fbpx

حين مشيتُ في بيروت بلا حجابي!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

في نهاية الموعد مع صديقي، كنت بدأت أفكر أين سأغير ملابسي وأرتدي الحجاب، وأي منطقة هي الأكثر أماناً كي أصل إلى ضيعتي، بهيئة الفتاة التي يزينها حجابها، وأحضن أمي، ولا يبقى لي سوى ذكرى هذا النهار الجميل.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

قبل ساعة من الموعد، كنت أشعر بالخوف والإرباك كبير، لم أكن أعلم إن كان صديقي سيلحظني عندما أصل، وكيف سأعرّفه بنفسي،” نعم هذه أنا وهذا شعري، لقد نسيت حجابي في السيارة، إنما لدي وجه الفتاة التي في الصورة ذاته”، ربما سيضحك، ربما سيحضنني، هكذا كنت أفكّر. لحظة وصولي رآني وابتسم لي، شعرت بالراحة. ذهبنا لنجلس في قهوة مجاورة، توالت أحاديثنا وبدأت أسرد له كيف أتخبط بين حياتين.

أخبرته عن شعوري بالضيق من الرداء الذي فرض عليَ، أو الذي اخترته بإرادتي حين كنتُ في التاسعة. لم أعد قادرة على تحمله، إنه يحبس أنفاسي، بالمعنى الحرفي. ولأنني ولدت في عائلة متدينة كثيراً، كنت أعلم أنني لن أستطيع خلعه أبداً، أو حتى لن أجرؤ على طرح الموضوع أمام أقرب الناس إليّ. أدركت أن علي التعايش مع هذا الأمر لفترة طويلة. ونظراً إلى ترسبات دينية واجتماعية عالقة فيّ، كنت أصارع نفسي، فنشأت في داخلي شخصيتان، إحداهما تقول ابقي مكانك، والأخرى ترسم لي كماً من الأشياء التي سأدركهها إن حررت نفسي. 

أذكر حين مشيت في شوارع بيروت لأول مرة من دون حجاب. لم أشعر بأنني أرتكب خطأ، لكنني كنت خائفة من أن يراني أحد. بدأت أتخيل أن هناك من يراقبني، وآخر يصورني، كنت مع صديقتيّ وكانتا تضحكان مني. أجل كنت خائفة جداً، لكنني كنتُ نفسي للمرة الأولى، بعدما كنت غريبة عنها لفترة طويلة. تمنّيتُ أن أبقى هكذا دائماً، لكن حبّ الأهل لعنة.

هي لعبة تمسكوا بها جيداً، فنحن بحاجة إلى عاطفة الأهل، وعاطفة الأم تحديداً، لكن هذه العاطفة أصبحنا نحصل عليها فقط بمقابل. حب أهلنا لنا مشروط، فهم يضربوننا على الوتر الحساس. كم كانت الحياة أسهل لو لم يكن الأمر كذلك، وكان يمكن أن نصارحهم وأن يقبلوا أفكارنا ورغباتنا ببساطة. تلك اللعنة حمّلتني تناقضات وصعوبات كثيرة.

أنا مثلاً عاجزة عن كتابة يومياتي وأفكاري بحرية، حتى أنّ زرّ “اللايك” على السوشيل ميديا محكوم بالمبادئ الدينية والبيئة الاجتماعية. مع الوقت، لجأتُ إلى حذف بعض أفراد عائلتي من صفحتي كي يتسنى لي التعبير قليلاً.

لا أدري إن كنت اعتدت على إبقاء الكلمات لنفسي، لعدم قدرتي على البوح بها متى أشاء، فأصبحت ممن لا يستطعن التعبير، حتى عن المشاعر الجميلة، ما جعلني ضعيفة في تكوين العلاقات مع الآخرين. أصدقائي قليلون، وأخاف كثيراً من أن أخسر أحدهم.

الى جانب ما كنت أعانيه من صعوبات، هناك مواقف طريفة، غبية، ربما أعجز عن وصفها بكلمة مناسبة. في إحدى المرات، كنت في مقهى في بيروت. كنا ثلاثة، أردنا شرب البيرة، وكنت أضع الحجاب، فقلنا للنادل إننا نريد 3 زجاجات بيرة، بعد دقائق أتى حاملاً زجاجتين فقط، ووضعهما أمام صديقيّ. كان الموقف محرجاً، لم أعلم لماذا لم يحضر لي واحدة، كنت غاضبة، فذكّرته بأنني أريد واحدة أيضاً، اعتذر وقدم لي البيرة. 

صعب علي أنني كلما أردت شرب البيرة، أضطر إلى تغيير ملابسي في المقعد الخلفي للسيارة، فيما قد لا يسمح لي الوقت والظروف. لكن بعد هذه الحادثة، صرت لا أشرب البيرة إلا بوجود رخصة، أي شعري مسدولاً على كتفيّ. 

أذكر حين مشيت في شوارع بيروت لأول مرة من دون حجاب. لم أشعر بأنني أرتكب خطأ، لكنني كنت خائفة من أن يراني أحد.

كثيرة هي المواقف التي تؤلمني. هناك مكان عام أرتاده وأصدقائي دائماً. أفكّر في العاملين في المكان، مرة آتيهم بالحجاب، ومرة من دونه، بحسب الظروف، والأشخاص الذين هناك. هل يعرفونني؟ هل يعرفون سرّي؟ هل لحظوا أنني لا أستطيع تحديد قناعاتي أم أنهم يفهمونني وقد رأوا كثيرات غيري يعانين الصراع ذاته؟ كم أود أن يكون الاحتمال الثاني هو الحقيقة.

تلك المواقف الغريبة والمضحكة أحياناً، إضافة إلى أصدقائي الداعمين، ربما تكون أملي الوحيد بالنجاة، وتخطي هذه المرحلة البشعة، وهذا النفاق الذي أضطر إلى خوضه.

في نهاية الموعد مع صديقي، كنت بدأت أفكر أين سأغير ملابسي وأرتدي الحجاب، وأي منطقة هي الأكثر أماناً كي أصل إلى ضيعتي، بهيئة الفتاة التي يزينها حجابها، وأحضن أمي، ولا يبقى لي سوى ذكرى هذا النهار الجميل.

في ذلك العالم المثالي الذي أريده حقاً، حب لأبعد حدود، لا يتطلب منا مجهوداً لنبقيه حياً، هناك أراني على حقيقتي، أهلي يرونني بحجابي أو من دونه، وأسعدهم. لكن لو كنت أملك ذاك العالم المثاليّ حقاً، هل كنت سأصبح ما أنا عليه الآن؟ أم أن هذه المعاناة كانت جزءاً أساسياً في تكوين شخصيتي التي منحتني رؤية الأشياء بوضوح أكثر؟

على رغم أنني لا أستطيع التعريف عن هويتي، إلا أنني أيضاً لا أستطيع مشاركة هذا المقال على صفحتي الخاصة، إذ علي ألا أتبنى أفكاراً من هذا النوع أو أشجع على نشرها. لكن، أقول لا بأس… ربما ذات يوم ستتغير الأمور.

أنا التي لم أعد أفقه إلى أين أنتمي، من قد يضمني إليه؟ ففي منزلي أنا غريبة، أنا الدخيلة عليهم، وإن خرجت باحثة عن ملجأ، عن مكان ما يشبهني، أكون غريبة أيضاً. ينظرون إلى لباسي، ويكثرون الحديث، كما لو أنني خنت أحداً أو مجتمعاً بأكمله…

تعبت بحثاً عن الطريق إلى ذاك المكان الذي قد أرتاح فيه وأتمدّد بلا خوف ولا نكران، يخيفني جسدي، يخيفني منزلنا، يخيفني أيّ شيء!