fbpx

لبنان: العقارات ليست ملاذ المودع… بل هزيمة أخرى!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

اندفع المودعون إلى شراء العقارات في محاولة للتصرّف بودائعهم، قبل أن تفقد المزيد من قيمتها، لكن ما لم يلتفت إليه المودعون في هذه الحالة، هو إنطواء عمليات الشراء العقاري على خسائر لا تقل حجماً عن الخسارة التي لحقت بقيمة ودائعهم في المصارف.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

قبل أشهر، كان قطاع العقارات اللبناني يشهد أسوأ أيامه على الإطلاق. كانت الألسن تتناقل أخبار تجار البناء المعروفين الذين أعلنوا تعثّرهم وتوقّفهم عن إتمام مشاريعهم، وعن مشكلات الشركات العقاريّة مع ديونها المتراكمة في المصارف. في ذلك الوقت كانت أرقام شركة سوليدير نفسها، أكبر شركات لبنان العقاريّة، تطرح أسئلة جديّة عن قدرتها على الاستمرار، خصوصاً بعدما أظهرت الميزانيّات أن الشركة سجّلت في العامين السابقين خسائر بلغ مجموعها 236 مليون دولار. أمّا شركات الأصغر حجماً، فبلغت مرحلة اليأس بعدما تعذّر إيجاد أي حل لأزمة توقّف المصارف عن منح القروض السكنيّة. 

لكن ما إن حدث الانهيار الأخير الذي شهده القطاع المصرفي، حتّى تبدّل المشهد بشكل مذهل خلال أقل من شهر. اندفعت الشركات العقاريّة وتجار البناء لإتمام المشاريع العالقة، وسددوا الالتزامات المصرفيّة التي أعادوا جدولتها باستمرار طوال الفترة الماضية، وعادت الأرباح لتظهر في أرقام الشركات العقاريّة. باختصار، كان الانهيار المالي عاملاً منقذاً للقطاع العقاري الذي كان ينازع قبل فترة قصيرة، وتحديداً بالنسبة إلى تجار البناء والعقارات الذي لامسوا مرحلة الإفلاس. 

فعاجلاً أم آجلاً، لن تجد الغالبية الساحقة من تجار البناء المصلحة في تلقي الشيكات المصرفية على النحو الذي كان يجري خلال الأشهر الماضية، بعد سداد التزاماتهم للمصارف، وقد بدأ كثر منهم أساساً بطلب دفع نسبة من ثمن العقار بالدولار الطازج، بدل الشيك المصرفي. وعندها، سيعود القطاع العقاري إلى حالة الركود

لا يحتاج المرء إلى الكثير من التحليل لفهم ما حصل. فما إن فرضت المصارف اللبنانيّة القيود على ودائع عملائها بعد تشرين الأوّل/ أكتوبر 2019، حتّى أصبح هاجس المودعين الأساسي البحث عن أساليب للتصرّف بالودائع، وتوظيفها بما يمكن أن ينقذها من القيود المفروضة عليها. ومن ناحية أخرى، وجد كثر من تجار البناء والعقارات والشركات العقاريّة الكبرى مصلحة في بيع العقارات مقابل الشيكات المصرفيّة، وخصوصاً أولئك الذين كانوا يرزحون تحت ديون المصارف والمورّدين. وهكذا، كانت أزمة المودعين عنوان خلاص هذه الفئة من المستثمرين في القطاع العقاري. 

وضافة إلى تجّار البناء والعقارات، كان هناك كتلة وازنة من القروض والتسهيلات التي إستفادت منها الشركات في القطاعات التجاريّة الأخرى، والتي وجد أصحابها مصلحة في بيع موجوداتهم العقاريّة مقابل شيكات مصرفيّة لسداد قيمة ديونهم في المصارف. وبمرور كل شهر بعد حصول الانهيار في القطاع المالي، كان حجم هذا النوع من العمليات يتضخّم، خصوصاً كون أصحاب الودائع كانوا يتأكّدون أكثر مع مرور الوقت أن لا انفراجة قريبة لمسألة ودائعهم الحبيسة في القطاع المصرفي. 

في الواقع، أصبح من الأكيد أن هذه العمليات باتت اليوم أمراً واقعاً، وصارت للعقارات أسعارها الخاصة بالشيكات المصرفيّة، وهي أسعار تختلف حكماً عن الأسعار التي يمكن قبولها بالدولار الطازج. أما السؤال الأساسي اليوم، فبات يتعلّق بحجم هذه العمليات وأثرها على القطاع العقاري، وبمدى وجود مصلحة فعليّة للمودع فيها. 

حجم العمليات العقاريّة الضخم

بحسب أرقام المديريّة العامّة للشؤون العقاريّة، بلغت قيمة الصفقات العقاريّة التي عُقدت خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الحالي حدود الـ3.5 مليار دولار، في حين لم تتجاوز قيمة هذه العمليّات 2.4 مليار دولار في الفترة المماثلة تماماً من العام الماضي، والتي سبقت حصول الانهيار الكامل في القطاع المالي. بمعنى آخر، تشير هذه الأرقام إلى أنّ حجم عمليات الشراء العقاري ارتفعت من حيث القيمة أكثر من 1.1 مليار دولار بين الفترتين، وهو ما يعني أن حجم هذه العمليات إرتفع بنسبة تقارب الـ46 في المئة. وهكذا، تعكس هذه الأرقام الانتعاش الذي شهدته التداولات في السوق العقاريّة، وارتفاع حجم المبيع، كنتيجة لظاهرة تحويل الودائع المصرفيّة إلى عقارات بعد حدوث الإنهيار في القطاع المالي. 

أما الأهم هنا، فهو ملاحظة المسار التصاعدي لعدد هذه العمليات بين الأشهر التي تلت حصول الانهيار. فبين شهري أيار/ مايو وحزيران/ يونيو الماضيين مثلاً، ارتفع عدد عمليات الشراء العقاري من 4036 عمليّة في شهر أيار، إلى 8339 عمليّة في شهر حزيران، وهو ما عبّر عن تزايد إقبال المودعين خلال على هذه الصفقات خلال الأشهر الأخيرة لتحرير ودائعهم من المصارف. عمليّاً، يرتبط هذا المسار التصاعدي بتزايد الإحباط واليأس لدى المودع اللبناني من إمكان إسترجاع وديعته في المستقبل، مع مرور الأيام وعدم وجود أي معالجات جديّة لمشكلة الودائع العالقة في المصارف، وهو ما بات يدفع بأعداد إضافيّة من المودعين للإقدام على شراء العقارات كلما مرّ المزيد من الوقت. 

في كل الحالات، ثمّة ما ينبغي الالتفات إليه هنا أيضاً. فالأرقام تظهر أيضاً أن متوسّط حجم عمليّة الشراء العقاري الواحدة ارتفع من نحو 165 ألف دولار في الأشهر الخمسة الأولى من العام الماضي، إلى حدود 278 ألف دولار في الفترة المماثلة من العام الحالي، وهو ما بات يؤشّر إلى زيادة في عمليّات الشراء العقاري التي تستهدف الشقق والأراضي الأعلى سعراً، في محاولة للتخلّص من أكبر حجم من الودائع العالقة في المصارف، وتحويلها إلى موجودات عقاريّة. كما يؤشّر ذلك إلى استغلال تجار البناء والعقارات للظرف، عبر رفع الأسعار التي يطلبونها مقابل الدفع بالشيكات المصرفيّة.

رابحون على حساب الأزمة

تشير أرقام مصرف لبنان إلى أن القروض الممنوحة للقطاع الخاص بلغت حدود 40.44 مليار دولار في نهاية أيار الماضي، في مقابل نحو 52.5 مليار دولار في الفترة المماثلة من السنة الماضية. باختصار، يمكن القول إن القطاع الخاص تمكّن بين الفترتين من التخلّص من نحو 23 في المئة من قروضه والتزاماته، عبر عمليّات انطوت في غالبيتها الساحقة على إطفاء القروض مقابل بيع الموجودات العقاريّة. مع العلم أن هذه العمليات لم تقتصر من ناحية البيع على الشركات العقاريّة وتجار البناء فقط، بل شملت الكثير من المقترضين الآخرين الذين أقدموا على تسييل عقاراتهم مقابل شيكات مصرفيّة لسداد التزاماتهم في المصارف.

أما النتيجة فكانت إنقاذ الشركات العقاريّة وتجار البناء من الإفلاس. فـ”سوليدير” مثلاً، تمكّنت من سداد نحو 225 مليون دولار من ديونها لمصلحة المصارف في النصف الأول من 2020 وحده، نتيجة تمكّنها من بيع عقارات تقارب قيمتها 342 مليون دولار في تلك الفترة. “سوليدير” تحديداً تمثّل عينة من الشركات التي أنقذتها أزمة المصارف، كونها من الشركات التي كانت ترزح تحت عبء الديون المصرفيّة التي استُعملت سابقاً في أنشطة التطوير العقاري، وهو ما سمح للشركة بقبول شيكات المودعين كطريقة للدفع بعد الأزمة، بهدف سداد الديون.

في الواقع، تكفي مراقبة سعر سهم الشركة لمعرفة ما تمكّن القيمون عليها من تحقيقه نتيجة أزمة المصارف: في نهاية شهر تشرين الأول الماضي بلغ سعر سهم الشركة (فئة أ) نحو 4.75 دولار أميركي، فيما يتراوح سعر هذا السهم اليوم عند مستويات تتجاوز 15 دولار للسهم، أي ما يفوق 3 أضعاف سعر السهم قبل حصول الانهيار المالي. ببساطة، لم يقتصر دور “سوليدير” على تشكيل ملاذ لكبار المودعين الذي اتجهوا لشراء عقاراتها مرتفعة الثمن، بل اتجه جزء آخر من أصحاب الودائع متوسطة الحجم للإستثمار في أسهم الشركة، كبديل عن الاستثمار في عقاراتها.

خسارة المودع

اندفع المودعون إلى شراء العقارات في محاولة للتصرّف بودائعهم، قبل أن تفقد المزيد من قيمتها جراء الفرق بين سعر صرف الدولار الفعلي وسعر الصرف الذي تعتمده المصارف لسحب الودائع بالليرة اللبنانيّة. إنما ما لم يلتفت إليه المودعون في هذه الحالة، هو إنطواء عمليات الشراء العقاري على خسائر لا تقل حجماً عن الخسارة التي لحقت بقيمة ودائعهم في المصارف. باختصار، جاءت المنافع التي إستفاد منها تجار وشركات البناء على حساب هذه الخسارة التي لحقت بالمودعين. 

فعمليّاً، وحين يتعلّق الأمر بتسعير العقارات، يعرض التجار والشركات سعرين متباينين: الأوّل هو السعر المعتمد في حال الدفع بالشيك المصرفي (أو ما بات يُعرف بالدولار المحلي)، والثاني هو السعر المعتمد إذا تمكّن الشاري من الدفع بالدولار الطازج، وغالباً ما تقل قيمة العقار بالدولار الطازج عن نصف قيمته المعروضة بالدولار المحلي. بمعنى آخر، تنطوي عمليّة استخدام الوديعة لشراء العقار على خسارة توازي نصف قيمة الوديعة، إذا أخذ المودع في الاعتبار قيمة العقار بالدولار النقدي، وهي خسارة مشابهة في نسبتها للخسارة التي سيتحملها عند سحب الوديعة بالليرة اللبنانيّة ووفق سعر الصرف الذي تحدده المصارف حاليّاً. 

في الواقع، يمكن القول إن نسبة الخسارة هذه تزداد مع مرور الوقت، مع قيام تجار البناء برفع الأسعار عند قبول الدفعات بالشيكات المصرفيّة، بالنظر إلى تزايد المودعين الذين يقدمون على هذا النوع من العمليات، وتناقص عدد تجار البناء الذين يوافقون على قبول الشيكات المصرفيّة، بعدما سدد معظم هؤلاء التزاماتهم للمصارف، وبالتالي لم تعد لدى كثر منهم مصلحة بقبول “الدولار المحلي” للسداد. 

إضافة إلى ذلك، ساهم دخول عدد كبير من المودعين إلى مجال شراء العقارات إلى إنتشار الكثير من أساليب التحايل التي أقدم عليها بعض السماسرة والوسطاء وتجار البناء، مستغلين ضعف إلمام الكثير أصحاب الودائع بالتفاصيل القانونيّة المتعلّقة بالقطاع العقاري. تركّزت هذه الأساليب بمعظمها على بيع عقارات مصابة بتخطيط أو تصنيفات تؤثّر في سعرها، من دون الإفصاح للعميل عن هذه التفاصيل أو إبلاغه بأثر هذه الأمور على الأسعار، أو إقدام بعض الشركات على بيع عقارات على الخريطة، مع علمها بعدم قدرتها على إنجاز هذه المشاريع في المستقبل. 

في المحصّلة، يمكن القول إن الأزمة التي تعصف بلبنان حملت ككل الأزمات بعض التطورات الإيجابيّة بالنسبة إلى قلة صغيرة من المستفيدين في قطاع العقارات، لكن بالطبع هذا التطوّر الإيجابي سيكون محصوراً بالمدى قصير فقط. فعاجلاً أم آجلاً، لن تجد الغالبية الساحقة من تجار البناء المصلحة في تلقي الشيكات المصرفية على النحو الذي كان يجري خلال الأشهر الماضية، بعد سداد التزاماتهم للمصارف، وقد بدأ كثر منهم أساساً بطلب دفع نسبة من ثمن العقار بالدولار الطازج، بدل الشيك المصرفي. وعندها، سيعود القطاع العقاري إلى حالة الركود التي شهدها قبل تشرين الأول الماضي، بل ربما إلى ما هو أصعب بالنظر إلى شح السيولة بالعملة الصعبة، وعدم قدرة اللبنانيين على توفير الدولار النقدي للدفع، وانهيار القطاع المصرفي وعدم توفّر القروض السكنيّة.

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.