fbpx

الجامعة الأميركية تتماهى مع السلطة: أسوأ حكومة وأسوأ إدارة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

كيف لمن قرر مواجهة الخصم الأصعب في البلد أن يصمت أمام المشهد المفجع على مداخل الجامعة والمستشفى؟ وإن كان فضلو خوري ينطق بما يقوله لبنانيون من أن حكومة “حزب الله” هي “الأسوأ” فكيف يمكن وصف الإدارة الحالية للجامعة الأميركية؟

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“لا وقت لدي للجلوس والبكاء، لن أفعل ذلك. علي أن أفكر كيف يمكن أن أتدبّر أموري”.

تلقت ليلى (اسم مستعار) ظرفاً مختوماً يتضمن رسالة رسمية بإنهاء عملها في القسم الإداري من الجامعة الأميركية، التي مضى على عملها فيها 30 عاماً. 

قبل عشرة أيام فقط، عاد زوجها من الخليج بعدما توقف عمله بسبب صعوبات الوضع الاقتصادي وتأثيرات وباء “كورونا”. 

اليوم بات كلاهما بلا عمل في أصعب مرحلة يمرّ فيها لبنان. 

لقد دفع الموظفون المصروفون ثمن توسعة “سياحية” تماما كما دفع اللبنانيون كلهم ثمن حقيقة أن بلد ما بعد الحرب لم يكن فندقاً وملهى بل كان ساحة رسائل إقليمية وصندوق.  الأهم هو أن إدارة الجامعة الأميركية اختارت الشريحة الأضعف وحولتها إلى كبش فداء السياسات الخاطئة التي تسببت بالأزمة

ليلى لديها ابنتان، الكبرى في سنتها المدرسية الأخيرة وهي كانت دائماً تعد نفسها بأنها ستدرس في الجامعة الأميركية حيث درست أمها وعملت، وحيث تسمح التقديمات التي يحصل عليها الموظفون بتعليم أبنائهم بمنح جامعية في الجامعة الأهم في لبنان.

“ابنتي أصيبت بصدمة وهي حزينة، فهي مذ كانت صغيرة كنا نتحدث أنها ستدرس في الجامعة الأميركية، وحين كنت التقي الطلاب في قسم التسجيل كنت أنتظر اللحظة التي أرى فيها ابنتي بينهم… هذا الأمر يبدو بعيداً اليوم”.

بحسب رسالة الصرف ستنال ليلى تعويضاً قدره راتب 20 شهراً، وهذه الرواتب تضاءلت قيمتها مع تراجع سعر صرف الليرة لتصبح ثلث قيمتها الأصلية وأحياناً ربعها، وهي كانت محددة بما يعادلها بالدولار. صحيح أن الضمان الصحي سيبقى متوفراً ولديها الآن نحو سنة لتدبر نفسها لكن الانهيار المالي والاقتصادي الذي يعيشه اللبنانيون قد يجعل من الصعب ايجاد فرصة عمل بسهولة. 

لم تكن ليلى وحدها، فهي وزميلتها وصديقتها لأكثر من 20 عاماً ندى غادرتا المبنى الإداري معاً بعد تبلغهما الصرف من العمل. وندى تفصلها سنوات قليلة عن سن التقاعد. كانت تتطلع إلى أن تغادر مكتبها في الجامعة الأميركية بعد 37 عاماً من العمل، في حفل تكريمي كالذي شاركت مرات عدة في إعداده لزملاء لها استقالوا أو تقاعدوا من العمل. 

لكن ذلك لم يحصل. 

ففي يوم الجمعة (17 تموز/ يوليو 2020) تبلغت بظرف مختوم وبعدما تعذر عليها الدخول إلى حسابها الالكتروني في مكان عملها الإداري في الجامعة الأميركية إنهاء خدماتها لتكون ضمن 800 موظف تمّ صرفهم.

قبل تبلغها كانت ندى تصوّر بهاتفها كيف تجمعت هي وزملاء لها في أروقة المكاتب بانتظار لحظة “الإعدام” الوظيفي في جو مشحون بالدموع والخوف والقلق. 

وفعلاً كان يوماً تابعه اللبنانيون بحزن، إذ توالت صور وشهادات من موظفين وموظفات خسروا عملهم. فهذا يشكو كيف سيكمل علاجه وهو مصاب بالسرطان وأخرى تشكو كيف ستواصل الإنفاق على صغارها وحيدة بعد طلاقها وامتناع طليقها عن مساعدتها في دفع المصاريف.

علامات البكاء والذهول على وجوه الموظفين أمام مداخل المستشفى فيما الجامعة الأميركية محاطة بأرتال من آليات الجيش اللبناني بدا مشهداً صادماً. والقصص التي ملأت فضاء اللبنانيين كانت كثيرة وحقيقية ومحزنة، تماماً كما كل القصص المشابهة للبنانيين ولبنانيات فقدوا وظائفهم وأمانهم المعيشي خلال الأشهر الماضية. 

لكن المفارقة هنا، أن الجهة التي تولت صرف الموظفين هي الجامعة الأميركية في بيروت، المؤسسة العريقة التي تأسست عام 1866 أي قبل تأسيس لبنان نفسه ونمت كمؤسسة أكاديمية، بحثية واستشفائية كبرى حتى باتت ثاني أكبر رب عمل في لبنان بعد الدولة.

وما ضاعف من تناقضات اللحظة أنه وفي ذروة هذه اللحظة العصيبة على أكثر من 800 عائلة خسرت مورد رزقها وبانتظار خسارة 800 آخرين كما تردد، اختارت إدارة الجامعة ورئيسها فضلو خوري الصمت. وهذا الصمت يؤشر إلى ضعف في حساسية الإدارة حيال مأساة الموظفين المصروفين، وهو لا يشبه ما كانت ادعته هذه الإدارة وعلى رأسها خوري، عندما أعلنت تأييدها انتفاضة اللبنانيين في 17 تشرين الأول/ أكتوبر 2019. فخوري في تصرّفه هذا يشبه مسؤولي الدولة حين تركوا اللبنانيين بمفردهم في مواجهة الانهيار وهربوا بمكتسباتهم إلى ملاذات آمنة.

وخوري وهو أول رئيس لبناني للجامعة ورئيسها السادس عشر، كان كثير الحضور والكلام في الأشهر الأخيرة، فقد شاهدناه يدعم انتفاضة اللبنانيين في تشرين الأول الماضي، وسمعناه يخوض مواجهة مع الحكومة الحالية ويصفها على التلفزيون بأنها “أسوأ حكومة في تاريخ لبنان” متحدياً رئيس الحكومة حسان دياب الذي يقاضي الجامعة الأميركية لنيل رواتبه وتعويضاته مسبقاً. خوري وضع نفسه في مواجهة مع العهد الذي يرعاه “حزب الله”، ما جعل كثيرين يثنون عليه بصفته يخوض منازلة امتنع عنها كثيرون، أو فشلوا فيها، لكن كيف لمن قرر مواجهة الخصم الأصعب في البلد أن يصمت أمام المشهد المفجع على مداخل الجامعة والمستشفى؟

وإن كان فضلو خوري ينطق بما يقوله لبنانيون من أن حكومة “حزب الله” هي “الأسوأ” فكيف يمكن وصف الإدارة الحالية للجامعة الأميركية؟

قبل أسابيع قليلة عقد خوري لقاء صحافياً تحدث فيه عن صعوبات هائلة تواجهها إدارته محملاً الوضع المالي والاقتصادي في البلد المسؤولية الكبرى عن احتجاز أرصدة الجامعة.

 لكن العجز في ميزانية الجامعة الأميركية في بيروت ليس بسبب الوضع المالي العام الذي فاقمها فحسب، بل يعود السبب الأكبر إلى سوء الإدارة وهو أمر يردده إداريون وأكاديميون كثر داخل الجامعة، فهذه الإدارة أثار أداؤها في السنوات الأخيرة الكثير من علامات الاستفهام، خصوصاً لجهة التوسعة غير المدروسة والتي يقدر أنها بلغت نصف المليار دولار، شملت إنشاءات هائلة في مبانٍ، تحت ذريعة أن الجامعة والمستشفى سيتحولان إلى مركز استشفائي إقليمي ينافس مراكز عالمية مشابهة فتم تأمين تجهيزات فاخرة إلى حد أنه كان هناك مخطط لمهبط طائرات هيلكوبتر وحصل توظيف إضافي لمديرين وموظفين، إضافة إلى تضخم في رواتب وزيادة في أعداد نواب الرئيس.

حالياً يستمرّ تقاذف الاتهامات بشأن من يتحمل مسؤولية التوسعة غير المدروسة وغير المبررة في السنوات الأخيرة، لكن ما بات واضحاً اليوم أن الموظفين المصروفين وحدهم دفعوا ثمنها.

لقد نجت الجامعة الأميركية التي تعد واحدة من أعرق الجامعات في المنطقة العربية- من الحرب الأهلية، حيث جرى خلالها اغتيال اثنين من رؤسائها فضلاً عن انفجار قنبلة في أحد مبانيها، لكنها اليوم تعلن أنها تواجه انهياراً اقتصادياً.

فأين ذهب المال وكل التبرعات التي كانت ولا زالت تتلقاها؟ هل كان هذا أمراً حتمياً؟

الحقيقة التي تؤكدها مجريات صرف الموظفين هي أن الجامعة الأميركية كررت الغلطة التي ارتكبتها حكومات ما بعد الحرب اللبنانية، فقد تم اختزال لبنان بعد الحرب بأنه دولة سياحة وفنادق ومصارف، بلد البحر والحمص والرقص، بلد يقفز فوق حقائق استتباعه الاقليمي وسلاح حزب الله وكل معضلاته نحو الأمام، نحو المصارف والسياحة وتوريط الجميع بسلة المكاسب.. 

هذا تماماً ما كان يقف خلف فكرة التوسعة الهائلة التي خاضتها الجامعة الأميركية في السنوات الاخيرة حيث كانت تراهن على ما يصعب الرهان عليه، فكيف يمكن لبلد ومنطقة تعيش حروبا وازمات ان يكون بمنأى عن كل هذا ويصبح واحة استشفاء باهظ الثمن يتيح للاثرياء الوصول الى المستشفى بطائرة هيلوكبتر.

لقد دفع الموظفون المصروفون ثمن توسعة “سياحية” تماما كما دفع اللبنانيون كلهم ثمن حقيقة أن بلد ما بعد الحرب لم يكن فندقاً وملهى بل كان ساحة رسائل إقليمية وصندوق. 

الأهم هو أن إدارة الجامعة الأميركية اختارت الشريحة الأضعف وحولتها إلى كبش فداء السياسات الخاطئة التي تسببت بالأزمة، واللافت أكثر أن الرواتب الخيالية للمسؤولين عن الجامعة وعلى رأسهم فضلو خوري جرت عملية حماية لها، فرغم تردد كلام عن خوري بأن لا أحد بمنأى عن الاجراءات حتى ذوي كبار المداخيل لكن الواقع هو أن إدارة الجامعة بدأت من حيث كان يجب أن تتردد في البدء.

مرة أخرى ما حصل كان عملية تماهٍ بين الجامعة وبين السلطة في لبنان حين أقدمت الأخيرة على حماية كبار المودعين عبر السماح لهم بتهريب ودائعهم، فسقط الانهيار على رؤوس صغار المودعين.