fbpx

شهادات تحرّش جنسي من مصر… تقصير قانونيّ أم تواطؤ عائلي؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

حوالى 99 في المئة من المصريات تعرضن لشكل من أشكال التحرش الجنسي.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“أنا حشارك بقصتي لأن الموضوع مدمرني، كان عمري 6 سنين لما أخويا اللي أكبر مني بثلاث سنين صار يتحجج بأي حجة فارغة عشان ينام جنبي. كنت بحس إن بيقرب مني بطريقة مستفزة والموضوع غلط. بطبيعة فطرتي حسيت بكدا بس ما كنتش فاهمة حاجة. مع الوقت كان لو لقاني قاعدة في مكان يقعد لازق فيا حرفياً أو يقلي تعالي اقعدي على رجلي كنت ما برضاش لان حاسة ان في شيء غلط لكن بيهددني ان لو ما عملتش اللي بقلك عليه حقول لبابا انت عملت حاجات مش كويسة مع جارنا اللي صارلي معه مشكلة بسبب التحرش. طبعاً ولأن أهلي من صغرنا بيكذبوني دائماً ويصدقوا أخويا الكبير جداً، فكنت خايفة يقول حاجة لبابا ويصدقه وطبعاً يكون عقابي كبير، لأن كان بيقلي بابا حيقتلك لو عرف فما كنتش عارفة أعمل حاجة عشان خايفة”.  

بهذه الكلمات التي قد تبدو صادمة لكثيرين تحدثت هدى (اسم مستعار) عن بداية تجاربها المؤلمة مع التحرش الذي تعرضت له من جارها وأخيه، وبتأييد غير مباشر من العائلة التي لم تقم بدورها، من أجل حمايتها أو الإصغاء إليها بثقة وتفهّم.

حكاية هدى وحكايات أخرى انتشرت تفاعلاً مع الهاشتاغ الذي أطلقه المدون المصري وائل عباس بعنوان #قف_مع أولادك_ضد_التحرش لتشجيع الفتيات على كسر الصمت والخوف ومواجهة هذه الوقائع بجرأة وقوة ولتوعية الآباء بضرورة دعم أبنائهم في هذه المواقف بدل الأدوار السلبية التي عادة ما يلعبونها في مثل هذه القضايا.  

وهاشتاغ وائل عباس جاء منسجماً مع الحملة الإلكترونية التي ظهرت على مواقع التواصل الاجتماعي منذ أيام في مصر، بعدما توجهت عشرات الفتيات بتهم تحرش واغتصاب ضد شاب، باستخدام وسم #المتحرش والكشف عن اسمه.

وتعود أحداث الحملة إلى اتهامات بالتحرش والاغتصاب وجهتها فتيات إلى شاب على مواقع التواصل الاجتماعي، بخاصة تطبيق “إنستاغرام”، داعيات الضحايا الأخريات إلى الإفصاح عما حدث لهن.

استجابت عشرات الفتيات للحملة وقدمن شهادات، ونشرت فتيات مقاطع صوتية تحدّثن فيها عن تعرضهن لابتزاز من الشاب ذاته والاغتصاب والتحرش.

بالعودة إلى حكاية هدى فإن زيادة السنوات لم تردع الشقيق الأكبر ولم توقف مضايقاته لأخته التي تزايدت، فبعد “اللزق” والحضن تحت التهديد وغيره وصل إلى حد اجبارها على النوم معه من دون لباس لمدة سنتين.

“لما كبرنا شوي بقا لما نكون سهرانين أو كلو ينام كان بيخليني أنام معه على السرير من غير هدوم بالجزء السفلي، طبعاً هو بيحافظ على أن العلاقة تكون سطحية، الموضوع استمر سنين حرفياً وأنا مش قادرة أتكلم بقعد بعيط لما أكون لوحدي وكنت مفكرة إن ممكن أكون حامل”.

بين سن الـ10 والـ12 سنة بدأت هدى تفهم نسبياً معنى ما يحدث وما يقوم به شقيقها معها، فحاولت تجنب البقاء بمفردها معه عدا مرات قليلة كان يجبرها فيها بالقوة على الرضوخ لنزواته. وفي المرحلة الإعدادية، اتضحت الصورة أمامها وأدركت تماماً ما الذي يحصل معها، فصممت على الابتعاد منه قدر المستطاع حتى لو تطلب الأمر أن تبيت خارج المنزل خوفاً من أن ينفرد بها في منزل عائلتها. وعلى رغم انتباهه إلى أنها كبرت وبدأت تدرك طبيعة ما يقترفه بحقها إلا أن ذلك لم يمنعه من انتهاز أي فرصة للانقضاض عليها. حاولت لسنوات إخبار أهلها بما يحصل معها لكن الخوف من رد فعلهم الذي سينتصر لأخيها منعها.

تضيف “في أولى ثانوي كنت واعية بالقدر الكافي اللي يخليني أصده ولما لقيني كدا استنى يوم كله نام وأنا سهرانة اذاكر وهو كمان فطلب مني اسمعله حاجة وكان بقاله فترة ما ضايقنيش ففكرت ان تغير فرحت معه أوضته بس بعد شوي لقيته بيقرب مني وبدأ يضربني ويجبرني إن أطاوع.ه قاومت بس ما قدرتش أعمل حاجة كنت متعودة أعيط في المواقف بس بقالي سنتين ما بقدرش كنت تقريباً فقدت الإحساس بالموجودات. الله أعلم ايه اللي حصل ماما قلقت صحيت تستفقدنا خبطت الباب فبعد عني وزبط هدومه وأنا نفس الشيء وعدّاا اليوم عادي وأنا فضلت لا باكل ولا بشرب ورجعت ما بعرفش أنام تاني زي أيام الطفولة بقيت مرعوبة انام ألاقي إيد بتلمسني بطريقة مقرفة حقيقي كرهت نفسي”.

بعد هذه الحادثة بفترة تأخرت هدى لبعض الوقت خارج البيت مع صديقتها فتحدث شقيقها عنها سوءاً، ولدى عودتها هاجمتها والدتها فانفجرت حينها وأخبرتها بكل ما اقترفه ابنها بحقها على مدار سنوات، لكن الأم لم تصدق كلامها ونعتتها بـ”الكذابة” أخبرت أختها أنها لن تصدقها أبداً بعد الآن، وعوملت “معاملة الكلاب حرفياً” كما وصفت.

وتؤيد شهادة هدى ما ذهبت إليه جملة من التقارير حول أن الشارع ليس المكان الوحيد  الذي تواجه فيه المرأة المصرية التحرش في ظل انتشار هذه الظاهرة في منزل العائلة الذي لم يعد آمناً بالنسبة إلى كثيرات. وتواجه المصريات صعوبة كبيرة في تتبع التحرش داخل المحيط العائلي الموسع بسبب عدم توفير فضاءات آمنة تلجأ إليها الضحايا في حال حدوث أي انتهاكات وغياب الحماية اللازمة لهن من الدولة والمجتمع المدني.

فعلى رغم إقرار قانون يعاقب التحرش إلا أن اللجوء إلى تقديم شكوى ضد المتحرشين في مراكز الشرطة غالباً ما ينقلب ضد الضحايا اللاتي يتعرضن لانتهاكات جديدة الأمر الذي حمل الكثيرات على الصمت.

وما زال الشارع المصري يتذكر حادثة اعتقال أمل فتحي، من مصر، في 11 أيار/ مايو  2018. فبسبب نشرها مقطع فيديو على “فايسبوك” يدين التحرش الجنسي، وينتقد الحكومة المصرية لتقاعسها عن التصدي لتلك الظاهرة، تم احتجازها لمدة 15 يوماً ثم اسجوبتها نيابة أمن الدولة العليا في قضية أخرى حول علاقة مزعومة بحركة سياسية شبابية.

وتنص المادة 306 مكرر (أ) من قانون العقوبات على أنه “يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن ثلاثة آلاف جنيه ولا تزيد على خمسة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من تعرض للغير في مكان عام أو خاص أو مطروق بإتيان أمور أو إيحاءات أو تلميحات جنسية أو إباحية سواء بالإشارة أو بالقول أو بالفعل بأية وسيلة بما في ذلك وسائل الاتصالات السلكية أو اللاسلكية”.

أما ملاك (اسم مستعار) فشكلت عودة خالها من السفر واستقراره لفترة في منزل عائلتها بداية رحلتها مع التحرش التي كان لها تأثير كبير على سير علاقاتها مع الرجال حتى وهي في سن الـ24، وما فاقم أزمتها هو خذلان والدتها لها التي أجبرتها بردها الصادم على الصمت.

تقول ملاك “الحكاية بدأت وأنا طفلة صغيرة كان خالي بيجبلي حاجات حلوة ويديني فلوس بعد كدا بدأ يتحرش بيا وأوقات ثانية أنا أسفة جدا كان بيخليني أمسك عضوه الذكري وحاجات ثانية كثير مش حقدر أحكيها ولما حاولت احكي لماما سندي اللي المفروض تحميني وقتها زعلت مني جامد وقالتلي الموضوع دا حيعملك مشاكل مع البابا لو عرف وطبعا لأن كنت صغيرة خفت وسكت والموضوع عدا عادي خالص”.

وبسبب ما حدث لها في طفولتها سعت ملاك إلى ترك بيت العائلة مع أول فرصة عمل حصلت عليها واستقرت بمفردها، لكنها حتى الآن ترفض خوض أي تجربة عاطفية مع أي رجل وكلما حاول أحدهم التقرب منها تنفر وتبتعد. “عايشة لوحدي لا عارفة أرجع اعيش مع أهلي ولا قادرة أدخل حد في حياتي وفكرة إن حعيش وأموت لوحدي مش مفارقاني بس أهو عالأقل ضامنة إن ما فيش حد هيأذيني”.

وكانت هيئة الأمم المتحدة للمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة أعلنت خلال دراسة أجرتها عام 2018 أن حوالى 99 في المئة من المصريات تعرضن لشكل من أشكال التحرش الجنسي. وتتفق التقارير المحلية والعالمية حول المعدلات الكبيرة للتحرش في مصر، إذ وصفت مؤسسة “تومسون رويترز”، في تقرير لها في أواخر 2017 القاهرة بأنها إحدى أكثر المدن خطورة على النساء، وهناك بعض التقارير والدراسات التي تقول إن مصر تحتل المركز الأول عالمياً في ظاهرة التحرش الجنسي.

وتؤكد “منظمة العفو الدولية” أن السلطات المصرية تقاعست عن منع العنف ضد المرأة، والذي ظل واسع الانتشار، وكذلك عن التحقيق على نحو كافٍ مع مرتكبي العنف أو معاقبتهم. كما واصلت السلطات انتهاك خصوصية الضحايا خلال مرحلتي الإبلاغ والتقاضي. ففي بعض الحالات، كانت الشرطة تجبر الضحايا اللاتي يبلغن عن حوادث عنف على البقاء في قسم الشرطة حتى اليوم التالي، أو كانت ترفض تسجيل بلاغاتهن. ووردت أنباء عن حالات عدة طلبت فيها الشرطة من نساء وفتيات قدمن بلاغات عن العنف الجنسي، أن يخضعن لفحوص العذرية. 

ولا تتوقف حوادث التحرش الجنسي عند الفتيات والنساء بل تشمل الذكور أيضاً، لا سيما في عمر الطفولة ويتم التعاطي غالباً معها على المستوى العائلي بخاصة بالمنطلقات والقواعد ذاتها التي تطبق على حوادث التحرش بالإناث. 

سامي (اسم مستعار) من محافظة ريفية بسيطة في مصر قرر في عمر ما بين الـ11 الـ12 سنة العمل لمساعدة أهله .ومن أجل هذه ذلك التحق بشقيقه الأكبر المقيم في القاهرة للسكن معه. ولكن كانت لهذه الخطوة عواقب وخيمة بعد تعرضه للتحرش ومحاولات اغتصاب متكررة أثرت في شخصيته حتى اليوم.

يقول “كنت طفل ريفي ساذج لكني كنت ذكي وشاطر في المدرسة ودايماً متفوق اشتغلت في فرنة عيش بلدي وكنت بنام في مكان غير آدمي إطلاقاً، وفي ليلة بعد يوم شغل مرهق زميل أخويا في السكن (عمره بين 18 و20 سنة) تحرش بيا وحاول يغتصبني لكن كنت منتبه وحاولت اتجنبه ولما أصر تركت الغرفة وجريت على أخويا وخبرته وأنا متوقع إن حيساعدني”.

لم توفق توقعات سامي فشقيقه مدمن المخدرات اكتفى بدعوته إلى عدم الذهاب إلى ذلك المكان مجدداً، وهو ما حز في نفسه كثيراً، لا سيما أن محاولات التحرش واغتصابه، لم تتوقف وغيرت حياته إلى الأسوأ عندما وجد نفسه إزاء محيط عائلي واجتماعي اختار لعب دور الجلاد معه عوض السند الذي انتظره.

“أنا نجوت من الاغتصاب الفعلي لكن الوصمة والرعب غيرولي حياتي تماما وعمري ما رجعت الشخص البريء دا تاني، والمشكلة الأكبر كانت إن لما حكيت لأهلي كانوا أحيانا بيعايروني، الموضوع سببلي أزمات كتير وخلاني أفقد إيماني بكل حاجة وخلوني ألف حوالين نفسي كثير وأذيت نفسي كثير”.   

وعلى رغم أهمية الحملات التي أُطلقت في مصر حول قضية التحرش وكسر كثيرات حاجز الصمت وحديثهن بجرأة عن قصصهن في مراحل مختلفة من حياتهن، إلا أن المدون وائل عباس وصاحب الهاشتاغ الذي تفاعل معه كثيرون وكثيرات، لا يتوقع أن تُحدِث تغييراً كبيراً. 

ويقول لـ”درج” “قمنا بحملات سابقاً من دون نتيجة تذكر، فبالعودة مثلاً إلى الحملة التي أطقناها ضد التحرش الجماعي في عيد الإضحى عام 2006 عندما نشرنا فيديوات وصوراً للتحرش وعندها قامت الدنيا وقعدت. وفي النهاية اتهمنا بأننا نشوه سمعة مصر. اليوم صحيح هناك استنكار ولكن هل هناك نية لتفعيل القوانين الموجودة سلفاً ضد المتحرشين؟ هل سيكون هناك تغيير في وعي الناس ويقبل الضحايا وعائلاتهم أن يقدموا شكاوى ضد المتحرشين ؟هذا الهدف الذي لا نستطيع أن نجزم بأنه سيحدث”.

ووصلت وائل عباس عدداً لافتاً من الشهادات، التي لم يتوقعها، وتفاعل كثيرون مع “الهاشتاغ” الذي أطلقه. الشهادات التي وصلت في رسائل على “فايسبوك” و”واتس آب”، أثارت دهشته على مستوى المضمون أيضاً، لا سيما شهادات من شبّان ورجال، وهو ما لم يتخيله، إضافة إلى شهادات أخرى تعود إلى تجارب أليمة في الطفولة. ولعل هذا ما طرح مسائل كالبيدوفيليا ومسؤولية الأهل وزنا المحارم وغيرها من النقاط التي بدت مختلفة عن المفهوم التقليدي للتحرش الجنسي بالنساء السائد.

“فوجئت أيضاً بشهادات متحرشين يطرحون وجهة نظرهم وفلسفتهم في الموضوع ولفتني تنوع آرائهم بين من يرى أن المرأة هي التي ترغب في التحرش وبين من يقول أنه تعرّض للتحرش فأصبح متحرشاً، وأكد آخرون أنهم تابوا عن هذه الأفعال وأصبحوا من مكافحي التحرش”.