fbpx

الاحتجاجات الأميركية : ما يحصل ليس عابراً …

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

المظاهرات التي جزم البعض أنها ظرفية إذ شهدت أعمال عنف، وخروج الحرس الوطني وتهديد الرئيس بنشر الجيش، لاتبدو في الحقيقة مظاهرات عابرة، بل نقلة نوعية تتسم بخروج الجيل الجديد عن صمته

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

الشارع الغاضب في الولايات المتحدة لم يهدأ بعد. وفي يوم الحرية المعروف بذكرى إنهاء العبودية والذي وافق الجمعة 19 حزيران/ يونيو، خرج متظاهرون في عدد من الولايات، وفي العاصمة واشنطن فاسقطوا تمثال “البرت بايك”، أحد قادة الكونفيدرالية، وسط هتافات “حياة السود مهمة” و”لا سلام بلا عدالة”.

أعادتني مشاهد الاحتجاجات الحاصلة حالياً إلى صباح الثامن من نوفمبر 2016. حينها، كنتُ أقف أمام مكتبة عامة بولاية فيرجينيا على بعد دقائق من البيت الأبيض، أنقل لحظات تصويت الناخبين الحاسمة مباشرة لقناة “الحرة” حيث كنتُ أعمل. في الكواليس كنت أراقب وجوه الناخبين وتوترهم الظاهر بشدة. كانت المرة الأولى بالنسبة لي التي أتعرف فيها عن قرب على هذه اللحظة المهمة في حياة الأميركيين، والتي لطالما سمعت عنها وتابعتها من خلف الشاشة. عدتُ بعد التغطية إلى منزلي وأنا متحمسة لمتابعة الحدث ومعرفة النتيجة. غفوتُ على الأريكة في الصالة لدقائق معدودات وما أن فتحت عيني حتى رأيت فتيات شابات على الشاشة يمسحن دموعهن، فعرفت حينها فوراً أن المرشحة الديمقراطية “هيلاري كلينتون” لم تفز.

أدركت هزيمتها قبل أن أسمع النتيجة، ربما لثقتي أن الفتيات لن تبكين على خروج المرشح الجمهوري “دونالد ترامب”، فهذا الرجل ظهر منذ اللحظة الأولى بلغة وممارسة انتهازية ذكورية أمام منافسته “كلينتون” وارتبط بنظرته التقليدية للمرأة وللمهاجرين والمختلفين، وكان يُعرف أنه مجرد بطاقة في أيدي الجمهوريين، فإن فاز فالفوز لهم لحظة الفوز فقط، وإن خسر فسيعود ليكمل أعماله ويلعب الغولف.

 إلا أني اليوم أرى دموع أولئك الفتيات بشكل مختلف، ففترة رئاسة دونالد ترامب التي استُهلت بمظاهرات حاشدة على مستوى البلاد والتي عرفت بـ”وومنز مارتش” أو مسيرة النساء تطورت بعد أربع سنوات لمسيرات مناهضة للعنصرية بكافة أشكالها، ومطالبة هذه المرة بصوت أعلى بتمكين أفراد المجتمع وفقاَ لكفاءاتهم لا أعراقهم وأحزابهم، وبقوة رئيس حقيقية تحفظ لبلادهم إرثها وليس شعارات تؤجج وهم العظمة وتغريدات تصنع مواد مثيرة للصحافة العالمية.

الرئيس الامريكي الخامس والأربعين “دونالد ترامب” متهم اليوم من قبل الديمقراطيين وشرائح واسعة، بتأجيج العنصرية وأخذ البلاد إلى المنحى الذي تشهده شوارعها الكبرى، من عنف بعض أفراد رجال الشرطة خاصة البيض. يستدلّ المحذرون من العنصرية المتصاعدة في عهد ترامب، وكيف شرع  برمي سهامه منذ اللحظة الأولى تجاه مواطنه الرئيس السابق” باراك أوباما”، أول رئيس من أصول إفريقية للولايات المتحدة وتشكيكه بشهادة ميلاده، ثم حملاته ضد الهجرة، ولعبه على وتر بناء الجدار العازل مع المكسيك الذي دغدغ به مشاعر الجمهوريين، وتعاطيه مع احداث “شارلوتسفيل” عام 2017، وصولاََ إلى إصراره على تسمية فيروس كوفيد 19 بالفيروس الصيني وحده دون قادة العالم الذين يلتزمون ببيانات الأمم المتحدة في عدم ربط وباء باسم شخص أو بلد ما. وربما ما يغيب عن ذهن البعض ويدفعهم لتبرير تصرفات ترامب هو أن الرئيس الأمريكي مواطن في بلاده مثل باقي المواطنين، وصلاحياته ليست بالحجم الذي يعتقده البعض لكن تأثيره على أنصاره مضرّ جدا.

ما يحدث اليوم لا يمكن حصره بأنه مطالبة بمساواة او عدالة في المناصب او الرواتب او التعليم فحسب، بل هو صرخة مدوية تنادي بعدالة اجتماعية

لقد خرجت وتوسعت عنصرية ترامب وبعض أفراد حزبه إلى أبعد بكثير من الولايات المتحدة، وهو ما يبدو واضحاً للمتابع لأخبار ايطاليا وقضايا الهجرة وخطابات “ماتيو سالفيني” نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية السابق، او الرئيس البرازيلي “جايير بولسونارو” الملقب بترامب البرازيلي والذي تتشابه خطاباته مع خطابات الرئيس الامريكي بل تفوقه شعبوية. صعود ترامب وخطابه اليمني يفسر كثيراً أسباب انتقال المظاهرات  المناهضة للعنصرية إلى أوروبا سريعا فور خروجها في أمريكا. 

عربياً، كانت المتابعة للمظاهرات الامريكية المنددة بالعنصرية لافتة، فبينما تأثر البعض بمآسي العنصرية في الولايات المتحدة التي استشهد بها متظاهرون، وجد بها آخرون ملامح من الربيع العربي، كما فوجئ بعض المتابعين العرب بظهور عمليات نهب وسطو التي ظهرت في أولى أيام المظاهرات. ووسط ترقب العالم لردة فعل الرئيس الامريكي وإدارته في إخماد هذا الحراك، يبدو أن دونالد ترامب هو الآخر رأى فيها شيئا من الربيع العربي، فتابعناه يرتدي عباءة القذافي متوعداً بنشر الجيش لضبط المحتجين طوراً، ثم ليخرج في حين آخر مقتفياً ممارسات بشار الأسد حين أمر القوات الأمنية المتواجدة أمام البيت الأبيض بإبعاد المتظاهرين من طريقه وتفريقهم على طريقة حسني مبارك في موقعة الجمل، كل هذا ليلتقط صورة أمام كنيسة “سانت جونز” الواقعة مقابل الحديقة الخلفية للبيت الأبيض”لافاييت”. وبالرغم من أنه تمكن فعلا من تصوير هذا المشهد الغريب في دولة ديمقراطية كالولايات المتحدة، إلا أن مسؤولين وعلى رأسهم وزير الدفاع الأمريكي ورئيس أركان القوات الأمريكية انكروا لاحقاً علمهم بهدف ترامب من إبعاد المتظاهرين، واعتذروا لأنهم ظهروا معه في تلك اللحظات التي وجدها امريكيون غير مقبولة.

لقد قرأتُ كتباً وشاهدت الكثير من الأفلام والوثائقيات التي تحمل شهادات وقصصاً عن تاريخ العنصرية في أمريكا، ولكن متابعتي للواقع من أرض الحدث في هذه اللحظة التي قد ينقلب فيها واقع الأقليات في أميركا هو أمر آخر لا أعتقد أننا شهدنا مثله من قبل. 

هذه المظاهرات التي جزم البعض أنها ظرفية إذ شهدت أعمال عنف، وخروج الحرس الوطني وتهديد الرئيس بنشر الجيش، لاتبدو في الحقيقة مظاهرات عابرة، بل نقلة  نوعية تتسم بخروج الجيل الجديد عن صمته معبراًَ عن نفسه بهتافات متنوعة تبحث عن مستقبل واع متسامح. ما يحدث اليوم لا يمكن حصره بأنه مطالبة بمساواة او عدالة في المناصب او الرواتب او التعليم فحسب، بل هو صرخة مدوية تنادي بعدالة اجتماعية ووقف بطش رجال الأمن الذين يتعاملون بعنف ظاهر مع الأميركيين السود. وحالات العنف هذه والمنتشرة في كل الولايات الأميركية، دفعت الناس الى الملل من هذا الوضع المتنامي، فالمواطن الامريكي “غير العنصري” سئم من سماع مثل هذه الحكايات المؤلمة، ووتيرة العنصرية على المواطن الامريكي من أصول إفريقية ترتفع وتنخفض بحسب خطابات الرئيس وإدارته، فضلا عن تمكين قيادات بها نزعة عنصرية لا ترى أمريكا سوى بيضاء.

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!