fbpx

“تحالف الحرية” : صحافيون وحقوقيون لبنانيون يتصدون لعسكرة الحريات…

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

أتى إطلاق “تحالف للدفاع عن حرية التعبير في لبنان” بعد توثيق نحو 4000 استدعاء بتهمة “القدح والذم” أمام مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية منذ تظاهرات عام 2015.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“بعد تجربتي، سأقول ما أريد بحرية لأن الناس تحميني، وليس القضاء أو الدولة”… هذا ما قاله الصحافي بشير أبو زيد مؤسس جريدة 17 تشرين/ أكتوبر، في تجمّع إطلاق “تحالف للدفاع عن حرية التعبير في لبنان”. 

بشير هو واحد من مجموعة صحافيين تعرضوا في السنوات الأخيرة، وخصوصاً بعد الانتفاضة اللبنانية لاعتداءات جسدية وحملات ترهيب واستدعاءات عشوائية بسبب ما ينشرونه من نقد أو احتجاج على عمل مؤسسات الدولة ورجالاتها وتجاوزاتهم، على وسائل التواصل الاجتماعي أو في الإعلام. ضُرب بشير مرتين. في المرة الأولى، اعتدت قوى مكافحة الشغب عليه بسبب توثيقه سحل متظاهرين أمام ثكنة الحلو عبر بث مباشر على “فايسبوك”، أما في الثانية، فكانت عندما كتب على صفحته “طفّوا أمام بيت نبيه برّي وضوّوا بيوت الناس”.

يقول أبو زيد إنه واجه شبحين بعد الاعتداء عليه، الأول هو عواقب الضرب النفسية والجسدية عليه، والثاني تمثّل في المعركة في أروقة القضاء، التي غالباً ما تدعم الجهة المعتدية لا سيما إن كانت الأجهزة الأمنية. 

الصحافي بشير أبوزيد

بناء على تجربة بشير وتجارب أخرى لكم أفواه صحافيين وناشطين، أطلقت 14 منظمة لبنانية ودولية، “تحالف للدفاع عن حرية التعبير في لبنان”، للوقوف في وجه محاولات السلطات اللبنانية قمع حرية التعبير والرأي في البلاد، وذلك في “أنتوورك” في الحمراء في 13 حزيران/ يونيو 2020.

والمنظمات هي: “سمكس”، “مؤسسة سمير قصير”، “منظمة إعلام للسلام” (ماب)، “مؤسسة مهارات”، “تجمع نقابة الصحافة البديلة”، موقع “درج”، “ألِف – تحرّك من أجل حقوق الإنسان”، “المركز اللبناني لحقوق الإنسان”، “حلم”، “الجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات”، “نواة للمبادرات القانونية”، “المفكرة القانونية”، “هيومن رايتس ووتش”، “منظمة العفو الدولية”.

أتى هذا الإطلاق بعد توثيق أعضاء التحالف ارتفاعاً مقلقاً في الاعتداءات على حرية التعبير منذ تظاهرات 2015، فسُجّل نحو 4000 استدعاء بتهمة “القدح والذم” أمام مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية فقط، وفقاً لـ”هيومن رايتس ووتش”، علماً أن ناشطين وصحافيين استدعوا أمام أجهزة أخرى. ففي احتجاجات 17 تشرين الأول/ أكتوبر 2019، استدعي ما لا يقلّ عن 60 شخصاً للتحقيق معهم على خلفية منشوراتهم على وسائل التواصل الاجتماعي. 

وفي هذا السياق، تقول آية مجذوب، المتحدثة باسم المنظمة، إن “القوانين الجزائية المختصة بالقدح والذم هي قوانين بالية وفضفاضة، وعلى رغم ذلك، فإن السلطات والأجهزة الأمنية والقضاء يتصرفون بطريقة توحي بانحيازهم للجهات السياسية والدينية التي ترفع القضايا”.

وعلى رغم أن لبنان يُعتبر من البلدان الأكثر حرية في المنطقة العربية، إلا أن شخصيات دينية وسياسية ذات نفوذ تسعى إلى استخدام قوانين تُجرّم القدح والذمّ كأداة للانتقام من منتقديها وقمعهم، لا سيما استهداف أشخاص ينتقدون الوضع الاقتصادي والسياسي المتدهور في لبنان، وبخاصة كاشفو الفساد. يقول جاد شحرور، المسؤول الإعلامي في “مؤسسة سمير قصير”، لـ”درج”، إن المؤسسة سجّلت أكثر من 150 انتهاكاً لصحافي وناشط منذ بداية عام 2020. ويضيف شحرور أن اللافت في أداء السلطة هو تطوير أدواتها القمعية، التي وصلت أخيراً للضرب، فسجّلت “سكايز” أكثر من 20 اعتداء بالضرب لصحافيين في شهر حزيران/ يونيو فقط.  

القمع يتصاعد!

“المشكلة ليست في تعامل السلطة مع الاستدعاءات على أنها حقها وحسب، بل أيضاً إنها تتعاطى مع المستدعين باستهزاء وفوقية، في حين أنها تلجأ لآلية استدعاء مخالفة للقانون”، يقول الصحافي آدم شمس الدين تعليقاً على تجربته.

وهو صحافي استدعته المحكمة العسكرية بحجة “المس بهيبة الدولة”، بعدما انتقد جهاز أمن الدولة بسبب ممارسات تعرض لها أحد الأشخاص واعتقاله زوراً.  

في هذا السياق، تقول دجى داوود من “نقابة الصحافة البديلة في لبنان”، “لم يَعد مُرحّباً بالحقيقة في لبنان. تُمارَس ضدّنا، نحن الصحافيين والناشطين وأصحاب الرأي، وجميع المواطنين، حملة ترهيبٍ لمحاولة إسكاتنا، عبر منعنا من القيام بعملنا… بات العمل الصحافي الميداني جحيماً…”.

وتضيف، “في تجربة الدول الاستبدادية، لنا درس عن تكميم الأفواه عبر استهداف الإعلام واختلاف الآراء أولاً، ثمّ منع التعبير عنها مطلقاً. كان لبنان منطلقاً للدفاع عن أصدقائنا وزملائنا ورفاقنا المنكّل بهم في بلدان الاستبداد، لكننا بتنا اليوم خائفين من المصير نفسه… مصير الإخفاء القسري والاعتقال بسبب إبداء الرأي، كما الزج بالعسكرة في قضايا الحريات وحقوق المدنيين”.

في ظل استهداف مصوّرين بالأسماء والوجوه، ومراقبة صحافيين، وتهديد من يتجرّأ على انتقاد أصحاب النفوذ والسلطة. إذ تمّ الاعتداء أخيراً على الناشط والمحامي واصف الحركة، ليتبيّن لاحقاً في التحقيقات أن المعتدين هم مأجورين مرتبطين بأحد الوزراء. 

هذا عدا عن استجواب عناصر أمنية مراسلين على الأرض ومساءلتهم عن تغطياتهم وأسبابها، واستفزازهم وتصويرهم طوال مدّة التغطية. هو إجراء لحقته استمارة “ترخيص تصوير” صادرة عن مديرية الجيش اللبناني، تستوجب ملأها وإرفاق المستندات المطلوبة للحصول على إذن تصوير! وهذا يشي بأنّ الرأي الآخر بات ممنوعاً، وبأنّ هناك محاولاتٍ لمنع التعبير عنه، في الشارع والفضاءات العامة، كما في الإعلام والمنصّات الخاصة، بالعسكرة لا بالقانون.

السلطة تخفي قانون الإعلام الجديد عن الصحافيين!

هذا كلّه، يأتي فيما يتم ترويج تهمة “الأخبار الكاذبة” كمنطلق لإدانة ناشري القصص الفاضحة لانتهاكات حقوق الإنسان أو لفساد أصحاب السلطة والنفوذ والثروات ونفاقهم.

في المقابل، يتم التحضير لإطلاق قانون إعلام عليه علامات استفهام، إذ يرفض البرلمان مشاركة أحدث نسخة لاقتراح القانون مع أعضاء التحالف والصحافيين، على رغم الوعود المتكرّرة للنوّاب بإشراك المجتمع المدني في صوغ القوانين. كما أن اجتماعات اللجان البرلمانية المكلّفة مراجعة اقتراح القانون وتعديله هي أيضاً غير مُعلنة وغير مفتوحة أمام العموم. 

إلّا أن أعضاء التحالف تمكنوا من الحصول على نسخة مسربة وغير رسمية لاقتراح قانون الإعلام الذي عُدّل في نيسان/ أبريل 2019. وعلى رغم أنّ هذه النسخة تحظر الحبس الاحتياطي لجميع جرائم النشر، بما فيها وسائل التواصل الاجتماعي، “إلا أنها لا تُلغي عقوبة السجن للقدح والذمّ المزعومين، وتزيد في بعض الحالات عقوبة السجن وتُضاعف الغرامات”، وفقاً للتحالف.

تقول ليال بهنام، المسؤولة عن المشاريع في مؤسسة “مهارات”، إن “إقرار القانون الإعلامي الجديد سيؤدي إلى تراجع أكبر في حرية التعبير في لبنان”.

وعليه، طالب التحالف النيابات العامة والأجهزة الأمنية في لبنان بوقف الاستدعاءات إلى التحقيق على خلفية ممارسة حرية التعبير وكشف الفساد، وعدم تجاوز صلاحياتها عبر إلزام المستمع إليهم بإزالة منشوراتهم أو توقيع تعهدّات غير قانونية قبل حصولهم على محاكمة عادلة. كما طالب مجلس النواب بتعديل اقتراح قانون الإعلام ليلائم التزامات لبنان بموجب القانون الدولي، بما في ذلك إلغاء تجريم القدح والذمّ والإهانات، بحيث تقتصر على المسؤولية المدنية ولا تترتّب عليها أي عقوبات سجن. وعدم منح الشخصيات العامّة، بمَن فيهم رئيس الجمهورية، حماية خاصّة من القدح والذمّ أو الإهانة. إذ لا يكفي مجرّد اعتبار أشكال التعبير مهينة لشخصية عامة لتبرير فرض العقوبات. 

استدعي ما لا يقلّ عن 60 شخصاً للتحقيق معهم على خلفية منشوراتهم على وسائل التواصل الاجتماعي. 

ودعا التحالف إلى إلغاء تجريم التجديف والقدح والذمّ أو الإهانات ضدّ الدين، وإلغاء جميع متطلّبات ترخيص الصحافيين، والحصول على الإذن المسبق للمنشورات. كما ألا تكون الرسوم والشروط لتخصيص الترددات لوسائل البث شاقة ومكلفة، وأن تكون معايير تطبيق هذه الشروط والرسوم معقولة وموضوعية وواضحة وشفافة وغير تمييزية.

يعتبر إطلاق التحالف، بخاصة في ظل الأوضاع الراهنة المتدهورة في لبنان، رسالة واضحة للجهات الأمنية والسياسية لرفض القمع ومحاربة الإسكات، خصوصاً في ظل سلطة مزدوجة المعايير في التعامل مع القضايا، إذ إنها سريعة في مطاردة الصحافيين والناشطين، فيما تغيب عن محاسبة الفاسدين. 

ممثلون عن التحالف