fbpx

لبنان: “أريد العودة إلى أطفالي حية”… معاناة العاملات المهاجرات

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

في الشارع، على رصيف يكاد لا يتسع لأغراضهن، بلا حمام بلا سقف يأويهن، تجلس زينة… “لم تسمح لي السيدة بأخذ حقائبي الثلاث وأخذَت هاتفي الذي كنت قد اشتريته من راتبي، وجواز سفري…”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“بتروحي عالسفارة أو بقتلك هون، وبوقتها بدفع ثمن عودتك إلى إثيوبيا”… هذا قاله أحد أفراد الأسرة التي كانت تعمل لديها زينة غابرييل، وهو يصوّب المسدس إلى رأسها.

لجأت زينة غابرييل الى الرصيف أمام السفارة الإثيوبية في منطقة الحازمية على أطراف بيروت، بعدما طُردت من منزل مستخدميها من آل حداد تحت تهديد السلاح، ووضعت أمام خيارين إما الموت أو التشرد.

“ساعدوني أريد العودة إلى أطفالي، أريد رؤيتهم، أخاف أن أموت هنا”، تستنجد زينة عبر “درج”.

زينة غابرييل، عاملة إثيوبية متزوجة وأم لثلاثة أولاد تركتهم قبل عامين ونصف العام في أديس أبابا- إثيوبيا. لم تكن تعلم أنها ستبتعد يوماً منهم، ولكن سوء الوضع الاقتصادي في إثيوبيا جاء بها إلى لبنان، عبر عقد يشترط على كفيلتها أن تدفع لها بالعملة الأميركية.

زينة أمام مقر السفارة الاثيوبية في بيروت

عملت زينة في منزل الجدة “مدام حداد”، في “بيت العائلة” كما سمته زينة، وكانت تقوم  بجميع الأعمال المنزلية إضافة إلى تلبية طلبات الأبناء والأحفاد على مدار الساعة. لم تتقاعس عن تأدية عملها يوماً ومع ذلك كانت تُعنّف لفظياً وجسدياً. تقول إن عملها “كان يبدأ عند السابعة صباحاً، ويمتد حتى منتصف الليل”. ولم تحصل خلال الأربعة أشهر الأخيرة التي  أمضتها في العمل على راتبها أي منذ شهر شباط/ فبراير الماضي، ولكنها حظيت بالكثير من الصفع والتعنيف  من صاحبة المنزل وأحفادها الشبان، بسبب مطالبتها بأجرها ثم مطالبتها بالعودة الى إثيوبيا بسبب عدم دفعهم مستحقاتها. “كانت سيدتي تناديني بالغبية، العاهرة والمجنونة، وكان أحفادها يضربونني دائماً، لا أعرف السبب، كنت أبكي في غرفتي كثيراً”. وتضيف: “بعدما هددوني بالموت خفت كثيراً، جئت إلى لبنان لتأمين مستقبل أطفالي وأريد أن أعود إليهم حية، لا أريد المال، أريد العودة فقط”.

تستقبل “مدام حداد” في نهاية كل أسبوع أكثر من أربعين زائراً وزائرة، تقوم زينة بخدمتهم جميعاً، وتُمنع من تناول الطعام في هذين اليومين “كي لا تضيع وقتها”، بينما يُسمح لها بتناول رغيف خبزٍ واحد يومياً في الأيام الأخرى. “كنت آكل اللبنة والخيار ورغيف خبز واحد”. في الأشهر الأخيرة حُرمت زينة الكثير من الحاجيات الأساسية، من فوط صحية وغيرها بعدما نفد المال الذي كان بحوزتها، وعندما طلبت مبلغاً صغيراً لشراء بعض الحاجيات من السيدة حداد، قوبل طلبها بالرفض والتأنيب طبعاً.

الأزمة الاقتصادية في لبنان وانهيار سعر صرف الليرة وشح الدولار، دفعت بعائلات كثيرة إما إلى الامتناع عن دفع رواتب العاملات بالدولار أو دفعها بالليرة بسعر صرف متدنٍ.

لم تخرج زينة إلى النور منذ سنتين ونصف السنة، لم يكن يسمح لها بذلك، ربما هذه المرة الأولى، أجبرت على نيل حريتها- مشردةً- في أحد شوارع لبنان. 

الأزمة الاقتصادية في لبنان وانهيار سعر صرف الليرة وشح الدولار، دفعت بعائلات كثيرة إما إلى الامتناع عن دفع رواتب العاملات بالدولار أو دفعها بالليرة بسعر صرف متدنٍ. وبرزت ظاهرة إلقاء عاملات أمام مقر السفارة والمفارقة الأليمة أنه ومنذ انتشار هذه الظاهرة، لم تحصل أي ملاحقة قضائية بحق أي من الكفلاء “المسؤولين” عن العاملات. 

هذا ما حصل مع زينة، ومع أخريات رمين في الشارع، لكل واحدة قصة مع المعاناة، والآن مع التشرّد.

زينة تتوسط مجموعة من العاملات الاثيوبيات المتروكات على الرصيف المقابل للسفارة الاثيوبية

تجلس زينة على بعد أمتار من مدخل السفارة الإثيوبية، لأن أمن السفارة لا يسمح للفتيات بالاقتراب أو الدخول لطلب النجدة. 

في الشارع، على رصيف يكاد لا يتسع لأغراضهن، بلا حمام بلا سقف يأويهن، تجلس زينة  بلا حقيبة ولا ثياب أو فراش ترتاح عليه كصديقاتها، “لم تسمح لي السيدة بأخذ حقائبي الثلاث وأخذَت هاتفي الذي كنت قد اشتريته من راتبي، وجواز سفري، أنا لم أبدل ثيابي منذ أسبوع”.

نظام الكفالة: مأساة وعبودية

قصة زينة واحدة من آلاف قصص العاملات المهاجرات، اللواتي يعدن إلى بلادهنّ إما في توابيت خشبية، أو بعد صبر طويل ترافقه معاناة طويلة من استغلال واعتداء جنسي وجسدي. وبحسب إحصاءات الأمن العام اللبناني تعود اثنتان منهن في توابيت كل أسبوع، غالباً ما يسجل موتهن انتحاراً في ظل ظروف موت غامضة.

تعيش في لبنان حوالى 250 ألف عاملة أجنبية بينهن أكثر من 186 ألف امرأة يحملن تصاريح عمل، معظمها من إثيوبيا، إضافة إلى الفيلبين وبنغلاديش وسريلانكا وسواها. 

مسؤولة قسم المناصرة في “حركة مناهضة العنصرية في لبنان” زينة عمار تقول لـ”درج” إنه “لا أرقام واضحة عن عدد العاملات اللواتي يرغبن بالعودة إلى بلادهن، إنما هناك تقاعس غريب من قبل سفارات بلادهن، مثلاً السفارة الإثيوبية ترفض عودتهن على رغم دفع بعضهن تكاليف السفر، ولا تزال الأسباب غير واضحة”.

لم تخرج زينة إلى النور منذ سنتين ونصف السنة، لم يكن يسمح لها بذلك، ربما هذه المرة الأولى، أجبرت على نيل حريتها- مشردةً- في أحد شوارع لبنان. 

وعن الإجراءات التي اتخذتها وزارة العمل تؤكّد عمار أنها رمزية “الوزارة أدرجت أسماء الكفلاء- الذين امتنعوا عن سداد أجور العاملات- ولكن ما نحتاجه هو أكثر من ذلك، نطالب بإجراءات تحفظ حقوق هؤلاء العاملات في الحصول على رواتبهن وأغراضهن المحتجزة. هناك من لم تحصل على راتبها منذ 3 سنوات!”. وتضيف: “ما يحصل من طرد تعسفي وتشريد للمعاملات على أبواب سفاراتهن فتح النقاش على نطاق أوسع في ما يخص نظام الكفالة، وربما تقترب اللحظة الحاسمة للضغط على المعنيين لتغيير هذا النظام في ظل ترحيل عدد كبير من العاملات وإغلاق عدد أكبر من مكاتب الاستخدام”. وكان “درج” تواصل مع أحد مكاتب السفريات الذي أكد أن هناك إقبالاً لافتاً على الحجوزات من عاملات مهاجرات.

مع تفاقم الأزمة الاقتصادية في لبنان وبخاصة  ارتفاع سعر صرف الدولار الذي أثر في جميع القطاعات والفئات المجتمعية، توقف كفلاء ومستخدمون عن دفع رواتب العاملات، ما زاد الأمر سوءاً بالنسبة إلى اللواتي يعشن في ظروفٍ تعسفية وسيئة بالأساس، تحت رحمة نظام الكفالة الذي يأخذ شكلاً من أشكال العبودية المقنعة. ففي لبنان تستبعد العاملات الأجنبيات من قانون العمل، ويخضعن بدلاً من ذلك لنظام الكفالة، الذي يربط الإقامة القانونية للعاملة بالعلاقة التعاقدية مع صاحب العمل. وإذا انتهت علاقة العمل هذه، حتى في حالات سوء المعاملة، تفقد العاملة وضع الهجرة المنتظم. علاوة على ذلك، لا تستطيع العاملة تغيير صاحب العمل من دون إذنه. وهذا يسمح لصاحب العمل بإجبار العاملة على قبول ظروف العمل الاستغلالية. إذا رفضت العاملة مثل هذه الشروط وقررت مغادرة منزل صاحب العمل من دون موافقته، فهي تخاطر بفقدان مكان إقامتها وبالتالي يكون مصيرها الحجز أو الترحيل.