fbpx

عبد الرحمن العقاد : الثورة السورية ونبذ المثليين

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

كُرْه المثليين والتنمر عليهم، هو جزء من مسرح قِيَمي واسع يتيح لبشار الأسد تصدر المشهد، ويمنحه شرعية البقاء، الديكتاتور ليس مجرد رئيس احتكر السلطات وألغى الشعب، هو قبل ذلك، نتيجة قيم تشوبه ثغرات كثيرة، وتمانع أي تغيير.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

لا يكتفي كارهو المثليين في المجتمعات العربية، من عامة ونخب، بنفي هؤلاء واستبعاد وجودهم، بالاتكاء على ما هو مجتمعي وديني، ذكوري وإسلامي، بل يعمدون أيضاً إلى ملاحقتهم في موقعهم الوحيد المتاح، أي القيم الغربية. فالأخيرة، التي يستخدمها أفراد مجتمع “الميم” لنيل اعتراف غير متوفر في مجتمعاتهم، هي، في عرف المحافظين، “تهديم لتقاليدنا وديننا وعقائدنا”، وفي عرف “المتنورين” الكلاسيكيين، هي “غزو ثقافي” يسعى إلى “تنميطنا” وجعلنا “تابعاً”. وعليه، فإن المثليين العرب، إذ يفرون إلى هذه القيم، فهم موضع كراهية مزدوجة، لا تضعهم في موقع النقيض لقيم المجتمعات العربية وحسب، بل أيضاً في موقع عدو هذه القيم والمتآمر عليها عبر تلبس الخارج الغربي والإيمان به.

عبد الرحمن العقاد

والقيم، التي لا نصنعها في المجتمعات العربية عبر التوافق والنقاش في فضاء عام حر وديموقراطي، هي امتداد لكل ما هو ما  قبل مدني، من عشيرة وقبيلة وطائفة وذكورة وعنصرية وكراهية للغريب، معطوفة على فهم متفاوت للشريعة الإسلامية يغذي العناصر السابقة كلها. وهي كذلك، أي القيم، لم يشُبها الكثير من التصدّع، على رغم  ما مرّ على منطقتنا من إيديولوجيات “تنويرية” و”ثورية”، فهذه الأخيرة إما صلّبت القيم أو أعادت إنتاجها ضمن منطقها العقائدي. والأخطر، أنها، أغلقت أي أفق للاستفادة من الغرب، عبر تصدير أفكار الاستشراق والغزو الثقافي والسيد والتابع. فغدونا حيال قيم لا تتطور لاستيعاب ميول البشر وخياراتهم الحرة، وفي الوقت نفسه محمية بأفكار متصلبة تشتبه بأي فكرة تأتي من الغرب.

والمثليون، في سلوكهم المقبل تجاه الغرب، حياة وقناعة وإيماناً، يفتكون بهذه المعادلة ويهددون أركانها، ما يجعلهم موضع هجوم دائم، مثل ما حصل مع المثلي السوري عبد الرحمن العقاد، الذي روى، قبل أيام، سيرة معاناته، بسبب هويته الجنسية، من حلب إلى تركيا وألمانيا، معلناً أن أهله الآن باتوا يتقبلونه بلا شروط. العقاد المنتمي إلى أسرة محافظة، ويؤمن بالإسلام، على ما قال، استفز كثيرين، خصوصاً، وقد خرج بنبرة تحدٍ ومواجهة متكئاً على موقعه الجديد في منظومة القيم الغربية.

هذا الموقع، لم يجعل المتنمرين على عبد الرحمن، يصنفونه نقيضاً قيماً لهم وحسب، بل أيضاً جعلهم يقللون من مظلوميته. محاولات انتحار وضرب وإهانة وتهميش، هذه كلها جزء من لعبة التنميط الغربية التي تسعى إلى خلق نماذج غير موجودة في مجتمعاتنا العربية وفرضها علينا، وفقاً للمتنمرين.

معارضة بشار الأسد مرهونة بقبول عبد الرحمن العقاد ودعمه، عدا ذلك فإن الثورة هي فعل إجرائي لا أكثر، بدل أن تكون تطويراً لقيم تلغي الفرديات وتنكل بها. 

والتصلب الثقافي الذي ينطلق منه المتنمرون للنيل من عبد الرحمن، غالباً ما يكون مشفوعاً بما هو سياسي. فالعقاد، ذكر أن أطرافاً معارضين لنظام الأسد في عائلته، هددوه بالقتل بعدما أشهر مثليته، فضلاً عن أن أعداداً وازنة من المتنمرين عليه هم من المعارضين. والحال، فإن السياسي المتمثل بالموقف من النظام السوري، يستمد جذوره مما هو قيمي وثقافي، وبالنتيجة، تتقلص النظرة إلى الحرية وتنمسخ إلى إسقاط النظام فقط، لا استيعاب حيوات المقموعين وتأمين وجودها.

وهذا، ما يتبدى بوضوح، مع مراجعة أدبيات الثورة السورية، المدونة من كياناتها وهياكلها وجمهورها والنخب المؤثرة فيها، إذ افتقدت، لأي ذكر لمجتمع الميم، واكتفت بكلام عام حول الحريات والحفاظ على حقوق الجميع من دون تمييز.

والإغفال المتعمد مرده، الاستسلام لقيم ثقافية – اجتماعية، سبق أن استفاد منها النظام لتكريس منظومته الاستبدادية، فما ينتج الديكتاتورية، هو ذاته ما يطرد المثليين، ويلاحقهم في موقعهم الغربي الذي منحهم حقوقاً وحياة. وتلك القيم، يفترض أن تكون موضع نقد جمهور الثورة على الأقل، خصوصاً أنها استجلبت استبداداً طويلاً وقاسياً، عاند تجاه الثورة ضده وسلّم البلاد للحروب الأهلية والتدخلات الخارجية.

كُرْه المثليين والتنمر عليهم، هو جزء من مسرح قِيَمي واسع يتيح لبشار الأسد تصدر المشهد، ويمنحه شرعية البقاء، الديكتاتور ليس مجرد رئيس احتكر السلطات وألغى الشعب، هو قبل ذلك، نتيجة قيم تشوبه ثغرات كثيرة، وتمانع أي تغيير، من الغرب.  

معارضة بشار الأسد مرهونة بقبول عبد الرحمن العقاد ودعمه، عدا ذلك فإن الثورة هي فعل إجرائي لا أكثر، بدل أن تكون تطويراً لقيم تلغي الفرديات وتنكل بها.