fbpx

يا ميرنا … الوطن ليس فندقاً!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

توفيت ميرنا خنقاً بسبب تراكمات كثيرة منها انقطاع الكهرباء والتقصير الطبي وحرق الإطارات والرطوبة والحرّ مثلها مثل أناس آخرين سمعنا قصصهم من مختلف المناطق اللبنانية.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

عندما أعلن مجموعة من اللبنانيين، في فيديو أعدته الإعلامية ديما صادق، نيتهم الهجرة نهائياً من لبنان بعد شعورهم باليأس من تدهور غير مسبوق يعيشه بلدهم، شاع ردّ حمل عنوان “الوطن ليس فندقاً”. 

للإنصاف، فإن الوطن – وتحديداً لبنان – ليس فندقاً بالتأكيد، فعادة لا تموت الناس في الفنادق اختناقاً، أما في “الوطن” لبنان فيحدث ذلك وسط صمت هؤلاء.. ويتكرر. 

ميرنا غمراوي

أم التوأم .. ماتت أم قُتلت؟ 

عندما انتشر خبر وفاة السيدة ميرنا غمرواي، استرجعت في ذاكرتي كلام جوقة المعترضين على الهجرة. أين هم؟ لماذا لم يبادروا إلى الوعظ بأنه لا ضير في بذل نفوسنا هاهنا عوضاً من الهجرة؟ ولكن الجميع غاب عن المشهد الذي احتلته صور ميرنا. منهم من التزم الصمت، ومنهم من التزم الكراسي، فموت ميرنا، السيدة الحامل بتوأم اختناقاً بسبب نقص الأوكسيجين في جسدها، كان ليكون في أي فندق سبباً كافياً لإسقاط إدارة ورؤوس وربما اقفال الفندق بالشمع الأحمر. فاختناق ابنة الـ37 عاماً نتج عن عدّة عوامل: أولاً استهتار طبي في متابعة حالتها، ثانياً انقطاع متكرر في التيار الكهربائي، ثالثاً ارتفاع الحرارة المستمر المترافق مع ارتفاع معدلات الرطوبة لاسيما في المناطق الساحلية، ومنها منطقة البداوي شمال لبنان حيث قضت. 

حُلم أمومة لم يتحقق

عاشت ميرنا 18 عاماً وزوجها أدهم حنّوف من دون أن يرزقا بطفل. قصة حبهما التي دفعتهما إلى الزواج “شليفة” (خطيفة) بدأت قبل أن يبلغا 19 عاماً، وصمدت أمام تحديات كبيرة.

وفي العام الذي حملت فيه، بعد سنوات من الانتظار والمعاناة، توفيت ومعها طفلاها التوأم (بنت وصبي). نزل الخبر على أدهم، الذي يعمل في السعودية منذ سنوات، كالصاعقة. كان الشاب ينتظر استقبال طفليه لا توديع زوجته. وهو بحسب شقيقه أسامة “يعاني من وضع نفسي صعب جرّاء ما حدث، خصوصاً أنه لم يرَ زوجته منذ ما يزيد عن ستة أشهر، بسبب إغلاق المطارات واضطراره إلى البقاء في السعودية”. 

أدهم تابع وضع ميرنا الصحي منذ اللحظة الأولى لحملها، وكان على اتصال دائم بها، وعندما بدأت تشعر بضيق شديد في التنفس أبلغ طبيبها الذي أكد له أن هذه العوارض طبيعية تحصل مع كل امرأة حامل، خصوصاً من هي حامل بتوأم لأن الطفلين يضغطان أحياناً على الرئتين، وفق شقيقه. وأضاف أسامة: “أمضت ميرنا الأشهر الماضية بشكل طبيعي ولكنها كانت تعاني من نوبات اختناق أحياناً ولا سيما ليلاً، ما يضطرها إلى وضع آلة التنفس الاصطناعي على وجهها. ونتيجة لانقطاع التغذية الكهربائية عن منطقتنا لوقت طويل، حاول أدهم أن يؤمن لزوجته كل سُبل الراحة، فبالإضافة إلى حصوله على 10 أمبير من مولد كهربائي في المنطقة، اشترى جهاز UPS يقدر على تشغيل جهاز التنفس لمدة 10 دقائق عند انقطاع التيار الكهربائي نهائياً”.

اختناق ابنة الـ37 عاماً نتج عن عدّة عوامل: أولاً استهتار طبي في متابعة حالتها، ثانياً انقطاع متكرر في التيار الكهربائي، ثالثاً ارتفاع الحرارة المستمر المترافق مع ارتفاع معدلات الرطوبة لاسيما في المناطق الساحلية

وبحسب والدة أدهم، في إحدى المرات وبسبب انقطاع التيار الكهربائي اضطرت ميرنا إلى فتح نوافذ وأبواب منزلها طلباً لبعض الهواء، فما كان إلا أن اجتاحت المكان رائحة حريق نفايات منبعثة من الشارع المقابل. أزمة تكدس النفايات وعدم القدرة على التخلص منها بطريقة علمية وبيئية مشكلة أخرى يُعاني منها الوطن الذي ليس فندقاً.  

ومع اشتداد حالتها صعوبة تواصل زوجها مجدداً مع الطبيب طالباً منه أن ينقلها إلى المستشفى حيث تخضع لعناية طبية، أو أن يُجري لها عملية ولادة مبكرة خصوصاً أنها كانت في شهرها السابع، لكن الطبيب رفض معتبراً مرة أخرى أن الأمر “طبيعي”، بحسب أسامة. لم يقتنع الزوج بكلام الطبيب، فطلب إلى شقيقه استئجار شقة في منطقة بقاعصفرين الجبلية في الضنية وتجهيزها لتنتقل ميرنا إليها، لاقتناعه بأن الحرّ الشديد وانقطاع الكهرباء باستمرار يضاعفان من معاناتها وشعورها بضيق التنفس، وأن وجودها في منطقة أقل حراً قد يساعدها على التحسن. لكن القدر كان أسرع، فرحلت ميرنا قبل أن تنتقل إلى منزلها الجبلي. 

في الليلة الأخيرة لميرنا لم تكن الكهرباء مقطوعة، لكن نوبة ضيق التنفس كانت قاضية. اتصلت مدبرة المنزل لديها بزوجها مبلغة إياه بأن زوجته لا تقوى على التنفس. اتصل بدوره بشقيقه وأمه الذين توجها فوراً إلى المكان واتصلا بالصليب الأحمر اللبناني. عند وصول فريق الإسعاف انقطع التيار الكهربائي. حاولوا إسعافها لكن من دون نتيجة. تم نقلها إلى مستشفى طرابلس الحكومي وهو الأقرب في محاولة لإنقاذ ما في أحشائها، لكن من دون جدوى. 

بيان العائلة المفجوعة 

ونتيجة للأخذ والرد في قضية وفاة ميرنا، التي كانت رئيسة قسم في معهد دير عمار المهني الرسمي، أصدرت العائلة بياناً توضيحياً أكدت فيه أن “سبب الوفاة هو اختناق وضيق تنفس.. ولا شكّ أن انقطاع التيار الكهربائي كان له تأثير كبير إلا أن التقصير الطبي كان سبباً أساسياً. توفيت ميرنا خنقاً بسبب تراكمات كثيرة منها انقطاع الكهرباء والتقصير الطبي وحرق الإطارات والرطوبة والحرّ مثلها مثل أناس آخرين سمعنا قصصهم من مختلف المناطق اللبنانية. ميرنا لن تعود ولكن نأمل أن تساعد قصتها أناساً آخرين في تجنب تجرع هذه المرارة”. 

 الكهرباء: عود على بدء

بالرغم من أن معمل الكهرباء الواقع في منطقة دير عمار شمال لبنان لا يبعد إلا كيلومترات قليلة عن منطقة البداوي، تنقطع التغذية الكهربائية عن هذه المناطق المحرومة لوقت طويل. أزمة لبنان مع التيار الكهربائي تعود إلى ما بعد الحرب الأهلية. حينها كثرت الوعود بانتشال البلد من العتمة، إلا أنه آخذ بالغرق في أعماقها يوماً بعد يوم.

ثلاثون عاماً تم خلالها انفاق ما يزيد عن الـ37 مليار دولار في قطاع الكهرباء دون أي تقدم بل وصل لبنان الى مرحلة يضطر فيها أهل الى اللجوء الى دكاكين او شركات كهرباء لضمان عمل أجهزة طبية خاصة بابنائهم المرضى.

ومؤخراً و بعد فضائح استئجار البواخر لإنتاج الطاقة، وفضيحة الفيول المغشوش، يعيش اللبنانيون يومياتهم مع فضيحة العتمة التي تظلل لياليهم بسبب عدم قدرة الدولة على شراء الفيول من جهة، وضعف شبكات التوزيع وعدم قدرة شركة كهرباء لبنان على تغطية استهلاك اللبنانيين من الطاقة.