fbpx

“أنا لي اسم”…

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

انا اليوم مجرد “احدى العاملات” في امبراطوريتهم، ليس لي اسم او توصيف ولا تاريخ إلا ما يقررون ويكتبون، وليس لي أي حق إلا ما يقررون أو أصبحت المرأة الناشز التي تملك صوتاً عالياً يجب أن تعاقب عليه.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

أنا مها غزال، هذا هو اسمي. يناديني به الأهل والأحبة والأصدقاء والزملاء. يناديني به ساعي البريد وبائع الحلوى والجار التركي الذي يبتسم لي كل صباح عندما كنت أذهب للعمل. لي اسمٌ هو الهدية الوحيدة من أبي الذي رحل في بداية طفولتي قبل أن أتعلم لفظ اسمه. لي اسمٌ تفخر به أمي وأخي، وانتظر من ابن أخي الأصغر تهجئته، لأفرح به يخرج كالموسيقى من فمه.

نعم اسمي مها غزال، ربما سمع به أحدكم في الأيام الاخيرة من خلال قضية انتهاك الخصوصية الذي تعرضت له في مكان عملي السابق، وربما سمعه أحدكم قبل ذلك عبر محاولاتي ترك أثر ولو بسيط في عالم الصحافة. لي اسم مسجّل في سجلات الموظفين في “تلفزيون سوريا” -مكان عملي السابق-، غير أن أحداً لم يزود به كاتب البيان التوضيحي الذي أصدره التلفزيون لشرح موقفه من جريمة اختراق خصوصيتي، وتم نعتي عبره بـ “إحدى العاملات”. 

لي اسم ربما مُسح من ذاكرة المدير التنفيذي لمؤسسة “فضاءات” المالكة لتلفزيون سوريا حيث ذكرني في منشور له على فيسبوك بوصفي “الموظف1” يكيل فيه اتهامات كيفية ومغرضة غير واقعية ولا منطقية، ويتابع على مدار اللحظة منشوره، حاذفاً  كل التعليقات التي تنفي روايته أو تضع ملاحظات عليها.

جزء من التعافي النفسي الذي أشعر به اليوم مرده إلى التخلص من الشعور بالقلق من أن يقوم منتهكي خصوصيتي بابتزازي مجدداً،

نعم اسمي مها غزال صحفية وعضو في رابطة الصحافيين وبيت الاعلاميين العرب في تركيا، ومديرة وحدة مراقبة الجودة أدقق أغلب مواد وبرامج المحطة، وأضع ملاحظاتي عليها قبل النشر وبعده لمدة عام كامل في احدى المؤسسات التي يفخر بها المدير التنفيذي لمؤسسة “فضاءات” الذي ينكر اسمي وعملي، مسقطاً إياهما من منشوره، محولاً إياي الى رقم يحاكي الأرقام، التي وضعت على أجساد المعتقلين في صور قيصر.

 بالمناسبة هذه هي المرة الثانية التي أتعرض فيها لاختراق خصوصيتي، فالمرة الاولى كانت في فرع “فلسطين” في شهر شباط/فبراير من عام 2012، وحصل الخرق بتهمة اني شتمت بشار الاسد. هذه المرة  حصل الانتهاك عبر تهمة مشابهة حسبما قال المدير الاداري والمالي في تلفزيون سوريا خلال اجتماع عام أمام موظفي التلفزيون.

انا هنا لا أسرد الحكاية من باب التشبيه مطلقاً، فلن يرقى أحد مهما كانت درجة اجرامه ليقارن بسفاح العصر بشار الأسد او أحد أفرع مخابراته، ولكن هو سرد لتوضيح مدى فداحة الانتهاك الذي ارتُكب بحقي وآليات تبريره من قبل المرتكبين والمشرفين عليهم.

الغريب أن من صاغ البيان لـ”تلفزيون سوريا” يبدو وكأنه يتكلم من خارج المؤسسة، وأكاد أجزم أنه كذلك. لأن كل البيانات السابقة، والتي أساءت لعدد كبير من الأشخاص، كانت مثله، وصيغت خارج التلفزيون، وجاءت كبلاغات الفروع الحزبية لوسائل الإعلام في دول الاستبداد. في أفضل حالات حسن الظن اعتقد أن البيان يحمل جزء من المعلومات التي رتبت على عجل وفي حالات أخرى، قد يكون كاتبه تقصد إهمال ما يعرف من معلومات واستبدلها بأخرى. انا لم اتقدم بأي شكوى للمؤسسة باختراق خصوصيتي، بل إن المدير العام اكتشف اختراق الخصوصية ضمن حالة ابتزاز تعرضت لها أمامه وعلى اثرها، قام بفتح تحقيق بهذا الأمر، وهنا نرى ان من كتب البيان، تقصد تحييد جريمة الابتزاز التي وقعت بحقي، وبسببها تم اسعافي إلى المستشفى لأقيم في العناية المشددة يومين متتالين، ربما كان هذا التحييد لحماية الشخص الذي قام بالابتزاز والترهيب وربما للتقليل من اهمية الجرائم التي ارتكبت،  فاكتفى بذكر الاختراق الذي لم يعد من الممكن اخفاؤه، طبعاً هذا بعد أن شدّد صائغ البيان على أن التلفزيون يتبنى تطلع السوريين للحرية والكرامة.

أصبحت المرأة الناشز التي تملك صوتاً عالياً يجب أن تعاقب عليه.

في ذات الوقت وبعد تأكيد لا معنى له من الناحية الواقعية على حقوق جميع العاملين دون تمييز جندري أو معاملة تفضيلية، حيث انتهكتْ خصوصيتي، وتعرضتُ للابتزاز من شخصية اعتبارية داخل المؤسسة وفصلتُ من عملي دون أي ضمان، استنُكرَ علي البيان وكاتبه أن أخرج واتحدث عن سلسلة الانتهاكات التي ارتكبت بحقي، بعد أن فشلت جهود المدير العام ورئيس مجلس الادارة خلال شهر كامل بالتوصل لأي قرار يحمي حقي وحقوق العاملين في التلفزيون عبر محاسبة مرتكبي هذه الجرائم، التي يمكن أن تتكرر مع أي أحد غيري لو أني فضلتُ الصمت، حيث يستمرئ المجرم جريمته في حال صمتِ ضحاياه كما نعلم.

وفي النهاية ودون ان يتحقق صائغ البيان من سجلي الوظيفي كتب اتهامه لي بسوء التصرف والتجاوزات في العمل متناغماً مع محتويات منشور المدير التنفيذي لمؤسسة “فضاءات”، غافلاً أو مغفلاً أن التلفزيون، كان قد منحني مكافأة قبل شهرين تقديراً لعملي وجهودي، طبعاً انا الموظفة التي لا تمتلك في سجلها الوظيفي اي تنبيه او انذار او لفت نظر. ولكن ما نفع ذلك؟ انا اليوم مجرد “احدى العاملات” في امبراطوريتهم، ليس لي اسم او توصيف ولا تاريخ إلا ما يقررون ويكتبون، وليس لي أي حق إلا ما يقررون أو أصبحت المرأة الناشز التي تملك صوتاً عالياً يجب أن تعاقب عليه.

يعيبون علي اني اتحدث بنفس نسوي، واني اشير بالبنان للتعاملات غير المنصفة بحق النساء، دون أن يسألوا أنفسهم هل كان أحد منهم ليتجرأ على تهديد رجل بخصوصيته، وهل كان أحد منهم يتجرأ على ابتزازه، هل تم التعامل مع الجميع حقاً دون تمييز جندري، طبعا لدي عشرات المواقف التي من الممكن ذكرها تتعلق بالتمييز، ربما ليس آخرها الشتائم التي وجهت من أحد الموظفين لكل النساء بسبب الأرق الذي أحدثته قصتي في المؤسسة، بالإضافة الى التفاوت الواضح بين عدد النساء وعدد الرجال كموظفين ومراسلين وضيوف ايضاً على الرغم من اني لفت النظر مراراً لهذا الأمر.

على ما يبدو أنه بعد البيان وقبله تتقصد إدارة مؤسسة “فضاءات” على تأصيل نهج ارهاب الموظفين عبر استغلال ان المؤسسة هي مصدر لقمة عيشهم، وأنهم أصحاب السلطة والمال متجاهلين سجلهم القضائي المليء بخسارات كل الدعاوى التي رفعت بوجه الصحفيين الذين انتقدوا نهجهم او العاملين السابقين الذين اوقعهم سوء الطالع والحاجة للعمل في طريقهم، ويعودون للتهديد بالقضاء واتهامي بالتشهير، على الرغم أن عشرات المواد الصحفية التي نشرت عبر منصات وسائل الإعلام التابعة لمؤسسة “فضاءات” كانت تتحدث عن ضرورة عدم السكوت عن الانتهاكات وخصوصاً تلك التي ترتكب بحق النساء، وعشرات المواد الأخرى التي تنتقد شبكات التلصص والتجسس.

وفي هذا السياق أريد التأكيد على أن جزء من التعافي النفسي الذي أشعر به اليوم مرده إلى التخلص من الشعور بالقلق من أن يقوم منتهكي خصوصيتي بابتزازي مجدداً، حيث شعرت أني في أمان وسط سيل التضامن والتعاطف معي، وأن المجرم أضعف من أن يستطيع مواجهة كل هذا التضامن، وأن الدائرة الاجتماعية والعاطفية التي تحيطني والتي كنت أخشى انهيارها أشدّ صلابة من السابق بل أوسع وأكبر مما اعتقدت.

أنا لم أشهر بأحد أنا فقط كنت أحاول حماية نفسي من الابتزاز والتهديد، كنت أتعامل مع روح الثورة التي تسكنني بعناية فائقة حتى لا يتم قتلها أو تشويهها.