وتزيد معها نسبة العمولة التي ستطلبها هذه الشركات أو رجال الأعمال مقابل اشتراكهم في عملية التحايل هذه.

ويراهن نظام الأسد في خطته لمواجهة تداعيات هذا القانون على علاقاته الاقتصادية والسياسية، مع حلفائه الروس والإيرانيين إضافة إلى الصين، معولاً على ما سيقدمونه من دعم اقتصادي واستثماري بديل، وكذلك سيركز على القطاع الخاص وتطويره على اعتبار أنه مستثنى من العقوبات، وتعزيز الاعتماد على الإنتاج المحلي.

فالعقوبات التي تضمنها القانون تشكل عامل ردع للشركات والأشخاص الذين قد يدخلون في علاقات تعاقدية مع نظام الأسد أو إحدى شخصياته السياسية البارزة، أو مع الميليشيات والقوات التي تقاتل معه أو لمصلحة روسيا وايران في سوريا، ضمن الأنشطة الاقتصادية الخمسة المحظورة التي أوردناها أعلاه.

وقد استثنى القانون الأعمال والأنشطة الإنسانية التي تقوم بها المنظمات غير الحكومية والعاملة في المجال الإنساني، وألزم الرئيس الأميركي بوضع استراتيجية مناسبة لوصول المساعدات الإنسانية في بدء سريان مفاعيله التنفيذية، وهذا ما يدحض ادعاء نظام الأسد بأن القانون هو حصار على الشعب السوري ويستهدف لقمة عيشه وقوته اليومي.

الفقر والجوع في سوريا هو نتيجة طبيعية لسياسة نظام الأسد منذ عام 2011 وحتى الآن في تسخير موارد الدولة السورية الاقتصادية والمالية، وضخها في تمويل آلة الحرب ضد الشعب السوري، وحتى تاريخه لم يطبق القانون. ولكن مع ذلك وبحسب تقرير صادر عن الأمم المتحدة عن الاحتياجات الإنسانية في سوريا لعام 2019، فإن 83 في المئة من السوريين يعيشون تحت خط الفقر، وهذا ما يدحض الدعاية الإعلامية لنظام الأسد بأن قانون قيصر يستهدف إفقار الشعب السوري وحصاره.

ما العمل؟

في حال كحال بلد مدمر أنهكته الحرب اسمه “سوريا” ودولة غدت في مصاف الدول الفاشلة، والتي تخضع لاحتلالات أجنبية متعددة، ليست المشكلة الأساسية في هذا القانون الذي جاء لحماية المدنيين واجبار نظام الأسد على وقف انتهاكاته وفظائعه بحق السوريين. المشكلة في هذا النظام الاستبدادي القمعي الذي بدون رحيله لن يتم تعليق هذه العقوبات، تمهيداً للمضي في العملية السياسية التي أقرتها الأمم المتحدة وبخاصة قرار مجلس الأمن 2254 الصادر عام 2015، وما نص عليه من خطوات تتطابق الى حد كبير مع الشروط التي حددها قانون قيصر لتعليق هذه العقوبات، عبر انطلاق عملية انتقال سياسي تفضي إلى التزام الحكومة السورية، بعدم  استخدم المجال الجوي فوق سوريا لاستهداف السكان المدنيين من خلال استخدام الأجهزة الحارقة. وبما في ذلك البراميل المتفجرة والأسلحة الكيماوية والأسلحة التقليدية، بما في ذلك الصواريخ والمتفجرات، ورفع الحصار عن المناطق المحاصرة، وتوقف استهداف المرافق الطبية والمدارس والمناطق السكنية وأماكن التجمع المدني بما في ذلك الأسواق، وإطلاق سراح جميع السجناء السياسيين الذين يتم احتجازهم قسراً في نظام السجون في نظام بشار الأسد، وكذلك سماح الحكومة السورية بالوصول الكامل إلى التسهيلات نفسها لإجراء التحقيقات من قبل منظمات حقوق الإنسان الدولية المناسبة، وأن تسمح الحكومة السورية بالعودة الآمنة والطوعية والكريمة للسوريين الذين شردهم النزاع، وأن تتخذ خطوات يمكن التحقق منها لإقامة مساءلة ذات معنى لمرتكبي جرائم الحرب في سوريا والعدالة لضحايا جرائم الحرب التي يرتكبها نظام الأسد، بما في ذلك المشاركة في عملية مصالحة حقيقية وموثوقة …