fbpx

“ليس هناك ما يستحق العيش هنا”
المراهق العراقي حامد سعيد إذ عاد من مظالم النظام

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“لقد قُدمت لنا عروض للهجرة، وأنا أفكر جدياً بأخذ حامد والأسرة ومغادرة المدينة لا أعتقد أن هناك ما يستحق العيش هنا”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

وجههُ الصغير، يوحي بولادةٍ جديدةٍ لشخص آخر، قرأتُها بُلغتي (ولادة ميّتة)، هكذا وجدت حامد ذي الـ16 عاماً، حين دخل منزله الشبيه بهياكل البيوت المتبقية في أماكن خَرِبة، بينما غطى رأسه بقبعةٍ حمراء، وكأنه يحاول إخفاء ما وصم به.

لم تكُن قراءتي انكسارات حامد التي تركت تداعياتها على وجهه مُبالغٌ فيها، فأنا ابنة هذا المجتمع، الذي سيوصمهُ بالجبن، لأنه بقي صامتاً مرتجفاً بينما كان عارياً يضربه مُدعو حفظ النظام ويهينونه ويسبونه وينتهكون كرامته، وبعدما انتشر فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي يوثّق الاعتداء عليه.

وعلى رغم هذا، كانت على وجهه ابتسامة بريئة فتية، لا أنكر أنها بعثت في روحي شيئاً من الطمأنينة. جاء حامد بجهاز تبريدٍ إلى منزله المظلم أو ما يُسمى باللهجة العراقية “مُبردة”، ويبدو أنه كان أول تغيير أحدثهُ في حياته بعد ما تعرض له. يقول “لقد منحني رئيس الوزراء مبلغ 2500 دولارٍ أميركي، اشتريت به هذا الجهاز، لتبريد منزلي”.

حامد عندما استقبله رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي

لم يُخبرني حامد كثيراً عمّا كان ينوي فعله بهذا المبلغ، كل ما قاله “إننا بحاجة إلى جهاز التبريد هذا في صيفنا الحار جداً، والذي تتجاوز درجات الحرارة فيه الـ51 درجة مئوية”.

بيتُ حامد غير صالح للعيش، وفق مفاهيم العيش البشري الكريم، يقع في إحدى عشوائيات بغداد، التي تسمى “الكمالية”، ويُسيطر الطابع العشائري على المنطقة، ويفقد القانون سلطته هناك، في نهاية شارعٍ سكني مُبلط يدعى حي السلام، ويبدو أنهم أطلقوا عليه هذا الاسم لأنه الشارع المبلط الوحيد في المنطقة بحسب أبناء الحي. يقع منزل حامد، حيث ينتهي التبليط وتظهر الأرض الترابية الوعرة، ومن ثم يظهر البيت، مظلماً من الداخل، لا تدخله الشمس، يفتقر إلى الأثاث، وعلى يمين باب الدخول مطبخ، يخلو من كل شيء. كُنت طلبتُ من فاطمة عمة حامد أن تمثل أنها تطبخ أمامي، في محاولة لتصوير مشهد من تقرير صحافي، لكنها أخبرتني أن السكين ضائعة، وأنهم لا يملكون سوى سكين واحدة، يطلبها الجيران أحياناً في حي السلام هذا!

الهجرة ورغبة الخلاص

تحدث حامد عن طموحه المُستقبلي، قال لي “أنوي العودة إلى الدراسة، تركت دراستي حين كنت في الصف الرابع الابتدائي، رئيس الوزراء طلب مني الاهتمام بالدراسة وحذرني من أن أفعل أي شيء ضد القانون ووعدني بأنه سيدعمني بذلك”.

الكاظمي وعد حامد بدعمه لإكمال دراسته من دون منحه دليلاً أو حتى تبيان وسيلة الدعم تلك.

الرجل المسن حميد عبد لايح عم حامد، لم يحتمل البقاء صامتاً وأخبر حامد قائلاً “تحدث للصحافية وأخبرها أنك بحاجة للمال، على رئيس الوزراء أن يدعمك مادياً، أن يصرف لك راتباً شهرياً بعد تعرضك لهذه الاهانة، والفضيحة”.

وأضاف: “لقد قُدمت لنا عروض للهجرة منها إلى الإمارات، وأنا أفكر جدياً بأخذ حامد والأسرة ومغادرة المدينة لا أعتقد أن هناك ما يستحق العيش هنا”.

حامد ومحمد

طيلة بقائي في بيت حامد، كانت أسرته تحاول تأكيد أن “محمد” هو “حامد ” ذاته، قال حامد “في منطقتي ينادونني محمد، وحين  سألني قوات حفظ الشغب عن اسمي أجبتهم بأن اسمي محمد”.

قال حامد مبتسماً “البعض يعتقد أن حامداً متهم بسرقة دراجة نارية، وانه مسجون في سجن باب الشيخ، كما أُعلن عن ذلك في فيديو في مواقع التواصل الاجتماعي، ولكن في الواقع، هذا المتهم هو أنا”.

روى حامد أنه “بعدما ضربته قوات حفظ السلام، هرب عارياً إلى إحدى المفارز الطبية ليتلقى العلاج، بعدها خرج من خيمة الطبابة، متجهاً مرة أخرى الى ساحة الخلاني، وفي طريقه الى هناك دخل في مشاجرة، فاتهمه الرجل الذي تشاجر معه بأنه سرق دراجته وأخذته القوات الأمنية إلى سجن باب الشيخ”.

في الفيديو الذي سرب من داخل السجن اثناء التحقيق مع حامد قال الصبي إن اسمه هو “حامد سعيد” لهذا وبحسب أقوال حامد اشتبه الناس بين محمد وحامد، اللذين ظهرا بشكلين مختلفين في بعض التفاصيل البسيطة ما أحار المتابعين. 

معاناةٌ بدأت عام 2005

خرج حامد إلى ساحة التحرير منذ بداية تظاهرات تشرين الأول/ أكتوبر 2019، لا سيما ليطالب بحقوقه كونه ابن أحد ضحايا الإرهاب في العراق. يقول ضياء شقيق حامد الأكبر “قُتل والدي على يد مجرمي تنظيم القاعدة في مدينة الرمادي بعدما توجه إلى محافظة الانبار من بغداد، آخذاً مواد دعم لوجستي لإحدى قواعد الجيش العراقي هناك، وعثرنا على قبره بعد مرور 4 سنواتٍ من قتله واختفائه”.

وأضاف “حاول حامد من خلال خروجه الى ساحة التحرير، التي أصبحت في ما بعد مكاناً لكسب عيشه عبر بيع قناني المياه هناك، أن يطالب بحقه، فنحن بعد قتل والدنا لم نحصل على تعويض من الحكومة كوننا أبناء الشهيد”.

ساحة التحرير صارت ملجأ للكثير ممن يشبهون حامد، الباحثين عن حقوقهم، وآخرين وجدوا فيها مأوى لهم، من خلال بقائهم في خيمها بعدما كانوا يفترشون الشوارع.

لكن معظم الذين خرجوا إلى هذا الملجأ قوبلوا إما بالقتل أو انتهاكات قوات “حفظ النظام”. قال حامد “كنت أحاول التقاط زجاجة ماء سقطت مني حين لحظني عنصر من قوات مكافحة الشغب، فجروني وضربوني وقطعوا شعري بشفرة حادة، وانتهكوا سمعة والدتي بالفاظ نابية”.

في الفيديو الذي سرب من داخل السجن اثناء التحقيق مع حامد قال الصبي إن اسمه هو “حامد سعيد” لهذا وبحسب أقوال حامد اشتبه الناس بين محمد وحامد، اللذين ظهرا بشكلين مختلفين في بعض التفاصيل البسيطة ما أحار المتابعين.

هيبة الدولة وانتهاكاتُ السجون

ما تعرض له حامد سعيد، غيّر في مفاهيم حقوق الانسان في العراق، على رغم أن “منظمة هيومن رايتس ووتش”، سجلت نحو 277 حالة انتهاك بحق المحتجين في ساحات التظاهر، أو الموجودين هناك، والتي تفاوتت بين قتل واعتداء جسدي ولفظي. يقول عضو مفوضية حقوق الانسان في العراق علي البياتي “ثورة الرأي العام ضد ما تعرض له الفتى (الحدث) من انتهاك، أرجع لقوانين حقوق الانسان المنتهكة في العراق هيبتها، وجعل الحكومة تنظر بعينٍ جادة الى أهمية بناء دولة الإنسان”.

وأشار إلى “انتهاكات كثيرة مشابهة لتلك التي واجهت حامد والتي حدثت في ساحة التظاهر أو تلك التي تحدث خلف قضبان السجون، وما حصل لحامد كان بمثابة جرس إنذار للحد من تلك الانتهاكات ومحاسبة مرتكبيها”.

لم يكن الانتهاك الذي تعرض له حامد في ساحات التظاهر هو الوحيد من نوعه، فالسجون العراقية تعج بالانتهاكات والاعتداءات على متظاهرين. وأكدت المفوضية العليا لحقوق الإنسان أن أوضاع النزلاء في السجون العراقية سيئة جداً، مشيرة إلى أن معظم السجون تعاني اكتظاظاً بأعداد السجناء، فضلاً عن سوء المعاملة في بعضها ما يتعارض وحقوق الإنسان.

ونشر عضو مجلس المفوضين في المنظمة هيمن باجلان، بياناً قال فيه إن “أوضاع السجناء سيئة جداً في ظل غياب البرامج التأهيلية الفكرية والبدنية لهم”.

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.