fbpx

نفايات لبنان… الكارثة التي لا تفارق أذهاننا

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

هي أزمة متجددة دائماً تصيب المواطنين في صلب حياتهم اليومية وتؤثر مباشرة في صحتهم وسلامتهم.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

عادت روائح النفايات لتطغى على الهواء في بيروت ومناطق لبنانية عدة، ومعها يتكرر مشهد محاولة هروب المارة والسائقين من أكوام نفايات متجمعة في الطرق او مرمية في بعض المناطق. حرارة الصيف زادت من ثقل الهواء وانقطاع الكهرباء والهواء الملوث حول حياة العالقين في منازلهم من دون وسائل تبريد الى محنة قاتلة.

أزمة النفايات إلى الواجهة في لبنان، على رغم تراجع الحديث عنها في ظل لائحة الأزمات التي تطول والتي كلما اعتقدنا أننا تخطينا إحداها تظهر أخرى.

هي أزمة متجددة دائماً تصيب المواطنين في صلب حياتهم اليومية وتؤثر مباشرة في صحتهم وسلامتهم. 

جديد الأزمة ما أعلنته نقابة المقاولين في لبنان عن “عدم قدرة المتعهدين على الاستمرار في أعمال جمع ونقل ومعالجة النفايات المنزلية الصلبة في مدينة بيروت، ومدينة طرابلس وقضاءي المتن وكسروان وأقضية عالية بعبدا، والشوف”. 

هكذا عادت أكوام الزبالة إلى شوارع العاصمة بيروت وضواحيها في ظلّ غياب الحلول الجذرية وطويلة الأمد، ما أثار غضب السكان من اجتياح النفايات أرصفتهم وطرقهم.

هناك من يفسر الأزمة بأن الدولار وتقلبات سعر صرفه عامل أساسي فيها، فالعمال في شركات التنظيفات هم من جنسيات أجنبية وعقود المقاولين تسدَّد أيضاً بالعملة الخضراء، ما سبب تراكم خسائر كبيرة على الشركات. 

نشهد مثلاً إضراباً لعمال شركة “سيتي بلو” المتعهدة بجمع النفايات في مناطق جبل لبنان والضاحية الجنوبية بسبب أزمة الدولار وعجز الدولة عن سداد المستحقات المتوجبة عليها. أيضاً يراكم وباء “كورونا” مشكلات إضافية، فعمّال شركة “رامكو” التي تعمل أيضاً في مجال جمع النفايات في جبل لبنان وبعض مناطق بيروت، أصيب 131 منهم بالفايروس. 

رئيس بلدية بيروت جمال عيتاني أشار إلى أن أزمة النفايات مرحلية ومن المتوقع أن تجمع النفايات قريباً، ولكنه لم يعطِ حلاً فعلياً، تماماً كمن يهرب إلى الأمام. إضافةً إلى أن عدم وجود استراتيجية شاملة لإدارة النفايات الصلبة في لبنان ما يكبّد البلاد تكاليف بيئية وصحية باهظة. 

وثّقت دراسات علمية المخاطر التي يشكلها دخان إحراق النفايات المنزلية في الهواء الطلق على صحة الإنسان، وأثبتت تأثيرها الكثير في الأطفال والمسنين.

ما يحصل أعاد الى الأذهان أزمة النفايات عام 2015، عندما بلغ مطمر برج حمود/ الجديدة سعته القصوى في 30 نيسان/ أبريل 2020 وتوقّف عن استقبال النفايات. في 5 أيار/ مايو، وافقت الحكومة على خطة لتوسيع مطمر برج حمود عمودياً، وهو أحد مطمرين يخدمان بيروت ومحيطها، إنما فقط كتدبير موقت. فالحل غير موجود وجمع النفايات وإخفاؤها عن أعين الناس لم يكن سوى ذرّ للرماد في العيون. فمشكلة النفايات ليست جديدةً على الساحة اللبنانية، إلا أنها تتجدد لتعود وتتصدر الأزمات اللبنانية فكلما أهملت الدولة هذه الكارثة وتكاسلت في إيجاد حلول جذرية، ستتزايد حدّتها. 

ومشكلة النفايات لا تخلو من بعد سياسي، ولا تنجو من الصراعات الزبائنية الطائفية على التموضع الجغرافي للمطامر وتوزيع العقود (الخاصة بالعمل). والصراع الآن هو بين أخذ الأموال من البلديات لدفعها للشركات التي تجمع النفايات وبين عقود فرز النفايات أو معالجتها أو طمرها.

عدم اتخاذ السلطات اللبنانية إجراءات فعالة لمعالجة انتشار إحراق النفايات في الهواء الطلق، وغياب المراقبة المناسبة أو المعلومات حول الآثار الصحية لذلك، ينتهكان التزامات لبنان بالقانون الدولي. إحراق النفايات في الهواء الطلق خطر، لكن يمكن تجنبه، وهو نتيجة عقود من عدم تعامل الحكومة مع النفايات الصلبة بطريقة تحترم القوانين البيئية والصحية المصممة لحماية الناس. 

وثّقت دراسات علمية المخاطر التي يشكلها دخان إحراق النفايات المنزلية في الهواء الطلق على صحة الإنسان، وأثبتت تأثيرها الكثير في الأطفال والمسنين. لذلك يبدو ملحاً أن يوقف لبنان مجزرة إحراق النفايات في الهواء الطلق وتطبيق استراتيجية وطنية مستدامة لإدارة النفايات، تتماشى مع أفضل الممارسات في مجالي البيئة والصحة العامة ومع القانون الدولي. ومنذ إقرار الخطة الموقتة لمعالجة أزمة النفايات عام 2016 (جرّاء الضغط الناتج عن احتجاجات الشارع عام 2015)، لم تستطع الحكومة تطبيق أي حلول علمية مستدامة، أو أنها لم ترِد ذلك أساساً.

لم يتغير شيئ

يكتفي الأفرقاء بحصر المشكلة بعدم وجود أماكن للمعالجة، الكلفة، ومن يدفعها… هكذا كأنّ شيئاً لم يتغير، وكأن أي كوارث لم تقع! وهذا ما يفسر قرار الحكومة برفع مستوى مطمر الجديدة، وتمديد خطط الطوارئ لعام 2016، ووعد جديد بدفع «حوافز» إلى البلديات (ورشى لمن خلفها من أحزاب) التي قبلت بهذه الخطط!

لكن، لماذا انتظر الجميع إلى اليوم لطرح المشكلة طالما أن القدرة الاستيعابية لمطمر الجديدة كان يفترض أن تنتهي في آذار/ مارس 2019؟ ولماذا «مُدِّد» للمطمر، سراً، لأكثر من سنة، قبل «تفجيره» في وجه الحكومة الجديدة؟ الجواب لا يحتاج إلى الكثير من العناء: المطلوب تأزّم يقود تحت الضغط إلى القبول بتمديد الحلول الطارئة نفسها.

كان على الحكومة السابقة أن تعد خلال أربع سنوات، موعد انتهاء مفاعيل الخطة الطارئة، خطة بديلة أكثر استدامة وعدلاً وتستند إلى استراتيجية وطنية شاملة لم تستطع إنجازها، مستعيضة عنها بما سمّته «خارطة طريق» تضمّنت مطامر كثيرة غبّ الطلب، ورهانات على تمويل من «سيدر» لإنشاء محارق بكلفة وخطورة عاليتين! ولم تأخذ في الاعتبار الأفكار التي تدعو إلى وضع استراتيجية قبل وضع خطط. وهذا ما دفع إلى تعثر الحلول والعودة إلى الخطط الطارئة مجدّداً، ومن دون أي محاسبة جدية، خصوصاً أن كلفة هذه الخطط كبيرة جداً على المستويات كافة.

 فكما يتضح من خلال قانون “الإدارة المتكاملة للنفايات الصلبة” (القانون رقم 80/2018)، فإنّ توجُّه السلطة السياسية الوحيد هو إنشاء أكثر من محرقة للنفايات في لبنان، مع ما يشكّل ذلك من تهديد فعلي لحياة الناس. اللافت أنّ القانون يوكل بمهمة الحدّ من توليد النفايات إلى البلديات، الا أنّ ذلك يتطلب سياسات وبرامج تتضمن محفزات مالية لهذه البلديات، في حين أن الحكومة تعطي البلديات أموالها من الصندوق البلدي المستقل بالقطّارة. وفي الوقت نفسه، يعطي القانون السلطة المركزية حق تجاوز سلطة البلديات في إجراءاتها وخطتها المنفذة. 

تواصل السلطة انتهاك أرواح المواطنين من خلال التقاعس في أداء واجبها.

إذاً، في غياب آليات واضحة لدعم البلديات والزامها باتباع الحلول البيئية لإدارة ملف النفايات، وعدم صدور أي قرارات أو مراسيم عن وزارة البيئة أو الحكومة في هذا الصدد، تؤكد الحكومة أن القانون المقر هو مقدمة لاتباع تقنية التفكك الحراري. هذه التقنية الواردة بشكل صريح في القانون، تعني إمكان إنشاء محارق للنفايات في لبنان، بالتقنية التي تنوي الحكومة اعتمادها، ما من شأنه زيادة المواد السامة، منها مادة “الديوكسين” وهي مادة مسرطنة عالية الخطورة. فإدارة المحارق الضخمة عملية صعبة ودقيقة وتحتاج إلى متابعة، وإلّا ستتسبب بمخاطر صحية يصعب تداركها.

هذا فيما دولة متقدمة مثل الدنمارك تعترف بعدم قدرتها على معالجة أزمة النفايات، لذا تقوم بإرسالها إلى النروج لطمرها في جزيرة خالية من السكان، ومن دون أن تتسرب إلى مياه البحر.

لكن هنا، تواصل السلطة انتهاك أرواح المواطنين من خلال التقاعس في أداء واجبها، فأزمة النفايات تعني أن الحكومة الحالية ما هي سوى استمرار للحكومات السابقة (لا إنجازات ولا إصلاحات)، وكأن اللبنانيين ما كانت تكفيهم الأزمات المالية والاجتماعية والسياسية، ليعود شبح النفايات ويظهر على اللبنانيين في ظل بلدٍ تغيب فيه الدولة وتتجاهل مهماتها وواجباتها تجاه شعبها.