fbpx

لبنان: “القرض الحسن” و”الأمان” إذ تحتفظان بذهب الناس!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

أزمة “القرض الحسن” هي أزمة نموذج مالي، اعتقد صانعوه أن بإمكانهم التملّص من النظام المالي الرسمي سواء لارتباطهم بـ”حزب الله” المشمول بالعقوبات على المستوى الدولي، أو لرغبتهم في الابتعاد من مخاطر هذا النظام.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

على مقربة من أحد فروع مؤسسة “الأمان للتسهيلات” الماليّة في حي السلّم في الضاحية الجنوبية لبيروت، دارت منذ أيام اشتباكات بالأسلحة الناريّة، وثّق جزءٌ منها فيديو انتشر سريعاً على وسائل التواصل الاجتماعي. استنتج الجميع أن للاشتباكات المسلّحة علاقة بأزمة المؤسسة مع عملائها، والتي تحدّث عنها متضررون في صفحات التواصل الاجتماعي، من دون أن يتضح للرأي العام طبيعة عمل الشركة أو استثماراتها، أو السبب الذي يدفع مؤسسة ماليّة تحمل اسم “الأمان” إلى التورّط في مشكلات من النوع الذي يستدعي استقدام مسلّحين لحماية فروعها. لم تدقق وسائل الإعلام المحلية بالأمر ولم يكشف كثيراً عن سبب اطلاق النار ولماذا حصل.

لكن ما اتضح حتّى الآن، هو أن الشركة تمتنع عن تسليم كامل الذهب المرهون للمقترض بعد سداد قرضه.

https://www.facebook.com/101064834730311/videos/728780487886056/

وفي الضاحية الجنوبيّة أيضاً، يكثر الحديث عن مؤسسة “القرض الحسن”، والمشكلات التي وقع فيها المقترضون الذين أصبحوا مطالبين بسداد ديونهم للمؤسسة بالعملة الصعبة أو بما يوازي قيمتها الفعليّة بالليرة، فيما بات الذهب التي قدموه ضمانات مقابل هذه الديون على المحك. 

اقتصاد الظل 

ببساطة، ثمّة مشكلة اجتماعيّة كبيرة معلّقة، قوامها الكثير من الموجودات الذهبيّة المرهونة، وكتلة ضخمة من القروض بالدولار التي لا يمكن سدادها بسعر الصرف الحالي، ومؤسسة لديها التزاماتها للمودعين ولا تملك القدرة على قبول سداد هذه الديون بالليرة ووفقاً لسعر الصرف القديم. 

بين “القرض الحسن” و”الأمان للتسهيلات”، ثمّة فارق كبير في نوعيّة المخاطر التي تحمّلتها المؤسسات خلال السنوات الماضية، ولذلك اختلفت اليوم نوعيّة الارتدادات التي واجهتها كل من المؤسستين بعد الانهيار المالي في البلاد، كما اختلفت أيضاً طبيعة المشكلات مع عملائهما. وبقليل من التعمّق والبحث، يمكن نستنتج أن لدى كل من “القرض الحسن” و”أمان” نموذجاً تجارياً مختلفاً تماماً، ولو أن البعض يعتقد أن ثمّة تشابهاً كبيراً من ناحية رهن الذهب مقابل القروض. 

لكنّ المشترك بين الحالتين، هو أننا أمام اثنتين من المؤسسات التي خرجت من رحم اقتصاد الظل، بمعنى أنّها نمت خارج النظام المالي والمصرفي الرسمي الذي نعرفه، وخلقت نماذجها التمويليّة الخاصّة والمستقلّة والأهم أنهما تعملان في منطقة نفوذ حزب الله وبرعاية غير مباشرة منه. 

وبينما أصبح من الواضح اليوم نوع الفجوات الموجودة في ميزانيات المصارف ومصرف لبنان، والتي أدّت إلى تعثّر النظام المالي اللبناني، بات من الضروري أيضاً التعمّق في طبيعة عمل هذا النوع من المؤسسات الماليّة البديلة لمعرفة طبيعة الأزمة التي تمر فيها.

الأمان: أين وضعت المؤسسة الضمانات؟

الثابت في موضوع مؤسسة “الأمان للتسهيلات” حتّى الآن هو أنّ الشركة تمتنع عن إعادة كل الذهب المرهون للمقترضين بعد سداد ديونهم، وهو ما يدفع المقترضين اليوم للشك بوجود عمليّة احتيال أطاحت بذهبهم المرهون لدى المؤسسة. لكنّ أصحاب المؤسسة لم يتواروا عن الأنظار حتّى الآن، كما يُفترض أن يفعل من أقدم على هذا النوع من التآمر على موجودات عملائه، والمؤسسة تصر حتّى اللحظة على متابعة عمليّاتها وفتح أبوابها وكأن شيئاً لم يكن. باختصار، ثمّة إشكاليّة تخفيها المؤسسة، لكنّها حكماً أبعد وأكثر تعقيداً مما يتم الحديث عنه من سطو كلاسيكي على ممتلكات العملاء.

https://www.facebook.com/alaman.gold/videos/512118902981643

يشرح سامر (اسم مستعار) قصّته مع مؤسسة “الأمان للتسهيلات”، مذ زارها للمرّة الأولى مستمعاً إلى العروض المتوفّرة لديها. 

عملياً، كانت المؤسسة تقدّم نوعين من العروض بحسب حاجة العميل، فالعميل الذي يحتاج إلى السيولة يستطيع رهن الذهب الذي يملكه لدى المؤسسة، في مقابل قرض تتم جدولته وفق دفعات شهريّة. أما العميل الراغب في الادخار من خلال تملّك الذهب، فبإمكانه شراء ليرات ذهبيّة من المؤسسة نفسها، مقابل سداد قيمتها بدفعات شهريّة معيّنة، على أن تبقى الليرات الذهبيّة التي تملّكها العميل مرهونة لدى المؤسسة حتى سداد قيمتها. يتوزّع عملاء المؤسسة بين العرضين وفقاً لحاجتهم، لكنّ النتيجة المحاسبيّة واحدة: سيلتزم العميل سداد قيمة معينة من المال بالدولار مقابل امتلاكه ذهباً مرهوناً داخل المؤسسة. مع العلم أن شراء الذهب اليوم، وسداد قيمته على دفعات، لا يعني فقط الادخار بالذهب، بل ينطوي على نوع من المضاربة من قبل العميل، خصوصاً أنّه يعني المراهنة على ارتفاع قيمة الذهب لاحقاً في مقابل الدفعات التي يقوم بسدادها بالدولار. وهنا بالذات، يختلف الطابع المغامر لهذه المؤسسة عن نموذج “القرض الحسن”، الأكثر تحفّظاً. 

بحسب سامر بدأت المشكلة مع بدء ارتفاع سعر صرف الدولار الخريف الماضي، واندفاع عدد كبير من عملاء المؤسسة لسداد كامل قيمة ديونهم قبل الاستحقاق، لتفادي دفعها لاحقاً بسعر صرف أعلى، خصوصاً أن هذه القروض كلها مقوّمة بالدولار الأميركي ويجب سدادها بهذه العملة. لم ترفض المؤسسة سداد هذه الديون بهذه الطريقة، لكنّها بدأت رفض تسليم الذهب المرهون للعملاء قبل انتهاء مدّة القرض الأساسيّة بحسب العقد. هذا التطوّر دفع بعض المقترضين إلى التخوّف من سبب هذه القرارات، فإذا كان الذهب المرهون موجود فعلاً في خزائن المؤسسة، لماذا ترفض تسليمه للمقترض بعد سداد قيمة القرض؟ في أي حال، انصاع المقترضون لهذه الشروط سريعاً، خصوصاً كون المؤسسة أشارت إلى بنود في عقود القروض تعطيها الحق بالاحتفاظ بالضمانة حتّى انتهاء فترة القرض الأساسيّة، حتّى لو أبكر المقترض بإيفاء قرضه.

في أي حال، كبرت المشكلة أكثر منذ أشهر، وبلغت حد تحفّظ المؤسسة على إعادة الذهب المرهون حتّى بعد انتهاء مدّة القرض الأساسيّة. هنا أثارت المسألة هلع عملاء المؤسسة، وخرج الموضوع إلى صفحات التواصل الاجتماعي والوسائل الإعلاميّة، خصوصاً أن حجّة الإقفال بسبب إجراءات التعبئة العامة سقطت لاحقاً مع إعادة فتح المؤسسات التجاريّة في البلاد. 

الشركة تمتنع عن تسليم كامل الذهب المرهون للمقترض بعد سداد قرضه.

سامر اليوم هو أحد المقترضين الذين تُحتجز ضمانات قروضهم في المؤسسة، بعدما انتهت فترة قرضه الأساسيّة وسدد ما عليه من التزامات للمؤسسة. آخر تطوّرات القضية بحسب سامر كانت اتصال المؤسسة ببعض المقترضين الذين سددوا قيمة قروضهم، لتتفاهم معهم على إعادة جزء من قيمة الضمانات الموجودة بحوزة الشركة، على أن يتم “تقسيط” بقية الذهب على مراحل. على سبيل المثال، بإمكان من يملك أربع ليرات ذهبيّة أن يسترجع ليرة منها خلال الأيام المقبلة، على أن يسترجع الليرات الباقية في مراحل لاحقة. باختصار، هو نوع من الكابيتال كونترول، لكنّه لا يصل إلى حد الامتناع التام عن السداد كما تفعل المصارف بالودائع المدولرة. 

هذه التطوّرات تطمئن عملاء المؤسسة إلى حد ما، فهي على الأقل توحي بأن أصحاب المؤسسة لم “يشمّعوا الخيط” على الطريقة اللبنانيّة. لكنّ ثمّة الكثير من الألغاز التي لم تُحل بعد: لماذا لا تستطيع المؤسسة رد الضمانات إلى مقترضيها طالما بدأت بإعادة جزء منها اليوم؟ ولماذا تعيد للمقترض ما يوازي قيمة ضماناته الذهبيّة بالدولار، أو بالليرات الذهبيّة، بدل إعادة الذهب الذي قام برهنه سابقاً؟ ماذا حصل لذهب العملاء الأساسي؟ ولماذا تتوسّع المؤسسة اليوم في تسويق برامج مجازفة غريبة، كالحساب الذهبي، الذي يقوم على إيداع العميل لقيمة معيّنة من الذهب لدى المؤسسة مقابل عائد شهري معيّن؟

ثمّة مشكلة اجتماعيّة كبيرة معلّقة، قوامها الكثير من الموجودات الذهبيّة المرهونة، وكتلة ضخمة من القروض بالدولار التي لا يمكن سدادها بسعر الصرف الحالي.

يتحفّظ أصحاب المؤسسة عن شرح طبيعة النموذج الاستثماري الذي تقوم عليه “الأمان”، وهم اكتفوا بإبلاغ عملائهم أن المؤسسة تعاني من “ضغط” على الذهب المودع عليها من قبل المقترضين الذين سددوا التزامتهم باكراً. هنا، يصبح من الواضح أنّ النموذج الاستثماري للمؤسسة قام فعلاً على استثمار الذهب المودع لديها في عمليات معيّنة، أو على الأقل رهنه مقابل هذه العمليّات، وقد تكون المؤسسة راهنت على إعادة الذهب على دفعات لأصحاب القروض. وعمليّاً، أتت أزمة الدولار لتدفع المقترضين إلى المسارعة لسداد القروض وطلب الضمانات، وهو ما خلق هذه الأزمة اليوم بالنسبة إلى المؤسسة.

أما السؤال الذي لا تمكن الإجابة عنه هنا: هل انطوت هذه الاستثمارات على خسائر تحاول المؤسسة اليوم أن تتعامل معها؟ أم أن المسألة تقتصر على ضغط المقترضين لاستعادة الذهب فعلاً؟ كان من المفترض أن تجيب جهة رقابيّة رسميّة ما على هذا السؤال، خصوصاً ما يتعلّق بتفاصيل تقنيّة محاسبيّة لا يمكن الدخول فيها إلا من جهة تملك الخبرة في التعاطي مع هذه المواضيع. هذه الرقابة غائبة اليوم، فالشركة ليست مصرفاً لتدخل ضمن صلاحيّة لجنة الرقابة على المصارف، بل مجرّد شركة تسليف استثماريّة لا تخضع للرقابة من ناحية المجازفات التي تقوم بها. ولذلك، فالدولة ما زالت غائبة عن السمع، على رغم تأكيد جميع العملاء أن المؤسسة – وبعكس مؤسسة القرض الحسن- لا ترتبط بـ”حزب الله” ولا تملك غطاؤه أو “كفالته” المعنويّة. 

القرض الحسن: أزمة دولار

مشكلة القرض الحسن مع عملائه مختلفة. المؤسسة ما زالت تسلّم الودائع لعملائها عند الطلب وبالدولار النقدي، وما زالت تعيد الضمانات الذهبيّة للمقترضين الذي سددوا ديونهم، بحسب تأكيد أكثر من 5 مقترضين ومودعين في المؤسسة. فمن البداية، اقتصر النموذج الاستثماري للمؤسسة على عمليات متحفظة، قوامها الوساطة بين المقترض والمودع، لذلك فالمؤسسة ما زالت تعيد للمقترض الضمانة الذهبيّة ذاتها التي قدّمها للمؤسسة.

لكن مشكلة المؤسسة باتت في مكان آخر. فالمؤسسة سلّفت المقترضين بالدولار، والمقترض مطالب اليوم بسداد قيمة قرضه بالدولار النقدي أو ما يوازي قيمته الفعليّة بالليرة، لتتمكّن المؤسسة من سداد قيمة الودائع للمودعين بالدولار. باختصار، ارتفع حجم الدفعات الشهريّة على المقترض بنحو خمس مرّات نتيجة ارتفاع سعر الصرف في السوق، وبات من الصعب أن يسدد الكثير من المقترضين التزاماتهم للمؤسسة. 

تشرح مصادر مصرفيّة أزمة “القرض الحسن”، فالمؤسسة ليست مصرفاً مسجّلاً لدى مصرف لبنان، لتتمكّن من قبول دفعات القروض بالليرة، في مقابل عمليات قطع (أو صرافة) موازية تجريها مع المصرف المركزي، كما تفعل المصارف اليوم. ولو أنّها كذلك، لربما كان من الممكن معالجة أزمة المقترض بالدولار، في مقابل الدخول في أزمة مع المودعين، كالأزمة التي تشهدها المصارف اليوم. 

ما تقوم به “القرض الحسن” اليوم هو تحمّل المقترض والتغاضي عن المطالبة بالدفعات المتأخرة، والمؤسسة لا تجد مشكلة في فعل ذلك طالما أن القرض مغطّى بالضمانات الذهبيّة. مع العلم أن هناك مقترضين لا يجدون مشكلة في متابعة السداد، وتحديداً أولئك الذين يتقاضون دخلاً ثابتاً بالدولار الأميركي، كحالة المتفرّغين في “حزب الله”. لكن في كل الحالات، من الأكيد أن كتلة القروض هذه ستبقى أزمة اجتماعيّة معلّقة، فلا المؤسسة قادرة على بيع الضمانات لعدم رغبتها بإثارة مشكلة اجتماعيّة كبيرة في أوساط “حزب الله”، الذي يعطيها غطاءه المعنوي، ولا هي قادرة على قبول الدفعات بالليرة والتسبب بمشكلة اجتماعيّة أقسى مع المودعين، الذين ينتمون أيضاً إلى البيئة نفسها.

أزمة نماذج ماليّة

أزمة “القرض الحسن” هي أزمة نموذج مالي إذاً، اعتقد صانعوه أن بإمكانهم التملّص من النظام المالي الرسمي سواء لارتباطهم بـ”حزب الله” المشمول بالعقوبات على المستوى الدولي، أو لرغبتهم في الابتعاد من مخاطر هذا النظام. أما أزمة “الأمان”، فترتبط أيضاً بنموذج نما خارج النظام المالي لرغبة صانعيه بتحمّل مجازفات لا يسمح هذا النظام بتحمّلها، ولو أن هذا النظام المالي نفسه تحمّل بدوره مجازفات من نوع آخر أخطر وأكثر تأثيراً. 

لكن الأكيد اليوم أن هذه النماذج لم تفلح في التملّص من مخاطر النظام الاقتصادي، ولا من تبعات الانهيار المالي الحاصل في البلاد، ولعلّ أبرز دليل على ذلك المشكلات التي ظهرت إلى العلن –باختلاف أشكالها بين النموذجين- بين المؤسستين وعملائهما. 

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!