fbpx

انفجار بيروت: أموات داخل أجساد حيّة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

داخل أقرب مجمّع تجاريّ لمكان الانفجار، فيما كنت أتبضع لبيتي الصغير الذي أجهزه كي أتزوج حبيبتي، سقط قلبي ومعه قلوب من هم هناك وجمعنا الصراخ والخوف والذعر.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

وعلى رغم سرعة الحدث، إلا أنني شاهدت كل شيء وكأن حركة النكبة كانت بطيئة. بقيت أجاهد مانعاً نفسي من البكاء حتى أصبحت وحيداً.
في يوم أقل من عادي يساورني فيه قلق الاستقرار المادي والمعنوي والمهني من جهة، وخوف على عائلتي وشريكة حياتي، استوقفني انفجار بيروت سارقاً مني الدهشة والشعور والرغبة والطعم والنفس ولم يترك لي سوى رعشة الخوف.

هنا لن تجدوا مقالاً سياسياً أو اتهاماً لحزب أو تعليقاً على محتوى إعلامي متعلق بالانفجار. هنا لحظة الانفجار وجوابي الوحيد، ليتني لم أكن حيثما كنت!

هناك من اغتالنا عن سابق إصرار وترصد وهو أشد بطشاً من “العدو الإسرائيلي”، إنهم حكام هذا البلد.

غرزت أصابعي بأيدي خطيبتي وهرعنا نركض، فيما كان سقف المركز التجاري ينهار علينا حتى وصلنا إلى طبقات تحت الأرض مخصصة لمواقف السيارات. تحت الأرض تشبثت امرأة بي وطلبت أن ارافقها إلى سيارتها، وأجهشت بالبكاء خائفة على توأميها. امرأة أخرى حامل اختفى لون بشرتها وهي تركض أمامي ولم أقوَ على مناداتها لكي أساعدها.

الدخان المتصاعد والمشاهد الدموية والسيارات المعطلة في نصف الطريق وكأننا في فيلم هوليوودي، نساء وأطفال بثياب ممزقة ووجوههم ممتلئة بالدم، ووجوه سكنتها الصدمة وجراح وزجاج استوطنت وجوه المدنيين، هنا تشيرنوبل. ناس يتبادلون أحاديث الرعب، شخص ما يجلس على حافة الطريق من دون حركة أو كلمة، ذعر رجال الأمن والإطفاء والصليب الأحمر وصوت الإسعافات، وصوت السيارات التي تدوس الزجاج وواجهات المحلات والمباني. من دون أي مبالغة والصور شاهدة، على امتداد الخط البحري للواجهة البحرية لبيروت، لم يعد أي مبنى سليماً. 

على الراديو تُسمع جمل استفزازية من نوع أن السياسي فلان بخير وليس هناك استهداف سياسي، في وسط بيروت، أحقر ما يمكن سماعه أمام الدم والغبار الذي أمامي. سياسي يقول “أنا بخير”، وأب في الشارع يركض بطفله الميت، سياسي يعلق على ما حصل وأم لا تقوى على الوقوف، تصريح سياسي تافه وعمال في الأرض جثث هامدة. 

الليل الذي سرق نومنا ودموعنا التي رافقت نفسنا من دون انقطاع وأحاديث الليل مع العائلة والأصدقاء والزملاء لا تختصرها غصة أو ندبة، لا بل تحتاج أكثر من علاج نفسي. نحن أبناء هذه النكبة لا ننسى ولن نسامح، وسنحتاج أكثر من ذاكرة بشرية لحفظ مأساتنا، على الأقل ستحفظها شوارع المدينة.
جثث هامدة افترشت ما كان يسمى مرفأ بيروت، جثث تلاشت كالغبار، جثث في أعماق البحر وجثث طارت إلى المناطق المجاورة. غريب كيف أصبحنا نسمع بالموت صامتين لا مبالين… كلا لسنا لا مبالين لكن لم يعد بمقدورنا وصف الشعور. توقف الشعور وتخدرت نبضات القلب، ربما تحولنا جماداً من شدة يأسنا.

خرجنا بسيارة خطيبتي الى الشارع العام، وهنا المشاهد التي لن تكفي أي كلمات لوصفها. كنا داخل السيارة في طريقنا نحو بيروت، رأيت ما لم أكن أتمنى يوماً رؤيته، حجم الدمار أمام عيني، يمكن اختصاره بـ”لو قصفت إسرائيل لكانت النتيجة أقل ضرراً”.

هناك من اغتالنا عن سابق إصرار وترصد وهو أشد بطشاً من “العدو الإسرائيلي”، إنهم حكام هذا البلد. بدأت البطولات السياسية، رئيس الحكومة يرفع العلم اللبناني عن الأرض! للأمانة شتم هذه الجمهورية برؤسائها ونوابها ووزرائها قليل جداً. وسائل إعلام تستضيف مرتكبي هذا الجرم ويفتح الهواء لهم ليعلقوا على جثث الناس في مسرح الجريمة. طفل يصرخ في أحد الفيديوات المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي يقول، “أبي لا أريد أن أموت”، الأب يمسك بطفله ويقول له “لن تموت” ونشعر بقوة الدفع التي أوقعت الطفل وأباه تحت واجهة الزجاج في المنزل، مذعورين محاولين الاطمئنان على من في البيت. 

أصوات كنس الركام لم تتوقف حتى كتابة هذه المادة. وعناصر الأمن في الطريق لا شيء آخر. الناس صنعوا من جلدهم صفحات لتاريخ هذا البلد، صنعوا من لحمهم ودمهم مستقبلاً لأطفالهم وأتت السلطة الحاكمة وقتلتنا. نحن جثث في أجسادنا الحية، لا شيء آخر. 

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!