fbpx

تفجير بيروت وجدل “الإجحاف” في تغطية المقتلة السورية

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

انفجار بيروت، وكحال أي مأساة تضرب أي شعب في العالم، أعاد إلى أذهاننا، كسوريين، صور الموت التي عايشناها، وهزت كياننا، وبكينا لأجلها، ولا نزال.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

مرّت أيام على التفجير الذي هزَّ العنبر رقم 12 في مرفأ العاصمة اللبنانية بيروت، وقد وصف الحدث بأنه ثالث أكبر انفجار “مصطنع” على مر التاريخ.

aأسفر الانفجار، الذي أُطلق عليه اصطلاحاً اسم “بيروتشيما”، عن مقتل أكثر من 150 شخصاً، بينهم 43 سورياً، وإصابة أكثر من 5 آلاف آخرين، في حصيلة قابلة للارتفاع، فيما ما زال آخرون في عداد المفقودين.

منشورات اللبنانيين، من أصدقاء وصحافيين وناشطين، أجبرتنا، وحملتنا في لحظتها على أن نتجول في أحياء العاصمة، لنتخيّل حال أكثر من 300 ألف شخص، شُردوا من منازلهم، يهيمون على وجوههم في شوارع لا نور فيها، ولا صوت يُسمع سوى أصوات النحيب والبكاء، وأطياف مئات آخرين ممن فقدوا حياتهم، وهم يبحثون عن ذويهم في أروقة مستشفيات لا كهرباء فيها ولا دواء.

آلاف السوريين تفاعلوا مع الفاجعة، برسائل وصور وتصاميم وعبارات تضامن وأغانٍ… كما أن عشرات الحملات التطوعية غزت مجموعات السوريين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، كلٌ بحسب مهنته، ناهيك بالمئات الذين شمّروا عن سواعدهم، وحملوا المعاول والمكانس، وأزالوا الركام، ونقلوا الجرحى، بل وفتحوا منازلهم الموقتة ليستقبلوا عائلات لبنانية، ويتقاسموا معاً محتويات سلة الأمم الغذائية.

انفجار بيروت، وكحال أي مأساة تضرب أي شعب في العالم، أعاد إلى أذهاننا، كسوريين، صور الموت التي عايشناها، وهزت كياننا، وبكينا لأجلها، ولا نزال، والتي افتعلها أخوة “العقيدة”، نظاما بشار الأسد وملالي طهران، وآلة “حزب الله” في ما بينهما.

ومن المفهوم أن “مظلومية السوريين” ثقيلة، كيف لا وهو شعبٌ أشعلَ ثورةً انتفض كثيرون من حولها، وهناك من أمد قادتها بالمال المسيس، وحركوهم كبيادق الشطرنج، على رقعة خسر فيها الشعب كل ما يملك، ليتربع على قائمة أفقر شعوب العالم. 

لكن، ومن غير المبرر، أن نقارن مآسينا بفاجعة كتلك التي حلّت بلبنان، فالمقارنة هنا فعل لا إنصاف فيه، بخاصة إذا ما صدر عن منابر أو فئات تنطق بلسان السوريين. هي مقارنةٌ ناتجةٌ في أحسن حالاتها عن شعورٍ بالغيرةِ من تغطيةٍ إعلاميةٍ حظي بها الحدث اللبناني، دوناً عن مئات الانفجارات والمجازر التي ارتُكبت بحق السوريين، وتغفل غالباً اختلاف المكان وطبيعة الخبر بل وحتى حساسية الزمن، بالنسبة إلى المسؤولين عن التغطية الإعلامية، على رغم أن لا مبرر لعدم منح السوريين حقهم في تسليط الضوء على مأساتهم.

كثيرة هي الأسئلة التي تدور في رؤوس السوريين اليوم، المنفعلين منهم على وجه الخصوص.

نحن نتحدث هنا عن عاصمة لبنان، بيروت التي لطالما كانت مركز ثقل ثقافي، خرّجت مئات المفكرين والشعراء والأدباء والفنانين، وتحتضن تنوعاً طائفياً، يميزها على رغم تعقيداته، وتحيط بها تجاذبات سياسية، والأهم من ذلك أنها مدينة “لا حرب فيها”، أي أن أهلها يعيشون، أو يحاولون التمسك بما تبقى من حياتهم الطبيعية، وهي بعض من أسبابٍ تجعلها محط اهتمام الإعلام العالمي، ناهيك طبعاً بوجود مساحة لحرية الإعلام، إذا ما قورنت بسوريا، لربما تكون من أهم مقدمات هذه التغطية الواسعة.

أما الحدث، فعنوانه العريض “إنسانيٌ بحت”، وهو وقوع عشرات الضحايا، مئات المفقودين، آلاف المصابين، إثر تفجير لم تشهد مثله أي من عواصم العالم، ناتج عن انفجار 2750 طناً من مادة نيترات الأمونيوم المخزنة في مستودع في مرفأ بيروت، المحاط بأبنية سكنية، والذي يعتبرُ شريان البلاد الرئيس، بخاصة في ظل الحصار المفروض عليها، والذي تُشاركُ فيها جارتها سوريا.

ولا داعي لذكر حساسية الزمن، وما يمر به لبنان من تدهور اقتصادي، وفشل حكومي في سداد الديون المترتبة عليه، ومناطحة معدل الفقر حاجز الـ50 في المئة، وأعباء فايروس “كورونا” التي فرضت ضغوطاً كبيرة على المستشفيات، جعلتها غير قادرة على استقبال المرضى أو دفع أجور الأطباء والموظفين.

ما سُرد آنفاً، هو بعض من حقائق تجعل من الحدث اللبناني محط اهتمام عالمي، من مؤسسات إعلامية وقامات سياسية وفنية وغيرها، لكن، لمَ لم يحظَ الخبر السوري طوال 10 سنين بهذا الزخم الإعلامي، ولو لمرة واحدة؟

بلى، سبق أن حظي الخبر السوري بتغطيات مماثلة، مرات ومرات، بل وأبكى إعلاميين ومذيعين ومراسلين ومحللين، وإن كان لا بد من سرد بعض الوقائع، وفي بحث سريع، نستعيد لقطة بكاء إحدى مذيعات قناة CNN الأميركية وهي تقدم خبر إصابة الطفل الحلبي عمران، الذي حظي بتغطية إعلامية لربما تُقارن بالحدث اللبناني، وشغلت صورته الصحافة العالمية لأيام. وقدّمت مئات التقارير قصّة خبر غرق الطفل السوري آلان كردي قبالة السواحل التركية، كما ولا تُنسى التغطية المفتوحة لمجزرة الكيماوي التي راح ضحيتها أكثر من 1500 مدني في غوطة دمشق الشرقية، وغيرها الكثير.

حالة “المقارنة” التي شهدناها خلال اليومين الماضيين، أوجبت علينا ذكر هذه المواقع، على رغم أن جانباً من فطرتنا يبقى رافضاً لفكرة مقارنة حدث دموي بآخر أكثر دموية، وهي الفطرة ذاتها التي دفعت بالجالية السورية في لبنان، أولئك الذين يواجهون يومياً عنصرية الحزب الحاكم وأعوانه وكراهيتهم، للنزول إلى الشوارع وتقديم ما أمكن من مساعدة.

“مظلوميتنا” كسوريين تلاحقنا أينما ولينا وجوهنا.

كثيرة هي الأسئلة التي تدور في رؤوس السوريين اليوم، المنفعلين منهم على وجه الخصوص. لو حدث تفجير مماثل في دمشق أو في إدلب أو حلب، هل كان سيحظى بالقدر نفسه من الاهتمام؟ لماذا بات الدم السوري أرخص من غيره؟ على أي مقياس تُقاس أهمية الأرواح المسلوبة؟

في المقابل، علينا أن نجيب على أسئلة أقرب، لماذا يخشى الصحافيون دخول المناطق المحررة؟ ألسنا أول من يخوّن الإعلاميين العاملين مع الوكالات الأجنبية، ونحملهم ذنباً لم يرتكبوه، وقضية المصور الصحافي عمر حاج قدور ليست بعيدة.

“مظلوميتنا” كسوريين تلاحقنا أينما ولينا وجوهنا، وتدفعنا إلى وضع مأساتنا في وجه المعني وغير المعني، وهو أمر علينا جميعاً أن نعيد التفكير فيه، وأن نعيد تفسير مفاهيم التضامن، كما نحب أن نراها في عيون الغير، فتسليط الضوء على واقعنا المظلم، على ظهر مأساة شعب، لن تزيده إلا ظلاماً.