fbpx

الإمارات إذ ترى أن فلسطين قد تكون ثمناً لأمنها

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!
"درج"

الحال أن السجال العربي المرافق لسقطة الإمارات ليس أحسن حالاً من الصفقة نفسها، فقد عدنا إلى مربع الانقسام الخليجي الذي بدوره لا يعدو كونه صراع أمزجة بين جيل جديد من أمراء تلك الكيانات الهشة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

 لا حدود بين الإمارات العربية المتحدة وبين إسرائيل، ولا حروب ولا احتلال. إذاً لتطبيع العلاقة بين الدولتين وظائف أخرى غير تلك التي افترضتها اتفاقيتا كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل، ووادي عربة بين الأخيرة والأردن. هنا نحن لسنا حيال أرض أو ضم، أو مفاوضة حول علاقة جيرة، بل أمام خطوة لا تشبه ما تتفاوض عليه الدول حين تعقد اتفاقات. الإمارات رأت أن مصلحتها تقتضي تطبيع العلاقات مع إسرائيل! إذاً التطبيع هو ثمن دفعته هذه الدولة لقاء شيء آخر. الثمن المعلن هو “وقف الاستيطان في الضفة الغربية”، والجميع يعلم أنه ليس الثمن الحقيقي، لكن لنسلم جدلاً به، ثم نناقش لاحقاً قصة الثمن الحقيقي الذي تطمح الإمارات لتقاضيه من إسرائيل.

“وقف الاستيطان الآن”، يعني أن الإمارات العربية المتحدة اعترفت بكل ما سبق “الآن” من خطوات إسرائيلية. ويعني أنها تعترف بالكتل الاستيطانية التي أقامتها إسرائيل على مساحات شاسعة من الضفة الغربية، ويعني أيضاً أنها تعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وبالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان. وفي المقابل تمكن بنيامين نتانياهو من إحداث خرق كبير في جدار الموقف العربي، مقابل لا شيء، لا بل مقابل اعتراف ليس بإسرائيل، إنما أيضاً بمزاجها التوسعي، وبتعطيلها السلام وبقضائها على أي طموح فلسطيني بإقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة. الشرط المعلن الوحيد هو وقف الاستيطان. وقفه بعدما ابتلعت إسرائيل أكثر من ثلث الضفة، ووصلت إلى غور الأردن، والصفقة نُسقت مع جاريد كوشنير عراب ضم القدس والجولان، وربيب نتانياهو وتوأم روحه.

محمد بن زايد ونتانياهو

الصفقة أبرمت مع إسرائيل نتانياهو، وليس مع أي إسرائيل! مع أسوأ إسرائيل منذ تأسيس هذا الكيان، مع دولة أرعبت “الآباء المؤسسين” لجهة عدم رغبتها بوجود شريك فلسطيني، وفي لحظة أبدت فيها أبو ظبي انعدام حساسية حيال شراهة نتانياهو. الهدية كبيرة جداً، وثمنها المعلن زهيد، ولا يساوي شيئاً بالنسبة إلى الفلسطينيين.

والحال أن السجال العربي المرافق لسقطة الإمارات ليس أحسن حالاً من الصفقة نفسها، فقد عدنا إلى مربع الانقسام الخليجي الذي بدوره لا يعدو كونه صراع أمزجة بين جيل جديد من أمراء تلك الكيانات الهشة. صراع أمزجة ليس إلا، تغيب عنه مصالح الدول الحقيقية.

استنفرت قطر وسائل إعلامها وعمقها الاخواني للتشهير بأبو ظبي. الحق الفلسطيني آخر همومها، ذاك أن لتل أبيب مكتب تمثيل في الدوحة أكثر عراقة من مكاتبها في أبو ظبي، وحساسية آل ثاني ومن ورائهم دولة الطيب أردوغان حيال العلاقة مع إسرائيل تحضر فقط عندما تسبقهم أبو ظبي خطوة نحو تل أبيب، هذا فيما كانت الدوحة أكثر نجاحاً باختيارها عزمي بشارة واجهة لخطابها الفلسطيني، على رغم غرقه بالمستنقع الاخواني الذي تعوم عليه، فيما بدت أبو ظبي غير موفقة مرة أخرى بمحمد الدحلان بوصفه رأس حربة مشروعها مع إسرائيل. والأهم في هذه القسمة الرهيبة أن موضوع الانقسام الخليجي هو حروب بعيدة. الانقسام حول مصر وحول اليمن وحول تركيا وحول الاخوان المسلمين، وليس حول الحدود أو الثروات أو الحقوق التاريخية.

إنها خطوة بمواجهة إيران، العدو القريب وصاحب الطموح التوسعية في الخليج، ومهدد إماراته الصغرى.

لكن العودة إلى السبب الحقيقي وراء الخطوة الإماراتية تأخذنا إلى مزيد من الذهول. إنها خطوة بمواجهة إيران، العدو القريب وصاحب الطموح التوسعية في الخليج، ومهدد إماراته الصغرى. لكن هل فعلاً يمكن أن تتولى إسرائيل حماية الإمارات العربية المتحدة من خطر طموح طهران؟ لماذا يمكن أن تفعل ذلك؟ لقاء خرق طفيف في جدار المقاطعة العربية؟ ماذا لو قدمت طهران إغراءً طفيفاً لتل أبيب؟ فأيهما أهم بالنسبة إلى الأخيرة، أبو ظبي أم طهران؟

ثم إن البعد الأخلاقي للخطوة يلوح هنا مجدداً، ذاك أن أبو ظبي دفعت من الحق الفلسطيني ثمناً لما تتوهمه حماية لكيانها. ما تقاضته تل أبيب هو اعتراف بحقها بالأرض الفلسطينية! وأي أرض، إنها القدس والمسجد الأقصى وكنيسة القيامة وأكثر من ثلث مساحة الضفة الغربية، ناهيك بالجولان السوري.

خطوة أبو ظبي هي امتداد لخطوات أقدمت عليها دول خليجية كشفت أيضاً عن حقيقة تولي أمراء هواة القرار في دول وإمارات تفوق أهميتها أحجامها، فتوظف الثروات في نزاعات لا تمت إلى المصالح الحقيقية لهذه الدول ولمواطنيها بصلة، وعلى هذا النحو اقتنعت أبو ظبي بأن بإمكانها أن تُحضر إسرائيل إلى الخليج لكي تحميها من إيران، وأن تدفع من الحق الفلسطيني ثمن هذه الخطوة.

وهذا يعيدنا مرة أخرى إلى مأساة فلسطين بوصفها من جهة موضوع ابتزاز أنظمة الممانعة لشعوبها، ومن جهة أخرى بوصفها ثمناً تدفعه إمارات الخليج لحماية ثرواتها. أما الحق الفلسطيني الضائع فلن يجد طريقه إلا عبر استعادة الفلسطينيين قضيتهم من طرفي الحرب الأهلية الإقليمية التي تشطر المنطقة كلها، وإعادتها قضية وطنية لا تتقاسمها قطر وطهران في غزة، والإمارات في رام الله.