fbpx

انفجار بيروت كإعلان موت صيغة ما بعد الحرب الأهلية

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

انفجار المرفأ هو إعلان وفاة النموذج المتبع منذ 1990 الذي استمر بفضل استحواذ أمراء الطوائف وزعمائها على مفاصل الاقتصاد والمجتمع والدولة وحمايتهم الفساد والفاسدين، وتغييبهم المحاسبة وتشجيعهم على التفلت من العقاب…

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

في ذلك السبت المشؤوم في أواخر عام 1975، شهد مرفأ بيروت على موت الصيغة اللبنانية التي سالت دماؤها مع دماء الأبرياء الذين اصطفوا على حيطان المرفأ وقتلوا بأبشع الأساليب، بسبب هويتهم الدينية أو المذهبية انتقاماً لمقتل ابن أحد مسؤولي الميليشيات التي كانت مسيطرة آنذاك على شرق بيروت وضواحيها. تعمقت المقتلة بعد أيام في الكرنتينا والنبعة، ثم في الدامور ولاحقاً في مناطق لبنانية عدة. في ذلك السبت الأسود أعيد رسم حدود المدينة والبلد بالعنف والدم المسفوك ليستولد القتل الجماعي تهجيراً متبادلاً وتقسيماً لبيروت ولبنان وخلق جغرافية صافية الهوية، خالية من أي تعددية، باستثناء فضاءات قليلة مشتركة وجلها أقلوي ونخبوي. 

من على حيطان مرفأ بيروت، انتهى التعايش الذي بني في صيغة 1943 وهو كان بدأ بالتشقق قبل ذلك بسنوات. حصل ما حصل بعدها من عنف جماعي وقتل أهلي، وتفكك للدولة وسيطرة الميليشيات، الطائفية بمعظمها، على الحيز العام بجوانبه الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، واستجلابها تدخلات قوى خارجية طامعة بالتوسع. استمر التفكك حتى ولد اتفاق الطائف بتقاطع مصالح إقليمي دولي بعدما وصل البلد إلى لحظة تشظ وانهيار كبيرين.

لماذا استحضار الماضي؟  

في المكان نفسه يشهد مرفأ بيروت على موت صيغة ما بعد الحرب الأهلية. فيدمر الانفجار- الجريمة في 4 آب/ أغسطس ثلث المدينة ويشرد أهلها ويعمق الانهيارات الاقتصادية والمالية الحاصلة. فتصبح الفاجعة الخاتمة الحزينة لنموذج السلم الأهلي الملتبس منذ الاتفاق عليه في 1990 والمتوهن منذ سنوات والذي بني على 3 مداميك مترابطة: 1) دعم خارجي بخاصة من دول الخليج العربي لإعادة الاعمار، 2) رشوة أمراء الحرب وقادة الميليشيات للانخراط في عملية السلام الاهلي، 3) تكليف وصي للإشراف على مرحلة ما بعد الحرب. وهذه المكونات الثلاثة ليست غريبة بالمطلق عن البلدان الخارجة من حروب أهلية بخاصة في المراحل الانتقالية من الاقتتال الأهلي إلى بناء السلام، كما حصل مثلاً في البوسنة والهرسك (إشراف ووصاية دولية) وسيراليون (دور الأمم المتحدة) وايرلندا الشمالية (دور الاتحاد الأوروبي) وغيرها من الدول التي مرت بحروب داخلية. لكن في لبنان ما حصل نفذ بطريقة مريبة أدت إلى فشل هذه الصيغة وعدم انتقالها من مرحلة الاقتتال والانقسام إلى مرحلة بناء مؤسسات لدولة عادلة وجامعة. فأمراء الحرب وقادة ميليشياتها عفوا عن أنفسهم وارتشوا واستأثروا بمقومات البلد من دون حسيب ورقيب، أما الوصي السوري فأمسى بلطجياً مطلق اليدين ناهماً من غنائم إعادة الإعمار، لا يتورع عن تصفية معارضيه، والدعم الخارجي الآتي معظمه من دول الخليج لم يستمر لأسباب تتعلق بالتمحور الحاصل في المنطقة، ففرض واقع ما بعد الحرب وشره الزعماء وجشع الوصي على الاستدانة من كل حدب وصوب وتطبيق سياسات نقدية مشبوهة وتفكك المؤسسات، كل ذلك أوصلنا إلى ما نحن عليه من انهيارات اقتصادية ومالية.

بواقعية سياسية، وكي لا تبقى هذه الأمور أمنيات وأحلام، من المسلم به الحاجة إلى وصي على الصيغة المرجوة. إذاً، السؤال هنا من يكون هذا الوصي؟ لا يُفترض أن يكون خارجياً، إذ أثبتت التجارب السابقة والحالية فشل دور الأوصياء الخارجيين في لبنان.

يصبح إذاً، انفجار المرفأ إعلان وفاة النموذج المتبع منذ 1990 الذي استمر بفضل استحواذ أمراء الطوائف وزعمائها على مفاصل الاقتصاد والمجتمع والدولة وحمايتهم الفساد والفاسدين، وتغييبهم المحاسبة وتشجيعهم على التفلت من العقاب بسبب خطوط حمر رسمها هؤلاء، وبجعل القطاع العام والوظيفة العامة مصدراً للإثراء ولتعميق دويلاتهم. فأتى الانفجار- الجريمة كنتيجة حتمية لهذا المسار الجانح وكضربة قاضية لهذا النموذج. لنتذكر ونذكر أن مرحلة السلم الأهلي المرتبك فشلت في كل ما له علاقة بإدارة شؤون الناس على حساب زيادة ثروات الزعماء والمحسوبين عليه بدءاً من الفشل في قطاع الكهرباء الذي كلف البلد الجزء الأكبر من مليارات الدين العام، مروراً بعدم القدرة على التخلص من النفايات بطرائق سليمة حتى في أبسط القواعد كإدارة السير وما نتج عنها من موت ومرض، وغيرها من القطاعات والقضايا وصولاً إلى ضحالة الإدارة العامة التي تنقصها الكفاءة والفاعلية. هذا الفشل الصريح في بناء مؤسسات تساهم في الإدارة الشفافة والعادلة للدولة والاقتصاد والمجتمع، ترافق مع إخفاق كبير، لعله عن عمد، في بناء سلام أهلي بين الجماعات اللبنانية وتعثر في خلق ثقة بينها فبقيت شعوباً متفرقة تظهر انقساماتها وخلافاتها في كل مفترق يمر فيه البلد.

إذاً نحن على مفترق طرق.

 مع نهاية هذه الصيغة، لا بد من بداية جديدة لعلنا نقترب من لحظة استيلادها وإن كانت ملامحها غير واضحة. إما أن ننزلق أكثر إلى تفكك أعمق لأوصال الدولة والمجتمع نتيجة الانهيارات المتعددة الحاصلة، في المؤسسات والاقتصاد وغيرهما، فيعود زعماء الطوائف الى خزائنهم فيلبسون بدلاتهم العسكرية ويزيتون اسلحتهم التي حافظوا عليها خلال الثلاثين سنة الماضية، بل استخدمها البعض مراراً وتكراراً، ويعيدون السيطرة المباشرة على الحيز العام بجوانبه كافة. أو أن نذهب إلى بناء صيغة جديدة عمادها إعادة بناء المؤسسات الفاعلة والعادلة، وتعزيز حكم القانون تحت سلطة قضائية مستقلة، والشروع بإعادة تكوين طبقة سياسية جديدة تبني مشروعيتها من المواطنين الأفراد. وكأننا في لحظة الاستيلاد هذه أمام تصفير عمل 30 سنة أخفق في الخروج من مرحلة الحرب الأهلية المدمرة.

بواقعية سياسية، وكي لا تبقى هذه الأمور أمنيات وأحلام، من المسلم به الحاجة إلى وصي على الصيغة المرجوة. إذاً، السؤال هنا من يكون هذا الوصي؟ لا يُفترض أن يكون خارجياً، إذ أثبتت التجارب السابقة والحالية فشل دور الأوصياء الخارجيين في لبنان. منهم من قتله جشعه وغروره ومنهم من ترك الساحة غير قادر على تحمل مشهدية أكفان ضحاياه في مطاراته العسكرية ومنهم من اهتم باستقرار حدوده ناظراً من بعد. إذاً، المطلوب وصي داخلي يرعى عملية إعادة بناء الدولة، والذي لا بد أن يكون، بدهياً، في المؤسسة الدستورية الأم، أي مجلس النواب الذي هيمن عليه أمراء الطوائف بداية عبر التعيينات المشبوهة والتي كانت الطوبة الاولى الجوفاء في إعادة بناء الدولة بعد الحرب الأهلية وأوصلت البلد إلى وضعه الآيل للسقوط، ومن ثم عبر قوانين انتخابية هجينة مفصلة على قياسهم. في السنوات التالية، استقال المجلس أكثر وأكثر من دوره، فجوَّف عمله الرقابي عبر حكومات الوحدة الوطنية الحاكمة كلويا جيرغا للشعوب اللبنانية، وتلاشت مهماته التشريعية لتفضيل رئيسه تأدية دور تنفيذي محوري في الحكم يخوله الاستحواذ على مقومات الدولة.

عليه يجب أن تحتل معركة ديموقرطة الانتخابات النيابية وإصلاح نظامها ليوسع التشاركية ويعزز تمثيل الفرد على حساب الجماعة مع وضع مؤسسات موثوقة لإدارة العملية الانتخابية بشكل حر وشفاف وسليم، على رأس اولويات المجموعات السياسية الجديدة، بالتوازي مع معركة تحرير القضاء من السلطة السياسة. هذان المدماكان هما أساس إعادة بناء الدولة العادلة وكل ما عداه لا يعول عليه.

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.