fbpx

مصر: الحرية لمتحرشين والسجن لبنات “تيك توك”؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

المفارقة أن بعض المتحرشين طلقاء في مصر، على رغم الاتهامات الموجّهة ضدهم، فيما مستخدمات تطبيق “تيك توك” خلف القضبان، والتهمة واحدة، “خدش الحياء العام”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“ليس من الطبيعي أن تخرج فتاةٌ بملابس لا تصلح إلا للنوم، ثم تشكو من التحرش”، قال الداعية الإسلامي المصري عبدالله رشدي في خضم جدل قائم حول التحرش والاعتداء الجنسي في مصر، أُعيد فتحه بعد قضية تحرش جديدة، واستُنجِدَ فيه بخطاب تقليدي ديني اجتماعي، يلوم الضحية (المرأة) ويبرّر للفاعل (الرجل).      

يتعلق الأمر هذه المرة بأحمد بسام زكي، وهو شاب انتشرت ضده شكاوى تتهمه بالتحرش والاغتصاب في صفحة “بوليس الاعتداءات الجنسية” على “فايسبوك”، أسستها مجموعة فتيات مصريات، وفي غضون ساعات، بلغ عدد متابعيها 45 ألفاً. فنشرت أكثر من 100 فتاة شكاوى على مواقع التواصل الاجتماعي بحق الطالب، واتّهمنه بالتحرش بهنّ وابتزازهن وتهديدهن بنشر صور مفبركة لهن، بينهن طفلة (14 سنة) اتهمته بأنه حاول الاعتداء عليها جنسياً.

على رغم أن الاعتداءات الجنسية التي تحدّثت عنها الفتيات، حصلت منذ عام 2018 على أقلّ تقدير، إلا أن القضية كانت كفيلة بإعادة فتح السجال حول التحرش في مصر وتوقيف المتهم. النيابة العامة أعلنت سجن الشاب 15 يوماً على ذمة التحقيقات، موجهة إليه اتهامات بالاعتداء الجنسي على فتيات بينهنّ قاصر. وذلك بناءً على شكوى واحدة تلقتها النيابة من فتاة تتهمه “بتهديدها لممارسة الجنس معه” قبل أربع سنوات. هذا عدا عن طرده من جامعته في برشلونة، حيث يدرس الآن، على خلفية الاتهامات.  

تحرّك الجهات المعنية المصرية كان لافتاً، ودفع كثيرات للحديث عن قصص تحرّش تعرضن لها. فتلقّى مكتب شكاوى المجلس القومي للمرأة وحده 400 شكوى واستفسار خلال خمسة أيام فقط، أغلبها عن العنف الممارس بحق المرأة. 

وساهمت فنانات ومشاهير في الحملة، فوثّقت الفنانة هنا الزاهد لحظة تعرضها للتحرش ومضايقات من سائقين أثناء قيادتها سيارتها، في فيديو نشرته على حسابها الشخصي. 

حتى أن بيان دار الإفتاء المصرية أدان المتحرش، ما اعتُبر خطوة غير مسبوقة. فجاء فيه، “إلصاق جريمة التحرش النكراء بقَصْر التُّهْمَة على نوع الملابس وصفتها، تبريرٌ واهمٌ لا يَصْدُر إلَّا عن ذوي النفوس المريضة والأهواء الدنيئة…”.

القضية التي قصمت ظهر البعير؟

على رغم أن قضية التحرش حاضرة في الشارع المصري، إذ إن أكثر من 90 في المئة من النساء في مصر تعرضن للتحرش بأشكال مختلفة، وفقاً لمجموعات حقوقية تابعة للأمم المتحدة، إلا أن هذه القضية استطاعت تغيير جزء من أفكارٍ سائدة لسببين. أولها أنها كسرت الطبقية وارتباطها بالتحرش. فالسائد هو انتشار التحرش في أوساط الطبقة الفقيرة، وغيابه لدى الطبقات الميسورة. إلا أن الحادثة الأخيرة أثبتت العكس، فأحمد كان طالباً في الجامعة الأميركية في القاهرة، وبالتالي لا مانع من أن ينتمي المتحرش إلى طبقة ميسورة. 

تلقّى مكتب شكاوى المجلس القومي للمرأة وحده 400 شكوى واستفسار خلال خمسة أيام فقط، أغلبها عن العنف الممارس بحق المرأة. 

من جهة أخرى، كان لافتاً الدور الذي لعبته وسائل التواصل الاجتماعي في القضية، إذ باتت تمثل للفتيات العربيات فضاءً جديداً آمناً لكسر صمتهن. فبينما تجبر عائلة ابنتها على السكوت على انتهاكاتٍ واعتداءات، أو تعلو نبرة “الستر” في المجتمع المحيط، الذي غالباً ما يحوّل الضحية إلى مجرمة، فلا تأخذ حقها من المتحرّش الذي يبقى منزهاً عن المحاسبة، وتصطدم المرأة بمنظومة اجتماعية كاملة، تبرر فعل الجاني وتتّهم الناجيات منه، في المقابل، تتمكّن نساء من ممارسة هامش من الحرية التي سلبتهنّ إياها السلطة السياسية والدينية والاجتماعية، وإن فعلن ذلك في عالمٍ افتراضي. 

“تيك توك” يخدش “الحياء العام” أما التحرش فلا… 

على رغم أن مصر جرّمت التحرش الجنسي عام 2014 في عقوبة تصل إلى السجن 6 أشهر، وتزيد إلى عام في حال تكرارها، أو تفرض على المتحرّش غرامة مالية ما بين خمسة آلاف وعشرين ألف جنيه، فيما تصل عقوبة الاغتصاب إلى السجن المؤبد أو الإعدام في بعض الحالات إذا كانت الضحية قاصراً، إلا أن هذا القانون لا يسري على المعتدين، بخاصة إذا كانوا ذوي نفوذ أو يتمتعون بحصانة. 

لاعب كرة القدم المصري عمرو وردة

فأخيراً، كشف تقرير صحافي يوناني، أن لاعب المنتخب المصري وفريق باوك اليوناني عمرو وردة، تحرش بالصحافية الرياضية ديمي ستاماتيليا، التي التقته مصادفةً في أحد المحال التجارية في اليونان، فطاردها برسائل، كشفت عنها الأخيرة أمام الجميع.   

وردة لم يعاقب، بل حظي بدعم فنانين ولاعبي كرة ومغردين مصريين، على رغم أن هذه الواقعة ليست الأولى. فهي تضاف إلى سلسلة حوادث مشابهة، آخرها تسريب محادثة له مع إحدى الفتيات عام 2019. حتى أن التقرير وصف وردة بأنه “يعاني من ضعف كبير أمام النساء ولا يتردد في مغازلتهن سواء من قرب أو عبر الإنترنت”.

والمفارقة أن وردة طليق على رغم الاتهامات الموجّهة ضده، فيما حنين حسام ومودة الأدهم وريناد عماد ومنار سامي وغيرهن من مستخدمات تطبيق “تيك توك” في مصر، خلف القضبان، والتهمة واحدة، “خدش الحياء العام”.

إذاً، فضاء “تيك توك” الذي استخدمته فتيات للتعبير عن أصواتهن وأجسامهن بحرية بعيداً من معايير القولبة القيمية والاجتماعية، والذي تبيّن أنه سهل التقويض، أعادت مصريات اختياره مجدداً لفضح متحرشين وإثارة قضية الاعتداءات الجنسية. والمراهنة الآن على اتخاذ إجراء بحق المتّهم أحمد بسام زكي وأمثاله.