fbpx

المصارف اللبنانية: “هذا البحر لي”

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

المصارف تريد البحر! الشراهة بلغت منتهاها. في كل يوم يدهشنا أصحابها بتفوقهم على أنفسهم.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

ما نقلته جريدة “الأخبار” عن اجتماع بين الحكومة ووفد من “جمعية المصارف”، ويبدو أنه صحيح، مذهل لجهة مستوى الجشع الذي بلغه مجتمع المصرفيين اللبنانيين، فقد طالب الوفد الحكومة بسداد جزء من ديونها للمصارف عبر الموافقة على نقل ملكية الأملاك البحرية في بيروت للمصارف الدائنة! “الجماعة أخذوا البر وهلأ عينن على البحرَ”! هؤلاء أقدموا على سرقة موصوفة وعلى مخالفة واضحة للدستور اللبناني، وها هم ينتقلون بطموحهم إلى السطو على البحر. البحر الذي يملكه اللبنانيون أنفسهم، ممن سطت المصارف على ودائعهم.

المذهل أكثر في هذا الطموح الوقح هو أن المصارف لم تمنح الدولة ديوناً من أرصدة أصحابها، إنما من أرصدة اللبنانيين، وها هي اليوم تطمح لأن تسترد هذه الديون لنفسها. الأملاك البحرية التي تريد المصارف تطويبها لن تعود إلى المودعين، على رغم أنهم الدائن الحقيقي. “النصبة” هنا طبقات وراء طبقات. أعطت المصارف الدولة ودائع اللبنانيين وتقاضت في مقابلها فوائد خرافية. الدولة الفاسدة عجزت عن سداد الديون، فتحمل المودعون فاتورة إفلاس الدولة ونجت المصارف طبعاً. وفي طريق العودة أرادت المصارف أن تعوض على نفسها، لا على المودعين، عبر المطالبة بالأملاك البحرية. خسارة المودعين أيضاً طبقات وراء طبقات، لقد خسروا ودائعهم ويبدو أنهم سيخسرون بحرهم. وقبل الودائع والبحر كانت المصارف باشرت قضم مدينتهم. ففي كل شارع في بيروت انتصب مبنى لمصرف، وشُيدت حديقة أمام هذا المبنى. وتوزعت فروع المصارف على الساحات وعند المنعطفات، والتهمت لافتات المصارف و”سلوغوناتها” مشهد ما تبقى من مبانٍ تراثية.

المصارف تريد البحر! الشراهة بلغت منتهاها. في كل يوم يدهشنا أصحابها بتفوقهم على أنفسهم. قالوا بالأمس للسيدة التي جاءت لتحول مبلغاً لشقيقها هو عبارة عن قسطه الجامعي في الخارج، إنهم لا يوافقون على تحويل مبالغ للدراسات العليا! الدراسات العليا يجب أن تُدفع “فرش ماني”! لماذا؟ كيف قرر المصرف ذلك؟ نحن فعلاً حيال وضعاء لا يخجلون. ثم أن الموظفين ممن يتولون تنفيذ المهمات الوضيعة المناطة بهم لم يعودوا أبرياء. من يقبل بمهمة أناطه بها مصرف متغول لن ينجو من الفعلة. الموظفة التي تولت إبلاغ السيدة خبر تمنّع المصرف عن تحويل المبلغ لشقيقها ليست بمنأى عن فعلة المؤسسة التي تخدمها. لندقق جيداً بشريط الفيديو. إنهم فعلاً أشرار، أو على الأقل مستخدمون لدى أشرارِ.

يريدون البحر لأنفسهم، وسيعفون الدولة من الديون التي أقرضوها إياها من ودائعنا. نحن أصحاب البحر وأصحاب الدين، لم يأتوا على ذكرنا في طلبهم، لا بل أنهم أخذوا مزيداً من قرارات التضييق علينا. يتيحون لنا دفع أقساط الجامعات إلى مرحلة ما قبل الدراسات العليا، هذا إذا كانت الجامعة في الخارج. المدارس خارج هذه المعادلة، وكذلك الأدوية وفواتير الاستشفاء.

يريدون البحر لأنفسهم، وسيعفون الدولة من الديون التي أقرضوها إياها من ودائعنا.

ثم إن قرار الإطباق على ودائع الناس لم يتخذ بناء على الواقع المالي للمصرف، ذاك أن التفاوتات بين المصارف، لجهة إقراضها الدولة كبيرة، وعلى رغم ذلك جاء قرار الإطباق واحداً. ثمة مصارف أبقت على جزء من أرصدة زبائنها خارج الهندسات المالية، لكنها لم تفعل ذلك لحماية المودعين، والدليل أنها حجزت على الودائع، ولم تتصرف بالودائع الكبرى التي حولتها إلى الخارج بصفتها هامش تحرك يمكن أن تفرج عبره لمودعيها عن جزء من ودائعهم. الإطباق على الودائع جاء كاملاً، ولا ينسجم مع التفاوتات في حجم التورط بالهندسة المالية.

أحد المصارف اللبنانية أبقى على وديعة في أحد المصارف السويسرية خارج الهندسة المالية، وقيمتها نحو مليار دولار. هذه الحكمة لم تنجد المودعين في هذا المصرف، ذاك أنهم كغيرهم من مودعي المصارف الأخرى المتورطة بالهندسات حتى أذنيها، لم ينعموا بحكمة مصرفهم، ولم ينلهم منهاً مليماً واحداً. المصرف وحده من ينعم بهذه الوديعة الحرة الطليقة.

ماذا تريدين من بحرنا أيتها المصارف! أحد المصرفيين أجاب: لماذا ضاقت بعينكم المساحات القليلة المتبقية من الأملاك البحرية؟ السياسيون الذين انتخبتموهم سبق أن قضموا الأملاك البحرية من الشمال إلى الجنوب، واستمررتم بانتخابهم. هذا يقيم قصره على شاطئ عمشيت وذاك أشاد منتجعاً سياحياً على مشارف طرابلس، وتلك سيدة التهمت شاطئ صور. نحن شركاؤهم في حفلة السطو ونريد حصتنا من بحركم.