fbpx

انفجار بيروت: ألم يكن أولى للقوى الأمنية إغاثة المنكوبين؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

مرة أخرى شعر اللبنانيون بأن دولتهم مسؤولة عن جريمة قتلهم، واليوم مسؤولة عن محاولة قمعهم. فقد فضّلت السلطة إرسال حشود من القوى الأمنية المدججة بالأسلحة وبكامل جهوزيتها إلى ساحات بيروت لقمع تظاهرة اللبنانيين، في حين لم ترسلهم لإغاثة المدينة التي أسقطها فساد مسؤوليها أرضاً.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

في وسط ساحة الشهداء في وسط بيروت نصبت مشانق رمزية…

المحتجون الذين ملأوا الساحات لم يوفروا أحداً من الطبقة السياسية الحاكمة، التي يحملونها مسؤولية جريمة انفجار المرفأ والنتائج الكارثية التي تسببت بها. فالحبال المعلّقة رفعت صور أمين عام حزب الله حسن نصرالله، ورئيس الجمهورية ميشال عون، ورئيسي الحكومة ومجلس النواب نبيه بري وحسان دياب، ورئيس الحكومة السابق سعد الحريري. كما حملت المشانق الرمزية أيضاً صور كل القيادات السياسية والطائفية الأساسية التي هيمنت على المشهد في لبنان.

مشهد المشانق المعلقة في وسط المدينة حصل وسط غضب وشعور عارم بالرغبة بالمحاسبة والعدالة التي لم تتحقق للبنان يوماً. فالحرب الأهلية طويت صفحتها بعفو عام، وكل الحروب والاغتيالات غالباً ما انتهت من دون متهمين ومحاكمات. هذه الحقيقة ضاعفت من رغبة المحتجين بأن لا يفلت المسؤولون عن جريمة انفجار المرفأ من المحاسبة هذه المرّة، وكان لسان حالهم، “سندفن المسؤولين حيث قتلونا… سيكون هذا الحطام مقبرتهم”. 

بيروت غاضبة

نقلت مشاهد الاحتجاجات زخماً وتوتراً لم تشهده الساحات اللبنانية منذ تظاهرات 17 تشرين الأول/ اكتوبر. كان واضحاً أن هناك قراراً أمنياً بمواجهة المحتجين بالقوة منذ اللحظة الأولى، حيث بدأ وصول آليات عسكرية ومدرعات منذ منتصف النهار تحسباً. وفعلاً فقد قوبلت المظاهرات بحشود أمنية كثيفة وبإلقاء قنابل مسيّلة للدموع ومفرقعات على المتظاهرين، هذا عدا عن محاولات قطع بث المحطات التلفزيونية عبر قطع الانترنت والإرسال في المنطقة. 

ما جرى في بيروت في 8 آب/ اغسطس كان ردّاً غاضباً ومؤسساً ربما لاحتجاجات متصاعدة في المرحلة المقبلة، وكان لافتاً تمكّن محتجين من دخول مبنى وزارة الخارجية اللبنانية في الأشرفية، والذي تخلعت أبوابه بفعل الانفجار. وعمد المحتجون إلى تكسير صور الرئيس عون وإعلان المبنى مقراً رمزياً للثورة.

المفارقة، أن القوى الأمنية التي استقدمت بكثافة لقمع المحتجين كانت موجودة في الأيام الثلاثة الأخيرة في المناطق المنكوبة، ولكن دون أن يكون لها دور.

ثلاثة أيام انكب فيها متطوعون على تنظيف الزجاج  وإزالة الركام وإغاثة المحتاجين. كانوا يفعلون ذلك وهم ينظرون إلى القوى الأمنية منتشرة بكامل سلاحها في المناطق دون أن تشارك في أي من عمليات الإنقاذ. 

مرة أخرى شعر اللبنانيون بأن دولتهم مسؤولة عن جريمة قتلهم، واليوم مسؤولة عن محاولة قمعهم. فقد فضّلت السلطة إرسال حشود من القوى الأمنية المدججة بالأسلحة وبكامل جهوزيتها إلى ساحات بيروت لقمع تظاهرة اللبنانيين، في حين لم ترسلهم لإغاثة المدينة التي أسقطها فساد مسؤوليها أرضاً.

مشهد المشانق المعلقة في وسط المدينة حصل وسط غضب وشعور عارم بالرغبة بالمحاسبة والعدالة التي لم تتحقق للبنان يوماً.

الغضب الذي انفجر عقب الانفجار لم يكن مجرد ردة فعلٍ على الإهمال والفساد الذي فجّر المدينة، وإنما أيضاً غضب نتيجة غياب الدولة وأجهزتها الرسمية كلياً عن مساعدة الأسر المنكوبة. ففي جولة في شوارع بيروت، نجد أن شوارع الجميزة ومار مخايل، كما الأشرفية ووسط البلد، وهي شوارع تراثية صمدت مبانيها التي يتجاوز عمرها مئات السنوات في الحروب، قد دمرها فساد الزمرة الحاكمة، وقتل أهلها واليوم لا أحد ينجد المنكوبين سوى ساعد المتطوعين والمتطوعات.

الانفجار أحيا غضب اللبنانيين!

“كأنو نحنا بفيلم سينمائي… الشرطة عم تتفرّج علينا ونحنا عم نقوم بأشغال شاقة”، يقول صاحب إحدى المحلات التجارية في شارع مار مخايل، وهو الذي تعرّض لاعتداء على يد القوى الأمنية بينما كان يعمل على كنس ركام محلّه الذي دفع كل ما يملك لتأسيسه.

توافقه جيهان سليمان مؤكدةً أنها تعرضت للاعتداء على يد القوى الأمنية أكثر من مرة منذ بداية الانتفاضة اللبنانية. وتضيف، “ما تعتّرت كل حياتي لإتعتّر بآخرتي… شو ذنبي لتحمّل كل هذا الدمار؟ أنا لبنانية ومن حقي أن أعيش…”.

جيهان هي شابة لبنانية عشرينية، مجازة في اختصاصين جامعيين، بذلت جهداً كبيراً طيلة السنوات الماضية لتحصيل كلفة الدراسة، إلا إنها اليوم عاطلة من العمل.

هي واحدة من الشابات اللواتي يشاركن في التحركات والاحتجاجات في بيروت، لا سيما يوم 8 آب/ اغسطس، إلا أن تطوّع جيهان، مع مجموعة من الأصدقاء، عقب انفجار بيروت الكبير، كان فيه روح الغضب ونقمة على السلطة الحاكمة لم تكن حاضرة سابقاً. 

ترى جيهان، كما غيرها من اللبنانيين، أن الجريمة التي حلت لبنان في 4 آب/ اغسطس لا بدّ لها أن تكون نقطة فاصلة في تاريخ البلاد. لا سيما أن الانفجار نجم عن فساد وإهمال السلطات اللبنانية، ابتداءاً من إدارة مرفأ بيروت وإدارة الجمارك، وصولاً إلى كل من كان يعلم بوجود 2750 طن من مادة نترات الأمونيوم المتفجرة في العنبر رقم 12.

في سياق موازٍ، يقول نزار غانم، هو اقتصادي وناشط سياسي، لـ”درج” وهو يُعاين حطام بيته الذي لم يبقَ منه سوى حجارة على الأرض، أن لا أحد أتى لمساعدته من الجهات المعنية، حتى أنه أنقذ مجموعة من السيدات كبار السن من تحت الركام ولم يكن أحد ليعرف بحالهم لولا سمع استنجاداتهم…

. كان واضحاً أن هناك قراراً أمنياً بمواجهة المحتجين بالقوة منذ اللحظة الأولى.

نزار نجا من الموت بأعجوبة بعدما سقط ركام بيته، الذي لا يبعد عن مرفأ بيروت سوى 400 كلم، على رأسه. لكنه يؤكّد أن المساعدة الحقيقية هي محاكمة فورية وعادلة لكل المسؤولين عن الجريمة، “سحلهم في الشوارع وتعليق مشانقهم في ساحة الشهداء هو الحلّ… المساعدة الحقيقية هي الثأر من المجرمين… في موت، أقلّه أن نموت بكرامة”، يقول.  

إذاً، فإن كل محاولات السلطة لقمع المتظاهرين وإسكات الوسائل الإعلامية عبر قطع الإرسال والانترنت، كما وفرض حشد أمني مسلّح على المنطقة، كان أولى بهم إرساله لحماية بيوت المتضررين ومحالهم من السرقة، عزّز روح الثورة الغاضبة لدى اللبنانيين.