fbpx

“لا نريدكم بعد اليوم”:
الداعمون ينفقون مليارات الدولارات لإبقاء أبوابهم مقفلة وليبقى اللاجئون السوريون بلا مأوى.

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“الدول الداعمة التي استجابت للأزمة السورية بأكبر التبرعات، هي من بين الدول التي أغلقت أبوابها بوجه طالبي اللجوء السوريين”…

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“الدول الداعمة التي استجابت للأزمة السورية بأكبر التبرعات، هي من بين الدول التي أغلقت أبوابها بوجه طالبي اللجوء السوريين”

في إحدى المجموعات الخاصة على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك، والمسماة “أخبار إعادة التوطين”.

يتابع الأعضاء أحد المنشورات التي تبشر بزيادة عدد السوريين المحظيين بإعادة التوطين عبر برنامج المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في عام 2020.

وبعد مرور قرابة العقد على معاناتهم في شتات اللجوء في دول الجوار تفاءل المتابعون مغدقين الدعاء أملاً بالفوز ليكونوا أحد الـ 25 ألفا ممن تخطط المفوضية لإعادة توطينهم في بلد ثالث.

في مخيم الزعتري شمالي الأردن قابلت أحد متابعي هذه المجموعة اللاجئ السوري جميل هو واحد من 77 ألف لاجئ سوري أصبحت هذه البقعة من الصحراء موطناً لهم.

جميل شاب ثلاثينيٌّ طويل القامة أسود الشعر حنطي البشرة. عند لقائه تطغى عليك ملامحه العربية الضاربة الجذور في أصولها. وهو أحد الكثيرين ممن استقبلوا ذلك المنشور بالدعاء للفوز بفرصة إعادة التوطين في بلد ثالث أملاً بتأمين مستقبل هنيء لزوجته وأطفاله.

أثناء ارتشاف كوب من الشاي في كرفانةِ جميل المتواضعة، سألته عن توقعاته بالفوز بفرصة إعادة التوطين

عبر برنامج المفوضية نظراً لعدد اللاجئين السوريين الكبير في الأردن، فأجاب وابتسامة حزينة تعلو محياه: “إنه كحلم إبليس في الجنة” الكل في هذا المخيم يحلمون بهكذا خلاص ولكن ما بيدنا من حيلة سوى الدعاء والأمل.

في بلده الأم كان جميل ميكانيكياً ورث المهنة والورشة التي امتلكها عن والده. لم يحظ بتعليم عال قد يزيد من فرصته في إعادة التوطين في البلدان التي تثمن الخبرات عالية المستوى. هنا في مخيم الزعتري وسط البادية الأردنية يبدأ نهاره كل يوم في التجوال في عبر دروب المخيم باحثاً عن عمل.

هنا وكما في جميع المخيمات، فرص العمل شحيحة، ويعتمد جميل في غالب الأوقات على الحظ وعلى مهاراته اليدوية التي اكتسبها كميكانيكي، فهو ساحر في إصلاح الأشياء المعطوبة، يجد في بعض الأحيان من يحتاج مهاراته ليصلح أو يساعد في إنجاز أمر ما، فيجني لقاء جهده بضع دنانير. إلا أن جولات جميل في البحث عن عمل لا تجني ثماراً في غالب الأيام.

لكن البحث عن عمل ليس هم جميل الوحيد أثناء يومه، فعليه المشي بضع كيلو مترات كل يوم ومراقبة بوابات المتاجر الكبيرة في المخيم، عله يمسك بابنه البكر وقد هرب من المدرسة ليسترزق هو الآخر بعض المال هنا، مساعداً الناس في توصيل ما يشترونه إلى مساكنهم، ففي المخيم لا توجد شبكة مواصلات، وخدمات المساعدة في نقل الأحمال مطلوبة.

يقول جميل أن ابنه أحمد غير مقتنع بالدراسة، فما الذي سيجنيه منها في هذا المخيم المنعزل عن العالم! فالتعليم لن يفسح له الطريق إلى العالم الخارجي. وللأسف تشير الإحصاءات إلى أنه قد يكون مصيباً.

3300 طفل في مخيم الزعتري

يعملون على عربات توصيل الحاجيات وهذا من أكثر أعمال

الأطفال شيوعاً في المخيم.

عندما أشاح الغرب بوجهة عن السوريين

لرؤية الصورة بكل تفاصيلها حول توزع اللاجئين السوريين حول العالم، قمنا بجمع قواعد بيانات من مركز الإحصاء الخاص بالمفوضية السامية لشؤون اللاجئين، والموقع الإلكتروني الرسمي للحكومة الكندية والمركز الأمريكي لتسجيل اللاجئين ومكتب مركز الإحصاء في الأوروبي. أما لتتبع أموال الدعم الإغاثي التي أنفقت لمساعدة السوريين حول العالم فقد اعتمدنا بشكل أساسي على بيانات إحصاءات التنمية الدولية

سيكشف تحليلنا لهذه البيانات عن تحولات في سياسة التعامل مع اللاجئين الغربية التي تكلف دافعي الضرائب الغربيين مليارات الدولارات، وتمنع السوريين الفارين من الحرب من إعادة بناء حياتهم، ولا تقدم أي نوع من الحل الدائم.

خارج إطار هذا الصراع، احتضنت الشعوب الغربية السوريين الفارين من بطش النظام الجائر في بلادهم، ومع استمرار رحى الحرب في زهق أرواح السوريين وطحن أجسادهم، تدفق المزيد والمزيد منهم هرباً خارج البلاد. ومع موجات النزوح الكبيرة هذه، غيرت دول الغرب سياسات استقبالهم كلاجئين ومنحهم حلأ دائما للاستمرار في الحياة، إلى تقديم حلول مؤقتة وإبقائهم في أماكن نزوحهم عبر ضخ مليارات من الدولارات على شكل مساعدات إغاثية طارئة.

أجبر ذلك دول الجوار السوري على أداء دور غير متوقع: فبدل أن تكون ملاذاً مؤقتاً للاجئين ريثما تنتهي الحرب، أصبح عليهم التعامل مع كونهم مستقراً دائما لملايين السوريين الفارين من بلادهم. 

وأصبحت هذه الدول محطة لمليارات من الدولارات من المساعدات الإغاثية التي لم تهدف يوماً لمساعدة اللاجئين على الاستقرار وبدء حياة جديدة بقدر ما تهدف لإبقاء اللاجئين على قيد الحياة إلى حين.

ملايين اللاجئين السوريين عبروا الحدود التركية

سيراً على الأقدام هرباً من الحرب في بلادهم

Photo: AP

اللاجئون السوريون معـلّـقون بـيـن السماء والأرض

مع بداية شهر مايو عام 2020 فر إلى خارج البلاد بسبب الحرب الدائرة في سورية 41 من أصل كل 100 مواطنين سوريين – قرابة الـ 7 ملايين – هُجروا لأكثر من تسع سنوات، وحسب إحصاءات المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، يبدو أن تكهنات صديقنا جميل صحيحة حول إمكانية حصوله على إعادة التوطين.

فالمفوضية استطاعت عبر برامجها إعادة توطين سورياً واحد فقط من أصل كل خمسين فروا من البلاد. أما الـ 5.6 مليون الآخرين فينتظرون بصيص أمل في دول الشتات تركيا ولبنان والأردن والعراق ومصر وشمال إفريقيا.

لن يحصل أي من هؤلاء على صفة لاجئ والتي تفتح لهم المجال في يوم ما للحصول على جنسية البلد الذي لجأوا إليه وسيبقون بصفة طالبي حماية في ملاذهم المؤقت، منقوصي الحقوق المدنية والسياسية.

ولن يحصلوا بشكل متساوٍ مع المواطن أيضا على الخدمات الطبية وحق التعليم وحق العمل، وسيبقون معلقين في الهواء على هذا الحال المؤقت لعقود إلى أن يتحقق حلم العودة إلى الوطن.

لا تقدم حكومات دول الجوار لطالبي الحماية السوريين أي ضمانات اجتماعية، كمعونة البطالة أو غيرها، وهي غير معنية بتأمين سكن لائق لهم، والمعونات الوحيدة التي يحصلون عليها تقدمها المنظمات الدولية والجمعيات الخيرية، وهي لا تتجاوز في المتوسط 27 دولارا أمريكا في الشهر، وهي مخصصة فقط للأشخاص الأشد حاجة.

وعلى الرغم من إصدار بعض التعميمات في هذه الدول لمنح طالبي الحماية السوريين بعضاً من مزايا الحقوق المدنية – كالحصول على ترخيص عمل – إلا أن ذلك لم ينعكس تأثيراً فعليا على مستواهم المعيشي وخاصة في مخيمات اللجوء.

ولم نشهد تهافت السوريين لاستصدار هذه التصاريح، كونها لا تحررهم تماما من قيود قوانين العمل المحلية، ففي الأردن مثلا هم مقيدون بممارسة العمل في 5 قطاعات محددة جميعها في قطاع العمالة اليدوية أو “العمالة السوداء” إن صح التعبير.

بينما في تركيا ولبنان يتصدى لهم نظام الكفالة المعقد والرسوم العالية للحصول على تصريح العمل، مع عدم وجود أي ضمان حقيقي في الحصول على عمل بعد استصدار التصريح.

أجبرت هذه الظروف أعدادًا كبيرة من طالبي الحماية السوريين اليافعين على دخول سوق العمل غير الرسمي، وحتى الأطفال منهم. فقد وثقت منظمات حماية الأطفال حالات لعمالة الأطفال بعمر الأربعة سنوات في تركيا والأردن ولبنان. ففي تركيا وحدها بلغ عدد الأطفال السوريين خارج صفوف الدراسة 400 ألفا، العدد الذي يفوق عدد سكان دولة صغيرة مثل مملكة البهاما.

المحظوظون قلة، وحكومات الغرب الأكثر كرماً تعمل على تقليص أعدادهم

كان سعيد الحسان وعائلته من لاجئي مخيم الزعتري الأردني عام 2013 قبل مغادرته للعيش في إحدى المدن الأردنية. وافتهم أولى أيام عام 2018 بأخبار سعيدة، فقد قبلت الحكومة الفرنسية طلب لجوئهم، وغادروا إليها نهاية شهر شباط/ فبراير ذات العام.

يحمل سعيد شهادة البكالوريوس من جامعة دمشق في الرياضيات والفيزياء وعمل مدرساً في بلده الأم. الأمر الذي اعتبره بلده المضيف الجديد مهما ومنحه الفرصة في الحصول على فرصة إعادة التوطين.

القلق الدائم والعمل المتقطع وممارسة مهن المياومة وحتى في قطاع البناء في الأردن، طوتها الذاكرة مع الماضي. فأطفاله اليوم خلف صفوف الدراسة بشكل منتظم، ولا يثقل روحه هم إعالتهم فالحكومة منتحتهم مسكنا دائما ومعونة اجتماعية تبلغ 1450$ شهريا وأصبحوا اليوم قادرين أن يحلموا بمستقبل سعيد.

سينهي الزوجان الحسان قريبا الساعات الـ 400 من برنامج تعلم اللغة الفرنسية المجاني الذي منحتهم إياه الحكومة عبر مؤسسة رعاية اللاجئين ال “أوفي” التي تمول هذه الدورة في معاهد تعلم اللغة الخاصة.

وبانهائه تعلم اللغة الفرنسية سيدعم مكتب العمل سعيد أيضا لإيجاد وظيفة، وفي حال احتاج لرفع مستواه في اختصاصه ليتم الاعتراف به محليا، سيغطي مكتب العمل تكاليف الدراسة أيضاً للحصول على شهادة معترف بها محليا.

وخلال الدراسة سيحصل على مرتب شهري من مكتب العمل لتغطية المصاريف الطارئة بالإضافة الى المعونة السابقة. فقد صممت هذه البرامج الحكومية ليتمكن اللاجئون من بناء حياتهم من جديد وإن كان بعيداً عن وطنهم الأم.

بيانات الهجرة التي جمعناها تظهر أن 1.3 مليون سوري حصلوا على حق اللجوء في بلد ثالث. ثلاثة فقط من كل 25 منهم تمت إعادة توطينهم عبر برامج المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، بينما شق الآخرون طريقهم من تركيا على قوارب الموت عبر بحري إيجة والمتوسط، ثم مشياً على الأقدام عبر اليونان ودول أوروبا الشرقية ليصلوا مبتغاهم ليتقدموا بطلبات اللجوء في الدول الأوروبية.

معظم السوريين الذين مُنحوا حق اللجوء في بلد ثالث وصلوا إلى أوروبا “قرابة 1.3 مليون سوري”. نصفهم تقريبا قدموا طلبات لجوئهم في ألمانيا. السويد آوت 10 من كل مئة سوري لجأوا الى بلد ثالث، بينما آوت اليونان وهنغاريا كل على حده 6 من كل مئة، وفعلت ذات الأمر كندا فأوت 5 سوريين، واحتضنت النمسا 5 وهولندا 3. أما دول العالم الأخرى فاحتضنت أقل من إثنين من كل مائة سوري لجأوا إلى بلد ثالث.

وعلى الرغم من أن ألمانيا احتضنت العدد الأكبر من السوريين، إلا أن نسبتهم إلى عدد السكان هو الأقل مقارنة بالدول الأوروبية الصغيرة الأخرى. ففي السويد هناك 1241 سوري لكل 100 ألف نسمة من السكان. تلتها قبرص بـ 933 سوري لكل مئة ألف من السكان.

ثالث الدول هنغاريا، إذ تحتوي على 800 سوري لكل مئة ألف مواطن. بينما الرابعة ألمانيا التي تحتوي على 767 لكل مئة ألف مواطن. اليونان تحتوي 670  والنمسا 654 ومالطا 609 سوري، بينما جميع الدول الأخرى آوت أقل من 400 سوري لكل مئة ألف مواطن. فبرامج التوطين متفاوتة بين الدول وحتى داخل الدولة الواحدة حسب المقاطعات.

عشرات المليارات من المساعدات الإغاثية لم تقدم للاجئين حلولاً مستدامة.

قلة قليلة من توقع استمرار الحرب في سوريا لهذا الأمد الطويل إن كان في الغرب أو في دول الجوار السوري ولا حتى السوريين أنفسهم، لكن الواقع يفرض نفسه على الأرض. ومع استمرار هذه الحرب لم يتحول المجتمع الدولي بسياساته الإغاثية من معالجة الأزمات إلى المساعدات ذات التأثير طويل الأمد.

عشرات المليارات من الدولارات قدمتها 43 دولة و26 منظمة خلال التسع سنوات الماضية استطاعت فقط إبقاء طالبي الحماية السوريين أحياء في دول الجوار دون أي أمل في بناء حياة والتطلع إلى المستقبل.

كي نفهم كيف أنفقت هذه الأموال، قمنا بتحليل قاعدة البيانات الإحصائية الخاصة بالتنمية الدولية لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، والتي تقدم أكبر قواعد البيانات بخصوص أموال المساعدات الدولية. 

أظهرت قواعد البيانات هذه أن 39 مليار دولار من المساعدات أنفقت بين عامي 2011-2018 لتخفيف معاناة النازحين السوريين حول العالم.

بنهاية عام 2018 تصدرت تركيا المشهد بتقديم 58 دولارا من كل مئة دولار من المساعدات. تلتها الولايات المتحدة بتقديم 11 دولار، بينما قدمت ألمانيا 9 دولارات والمملكة المتحدة 5 دولارات وقدمت باقي دول العالم أقل من دولارين من كل مئة دولار أُنفقت من الدول المانحة على المساعدات الإغاثية.

على الرغم من حجم المساعدات الإغاثية الضخم إلا أنها لم تعن اللاجئين السوريين على الاستقرار بل قدمت معالجة للأزمات الطارئة فقط. قمنا بتصنيف المساعدات حسب الهدف منها، فتبين أن من كل مئة دولار أنفقت ذهب 75 دولاراً إلى المساعدات والخدمات الإغاثية المادية. 11 دولاراً أخرى ذهبت إلى حاجات الطعام الطارئة، وثلاث دولارات أنفقت لترميم السلم الأهلي، ودولارين لخدمات تنسيق ودعم الإغاثة، ودولارين آخرين للتعليم العالي، والـ 7 دولاراً الباقية ذهبت لتغطية جميع الحاجات الإغاثية الأخرى.

في التمثيل البصري التالي يمكننا استعراض جميع الأموال التي أنفقها المجتمع الدولي لإغاثة السوريين حول العالمبالضغط على الدائرة التي تحوي اسم الدولة يمكننا استعراض الأموال التي أنفقتها هذه الدولة وقطاعات الإنفاق للعودة إلى الخلف انقر في أي مكان فارغ، يمكنك أيضا استخدام الفلتر لعرض النفقات حسب القطاعات

المقايضة: كيف أوقفت الأموال الأوروبية تدفق اللاجئين السوريين

فجأة أعلنت تركيا عام 2015 عن نفقات بقيمة 2.7 مليار دولار على طالبي الحماية السوريين على أراضيها، الغريب في الأمر أن حجم هذه النفقات في الأعوام السابقة 2011-2014 كان صفراً، ومع نهاية عام 2018 وصل حجم النفقات التركية مبلغ 22.5 مليار دولار، هذا المبلغ يتجاوز نصف حجم الإنفاق الدولي بمجمله على المساعدات المقدمة للسوريين الفارين من الحرب في بلادهم.

احتد الموقف بين تركيا وأوروبا بعد وصول قرابة المليون سوري الى القارة الأوروبية قادمين من تركيا بالمجمل بين عامي 2015-2016. في ذلك الوقت أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن بلاده لا تستطيع وحدها تحمل عبء اللاجئين السوريين، وهدد حرفيا بإغراق أوروبا باللاجئين مطالباً الدول الغربية بتقاسم أعباء اللجوء السوري.

وبالعودة إلى الموقع الإلكتروني لإحصاءات التنمية الدولية وتحليل بيانات المساعدات الدولية لتركيا، تبين أن تركيا حصلت على نوعين من المساعدات المالية، مساعدات على شكل هبات بقيمة 10 مليارات دولار، ومساعدات مطلوبة السداد على شكل قروض بقيمة 45.7 مليار دولار.

نستطيع أن نرى بوضوح أن أوروبا لم تتقاعس أبداً في تقديم المساعدات المالية لتركيا، فبين عامي 2011-2018 بلغ حجم المساعدات الدولية لتركيا قرابة 55.7 مليار دولار، وكان الاتحاد الأوروبي ومؤسساته الداعمين الأكبر بتقديم 73 دولارا من كل مئة دولار حصلت عليها تركيا من المساعدات.

يظهر التحليل أيضاً أن حجم المساعدات الدولية لتركيا أرتفع عام 2016 بمقدار 20 دولارا زيادة عن كل مئة دولار حصلت عليها تركيا في العام السابق ووصل المبلغ قرابة 9 مليارات دولارا واستقر هذا الارتفاع خلال العام التالي أيضاً، وأن  ونلاحظ أيضاً أن من هذه الهبات الأوربية لتركيا كان مخصصا للسوريين فقط 11 دولارا من كل 100 دولار منها.

ويُظهر تحليل بيانات تسجيل اللاجئين السوريين في أوروبا أن هذه الاتفاقية آتت أكلها بشكل فوري ففي شهر تشرين الأول – أكتوبر من عام 2016 انخفض عدد السوريين المسجلين كطالبي لجوء في أوروبا بمقدار 14 مقابل كل 20 سوري سُجلوا في العام 2015، ومع نهاية نيسان 2020 لم يستطع 94 سوريا وصول أوروبا مقابل كل 100 وصلوا إليها في عام 2015.

هذه الأرقام تمنحنا الثقة للقول بأن أوروبا اشترت توقيع تركيا على الاتفاقية الأورو- تركية القاضية بوقف تدفق اللاجئين مقابل حصول تركيا على دعم مالي أوروبي إضافي.

الاتفاقية الأورو- تركية كانت الصفعة المفاجئة الثانية لطالبي الحماية السوريين ذلك العام، فقد سبقها بقليل توقيع القرار التنفيذي رقم 13769 من قبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي منع بموجبه طالبي الحماية السوريين من الوصول إلى الأرض الأمريكية.

.وبدأت في التشدد أيضاً سياسات الاتحاد الأوربي لخفض نسبة اللاجئين من بلد ثالث ممن لم يتمكنوا من إثبات أحقيتهم في الحصول على الحماية، وازدادت تشددا في الطرف الآخر من الأرض بتشديد الولايات المتحدة الأمريكية سياسات الهجرة إليها، مما يعني أن عدداً أقل من السوريين سينتهي إلى وطن بديل.

المكاسب والخسائر “إعادة توطينهم أم إبقائهم في المخيمات؟!”

تقول المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في تقريرها “الحاجات الملحة لاعادة توطين اللاجئين ص12” إن السوريين هم أكثر الشعوب حاجة لإعادة التوطين عام 2020، وهناك  646,000 ألفا منهم ممن لجأوا إلى تركيا ولبنان والأردن والعراق وشمال إفريقيا هم بحاجة لإعادة التوطين.

بلا شك أن أعداد النازحين السوريين الهائلة إلى دول الجوار تركيا ولبنان والأردن، أضافت أعباءً هائلة على هذه الدول التي تعاني بالأصل ركوداً اقتصادياً، والتي فيما يبدو لم ترفع أعداد طالبي الحماية السوريين الكبير فيها من نسب البطالة بشكل ملحوظ.

الباحث الاقتصادي في معهد غرب أسيا وشمال إفريقيا كريم الشرابي يدعم ذلك الاستنتاج الأخير، فطالبي الحماية السورية في الأردن هم من الشريحة الأقل أجراً بين شرائح العمل في الأردن، ويرى أن تأثيرهم الفعلي كان على مستوى الأجور في سوق العمل غير الرسمي، مما أثر سلباً على الفئة الأكثر ضعفاً من الأردنيين

وبأي حالٍ، ليس من الإنصاف بشيء اقتصار تأثير موجات اللجوء الكبيرة على سوق العمل فقط، فالبنية التحتية في البلاد المستضيفة تتعرض لزيادة كبيرة في الضغوط بشكل مفاجئ وعليها الاستمرار في تقديم الخدمات بشكل منتظم للمواطنين كالنقل والطاقة والمياه والتعليم والرعاية الصحية، ولا شك أن تكلفة حماية منظومات الخدمات هذه من الانهيار تكلف مبالغ إضافية ضخمة في ميزانية هذه الدول.

في 27/9/2017 قدمت مفوضية الاتحاد الأوروبي مقترح تعديل على سياسات إعادة التوطين، وحسب الدراسة تقدر كلفة سياسات إعادة التوطين الحالية بمبلغ 49 مليار يورو سنوياَ. إلا أن الرقم الأكثر إثارة للاهتمام في الدراسة هو التكاليف المقدرة المتعلقة بمراقبة ومنع الهجرة غير الشرعية والتهريب والاتجار بالبشر والمقدر بـ 19.7 – 33.2 مليار يورو سنوياً.

مما يعني أننا إذا ما افترضنا أكثر السيناريوهات تفاؤلاً وأكثر النفقات تحفظاً، سينفق الإتحاد الأوروبي بين عامي 2018-2020 مبالغ هائلة –53.7 مليار يورو– لإبقاء اللاجئين خارج حدوده، أي ما يقارب الـ 6 أضعاف ما أنفقه لإغاثة طالبي الحماية السوريين خلال الأعوام التسعة الماضية.

إلا أن مفارقات الأقدار الأشد سخرية نجدها عند البروفيسور في الاقتصاد ويليامز ن إيفانز وزميله دانيال فيتزجيرالد من جامعة نوتردام الأمريكية، اللذان وجدا عن طريق برامج الحساب الضريبي، أن اللاجئين بدفعهم للضرائب، يدفعون ما مقداره 21 ألف دولار زيادة عما يتلقونه من معونات ودعم حكومي على مدار العشرين عامًا الأولى من حياتهم في الولايات المتحدة.

ومن هذه الزاوية على وجه التحديد أيضا، يبحث الخبير الاقتصادي في مركز التنمية العالمية ومعهد آيزا مايكل كليمنس في التأثير الاقتصادي للاجئين على الاتحاد الأوروبي، حتى الآن وجد أن تأثير اللاجئين على البلد المضيف إيجابي على المدى الطويل، ويعتمد فقط على السياسات الاقتصادية المحلية للدولة.

يقفز سؤال مهم جداً هنا، هل يقع الأثر الإيجابي للاجئين على الدول الغنية فقط؟. بناء على دراسة أجرتها المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بالشراكة مع البنك الدولي، فإن 180 ألفا من اللاجئين في المخيمات قرب مدينة كاكوما في كينيا شاركوا بما مقداره 56 مليون دولار من العائدات في النظام الاقتصادي خلال عام.

علاوة على ذلك، توصلت الدراسة التي أجراها معهد غرب أسيا وشمال إفريقيا في الأردن إلى 3 توصيات حول كيفية زيادة استيعاب العمال السوريين في سوق العمل المحلي وتحقيق أرباح للاقتصاد المحلي من هذه القوة البشرية الإضافية.

لا يستطيع أحد الجزم كم من السنوات أيضا سيتجول جميل بين دروب مخيم الزعتري باحثاً عن لقمة يومه ومعتمداً بشكل كامل على المساعدات الإغاثية الدولية للبقاء وعائلته على قيد الحياة، بينما استقرت في الجانب الآخر من الأرض حياة سعيد في وطنه الجديد وحال ولوجه سوق العمل قريباً، سيصبح من دافعي الضرائب كمواطن أوربي.

المنهجية:

بهدف تحليل بيانات المساعدات الدولية المتعلقة بالقضية السورية والمساعدات الدولية المقدمة لتركيا اعتمدت على بيانات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية كونها اشمل قواعد البيانات المتوفرة وتم حساب حجم المساعدات وحصص الدول في المساعدات وانواع المساعدات بالاعتماد على هذه البيانات.

ولكي نستكشف توزع اللاجئين السوريين في دول الجوار وحول العالم قمت بمقاطعة عدة قواعد بيانات من المفوضية السامية لشؤون اللاجئين و بيانات مركز الإحصاء الأوروبي وبيانات منظمة الهجرة وتسجيل اللاجئين الامريكية وبيانات الحكومة الكندية وبيانات الامم المتحدة لاعادة التوطين. ولحساب نسبة اللاجئين إلى عدد السكان الأصليين للبلاد اعتمدت على بيانات البنك الدولي للسكان.

وبالطبع اعتمدت على مصادر متنوعة من الدراسات لاكتشاف كلفة إبقاء اللاجئين خارج أوروبا والمردود الاقتصادي للاجئين في الولايات المتحدة الأمريكية ودراسة اخرى حول المردود الحقيقي لقبول اللاجئين ودراسة بعنوان كيف يكون دمج اللاجئين مجديا اقتصاديا ودراسة اخرى حول قياس المردود المادي لعمل اللاجئين في الدول المستضيفة.