fbpx

السلطة اللبنانية تستخدم أسلحة محرمة دولياً لقمع شعبها!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

احتجاجات اللبنانيين في الآونة الأخيرة، ما هي إلا رد فعل طبيعي على جريمة مرفأ بيروت، إلا إنها جوبهت بطريقة غير مسبوقة من القمع من قبل أجهزة السلطة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“كان يخطط لقتلي. نجوت هذه المرة كما نجوت من التفجير، لكن إصابتي خطيرة لا أدري ما قد ينتج عنها”.

خلال أسبوع نجت الشابة ز.س. مرتين من موت محتم. الأولى في انفجار مرفأ بيروت في 4 آب/ أغسطس، والثانية بعد يومين من ذلك التاريخ حين خرجت لتتظاهر ضد السلطة التي تسببت بالانفجار، فتعرضت لرصاص الأمن مباشرة، وأصيبت بجروح في كتفها وذراعها. 

المصابة ز.س

لم تخرج ز.س. من منزلها منذ الانفجار. لم تستطع أن تتحمل مشاهد الدمار فبقيت في منزلها الذي بقي متماسكاً وحده في فردان. كان أول خروج لها بعد وقوع الجريمة، إلى ساحة الشهداء يوم ملأ اللبنانيون الأرض والسماء بصراخهم، معلنين سخطهم، إلا أنهم جوبهوا بالقمع والرصاص.

لم تشارك في حملات التنظيف في المدينة فبرأيها “علينا تنظيف الطبقة التي تسببت بالمجزرة، علينا أن نفجر غضبنا بهم قبل أن يفجرونا مرة أخرى. إذا أزلنا الركام والزجاج من الشوارع ولم نسقط الطبقة الفاسدة سنواصل حياتنا ونحن نجمع حطام أحبائنا”.

تشارك ز.س. في التظاهرات منذ 17 تشرين الأول/ أكتوبر 2019، وشاركت في تحرك ما بعد الانفجار، أو “يوم الحساب”، وقد انتشرت صورة يدها وظهرها “المخردق” بشكل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي.

تروي لـ”درج”: “كنا أمام مجلس النواب، قبل أن أتعرض للإصابة شاهدت عناصر مدنيين وآخرين بلباس قوى أمن داخلي، ولم أميز من أين كنت أتلقى الطلقات. طلقة الخردق الأولى كانت في الظهر، كنت أحاول مواصلة المشي لكي أنجو. لم أسقط في المرة الأولى فبدا العنصر المجرم مصراً على إسقاطي أرضاً ليصيبني مجدداً في يدي، أراد قتلي وكان هذا واضحاً”. أخبرها الطبيب بأن عشرات الرصاصات استقرّت داخل جسدها وهي غير قابلة للإزالة حتى الآن، ما يعرضها للخطر. 

كتب المحامي فراس إسماعيل حمدان على “فايسبوك” قبل ثلاثة أيام من إصابته خلال تظاهرات بيروت، :نحن مشاريع أموات في هذا البلد”… ذخيرة اخترقت قلب فراس ولا تزال عالقة فيه، فلن يستطيع الأطباء إزالتها لأن الخطر على حياته عند إزالتها أكبر من بقائها. بعد 5 أيام أمضاها في مستشفى اوتيل ديو وإجرائه عملية قلب مفتوح.

يروي حمدان لـ”درج” تفاصيل الاعتداء: “كنت أبث فيديو مباشراً من صفحتي على فايسبوك وفوجئت بقنبلة صوتية تستخدم للمرة الأولى منذ اندلاع الثورة، تحتوي على رصاصات خردق انفجرت واخترقت جسدي وجسد حوالى 30 متظاهراً كانوا حولي، نقلنا إلى المستشفى. هناك عيون فقئت وإصابة أخرى خطيرة جداً”. ويضيف: “كُتب لي عمر جديد ولكن إصابتي ستعرضني لخطر مستمر إذ لا يمكنني بعد الآن التعرض لأي صورة رنين مغناطيسي أو حقل مغناطيسي أو لأي ماكينة كشف سلاح”. 

فراس حمدان

فراس حمدان المحامي في لجنة الدفاع عن المتظاهرين لم يغب يوماً عن الساحات ومن أمام الثكنات، يؤكد استمراره في خوض المعركة ضد النظام القمعي ويسعى إلى تقديم شكوى بحق من أظهرتهم الصور وهم حرس المجلس بحسب شهادة حمدان أيضاً. ويقول “نطالب بمحاسبة الفاعلين فإن الأسلحة التي استخدمت لا تستخدم لمجابهة مدنيين عزل، بل تستخدم بين جيوش الحرب أو في المواجهات بين السلطة والعصابات”.

 كان تجمع أطباء القمصان البيض عرض في مؤتمر له قبل أيام صوراً وتقارير موثقة لإصابات خطيرة وقعت في صفوف المتظاهرين، وقد أسفرت عن ما لا يقلّ عن 250 جريحاً ومصاباً، منها 7 إصابات في العيون برصاص مطاطي، وعشرات المصابين برصاص الخردق، وما لا يقلّ عن 7 بقنابل الخردق، منها في الوجه والصدر والكبد والرئة. 

العضو في مجلس أطباء القمصان البيض الدكتور هادي مراد يوضح لـ”درج”: “تبين من الصور الإشعاعية أن الأجهزة الأمنية استخدمت الرصاص الحي أي الخردق، خرطوش الصيد، الذي يستخدم لقتل الطيور والخنازير البرية. إنها المرة الأولى منذ 17 تشرين الأول، التي تستخدم فيها السلطة أسلحة محرمة دولياً، وهي أسلحة يُعتبر استخدامها جريمة بحق المتظاهرين، وهي قنابل تنفجر عند اصطدامها بجسد المصاب وقد تستقر ويصعب إخراجها لتسبب تداعيات قد تكون مميتة”. ويضيف أن أطباء المجلس نشروا صوراً لأشخاص رست رصاصات الخردق في أجسادهم ولم يكن إخراجها ممكناً من أجساد بعضهم، ما يؤكد بحسب مراد تصويبها من مسافة قريبة. كما أصيب كثيرون بسبب رمي قنابل مسيلة للدموع على المتظاهرين والتي وظيفتها في الأساس تفريق التجمعات، لا أذية المتظاهرين، لكنها استخدمت في لبنان للتصويب عليهم، وهناك من فقد ذراعه وآخر عينه جراء ذلك. 

“كان يخطط لقتلي. نجوت هذه المرة كما نجوت من التفجير، لكن إصابتي خطيرة لا أدري ما قد ينتج عنها”.

وقد لوحظ الإفراط باستخدام القنابل مسيلة الدموع، لا سيما من قبل عناصر مكافحة الشغب، بكميات هائلة بلغت ما لا يقل عن 200 عبوة، في حين يبلغ سعر القنبلة الواحدة من الغاز مسيل الدموع المستوردة من فرنسا بحسب منصة “ميغافون” 35 دولاراً، ما يجعل التكلفة الإجمالية 7 آلاف دولار تقريباً. هذا في حين تُجمع المساعدات من متطوعين ومن دول الخارج لدعم العائلات المنكوبة والمتضررة من انفجار بيروت. أما الدولة اللبنانية فكانت منشغلة بمحاولة قتل المتظاهرين وقمعهم، من دون التفكير ببرنامج أو خطة لإدارة الكارثة ودعم المنكوبين والمشردين.

يقول مراد: “أطلقنا الصرخة لنخبر العالم عن الإجرام الذي يتعرض له المتظاهرون هنا، نعمل على توجيه كتاب إلى المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية الدولية. قضية المتظاهرين هي قضيتنا وتقف إلى جانبنا مجموعة من المحامين والأطباء الشرعيين لإيصال صوت الحق. كما نحمّل قائد الجيش المسؤولية كونه القائد الأعلى للقوات المسلحة في خضم إعلان حالة الطوارئ”.

شرطة المجلس: ميليشيات أم جهاز دولة؟

بعد الانفجار الذي هز بيروت، أُعلنت حالة الطوارئ في المدينة من دون تحديد متى بدأ تطبيقها. فإذا كان بدأ يوم أصدرت الحكومة المستقلة المرسوم في 5 آب، فإن ذلك يضع مسؤولية ما حدث في 8 آب من جرائم بحق المتظاهرين على عاتق قيادة الجيش التي تعتبر المسؤول الأعلى لجميع القوات المسلحة التي كانت موجودة على الأرض منذ ذلك اليوم. وفي حالة أخرى إذا صحّ العكس، فإن قوى الأمن الداخلي نفت في بيان لها تورط عناصرها بالاعتداءات المباشرة على المتظاهرين. كما ردت على رسائل نقابة الأطباء التي حذرت من استخدام الرصاص المطاطي بوجه المتظاهرين ومن خطره على الجزء العلوي من الجسد، إذ أكدت مديرية قوى الأمن الداخلي أن عناصرها لم يطلقوا أي نوع من أنواع الرصاص المطاطي او الحي أثناء قيامهم بمهمة حفظ الأمن والنظام في وسط بيروت.

منذ اندلاع ثورة 17 تشرين في لبنان تكرر مشهد استهداف السلطة المتظاهرين بشكل قمعي سواء قضائياً أم جسدياً وتكررت حملات الاعتقالات والاستدعاءات والترهيب والتصويب المباشر على المتظاهرين في التحركات. 

الثابت في عمليات الاستهداف كان استخدام شرطة مجلس النواب العنف والاستهداف المباشر ضد المتظاهرين وهو ما تكرر أكثر من مرة. وقد كشفت صور ومقاطع مصورة لإطلاق رصاص حي من قبل عناصر من الجهاز التابع لحرس المجلس. والمعروف أن هذا الجهاز الأمني يتبع بشكل خاص لمجلس النواب ورئيسه. ويعين أفراد هذا الجهاز ويرقّون بقرار من رئيس مجلس النواب نبيه بري.

هو جهاز يعمل بنظام خاص منفصل عن الجيش والقوى الأمنية أي أنه لا يتلقى أمرته من أي منهم ولا يحق له الاعتداء على الناس بأي طريقة او أن يكون على الأرض في مواجهة المتظاهرين. وبحسب المحامية في لجنة الدفاع عن المتظاهرين فداء عبد الفتاح “تنص المادة 50 على أن الرئيس يتولى المحافظة على النظام والأمن داخل المجلس ولا يجوز استدعاء أفراد قوى الأمن غير التابعين لشرطة المجلس النيابي إلى المجلس إلا بطلب منه، فمن أمر هؤلاء بمواجهة المتظاهرين وإطلاق الرصاص على الشعب الأعزل ومساندة القوى الأمنية والجيش؟”. ويحدد رئيس مجلس النواب وحده رتبة كل عنصر من عناصر حرس المجلس من دون الاعتماد على نظام واضح، والشيء الثابت الوحيد أنهم يتلقون رواتبهم من خزينة الدولة. وبات معروفاً أن تبعية هذا الجهاز لرئيس المجلس وهم يتصرّفون على أنهم جزء من “حركة أمل” التي يرأسها. 

“احتجاجات اللبنانيين في الآونة الأخيرة، ما هي إلا رد فعل طبيعي على جريمة مرفأ بيروت، جوبهت بطريقة غير مسبوقة من القمع من قبل أجهزة السلطة. وهو أمر مخالف للقوانين اللبنانية والدولية ومخالف لشرعة حقوق الإنسان. لا شيء يبرر استخدام هذه الأسلحة في مواجهة الشعب. وإذا سلّمنا جدلاً بوجود ما تسميه السلطة أعمال شغب، فحتى هذه لا تواجه بهذه الطريقة الوحشية، ولا تبرر ارتكاب الجرائم بحق الشعب الأعزل. ما حدث هو جريمة لا يمكن السكوت عنها وعلى الجهة المرتكبة أن تتحمل مسؤوليتها وعلى التحقيقات أن تأخذ مجراها وأن تعرف خواتيمها، لنعرف من أمر بهذا العنف كله، ومن المسؤول عنه. حتى إن كانت أعمالاً فردية، فهذه مشكلة أيضاً ومن حقّنا أن نفهم”. تختم عبد الفتاح.