fbpx

لبنان: من هم المئة سياسي الذين حوّلوا أموالهم إلى الخارج؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

أن تقرر أن مصلحة مئة مواطن تتقدم مصلحة مليون مواطن، فأنت ترتكب جريمة سياسية، إذا ما قيست الفعلة بمقاييس مصلحة الدولة والأمة. فالبداهة تقول إن مصلحة مليون مواطن تتقدم مصلحة مئة مواطن.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

في الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام الفائت أقدمت مصارف لبنانية على تحويل أموال كبار مودعيها إلى الخارج، وبلغت قيمة التحويلات نحو 6 مليارات دولار. هذا الرقم رسمي، ذاك أن من كشف عنه هو المدير العام المستقيل لوزارة المالية آلان بيفاني لصحيفة “فاينانشيل تايمز”، وهو كان يشغل منصبه في الفترة التي شهدت هذه التحويلات. 6 مليارات دولار هي ودائع نحو مئة من كبار المودعين، في حين يزيد هذا الرقم عن قيمة ودائع نحو مليون مودع لبناني من صغار المودعين، وممن قررت المصارف أن تحجز على أموالهم حينذاك، وهي مستمرة في حجزها ودائعهم إلى اليوم.

أن تقرر أن مصلحة مئة مواطن تتقدم مصلحة مليون مواطن، فأنت ترتكب جريمة سياسية، إذا ما قيست الفعلة بمقاييس مصلحة الدولة والأمة. فالبداهة تقول إن مصلحة مليون مواطن تتقدم مصلحة مئة مواطن. المصارف ارتكبت جريمة، وهي جريمة موثقة بشهادة أرفع موظف في الإدارة المالية اللبنانية. قد يبدو هذا الكلام تكراراً لما دأبنا على قوله طوال الأشهر الأخيرة، إلا أنه هذه المرة موثق بشهادة أعقبها صمت يفوق دويه دوي الجريمة نفسها. والسؤال هنا لا يستثني بيفاني نفسه، فهو لم يستقل لأن جريمة ارتكبت بحق “الأمة”، إنما بسبب الخلاف على الخطة الإصلاحية! ويستحق الرجل مساءلة من قبل المليون متضرر، فأنت أيها المدير المستقيل كنت موظفاً تمثل مصلحة الأمة، فلماذا صمتَّ على جريمة معلنة ومكشوفة وحصلت تحت ناظريك؟ اليوم، وبعد مرور نحو 9 أشهر على بدء الارتكاب صارت الودائع في خبر كان، والمصارف اختبأت خلف وجه قائدها الحاكم بأمر المصرف المركزي رياض سلامة.

فليكفّر بيفاني عن ذنبه الكبير، وليكشف للمليون مودع صغير من هم المئة مودع الذين تقدمت مصلحتهم مصلحة الأمة، ومن هي المصارف التي ارتكبت الجريمة. لن يستقيم وجدان الأمة ولن يستقر الانهيار على شكل وعلى مشهد ما لم نعرف هوية هؤلاء.

فليكفر بيفاني عن ذنبه الكبير، وليكشف للمليون مودع صغير من هم المئة مودع الذين تقدمت مصلحتهم مصلحة الأمة، ومن هي المصارف التي ارتكبت الجريمة. لن يستقيم وجدان الأمة ولن يستقر الانهيار على شكل وعلى مشهد ما لم نعرف هوية هؤلاء. نتوقع أن معظمهم سياسيون، وأنهم شركاء المصارف في الجريمة، وتسربت أسماء بعضهم، لكن ثمة فرصة بيد رجل قدم استقالته وقال إنه لم يكن يوماً جزءاً من هذا النظام، لكشف جريمة بحجم مليون مواطن. الاستقالة لا تكفي لنصدقك أيها المدير المستقيل. لقد كنت في منصبك لنحو 20 عاماً، وكانت خاتمتها الأشهر الثلاث الأخيرة من العام الفائت، أي الأشهر التي شهدت ذروة الجريمة. كفّر عن ذنبك واكشف عن وجوه المرتكبين. يجب أن يتوج فعل الندامة بهذا الكشف.

لكن الانهيار في لبنان لا تقتصر صوره على هذه المأساة، فالمشهد العام صار مسرحاً مذهلاً لوقائع يومية لا تقل استدعاءً للذهول من واقعة المئة مودع والمليون مودع. رئيس الحكومة حسان دياب يطلب من الجامعة الأميركية أن تحول تعويض سنوات خدمته فيها إلى حسابه في الخارج. اللبناني الذي اختاره “مجلس النواب” ليدير الأزمة، لا ثقة له بالنظام الذي يمثله. يريد الرئيس تعويضه في الخارج ويريد من اللبنانيين أصحاب الودائع في الخارج أن يحولوا ودائعهم إلى لبنان. الرئيس يراوغ مواطنيه، وهذا أيضاً فعل موثق عبر تصريح رسمي لمحاميته.

والمراوغة تتجذر كل يوم. أمين عام “حزب الله” حسن نصرالله، وهو الحاكم بأمره على ما يدرك اللبنانيون، أعطى توجيهاته لنا نحن رعاياه بأن نباشر بـ”الجهاد الزراعي” درءاً للجوع. في اليوم الثاني لدعوته ظهرت صور رئيس التيار العوني جبران باسيل ينكش أرض منزله بيديه الطاهرتين. نصرالله لم يذهله ما كشف عنه بيفاني، على رغم أن حوالى نصف المودعين الصغار المتضررين هم من أهل المذهب ومن حماته. لا بأس فنصرالله يعرف أن الجوع الذي تسبب به حزبه ودولته لن يفضي إلى صدع في لُحمة المذهب وفي التفافه حول قيادته. أما باسيل صاحب اللياقة الزراعية واليدين المعفرتين بعطر منتوجاته الزراعية، فسنبقى نشك في أنه واحد من المئة مودع إلى أن يبدد بيفاني شكوكنا.

نعم علينا أن نعتبر أن المئة مودع هم المئة سياسي بحسب ترتيبهم بالأهمية. إنهم المئة سياسي ممن لم تحركهم الجريمة السياسية الموثقة التي كشف عنها بيفاني. الرؤساء الثلاثة والرؤساء السابقون للحكومة (في لبنان لا رؤساء سابقين للمجلس النيابي)، والوزراء وأحزابهم، وأصحاب المصارف. يجب أن تعد اللوائح، وأن نجاهر باحتقارنا لهم فرداً فرداً. والأرجح أن تطلبنا هذا يفيدنا نحن، أما هم فقد بذلوا ماء وجوههم وفقدوا ما تبقى لديهم من إحساس بالخجل. تخيلوا أيها اللبنانيون في أي بلد تعيشون! بالأمس أقدم مرافقو وزير الشؤون الاجتماعية والسياحة رمزي مشرفية على الاعتداء على المحامي واصف الحركة. لبس المرافقون أقنعة واستعملوا سيارة الوزارة وأسلحة الدولة وقاموا بفعلتهم، وانكشفت الجريمة ولم يخجل الوزير وبقي يُزين طاولة مجلس الوزراء ويغرد مع رئيسه صاحب الحساب المصرفي في الخارج.

هذه الأفعال كلها تحصل تحت أنظارنا، وهي ليست أفعالاً يحاسب عليها القضاء، فهذا الأخير منشغل برصد الشتائم التي يطلقها المليون مودع صغير، وباستدعاء مطلقيها الذين لا يستحقون المئة سياسي الذين حولوا أرصدتهم إلى الخارج هرباً من بذاءتهم.