fbpx

فلسطينيو تونس: تجاذب سياسي يتحكم بقرار منح الجنسية

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“أن تكون فلسطينياً ليس بالأمر الهين فحتى حصولك على عمل أو وثيقة هوية تثبت أصولك أصعب بكثير ممّا تتوقع”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]
هدى العقيدي

كآلاف الفلسطينيين الذين اضطروا للرحيل والعيش في دول مختلفة واجهت هدى العقيدي تعقيدات جمّة للعيش والعمل والتنقل بسبب هويتها. 

وهدى، حاصلة على درجة الدكتوراه في القانون الخاص وهي كانت من فلسطيني لبنان حيث نشأت وعاشت ومن ثم انتقلت الى تونس عام 1984، بعد انتقال “منظمة التحرير الفلسطينية” برفقة والدها المتقاعد حالياً والمرافق الشخصي لياسر عرفات سابقاً. 

 تؤكد العقيدي لـ”درج” عدم تمكنها من الحصول على الجنسية التونسية، ما يعمق معاناتها كفلسطينية تعيش في تونس من دون عمل أو مورد رزق. وحتى معاش تقاعد والدها من “منظمة التحرير الفلسطينية” لم يعد كافياً، “احنا في تونس معلقين لا عندنا جنسية ولا فينا نرجع ولا نقدر نشتغل متل الخلق”.

والعقيدي مرتاحة للقرار التونسي الأخير منح 34 فلسطينياً الجنسية التونسية لكنها كانت ترجو أن تكون ومئات العائلات الفلسطينية المقيمة في تونس، بين هؤلاء. وهذه العائلات تعيش المعاناة ذاتها، بخاصة في ما يتعلق بضيق أفق العمل وتوفير مورد الرزق.

قيس سعيد وقرار الجنسية

مؤخراً، منح رئيس الجمهورية التونسية قيس سعيّد بقرار رئاسي الجنسية التونسية لـ135 أجنبياً من بينهم 34 فلسطينياً. أثار القرار جدلاً واسعاً خصوصاً أن القرار شمل أسماء إشكالية واستثنى أسماء إشكالية أيضاً.

تأرجحت ضفتي الدعم والانتقاد ما بين اعتبار أن هناك من مُنح الجنسية لكنه لا يستحق بسبب “شبهات العمالة” لبعض الدول الخليجية”مخربة مسارات ثورات الربيع العربي” بحسب ما ردد المعترضون، في مقابل استثناء لأسماء معينة وهو أمر اعتبر بمثابة عقاب لتلك الشخصيات بسبب قناعات سياسية. 

أُطلقت حملة افتراضية ضد الصحافي الفلسطيني باسل ترجمان دعا فيها نشطاء محسوبون على “حركة النهضة” الإخوانية إلى إسقاط الجنسية عنه. كما تعالت الأصوات المنددة بعدم إدراج أرملة المهندس التونسي محمد الزواري، في قائمة الذين مُنحوا الجنسية. 

الزواري كان قبل اغتياله في كانون الأول/ ديسمبر 2016 في محافظة صفاقس، عضواً في “كتائب عز الدين القسام”، الجناح العسكري لحركة “حماس” الفلسطينية، وأشرف على مشروع تطوير صناعة طائرات من دون طيار في وحدة التصنيع في كتائب القسام. وذهب تيار ثالث إلى أن قرار منح الجنسية التونسية لفلسطينيين سيلغي حق العودة وسيزيد من “طمس” القضية الفلسطينية.

الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات مع وسيلة زوجة الرئيس بورقيبة – تونس 1985

عالقون منذ الثمانينيات 

عدد الفلسطينيين في تونس لا يتجاوز الـ4000، معظمهم ممن أتى عام 1984 حين غادرت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية لبنان واستقرت في فتونس. منهم مسنون وأطفال وموظفون في السفارة، إضافة إلى الطلبة الذين يعود معظمهم بعد التخرج إلى فلسطين أو يتوجهون إلى عواصم أوروبية. 

 تشير العقيدي إلى أن العدد ليس ضخماً أو مرعباً للسلطات التونسية حتى تستطيع تسوية وضعهم بالتجنيس ومنحهم رخصاً للعمل في المؤسسات التونسية وتفتح لهم طريقاً أوسع للاندماج في المجتمع التونسي.

عائلة هدى العقيدي من مناطق 1948 في يافا، “حصلت على الابتدائية في بغداد، والباكالوريا في بيروت، وحالياً، أنا امرأة مطلقة منذ 2012 أحاول تدبر قوتي بصعوبة في تونس على رغم حصولي على شهادة جامعية مرموقة”.

العقيدي حاولت في في عهد الرئيس السابق زين العابدين بن علي وحتى بعد الثورة تسوية وضعها وتقدمت بطلب للحصول على الجنسية التونسية لكن من دون جدوى.

كل طرف يحاول توظيف مسألة التجنيس بحسب أهوائه والأجندات الخارجية التي يقودها، إلى درجة أن البعض يتهم بعض المجنسين بالولاء لمحور على حساب آخر

جدل “عقيم”

أحمد فايز القدوة صحافي فلسطيني في جريدة “العرب” في تونس، متزوج من تونسية منذ 2008 ومقيم في تونس منذ عام 2001، يقول لـ”درج”: “اليوم تم إنصاف ملفي الذي قدمته في تموز 2011 للحصول على الجنسية بموجب قانون التجنس. القانون يسمح لي بالحصول على الجنسية. لكن كانت هناك دائماً حجة أن الفلسطينيين لا يحصلون عليها تنفيذاً لتوصية من جامعة الدول العربية”. 

ويعتبر القدوة أن توصية الجامعة العربية بالية ولا تقدم ولا تؤخر وظالمة لأن هناك عائلات تكونت في أوطان غير وطنها الأصلي. “هذه مجرد توصية وليست قراراً جامعاً وتمنع هذه العائلات من ممارسة حياتها الطبيعية والإحساس بالأمان الاجتماعي”.

المحلل السياسي وسام حمدي يؤكد لـ”درج” أن “قرار سعيد بمنح 135 أجنبياً الجنسية التونسية من بينهم 34 فلسطينياً، خطوة مهمة بخاصة بالنسبة إلى الجالية الفلسطينية، فحتى الذين يرفعون الآن شعار أن خطوة الرئيس تتعارض مع مواثيق الجامعة العربية التي تشدد على حق العودة، هم يطلقون أحكاماً في غير محلها، لأن الإجراءات المتخذة منحتهم الجنسية التونسية من دون نزع الجنسية الأصلية، هم الآن فلسطينيون تونسيون ولهم كل الحقوق في فلسطين كما في تونس”.

بين الحاصلين على الجنسية، أشخاص يقيمون في تونس وهم متزوجون من تونسيات، وهذه النقطة تجعلهم أحق بالحصول على الجنسية التونسية. 

ويشير حمدي إلى أن بين الذين حصلوا على الجنسية، أشخاص يثيرون جدلاً في تونس، إلا أنهم ليسوا ملاحقين قضائياً أو لديهم علاقات مشبوهة وخطيرة مع أطراف خارجية يمكن أن تمنعهم من أن يصبحوا تونسيين بحسب القانون والوثائق.

كل طرف يحاول توظيف مسألة التجنيس بحسب أهوائه والأجندات الخارجية التي يقودها، إلى درجة أن البعض يتهم بعض المجنسين بالولاء لمحور على حساب آخر، مع أن القائمة بحسب حمدي تضمنت أسماء من مختلف الدول العربية وغيرها، أي أنها لم تكن انتقائية على أساس المحاور الاقليمية التي تتصارع في المنطقة.

وعن أرملة محمد الزواري، يعتقد حمدي أن هناك نقطة قانونية جعلتها لا تندرج ضمن القائمة التي وافق عليها الرئيس، وتتمثل أساساً في أنها تزوجت تونسياً آخر بعد وفاة زوجها.

يذكر أن طلب حصولها على الجنسية كان تقدم به الزواري نفسه عام 2012.

قائمة الانتظار…

في تسعينات القرن الماضي كانت تغيرت أمور كثيرة بعد وفاة الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات، إذ ترى العقيدي أن مئات العائلات الفلسطينية في تونس تأثرت بغيابه وانعكس ذلك سلباً على إقامتهم في تونس. 

تضيف العقيدي: “كنا نعيش فترة ذهبية عندما كانت منظمة التحرير الفلسطينية نشطة في تونس، عدد الكراسي المخصصة لنا في الجامعات التونسية كان أكبر وكنا نأخذ منحاً دراسية أكثر، لكن حين تولت السلطة الفلسطينية زمام الأمور مع الرئيس محمود عباس وحلّت السفارة في تونس مكان المنظمة، وقتها بدأت أنشطتها تجمد شيئاً فشئياً”.

وتجدر الإشارة إلى أن منظمة التحرير الفلسطينية نُقل مقرها من بيروت إلى تونس إثر الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982.

تضيف محدثتنا “لا يمكنني التدريس في الجامعة التونسية، إذ أحتاج إلى ترخيص من وزارتي التعليم العالي والتشغيل، وهذا غير متاح، لأن الإقامة التي أملكها لا تتضمّن ترخيصاً بالعمل”. 

تؤكد العقيدي أن الجنسية التونسية لن تحرمها من حق العودة لأنها جنسية ثانية لا تلغي الأولى. كما أنها ستسهل على مئات الفلسطينيين التعايش بكرامة على حد قولها وتتيح لهم الاندماج. في حين أن “صفقة القرن” قد تعمق معاناة الذين حُكم عليهم بالتيه والشتات في جميع أنحاء العالم، وفشلوا حتى في الاندماج المتكامل في مجتمعات الاغتراب أو حتى الحصول على لقب لاجئ، بخاصة في الدول العربية وفي مقدمها تونس.