fbpx

كوردستان سوريا : حياةٌ معلّقة بين الجوع والفقر!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“منذ أشهر والحديث يدور حول تطبيق قانون قيصر، والإدارة الذاتية وهياكل الحكم وقسد ترتبط جميعها وتتحالف، فلماذا لم تلجأ إلى أخذ الاحتياط اللازم، والاتفاق مع الجانب الأميركي لإنقاذ هذه المنطقة؟”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تخلو شوارع مدينة قامشلو من المشترين والزبائن، عدا قليلين من الذي أجبروا على تبضع حاجاتهم الأساسية، ومنهم من يعود أدراجه من دون شراء ما يريده بسبب غلاء الأسعار.

مهند، طالب في كلية الحقوق في الحسكة، يشعر بالحسرة لعدم تمكنه من ارتياد صفوفه بسبب الضائقة المالية،: “أحتاج يومياً إلى 4000 ليرة سورية كي أتمكن من متابعة المحاضرات، الحمد لله أن فرعي نظري ولست بحاجة للدوام المستمر. إنها المجاعة، صدقني إننا نفرح حين يرنُ جرس البيت على أمل أن يكون أحد الجيران تبرع ببعض الطعام لنا، لقد كسر الفقر أعيننا”. ويتنهد مضيفاً: “فقراء قامشلو شبه منسيين، مغيبون ومهمشون، لا يهتم لحالهم أحد”.

في شوارع المدينة لا يُمكن تفسير وجوه الباعة. ففي وقت ذروة البيع المعتادة يجلسون أمام محلاتهم من دون أن يطرق بابهم أي مُشتر. يروي الحاج خالد تاجر الأقمشة في السوق المركزي: “منذ يومين لم أبع متراً واحدً، مع العلم أنها  أيام المواسم التي يقصد الناس فيها الأسواق، لكن هذا العام جيوب المساكين فارغة، ويهتمون بما يسد بطون أبنائهم الجائعة”.

 “سوق الأتراك”، كان في الأيام العادية يعج بالناس من ذوي القدرة الشرائية المرتفعة وكان يصعب اجتياز الشارع بسرعة بسبب زحمة المارة والباعة الجوالين والمشترين. لكنه اليوم يبدو خاوياً بارداً، غادرته أصوات أصحاب البسطات، وضجيج النساء وهن يجادلن الباعة حول سعر منتج ما. حتى الأطفال خفتت أصواتهم وهم يطالبون أهلهم بشراء ما يشتهونه، إنه شارعٌ يُخيم عليه الصمت على غير عادته.

“ما معي مصاري، الأسعار مرتفعة، ولو تبكي للصبح ما رح اشتريلك”، كانت صيحة أم علاء كافية لقطع سكون المكان. وهي الآتية من إحدى القرى الكُردية في شرق المدينة. تقول لـ”درج”: “ليس لدينا ما نأكله، فكيف ألبي طلب ابني بشراء لعبة سعرها 8 آلاف ليرة؟”، تتنهد وتنظر إلى ابنها بحرقةٍ محاولة أن ترضيه بشيء من الطعام. “حتى البسكويت تضاعف ثمنه، أين نهرب، الحدود مغلقة بسبب كورونا، وزوجي توقف عن العمل لشهرين بسبب حظر التجوال، والآن الأعمال متوقفة كيف سنعيش”. ولولا ظرفها الطبي لما كانت أم علاء لتزور المدينة كما تقول “أعاني من التهابٍ حادٍ في الكولون، أتدبر أمر مرضي عبر المسكنات منذ ثلاثة أيام”. اشتداد المرضِ دفعها إلى زيارة الطبيب الذي لم يهتم لوضعها المادي وفق وصفها “أخذ مني معاينة 5 آلاف ليرة، والدواء 4500، هؤلاء الأطباء رُبما نسوا أن مهنتهم الإنسانية تتطلب شيئاً من الرحمة”. 

منذ بدء الثورة ومن ثم الحرب السورية تدهور الوضع الاقتصادي الصعب أصلاً ، وزاد من صعوبة الوضع فرض الولايات المتحدة الأميركية المزيد من العقوبات على النظام السوري، آخرها قانون قيصر، الذي يمنع أي تعامل اقتصادي مع دمشق، إضافة إلى فرض عقوبات على مسؤولين وتجميد أرصدتهم. تفعيل هذا القانون يُتوقع أن يؤدي إلى شل مفاصل الاقتصاد السوري باستهدافه بنيته المالية (مصرف سوريا المركزي) والشبكات المرتبطة به، وهو ما أثر مباشرة في سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار، إذ تهاوت الليرة السورية إلى أدنى مستوياتها منذ الاستقلال عن فرنسا في سوريا، ووصل سعر الصرف إلى 3500 ليرة للدولار الواحد.

حربٌ بلا أسلحة حربية

يروي المارة مآسيهم في هذه الحرب، التي أضيفت إليها أزمة “كورونا” وانهيار الليرة السورية. 

في طريق العودة إلى المنزل يُفكر جلال الذي يعمل في محل لبيع الأحذية، كيف سيُرضي ولده، “لا أملك جواباً عن سؤال الطفولة البسيط: لماذا لم تشترِ كذا؟ يبدو أن الهجرة هي الحل الوحيد المتبقي”. يتقاضى جلال 2000 ليرة يومياً، ومع عدم احتساب أجرة أيام العطل فإن الأجرة لا تكفيه 10 أيام. “أدفع الفواتير الثابتة من ضرائب شهرية للكهرباء والماء والبلدية، وأمبيرات الكهرباء والإنترنت ما يوازي نصف راتبي الشهري، ولو أن شقيق زوجتي لا يرسل لنا شهرياً 100 دولار لكُنت سأشحذ”.

“لا شيء سوى الأوجاع، ولا أحد يهتم لفقرنا”، يقول المزارع فؤاد دلي، مضيفاً: “ليس لنا سوى هذه المواسم طيلة العام، سنبيع القمح للإدارة الذاتية بالليرة السورية، بعدما باعتنا السماد بالدولار، صحيح أن التسعيرة بالدولار، لكن القبض بالليرة السورية، والأسوأ أن الحكومة السورية والإدارة تشتريان المحصول بالسعر ذاته، والمفارقة أن الحكومة مفلسة، والإدارة الذاتية تضع يدها على المداخيل الاقتصادية كافة”.

وكانت الإدارة الذاتية الكردية أصدرت قراراً بمنع أصحاب المواسم من بيعها للنظام السوري، ومنعت مرور القاطرات المحملة بالقمح عبر حواجزها، وحصرت مراكزها بالشراء، مدعية أنها ستشتري القمح بـ17 سنتاً، وفق سعر الدولار في يوم تسليم مستحقاتهم من القمح. يضيف دلي: “ما الذي يضمن ألا نستلم فواتير مالية بلا فائدة نتيجة سحق الليرة السورية أمام الدولار؟ لماذا لا يشترون القمح بالدولار، إن كانت تسعيرة شراء القمح لجبهة النصرة، والمعارضة السورية أعلى من تسعيرة الإدارة الذاتية، وهذه الأخيرة أموالها ومواردها المالية أكثر منهم كلهم، سنعيش على أعصابنا إلى حين صرف الفواتير”.

أكرم أبو جوان يقول: “التجار يكذبون، اشتروا المواد بسعر الدولار (1500 ليرة)، ويبيعونها اليوم وفق سعر الدولار الجديد، وحين ينخفض سعر الدولار، تبقى الأسعار على حالها، أعلنها عبر منبركم أرجو ألا يزورني أحد، فليس بمقدوري شراء كيلو الشاي بـ22000 ليرة، ولا كيلو السكر بـ8000 ليرة”. لا تفسير لوجه أبي جوان وهو في العقد الثالث، إنما يبدو خمسينياً، لشدة التعب والمعاناة. يتحدث عن التجار بأبشع الألقاب والشتائم، يقول: “لديهم مستودعات لتخزين البضائع، سواء الأغذية أو الأدوية أو المواد الأخرى، ويتحكمون بحياتنا، هذه هي أخلاقهم”.

الفقر يقضي على الحُب

كثيرات اضطررن للتخلي عن محابس الخطوبة أو الزواج، واستبدلنها بأخرى غير أصلية، في محاولة لتأمين قوت أسبوع أو شهر.

في سوق قامشلو المركزي، في أحد محلات المجوهرات البديلة، يستقبل رافع إسماعيل زبائنه الذين تناقصت أعدادهم إلى أكثر من الربع، ويقتصر الشراء على الضروري والطارئ جداً. دخلت أم خالد  المحل عائدة من سوق الصاغة، قالت: “بعت المحبس والخاتم لنعيش شهراً أو أكثر بقليل”. ترغب باقتناء محبس من الذهب البرازيلي أو الهندي بعدما باعت محبسها: “لم يتبقَ من مجوهراتي شيء سوى محبسي وخاتمي الذين تصرفت بسعرهما لشراء الزيت والأرز ومستلزمات البيت. والآن أريد شراء ما يشير إلى كوني سيدة متزوجة، بعت ما لدي بـ750000 ليرة سورية، وسأشتري بديله بـ7000 ليرة فقط”. 

يتأمل رافع كمية المجوهرات المقلّدة أو البديلة التي أفردها في محله، والتي لا تجد من يشتريها، فلا أحد يفكّر بالحلي فيما الجوع يقرع الأبواب.

يسأل: “منذ أشهر والحديث يدور حول تطبيق قانون قيصر، والإدارة الذاتية وهياكل الحكم وقسد ترتبط جميعها وتتحالف، فلماذا لم تلجأ إلى أخذ الاحتياط اللازم، والاتفاق مع الجانب الأميركي لإنقاذ هذه المنطقة؟”. 

يختصر أبو عادل المعاناة بجملة واحدة: “أفكر بالانتحار، لكني أفكر بأهلي بعد هذه السنوات العجاف، رُبما سأرتاح لكنه الحل الأكثر جُبناً وتأثيراً على أصدقائي وأسرتي”.

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.