fbpx

لبنان : ناصيف حتي و لائحة التكنوقراط الذين خذلونا

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

ناصيف حتّي، زياد بارود، فريد الخازن، وغسان سلامة … نماذج شكلت، ومن خلال أكاديميتها الناصعة، تجربةً لا يمكن القفز فوقها عن الخذلان المرير الذي تركته بعد رهان الكثيرين على قدرتها في ملء الخواء الذي تحتله السياسة في يومياتنا.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

في بلد كلبنان، تلاشت فيه السياسة أو تكاد، بماضيها القريب وراهنها، نادراً ما حاز الإستثمار السياسي في “الأكاديمي” أي إضافة تحسب للأخير، بل يصح القول أن وزر الفشل عادةً ما  تنكبه “الأكاديمي”، إذ انَّ استثماراً كهذا هو غاية تركن إليها قوى السلطة كتجميلٍ لقبح تدركه في نفسها، لكنها غالباً ما تواري  قبحها هذا أمام جمهورها الذي  أدمن رذائلها كفضائل لعلةٍ في الوعي الذي صارت تتقن كيَّه، وهو ما لا يحوز “الأكاديمي” غالباً طقوسه، فيصير والحال وحده أمام  خيبةٍ إنساق إليها بإرادته، وهي إجمالاً تسكن نفسه، وإن على خفر، لكنها بوح معلن بالكثير من المرارة ممن محضه ثقةً توارت بفعل الوجه الرديء للسياسة، والذي أثبت قدرة هائلة على تطويعه. 

ناصيف حتي

فأن يستقيل ناصيف حتي، ليس في الأمر ما يستحق الثناء، حيث الرجل الذي أمضى عمره باحثاً وكاتباً ودبلوماسياً يستشرف في الواقع العربي والدولي واللبناني، وأنَّ مَيلاً لا بأس به اعترانا نحو استشرافاته هذه كنموذج  للأكاديمي الذي يفترض أن يثري السياسة، حتي هذا خذلته بصيرته إذ انتهى عاجزاً عن استشراف مآله السياسي في حكومة لم تكن بحاجة إلى أكثر من بصره لاستشراف مآلاتها.

 وحتِّي الذي انتهى “عونياً”، على ما نعرف(تمت تسميته من حصة عون)، في حكومة حسان دياب، هو بالمناسبة تكرار لنماذج كانت وبدون مبالغة في التقدير، تقيم في وعينا كحالات اكتسبت احترامها من موقعها خارج الأطر السياسية التي حكمت  لبنان، اقله منذ اتفاق الطائف إلى راهننا البائس. لكن وعينا الذي اسس لقيَم أخلاقية والبسها لهذه النماذج، انتهى عموماً  مُتلبِّساً خيبات غالباً ما كانت “العونية” بيت طاعتها. 

من هذه النماذج زياد بارود، فرجل القانون  ملأ فضاء المجتمع المدني الذي يُقيم افتراضاً أقرب للواقع في مساحة تتقابل طرداً مع السلطة، أو من موقعه في الجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات في تسعينات القرن الماضي، والتي يشي حيادها ورقابتها بين السلطة ومعارضيها بأنه أقرب إلى طوق حماية  للأخيرة في وجه الأولى التي، وبالتجربة، راكمت كمَّاً هائلاً من الخبرة في إخراج الإنتخابات وفق ما تقتضي غاياتها. 

بارود تنكب وزارة الداخلية في عهد الرئيس ميشال سليمان، وكانت أولى مظاهر تطويعه في أسماء اللجنة المشرفة على الانتخابات رغم محاولته جبّ هذا التطويع، ولو شكلاً، في دينامية أضفاها على متابعته للإنتخابات النيابية التي جرت العام 2009 بعد اتفاق الدوحة. هذا  قبل أن ينتهي “عونياً” راسباً على لوائح التيار الوطني الحر في الإنتخابات الأخيرة ، وفي مرحلة تسيُّد العونيين للسلطة كأحد أبرز وجوه فسادها.

فأن يستقيل ناصيف حتي، ليس في الأمر ما يستحق الثناء، حيث الرجل الذي أمضى عمره باحثاً وكاتباً ودبلوماسياً يستشرف في الواقع العربي والدولي واللبناني، وأنَّ مَيلاً لا بأس به اعترانا نحو استشرافاته هذه كنموذج  للأكاديمي الذي يفترض أن يثري السياسة، حتي هذا خذلته بصيرته إذ انتهى عاجزاً عن استشراف مآله السياسي في حكومة لم تكن بحاجة إلى أكثر من بصره لاستشراف مآلاتها.

” المقبرة العونية” التي حوت حتِّي وبارود ، كانت أيضاً مثوى لنموذج اكاديمي هو فريد الياس الخازن. فرئيس قسم العلوم السياسية في الجامعة الامريكية،  وضع في العام 2002  بين أيدينا كتابه البحثي ” تفكك أوصال الدولة في لبنان ” والذي يسكن النظام السوري في طياته كأكثر من أسس لهذا التفكك، انتهى في العام 2005  نموذجاً اكاديمياً رديئاً يروج “للعونية” في انقلاباتها وتقلباتها، حيث  بدا كتابه البحثي المذكور يتيماً يبحث عن أبٍ ضال.

    يبقى أن  نموذجاً آخر، لكنه  من خارج “العونية” هذه المرة  تكفلت “الحريرية ” بشرخه في وعينا، وكان الكاتب الراحل سمير قصير  أول من استشرف هذا الشرخ، خوفاً على الرجل وليس منه، وذلك  في مقالة كتبها في النهار.  غسان سلامة الرجل الفرنكوفوني وأستاذ العلوم السياسية في جامعات فرنسا، كان الواجهة التي استحضرها الرئيس رفيق الحريري  من خلال وزارة الثقافة، وذلك على اعتاب القمة الفرنكوفونية التي انعقدت في بيروت العام 2020، والتي حاز سلامة لا شك  حيزاً من نجاحها المرهون على جاري هكذا قمم للبعد المعنوي. لكن سلامة على الأرجح، كان أيضاً في عقل الحريري يعطي ” للحريرية” بعداً معنوياً وسياسياً في المواجهة المفتوحة حينها مع عهد إميل لحود ، والتي انتهت  بالحريري “شهيداً”، وبسلامة بعيداً عن لبنان ومنه، وكأحد المتهمين بصياغة القرار 1559 (الداعي للانسحاب السوري من لبنان) على ما تقول مرويات الممانعة .

عموماً النماذج الآنفة الذكر هي مثالاً لا حصراً، لكنها نماذج  شكلت، ومن خلال أكاديميتها الناصعة، تجربةً لا يمكن القفز فوقها عن الخذلان المرير الذي تركته عقب رهان الكثيرين على قدرتها في ملء الخواء الذي تحتله السياسة في يومياتنا.