fbpx

تفجير بيروت: محاكمة عمّال النظافة؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تقتصر المحاسبة والتوقيفات على مديرين أو مسؤولين أو موظفين صغار في الدولة، وتتم تبرئة الرؤوس الكبيرة التي تتولى في الحقيقة إدارة المرفأ والمطار وكل شاردة وواردة في البلد.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

شارفت الخمسة أيام التي منحها وزير الداخلية اللبناني محمد فهمي لنفسه لكشف ملابسات تفجير 4 آب/ أغسطس 2020، على الانتهاء. ونتيجة التحقيقات حتى الآن أن لا رواية واضحة أو واحدة على الأقل لما حصل في مرفأ بيروت الذي شهد انفجار 2750 طناً من مواد شديدة الاشتعال، وقتل إثر ذلك أكثر من 150 إنساناً، إضافة إلى مفقودين وجرحى ومشردين تقدّر أعدادهم بالآلاف.

حتى الآن التحقيقات ليست بحجم الحدث، إذ ما زال القضاء يهادن ويحسب حسابات كثيرة قبل اعتقال جميع المسؤولين في الدولة عن النكبة التي كادت تمحو بيروت عن الخارطة، والتحقيق معهم واحداً واحداً. وربما مع الضغط الشعبي والمشانق الافتراضية التي علّقها لبنانيون على صور البروفايل على صفحاتهم على “فايسبوك”، تحرّك المدعي العام التمييزي وتم توقيف رئيس اللجنة الموقتة لإدارة مرفأ بيروت، حسن قريطم. وأشار مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية بالإنابة فادي عقيقي بتوقيف 16 شخصاً (7 منهم لدى فرع المعلومات والباقون لدى الشرطة العسكرية)، إلا أنّ معظم هؤلاء كانوا عمّالاً صغاراً، وفق معلومات متوافرة.

والخوف من أن يتمّ شطف الدرج، كما يقول ميشال عون، إنما من تحت إلى فوق، وأن تقتصر المحاسبة والتوقيفات على مديرين أو مسؤولين أو موظفين صغار في الدولة، وتتم تبرئة الرؤوس الكبيرة التي تتولى في الحقيقة إدارة المرفأ والمطار وكل شاردة وواردة في البلد. وهذه ليست المرة الأولى التي يشهد فيها لبنان حوادث دموية، ويعرف اللبنانيون تمام المعرفة أن تلك التحقيقات تسقط غالباً في مستنقع المعمعة والنسيان، أو تُطوى الصفحة بحجة مسألة “ملحّة” أخرى. 

النيابة العامة التمييزية طلبت من هيئة التحقيق الخاصة تجميد حسابات مسؤولين في مرفأ بيروت ورفع السرية المصرفية عنهم، بينهم المدير العام للجمارك بدري ضاهر ومدير المرفأ حسن قريطم، إضافة إلى المدير العام السابق للجمارك شفيق مرعي (الذي دخلت في عهده شحنة نيترات الأمونيوم إلى البلاد) ونعمة البراكس ونايلة الحاج وجورج ضاهر وميشال نحول. وأصدرت النيابة العامة قراراً بمنع سفر هؤلاء. فيما لم يمنع السفر عن أي وزير أو رئيس أو أي من الذين تعاقبوا على السلطة السياسية منذ وصول هذه المواد إلى المرفأ وحتى اليوم. لا سيما أن فرضية أن يكون الانفجار عملاً تخريبياً أو خارجياً، ليست مستبعدة، ويمكن تخيّل تعقيد المسألة وارتباطها بأطراف محليين.

ربما سيكون أقصى طموح هذا القضاء اللبناني وتحقيقاته سجن عامل نظافة أو محاكمة مدير صغير لا ظهر له أو واسطة تخرجه من الورطة. فيما قد نشهد طائرات خاصّة مكيفة تنقل القتلة إلى دولة أخرى أو عالمٍ آخر وكأنّ شيئاً لم يكن!

وطبعاً لم يتنحَّ أيٌ من الموجودين في السلطة السياسية الآن، باستثناء النائب مروان حمادة وسفير لبنان في الأردن ترايسي شمعون. حتى أنّ أحداً لم يعتذر عن فشله ولم يقل إنه يتحمّل مسؤولية في ما حدث. ورأيناهم يتبادلون الأحاديث والابتسامات خلال “إيفنت” زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لبنان. وبدا ماكرون مكلوماً مصدوماً، وظهر مسؤولون لبنانيون بهيئة المعزّي للرئيس الغريب الحزين على بيروت وأهلها.

وعلى رغم فظاعة ما شهدته بيروت والتواطؤ المريب والواضح على محاولة تمرير الأمر، وعلى رغم انقطاع الكهرباء في الليلة التي تلت الكارثة في مرفأ بيروت ما أخّر عمليات انتشال الضحايا، لم يتم توقيف أي وزير أو رئيس أو مساءلته عمّا يعرفه عن قصة هذه الشحنة التي وصلت إلى بيروت في تشرين الثاني/ نوفمبر 2013، وبقيت في المرفأ لسبب ما أو لأجل مستفيد ما أو أكثر من مستفيد. ولم نفهم لماذا لم يتمّ الرد على الرسائل التي تمّ توجيهها من إدارة الجمارك للتصرّف بالشحنة الخطيرة، ولم نفهم لماذا اكتفت إدارة الجمارك بتوجيه الكتب المشكوك بأمرها أيضاً. لماذا لم يخرج السيد بدري ضاهر على الإعلام (وهو بارع في ذلك) ليحذّر علناً من الخطر المحدق بمدينة كاملة بما فيها من بشر وحجر؟ ولماذا انفجرت هذه المواد الآن، في هذا التوقيت وفي هذه الظروف تحديداً؟ وماذا عن الطائرات التي يروي أهالي بيروت أنهم سمعوها تحلّق فوق رؤوسهم فيما لم تنفِ مديرية الجيش وجود الطيران في ذلك اليوم؟
في موازاة ذلك، يفترض أن يساعد  فريق التحقيق اللبناني 7 خبراء فرنسيين حققوا في تفجير تولوز عام 2001، عندما انفجر نحو 300 طن من نيترات الأمونيوم، ما أدى إلى مقتل العشرات وجرح المئات. 

وفيما تطالب جهات سياسية ومدنية بتحقيق دولي حول الانفجار الضخم، ترفض جهات أخرى الأمر برمّته وتعتبره تجاوزاً للقضاء اللبناني. لكن لا يخفى على أحد أن هذا القضاء اللبناني خاضع للسلطة السياسية التي تعيّن قضاته وناسه، فلكل جهة قضاتها، مع وجود ندرة من القضاة المستقلين غير الخاضعين لسلطة الاتصالات والرشى والمحاصصة. وإذا كان انفجار بحجم ما حلّ ببيروت وبالبلاد برمّتها سيخضع لهذا القضاء تحديداً، فليس متوقعاً أن نصل إلى أي حقيقة أو محاسبة المسؤولين الفعليين عن هذا الإهمال والاستهتار بأرواح الناس الذي أدى إلى هذه المقتلة الموجعة، التي سيبقى صداها مدوّياً في العالم كله. وربما سيكون أقصى طموح هذا القضاء اللبناني وتحقيقاته سجن عامل نظافة أو محاكمة مدير صغير لا ظهر له أو واسطة تخرجه من الورطة. فيما قد نشهد طائرات خاصّة مكيفة تنقل القتلة إلى دولة أخرى أو عالمٍ آخر وكأنّ شيئاً لم يكن!