fbpx

انفجار بيروت: عن علي الذي فُقِدَ قبل أن يحصل على دولارين

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

فجيعة العائلات وذهولها، وهي تبحث عن مفقوديها هما الأصعب في المشهد البيروتي الدامي، فالمدينة استفاقت على دمار يحاكي دمار المدن التي سحقت خلال الحرب العالمية الثانية، وهو دمار يبدو صادماً ومحزناً على نحو لم تشهده خلال نكباتها وحروبها الكثيرة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]
“يا تقبرني” يصرخ بحثا عن عماد

“يا شحاري… يا تقبرني يا عماد…”.

خبط الرجل بيديه على رأسه وبقي يردد هذه الجملة “يا تقبرني” وهو يدور حول نفسه أمام أحد مداخل مرفأ بيروت، حيث كان الانفجار الكارثة وحيث لا يزال هناك عشرات المفقودين تحت الركام ومن بينهم عماد، ابن هذا الرجل. 

حالته لم تكن تسمح بالكلام بل كان ينتحب لا يعرف كيف يسير. 

لم يكن وحده، فمشهد العائلات التي هرعت إلى مكان الانفجار بحثاً عن زوج او ابن أو شقيق يدمي القلب. 

عائلة علي مشيك أيضاً جالت على مستشفيات ومراكز عدّة، بحثاً عن ابنها ووصلت الى محيط الانفجار على أمل الحصول على خبر عنه. وعلي رجل ثلاثيني خسر عمله الثابت في إحدى الشركات بسبب الأزمة الاقتصادية، وليتمكن من إعالة زوجته وأطفاله الثلاثة بدأ العمل في أهراءات القمح في مرفأ بيروت منذ شهرين حيث كان يتقاضى أجرة 20 ألف ليرة يومياً، أي ما يعادل دولارين ونصف الدولار. 

تقول زوجته إنه يوم الانفجار أنهى عمله عند الرابعة لكنه تلقى اتصالاً بضرورة العودة لأن هناك شحنة عليه العمل على تفريغها. عاد واختفى والعائلة لم تسمع عنه بعدها أي شيء، “يردوا علينا.. يقولولنا طيب أو ميت بس”، تقول زوجته وهي تبكي … 

بالقرب منها كان أفراد عائلة أحد العسكريين المفقودين في الانفجار يجلسون على الارض يتأملون السماء ويسألون العابرين إن سمعوا معلومات عن ابنهم الذي كان يخدم في المرفأ وفقدوا أثره. 

فجيعة العائلات وذهولها، وهي تبحث عن مفقوديها هما الأصعب في المشهد البيروتي الدامي، فالمدينة استفاقت على دمار يحاكي دمار المدن التي سحقت خلال الحرب العالمية الثانية، وهو دمار يبدو صادماً ومحزناً على نحو لم تشهده خلال نكباتها وحروبها الكثيرة. 

لم ينجُ أحد من الانفجار، قتلاً أو جرحاً أو دماراً، لكن تبقى نكبة المفقودين هي الأشد قسوة. هناك عشرات من عمال المرفأ والعسكريين الذين يخدمون فيه وعناصر من الصليب الأحمر والدفاع المدني كانوا هرعوا إلى مكان الانفجار وفقد أثرهم. 

الحكايات ما زالت ناقصة، سيكملها أهل بيروت وسيتوجون مأساتهم بوجوه الأحبة الذين فقدوهم وفي هذا الوقت لن يستقيل الرؤساء حتى لو سقطت فوق رؤوسنا قنبلة نووية.

بيروت لم تعد تشبه نفسها

العاصمة اللبنانية نجت من حروب وانفجارات واغتيالات ومعارك واجتياح، لكنها لم تنجُ من انفجار الإهمال الذي سببه على ما يبدو 2750 طناً من نيترات الامونيوم المخزنة بشكل سيّئ ومهمل سببت بسقوط حوالى 80 ضحية وقرابة الـ3 آلاف جريح.

الحساب السياسي والاجتماعي سيبدأ لكن اللحظة هي لحظة البحث عن ناجين والتأمل في الكارثة، فبيروت فقدت نفسها وصورتها وكل ما عرف عنها.

كل من له مكان حميم سواء أكان مقهى أم منزلاً أثرياً أم محلاً أم مبنى، كل شيء أحرقه الانفجار الكبير. 

في شارع مار مخايل المحاذي للمرفأ حيث كان مقصد مجموعات واسعة من الشبان والشابات الساهرين لم يسلم أي شيء، لا واجهة محل أو مطعم أو منزل، الزجاج والرماد والسيارات المحطمة غطت الشوارع.

سهام تكيان جريحة امام محلها في مار مخايل

على مدخل أحد المحال المدمرة، جلست السيدة سهام تكيان بجروحها المضمدة على كرسي. كانت في منزلها في المبنى نفسه لحظة الانفجار وأصيبت بجروح بالغة. تقول إنها محظوظة لأنها لم تكن في المحل حيث ربما لم تكن قد نجت. ساعات أمضتها سهام لتجد مستشفى يسعفها، فالمستشفيات تعرضت لضغط رهيب جراء عدد الإصابات وجراء تعرض مستشفيات للتحطم، واضطرارها إلى الإقفال ونقل مرضاها إلى مستشفيات أخرى. يروي طبيب في أحد مستشفيات زغرتا شمال لبنان إن سيدة هربت من مستشفى الروم في بيروت الى زغرتا حاملة رضيعها الذي لم يكمل ساعاته الخمس، ومستشفى النجدة الشعبية في مدينة النبطية في الجنوب استقبل عشرات الجرحى أيضاً.

تقول سهام: “طلعت على كذا مستشفى ما كان يستقبلوني… 2 ماتوا قدامي بمستشفى الارز ما قدروا لحقوهن وانا ما عم يلاقولي شاش”. 

تشير سهام الى رجليها اللتين لا تزالان داميتين، فهي لم تحصل على ثلج لتبريد شرايين قدميها بسبب انقطاع الكهرباء، في الشارع كله لم تجد ثلجاً يسعفها. 

سهام عاشت الحرب اللبنانية وعاشت ويلات كثيرة في بيروت لكنها لم تشهد أسوأ مما مر عليها في ليلة 4 آب/ أغسطس 2020. 

“أوسخ من هالايام ما شفت… نحنا قاعدين بالشارع والكبار ببيوتهم… ما عاد عنا بيت كله راح ووين بدي روح على ايا بيت؟ أنا انجرحت وتألمت”، تختم كلامها بدمعة. 

أكلمت سهام يومها على الكرسي وبقربها شخص أمضى ليلته على الأرض قرب محله. لا صورة واضحة لما يمكن أن يفعلاه بعد. 

الحكايات ما زالت ناقصة، سيكملها أهل بيروت وسيتوجون مأساتهم بوجوه الأحبة الذين فقدوهم وفي هذا الوقت لن يستقيل الرؤساء حتى لو سقطت فوق رؤوسنا قنبلة نووية.