fbpx

الزراعة في لبنان : قصة فشل لن يسعفها “الجهاد”

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“الحلول الترميمية ما هي إلا تمييع للواقع، في ظل انهيار الوضع الاقتصادي في لبنان بقطاعاته كافة. ولا يمكن أن نطلب من الناس أن يزرعوا وهم لا يمتلكون مياهاً ولا كهرباءً ولا بذوراً ولا مواد كيماوية.”

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“أنا أعمل في الزراعة منذ أكثر من عشر سنوات ولكن ماذا عن أولادي، هم لا يريدون العمل في الزراعة، هل ستؤمن الدولة فرص عمل لهم؟ أم علينا جميعاً أن نتحول إلى مزراعين مفلسين؟ هل يعرف السيد نصرالله أننا لا نجني أرباحاً، وما نحتاجه لنزرع بات أغلى مما قد نربحه إذا بيعت محاصيلنا أصلاً؟ ارتفع سعر كل شيء وبقيت اليد العاملة رخيصة!”.

هكذا يختصر عطا سلامي (55 سنة) معاناته، وهو مزارع من بلدة روم جنوب لبنان يهتم بعدد من الأراضي في البلدة مقابل أجر أقل من الحد الأدنى للأجور في لبنان.

“وُلدت مزارعاً، ووالدي كان مزارعاً أيضاً، المزارع لا يطمح لأن يصبح غنياً، يكفيه تحقيق الاكتفاء الذاتي وهذا ما بات شبه مستحيل الآن”، يضيف سلامي لـ”درج”. عطا وهو أب لولدين، يروي معاناة اليد العاملة مع ارتفاع سعر صرف الدولار والغلاء المعيشي في ظل عدم زيادة الأجور. “رواتبنا لم تتغير وما نحصّله لم يعد يكفي لشراء حاجاتنا الأساسية من المتاجر التجارية”. 

يعتمد سلامي على الزارعة الموسمية في الأراضي التي يعملها فيها، يأكل مع عائلته مما تنتجه الأرض ويوزع محاصيلها على دكاكين البلدة ليحصل على نسبة قليلة من الربح توفر له شراء ما لا تقدمه الأرض. 

المزارع عطا سلامة

إلى جانب سلامي تجلس زوجته الممرضة مريم، تساعده في أيام العطلة وبعد الدوام أيضاً. “نحضّر المونة، من مكدوس وزيتون في موسم القطاف، السميد والمربى، الزعتر، ونبيعها بحسب الطلب”، تقول مريم لـ”درج”. 

وتضيف: “نحاول تخفيض الأسعار بما يتناسب مع قدرة الناس الشرائية اليوم، فالطلب انخفض على شراء المؤن ولكن إذا خفضنا الأسعار أكثر لن نجني أي ربح، الأمر يصبح أكثر سوءاً يوماً بعد يوم”.

بحسب منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو)، يستورد لبنان 80 في المئة من احتياجاته، سواء كانت منتجات زراعية أو صناعية- صناعية.

وإذا كانت الكوارث الطبيعية والعوامل المناخية، سبباً بارزاً في تلف المزروعات وتراجع إرادة المزارعين وعزمهم، فالدولة اللبنانية لم تؤمن لهم حتى اليوم برنامج تأمين للتعويض عن المتضررين منهم. كما أنها تواصل استيراد منتجات تنافس الزراعة اللبنانية التي يتلف جزء كبير منها كل عام، بسبب عدم قدرة المزارع على التسويق وضيق السوق المحلي.

“الجهاد الزراعي”

مؤخراً دعا الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله إلى “الجهاد الزراعي والصناعي” لإخراج لبنان من أزمته الاقتصادية، وهذه الدعوة بدت بالنسبة الى مزارعين كثر دعوة قاصرة خصوصاً أنها حصلت في وقت يحتضر فيه القطاع الزراعي ويستنجد مزارعون بدولتهم التي تتجاهلهم باستمرار. لا تتوقف السلطة الحاكمة عن ابداعاتها بطرح حلول ترميمية لا تعالج مسبب الانهيار بل تتعامل مع نتائجه، وتحاول التأقلم معها في ظل نظام اقتصادي ريعي فاسد.

الخبير الاقتصادي جاد شعبان يعلّق على طرح نصرالله، قائلاً: “مشكلة خطابات الأحزاب الداعية إلى حل الأزمة الاقتصادية أنها لم تخرج عن الإطار الشعبوي، فهم لم يتطرقوا إلى الأزمة الأساسية التي تعاني منها القطاعات من الزراعة إلى العقارات والمياه التي يديرها مجلس الإنماء والإعمار، إضافة إلى أزمة الكهرباء والمازوت. كل مقومات الزراعة مكلفة وبحاجة إلى إصلاح، الإنتاج الزراعي غير ممكن من دون إصلاح القطاع”. ويضيف شعبان لـ”درج”: “الحلول الترميمية ما هي إلا تمييع للواقع، في ظل انهيار الوضع الاقتصادي في لبنان بقطاعاته كافة. ولا يمكن أن نطلب من الناس أن يزرعوا وهم لا يمتلكون مياهاً ولا كهرباءً ولا بذوراً ولا مواد كيماوية. كما أن الزراعة لن تحل مشكلة الاستشفاء والتعليم…”. ويشير إلى أزمة كساد المحاصيل التي دائماً ما يعاني منها المزارعون بسبب سيطرة الاحتكارات والأسواق الخارجية، “فبينما يدعو نصرالله إلى الزراعة، أكثر من نصف محصول البطاطا هذه السنة مرمي في المخازن لعدم وجود أسواق للتصريف بسبب إصرار وزير الزراعة على إغراق السوق اللبناني بالبطاطا المصرية. فكيف سنضمن أن زرعنا هذا لن يصبح كساداً هو أيضاً؟”.

ويتابع شعبان: “في الفترة الممتدة بين عامي 2016 و2017، أغرت الهندسات المالية الناس لبيع أراضيهم وتسليم أموالهم للبنوك طمعاً بالفوائد العالية، 20 في المئة فائدة من دون أدنى جهد أمرٌ لا يستهان به أبداً، خصوصاً مع تطمينات المسؤولين والزعماء عن الاستقرار المالي والنقدي، فوثقوا ثقة عمياء بهم جميعاً، كيف لا وهم من جددوا عام 2017 وبالإجماع لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة المسؤول عن تلك الهندسات المالية؟ ربما كان من الأجدى أن يُدعى الناس حينذاك إلى استثمار أرضهم بدلاً من بيعها ليتم حجز أموالهم اليوم في المصارف”. يختم شعبان “نحن بحاجة إلى حل متكامل، سياسي اقتصادي اجتماعي ومثل هذه الخطط بحاجة إلى تخطيط من وزارة تخطيط حكومة مركزية أو بلديات تتواصل مع الناس وترشدهم، فمحاولة طمأنة الناس بهذه الحلول الترميمية محاولة فاشلة لتعويم الحكومة وما هو إلا فضح لإفلاسها السياسي”.

أليس المرأة الحديدية الجنوبية

أليس جرجورة (46 سنة) مزارعة من الجنوب اللبناني، تهتم بأرضها هي وزوجها ويليام ويعيشان مما يكسبانه مع ابنهما. ورثت أليس الأرض التي تعمل فيها عن والديها وهي ترعى الدواجن وتصنع النبيذ والعرق، وتبيع المونة في فرن زوجها. “جل ما نأكله من الأرض، ونشتري ما تبقى من احتياجات مما نجنيه من بيع المحاصيل والخبز والمؤن والنبيذ، لدينا ما نأكله حالياً لكن ماذا عن صحتنا؟ نحن كمزارعين نحتاج إلى ضمان اجتماعي وتأمين صحي، ودولتنا الكريمة- لا حياة لمن تنادي”، تقول أليس.

المزارعة أليس جرجورة

تفترش بسطتها أمام الفرن الذي يديره زوجها، تبيع الخضار والفواكه التي لم تُبَع في “حسبة الخضار” -اي سوق الخضار في صيدا. “نعيش من نعمة الطبيعة، جل ما ينتج عنها من مصائب، نحن مجبرون على تحمله ولكن إلى متى سنتحمل إهمال الدولة لنا”، تسأل أليس عبر “درج”. فبحسب ما مزارعين/ات وأليس واحدة منهم، لم تقدم الدولة أي دعم لتأمين الدواء والمبيدات للمزروعات، إضافة إلى عدم مساعدة مربي الدواجن التي ارتفعت أسعار أدويتها ولقاحاتها مع ارتفاع سعر الصرف. 

“يتعب المزارع أياماً طويلة وهو يهتم بالعريشة ليصيبها مرض اللفحة ويقضي على الموسم، أو مثلاً تأتي مجموعة فئران وتلتهم زرعه، الأدوية غالية وأحياناً غير متوفرة”، تقول أليس، “يأتي الدعم أثناء الحملات الانتخابية فقط واذا حصلنا على دعم من دول الخارج فإما يصلنا متأخراً بعد انتهاء الموسم أو يتم احتكاره وبيعه في بعض التعاونيات الزراعية”.

لا يشكل القطاع الزراعي في لبنان أكثر من 2.5 في المئة من ناتجه المحلي ولعل السبب وراء ذلك اعتماد الدولة اللبنانية نظاماً اقتصادياً ريعياً، والذي يتخذ شكل اقتصاد الخدمات، سواء كانت ‏مالية أو عقارية. فيما يغيب ‏الاقتصاد الإنتاجي الذي يتشكّل من نمو قطاعات الزراعة والصناعة والاستثمارات ‏على أنواعها.‏ ولهذا فإنّ الاقتصاد الذي يقوم مثلاً على نمو حجم الودائع المصرفية أو سندات الخزينة ‏السيادية أو تطور الأسواق المالية، أو حتى على سوق العقارات والنفط والثروات الطبيعية، هو عملياً ‏اقتصاد ريعيّ معرّض للمخاطر في كل لحظة. والخطورة تأتي من عدم تحقيق استدامة النمو، فيصاب ‏الاقتصاد بالشلل، تماماً كحال الاقتصاد اللبناني.

يعيش المزارع تداعيات الاقتصاد الريعي في يومياته، ويعجز عن إيجاد حل ليترك وحيداً “يصارع طواحين الهواء”، من دون أي تدخل من الدولة. ويعد ملف الزراعة الأبعد من اهتمام الحكومات المتعاقبة، ويعاني المزارع اليوم من مشكلات معقدة ومتراكمة، بداية من انعدام الدعم الحكومي وكلفة الزراعة الباهظة، إضافة إلى حجز المصارف على أمواله.

الخبير الزراعي د.علي درويش، مسؤول مصلحة البيئات في “حركة مواطنون ومواطنات” في دولة، يوضح لـ”درج” أن “وضع القطاع الزراعي في لبنان معدوم وفي تراجع مستمر وملحوظ، وهو يعاني من مشكلات عدّة منها كساد المواسم، استيراد المواد الغذائيّة غير المدروس، عدم تقديم التعويضات للمزارعين عند الخسارة، تقلّبات المناخ غير المتوقّعة، وآخرها ارتفاع سعر الصرف وغلاء المواد والأدوية والأعلاف وغيرها، ما فاقم معاناة المزارعين”. ويضيف: “المخطط التوجيهي الشامل رمي في المهملات واعتمدت السلطة سياسة الريع العقاري ودمرت مفهوم الأرض وقيمتها الإنتاجية، التي يفترض أن تدعمها الدولة”. وعن الخطط النهضوية التي تعد بها الحكومة الحالية يقول درويش: “لا أثر للزراعة في الخطة الإنقاذية، يتحدثون عن الاقتصاد المنتج ولكن ألا يحتاج الاقتصاد المنتج إلى بنى تحتية، من سينفذ الخطة وبأي أموال، في بلدٍ مفلس يرفض أن يستثمر رأس المال الموجود في المصارف لمصلحة الزراعة؟”.

التقرير الأخير الذي أعدّه مركز البحوث والدراسات الزراعية اللبنانية CREAL أشار أن الإنتاج الزراعي في لبنان سينهار عام 2020، إذا لم تتخذ إجراءات مناسبة لمساعدة المزارعين على اجتياز هذه السنة الرهيبة. وفقاً لتوقعات الوكالة الخاصة، التي تجمع بيانات عن القطاع الزراعي، من المتوقع أن يصل الانخفاض في الإنتاج إلى نحو 40 في المئة من إجمالي حصة الزراعة في الناتج المحلي الإجمالي، ولن تتجاوز هذه الحصة 1.2 مليار دولار هذا العام. أما بالنسبة إلى بعض المحاصيل، فيمكن أن يصل الانخفاض إلى 70 في المئة (في القيمة) وأكثر من 50 في المئة (في الحجم) مقارنة بمحاصيل 2018. هذا هو الحال خصوصاً في ما يتعلق ببعض الأطعمة الشائعة في المطبخ اللبناني، مثل البطاطس والبصل، والتي تعد من بين المحاصيل الأكثر تضرراً. سبب هذا الانقطاع معروف وهو الأزمة المصرفية والمالية التي تعرض للخطر مواسم الزراعة لهذا العام، وبالتأكيد مواسم عام 2021.

بحسب منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو)، يستورد لبنان 80 في المئة من احتياجاته، سواء كانت منتجات زراعية أو صناعية- صناعية. تكمن المشكلة في أن الواردات الزراعية في حالة سقوط حر أيضاً. وانخفضت إلى نحو 32 في المئة في كانون الأول/ ديسمبر 2019 – أحدث رقم متاح – مقارنة بالفترة نفسها من عام 2018، وفقاً لهيئة الجمارك. يرتبط هذا الاتجاه بانخفاض حصة الناتج المحلي الإجمالي للزراعة، ويثير مسألة النقص المحتمل. لفهم سبب تأثر الزراعة أكثر من القطاعات الأخرى، على المرء أن يعرف أنه منذ نهاية حرب 1975-1990، كان الفاعلون الرئيسيون – تجار الجملة والموردون المحليون، المزارعون – يعيشون على الائتمان. يتم تمويل التدفق النقدي الحالي حتى من خلال ائتمانات من شركات استيراد المدخلات، والتي تعتبرها وسيلة لضمان بيع البذور والأسمدة وغيرها من منتجات الصحة النباتية.

تتولى وزارة الزراعة في لبنان مهمات تنفيذية وتنظيمية وتشريعية، إضافة إلى مراقبة أعمال الجمعيات التعاونية والغرف والهيئات الزراعية والتي باتت شبه غائبة عن دورها، ومراقبة الاتجار بالمواد الزراعية وإعطاء إجازات باستيرادها أو تصديرها ضمن حاجات البلد، فيما يعاني المزارعون من احتكار بعض التجار الموارد ورفع سعرها بحسب سعر الصرف اليومي.

عند سؤال “درج” وزير الزراعة الحالي عباس مرتضى عما إذا كانت هناك خطة استراتيجية للنهوض بالقطاع الزراعي في ظل الأوضاع المتردية، وعد بأنها ستكون بمتناول جميع الناس قريباً، لكن لا حلول تمت بلورتها وصرخات المزارعين تتواصل.

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!