fbpx

مئة يوم على الحكومة التونسية: شبهة فساد لرئيسها!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

فشل رئيس الحكومة التونسية إلياس الفخفاخ في الاحتفال بمرور مئة يوم على توليه مقاليد الحكم في ظل ما بات يواجهه من تحديات على أكثر من صعيد.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]
الياس الفخفاخ

إذ دخل الرجل جلسة الحوار مع البرلمان المقررة لطرح منجزات الفترة الماضية والبرنامج المنتظر للمرحلة المقبلة على وقع ضغوط سياسية واجتماعية كثيرة، زادتها شبهة تضارب مصالح، تلاحقه، بل ووضعت امكانية استمراره في منصبه على المحك. 

وتلاحق رئيس الحكومة شبهة تضارب مصالح من خلال امتلاكه أسهماً في مجمع شركات خاصة تتعامل مع الدولة التونسية. وظهرت القضية عندما أعلن شوقي الطبيب، رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، أن رئيس الحكومة يمتلك أسهماً في شركات تتعامل مع الدولة. حينها أكد الفخفاخ أنه باع أسهمه في هذه الشركات قبيل توليه المنصب حتى لا تكون هناك شبهة تضارب مصالح. لكن النائب ياسين العياري نشر في 23 حزيران/ يونيو وثيقة من الموقع الحكومي التونسي الخاص بالصفقات العمومية، تثبت حصول شركة (يملك الفخفاخ عدداً من أسهمها) على صفقتين بـ44 مليون دينار (14.6 مليون دولار)، ما أعاد الملف إلى الواجهة.

ويمنع القانون المتعلق بالتصريح بالمكاسب والمصالح وبمكافحة الإثراء غير المشروع وتضارب المصالح رئيس الحكومة، من امتلاك أسهم في أي شركة خاصة مهما كانت، أو أن يكون مسيراً لأي شركة خاصة، وهو (رئيس الحكومة) مطالب بالخروج من أي مسؤولية وتكليف غيره بالتصرف في أسهمه في مدة أقصاها 60 يوماً من توليه المسؤولية. 

من جهة أخرى، وعلى رغم استماتة الفخفاخ في تبرئة نفسه من الشبهة إلا أنه وحتى موعد البت في القضية سيبقى محل شكوك على المستوى الشعبي، لا سيما أنه بدا في ثوب المتناقض أمام التونسيين. فالرجل الذي تحدث منذ البداية عن سعيه إى مكافحة الفساد كهدف أساسي سيعمل وفريقه الحكومي على مقاومته، يظهر بعد مئة يوم فقط من الحكم في دائرة الاتهام في قضية فساد. وهي صورة مهزوزة، لم يكن يتوّقعها، لا سيما أنها تتزامن مع فترة ارتفع فيها منسوب التحركات الاجتماعية المستاءة من خيارات الحكومة في التعامل مع ملفات الناس.

احتقان اجتماعي يعمّق الأزمة

وضع رئيس الحكومة الصعب بعد جلسة الحوار الأخيرة داخل البرلمان، يتزامن أيضاً مع ارتفاع منسوب الاحتقان الاجتماعي بسبب التداعيات الاقتصادية لوباء “كورونا” من جهة، والسياسات التنموية الفاشلة التي اتبعتها الحكومات المتعاقبة منذ 2011 من جهة أخرى. إذ خرج مئات المحتجين من المعطلين من العمل وأصحاب الشهادات العليا الذين طالت بطالتهم، وعمال الحضائر في كل من محافظات سليانة وتونس العاصمة وسيدي بوزيد والقيروان وتطاوين وغيرها، مطالبين بتحسين ظروفهم الاجتماعية وحقهم في التنمية.

ولعل ما يربك موقف الفخفاخ أيضاً، هو التعاطي الأمني العنيف مع الاحتجاجات المطالبة في مجملها بالتشغيل وتسوية الأوضاع المهنية، وتلميحه في حوار تلفزيوني إلى أنه سيتجه إلى تخفيض الأجور أي اتباع ذات السياسة القائمة على استهداف جيب المواطن، من دون مراعاة حالة الاستنزاف التي بلغها على مدار السنوات العشر، بسبب غلاء المعيشة وعقم السياسات التنموية وتفشي الفساد. وهي معطيات استفزت “اتحاد الشغل”، المنظمة النقابية الأكبر في البلاد التي شددت على رفضها أي مس برواتب الأجراء، واستنكرت استخدام العنف مع المحتجين ودعمت بعض الإضرابات العامة. 

يدرك الفخفاخ أن الدخول في مواجهة مع هذا الهيكل النقابي هي حرب خاسرة، لا سيما في ظل الوضع الراهن الذي هو عليه وفريقه الحكومي. ويصطف الاتحاد مع مطالب الشارع التونسي ويرفض أن يدفع الأجراء والطبقات المهمشة تكلفة الإصلاحات القاسية، بخاصة وهو يتابع انشغال الكتل السياسية بالصراعات الحزبية وترك ملفات التونسيين العالقة منذ سنوات رهن تفاهمات لا يبدو أنها ستتبلور بين أطراف الحكم. وهذا المعطى سيجبر الفخفاخ على تعديل ترتيباته الاقتصادية والاجتماعية وفق رؤية تنسجم إلى حد ما مع شروط “اتحاد الشغل” ومعه شريحة واسعة من التونسيين حتى لو كان الظرف الاقتصادي الراهن في غاية الدقة. 

لعل ما يربك موقف الفخفاخ أيضاً، هو التعاطي الأمني العنيف مع الاحتجاجات المطالبة في مجملها بالتشغيل وتسوية الأوضاع المهنية

وكان الفخفاخ أوضح أن الوضع الاقتصادي حرج جداً، وكشف أن تونس بسبب “كورونا” ستخسر أكثر من 130 موطن شغل (وظيفة)، سيحال أصحابها على البطالة إلى جانب الـ630 ألف عاطل من العمل في البلاد.

وسجل الاقتصاد التونسي نسبة نمو 1 في المئة في العام الماضي، مقابل 2.5 في المئة في 2018، و1.9 في المئة في 2017. وتوقع صندوق النقد الدولي أن ينكمش الاقتصاد التونسي بنسبة 4.3 في المئة عام 2020 تحت وطأة “كورونا”، وهو أعمق ركود تشهده البلاد منذ استقلالها عام 1956.

وبلغت نسبة مديونية تونس 60 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، بقيمة تقدر بـ 92 مليار دينار (32.8 مليار دولار)، وتراجع الاستثمار 16 في المئة، بحسب الفخفاخ.

هذه المعطيات السياسية والاجتماعية والاقتصادية الدقيقة مطروحة بقوة في تونس اليوم بل وتتفاقم يومياً، في ظل استفحال التجاذبات السياسية والنزوع نحو تصفية الحسابات بين مكونات الائتلاف الحاكم على حساب مشاغل المواطنين الكثيرة. وهي تساهم في قطع أواصر الثقة المهزوزة أصلاً بين القائمين على مؤسسات الدولة والمواطنين، الأمر الذي ينذر بانفجار لا تحسب الطبقة السياسية الراهنة حسابه، وقد ينسف مساعيهم الانتهازية نحو الحكم، لا سيما في ظل تجاهلها ما أحدثته العشر سنوات الماضية من استنزاف لأحلام الشباب التونسي الذي تطلع إلى واقع جديد غير ذاك الذي سيق إليه بسبب طبقة سياسية، لم تفلح إلا في الصراع على الحكم. 

دعوات استقالة 

هذا الوضع دفع بقيادات سياسية للمطالبة باستقالة الفخفاخ لكن حركة النهضة كان لها موقف داعم له، إذ يبدو أن الحركة لم تغفر مساءلة رئيسها أمام البرلمان الشهر الماضي، ولم تقبل بعد أن لا تكون الممسكة بمقاليد الحكم في البلاد، و”ائتلاف الكرامة” الذراع الأمينة لخططها و”قلب تونس” المتعطش للمشاركة في الحكم مهما كلف الأمر كانوا بالمرصاد للانقضاض على الفخفاخ وحكومته وتهديد بعضهم بسحب الثقة منه. هذا من دون أن ننسى ارتفاع منسوب الاحتقان الاجتماعي وبلوغه ذروته في مناطق مختلفة من البلاد والتعاطي الأمني العنيف معه،  وما أثاره من استياء شعبي وغضب المنظمة النقابية الأكبر في البلاد ونعني الاتحاد العام التونسي للشغل. 

مشهد في غاية التعقيد ينذر بسيناريوات مفتوحة ويهدد جدياً حكومة الفخفاخ، وقد لا يبدو ذلك لافتاً على رغم دقة المرحلة لأن تغيير الحكومات بات خياراً ثابتاً في تونس ما بعد الثورة.

وقف الفخفاخ أمام نواب المجلس كما هو معمول به لتقييم منجزات المئة يوم الأولى من العمل الحكومي وتقديم خطة العمل لما بعد أزمة “كورونا”، لكن ظهور قضية شبهة تضارب المصالح التي طغت على المشهد العام في البلاد دفعته إلى تخصيص حيز زمني من كلمته للرد بطريقة اعتبرها البعض مستفزة. وعلى رغم حديثه الموسع عن الوضع المالي والاقتصادي الصعب والمؤشرات المخيفة للمديونية ونسبة النمو، إلا أن اهتمام معظم نواب البرلمان لا سيما حزبي “ائتلاف الكرامة” و”قلب تونس” انصب على شبهة تضارب المصالح.

وحاول رئيس الحكومة الدفاع عن نفسه بعبارات حادة استفزت بعض النواب ودفعتهم للمغادرة، وقال الفخفاخ إنه سيقدم استقالته إذا ثبتت مخالفته القانون في هذه القضية وتوجه برسالة لمن يريد التشكيك في نزاهته قائلاً “يبطى شوية”، بمعنى لن تتمكنوا من ذلك.

لكن دفاع الفخفاخ لم يخرجه من دائرة الاتهام السياسي والشعبي، فهذا الملف كان ورقة رابحة لـ”حركة النهضة” التي تناور منذ مدة وتضغط من أجل توسيع دائرة الحكم حتى يتسنى لها التحرك بأريحية أكبر داخل البرلمان والحكومة. ومما لا شك فيه أنها لن تفوت هذه الفرصة لدفع الفخفاخ الرافض هذا الخيار للقبول ببعض شروطها من أجل دعم بقائه على رأس الحكومة. فـ”النهضة” لم تنس حرمانها من قيادة مشاورات تشكيل الحكومة وضياع فرصة السيطرة على السلطة وتعنت رئيس الجمهورية قيس سعيد وتصويت شريكها في الحكم ونعني “حركة الشعب” لمصلحة مساءلة زعيمها راشد الغنوشي، ولهذا لم تتوقف عن البحث عن آليات تقوية مكانها حتى وإن كان ذلك على حساب رحيل الحكومة برمتها أو ابتزاز رئيسها من أجل تمرير بعض خياراتها.

ويعدّ توسيع دائرة الحكم، أحد أهم خيارات “الحركة” في الوقت الراهن لا سيما في ظل توفر حزبين أولهما “ائتلاف الكرامة”، باعتباره يمثلها ويحاكيها على مستوى التوجهات والأيديولوجيا والأهداف، والثاني “قلب تونس” الحزب الهش المحاصر بملفات قضائية يمكن تحريكها متى شاءت “الحركة” للضغط عليه. وكلاهما يتماهى مع سياسة الحزب الإسلامي الذي تعود البحث عن أحزاب سياسية ضعيفة، مرتبكة ومشتتة يستطيع ترويضها وفرض خياراته السياسية عليها. وبالتالي فإن زلة الفخفاخ قد تتسبب في خلط الأوراق لمصلحة “النهضة” داخل البرلمان وفي تركيبة الحكومة.

وتتضح ملامح هذا المخطط جيداً، من خلال تحركات الحزبين السالف ذكرهما وردودهما في جلسة الحوار مع رئيس الحكومة التي اتسمت بالحدة وبلغت حد التهديد بسحب الثقة، وإعلان الحزبين عن تكوين لجنة تحقيق برلمانية في شبهة تضارب المصالح المتعلقة بالفخفاخ، على رغم أن الملف محل نظر القضاء التونسي.

لكن ما تخشاه الحركة هو ألا تنجح ضغوطها مع الفخفاخ في حال تمسكه برفض مشاركة “قلب تونس”، والفشل في تحصيل الأصوات اللازمة لسحب الثقة منه أو إقدامه على تقديم استقالته والتي تعيد ملف اختيار رئيس الحكومة لرئيس الجمهورية قيس سعيد وهي أسوأ السيناريوات بالنسبة إلى “الحركة”.