fbpx

لبنان: بانتظار قنبلة موقوتة أخرى

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

إنها مسألة وقت. بعد أيام أو ربما أسابيع سيُعلَن تعذر دعم الدولة اللبنانية مواد أولية مثل المحروقات والقمح والدواء. لن يُسمَع دوي انفجار ولكنها ستكون قنبلة موقوتة أخرى تقضي على ما نجا من جريمة المرفأ.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

هذا ليس سيناريو متخيلاً. إنها حقيقة أخرى يعرفها كل أركان المنظومة الحاكمة، تماماً كما كانوا يعرفون التفاصيل التي أوصلت إلى جريمة المرفأ، أبلغها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة إلى رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب خلال اجتماع مطلع آب/ أغسطس 2020 بحضور ما يكفي من الشهود.

الحاكم الذي تمسك بمقولة “الليرة بخير” على مدى أسابيع كانت تتهاوى خلالها إلى أن فقدت أكثر من 70 في المئة من قيمتها مقابل الدولار والذي واظب على تأكيد أن في خزينة الدولة أكثر من 20 مليار دولار، يستطيع أن “يمضي شيكاً” بقيمتها تتصرف الدولة به كما تشاء، قرر أخيراً أن يكشف عن بند قانوني كان قرر تجاهله خلال الفترة الماضية، يمنع المس بحد أدنى من المخزون الاحتياطي، هو 17.5 مليار دولار، ما يعني أن المتوفر حالياً لا يتجاوز المليارين ونصف المليار دولار، وسيكون على الدولة رفع الدعم خلال فترة لن تتجاوز أشهراً.

مشاركون في الاجتماع يقولون إن دياب غضب وذكّر سلامة بتأكيداته السابقة، لكن ذلك لم يغير شيئاً، فالأمر ليس بيد الحاكم الذي ظل يراهن على تسوية تجنبه الاعتراف بوجود هذه “القنبلة الموقوتة” وتوفر عليه ضرورة التعامل معها.

ليس في الأمر مبالغة. رفع الدعم عن المواد الأولية قنبلة قد لا تحطم زجاجاً أو تدمر مباني، ولكنها ستقضي على القليل المتبقي من مقومات بقاء اللبنانيين. 

الخبير الاقتصادي كمال حمدان تحدث في مقابلة مع صحيفة “الجمهورية” اللبنانية عن “زيادات سوريالية” في الأسعار سيؤدي إليها رفع الدعم. سعر صحيفة البنزين مثلاً قد يتضاعف أكثر من 10 مرات ليصبح 280 ألف ليرة لبنانية بدل 24 ألفاً خلال أقل من ستة اشهر.

سوف يحصل هذا في بلد يعاني أصلاً من أكبر أزمة اقتصادية في تاريخه أدخلت أكثر من نصف سكانه تحت خط الفقر خلال أشهر. 

ما يشهده اللبنانيون من تعاط رسمي في موضوع جريمة المرفأ، سوف يعيشونه مرة جديدة مع موضوع غلاء مستشرٍ سيثبت واقعة المجاعة وسيمس بشكل مباشر أكثر من 200 ألف عائلة لبنانية. 

سيرفع الدعم وستبدأ حفلة تبادل الاتهامات لتشتيت الرأي العام في الداخل، وكسب الوقت في الخارج. ستمر الأيام والأسابيع ولن نفهم شيئاً، ولن يحاسَب أحد، باستثناء ربما من يمكن التضحية بهم من صغار المنتفعين.  

سيجوع اللبنانيون أكثر، سوف يثورون أكثر وسيعودون إلى الساحات وسيجدون هناك جيشاً لا يأكل عناصره لحوماً بسبب التقشف، ولكن ذلك لن يعني أنهم لا يملكون من القنابل الغازية والرصاص المطاطي ما يكفي لإطفاء عيون المحتجين وخرق قلوب من يعارض أسيادهم المحصنين بميليشياتهم وحرس مجالسهم. 

قد يعقد الحاكم مؤتمراً صحافياً يقتصر الحضور فيه على شخصه أو قد يشارك في حلقة تلفزيونية لبرنامج شعبي يضبط هو إيقاعه، ليرفع عن نفسه المسؤولية. 

سيقول هي الطبقة السياسية مسؤولة عن الانهيار، فيما “حزب الله” يشن حرب إلغاء ضده. لن يسمح بطرح أسئلة تشكك بحكايته. لن يرد على تقنيين مستقلين يتهمونه بـ”إهمال جنائي” وتضليل ومماطلة وقلة شفافية وممارسات غير قانونية مستمرة منذ عقود، وما قضية الوصول إلى رفع الدعم إلا آخر فصولها.

 قد يرمي بعض من المسؤولية على شركائه في المصارف اللبنانية ولن يجيب على أي أسئلة تتعلق بتضارب المصالح أو الشبهات المتعلقة بالهندسات المالية أو المستفيدين منها. 

قد يحاول شراء بعض الوقت عبر الحديث عن صندوق سيادي يقضي على ما تبقى من فرص سيادة أو إعادة هيكلة أو أي خطط أخرى، لكنه لن يقبل أن يسأله أحد عن الجدوى الحقيقية لأي من الخطط التي يتكلم عنها.  

مرة أخرى ليس في الأمر مبالغة.   

تظهر محاكاة أجرتها لجنة مراقبة المصارف أنه حتى وفي أحسن الحالات وبعد ضخ نحو 20 مليار دولار من حسابات خارجية، “فرش موني” إلى السوق المحلي، وحتى وإن لم يؤخذ في الاعتبار أي تعثر في تحصيل الديون الداخلية والتي يتوقع أن تكون كبيرة بسبب “كورونا” من جهة وانفجار الرابع من آب من جهة أخرى، فإن النقص في السيولة بحسب المعايير الدولية لن ينخفض إلى ما دون نسبة السبعة في المئة وسوف يعني ذلك تعثر 23 مصرفاً من بينها 9 من فئة “ألفا” خلال خمس سنوات.   

لن يسمح الحاكم لصحافي أن يسأله عن تبعات سياساته وهو واثق بأن أي جهة أخرى لن تسأله.  

فمن يسأل من ومن يسائل من؟  

مجلس النواب الذي أقر موازنات الدولة من دون أن يسائل يوماً عن جدوى سياسات قائمة على الاستدانة الخارجية لتمويل الفساد الداخلي؟ رئيس المجلس الجالس منذ 30 عاماً على مقعده، حصته من الحرب الأهلية، والذي لم يجد هو من يسائله؟ صاحب حصة وزارة المالية الرافض رفضاً قاطعاً أي تدقيق جنائي يحقق بمصير أموالنا التي نهبت؟

من يحاسب من؟ رئيس الجمهورية القابع في قصره يعد بتحقيق تظهر نتيجته ضمن مهلة 5 أيام، لنستفيق بعد أكثر من 20 يوماً على معلومات تقول إن من احضر باخرة الموت إلى لبنان صهره المدلل وزير الطاقة السابق الذي ائتمن على مليارات الدولارات نهبت ولم تأت الكهرباء؟

من يحاسب من؟ رئيس حكومة تصريف أعمال مجرد جلوسه في القصر الحكومي إهانة لما تبقى من كرامة اللبنانيين، أو “ولي الدم” الساعي الى العودة بأي ثمن، لأن أي ثمن لن يكون دفعه أصعب من مشاركة من كان يعرف جزماً أنهم قتلة أبيه؟

من يحاسب من؟ أمراء الحرب الذين ورثوا أحزاباً بالية تقتصر الحداثة فيها على يفاعة عمر أبنائهم، الذكور طبعاً. 

 من يحاسب من؟ أمين عام “حزب الله” الذي لم يخجل يوماً من المجاهرة بخدمة مصالح دول أخرى والذي كان سباقاً إلى تبرئة إسرائيل من تهمة جريمة ضد الإنسانية، من الممكن أن تكون قد ارتكبتها في حق اللبنانيين؟

من يسأل من وإن أجابوا فمن يصدقهم؟ 

من يصدق منظومة كاملة لا يتجرأ أي من أركانها حتى على تقديم واجب العزاء لعائلة فقدت ثلاثة من أبنائها أُرسلوا إلى الموت من دون إنذار، أو مجرد النظر في أعين من عرفوا الياس خوري، ابن الخمس عشر سنة، الذي صار فقيد كل عائلة لبنانية…

لا جدوى من سؤال المجرمين. الجواب معروف سلفاً. 

كلهم يعرفون، كلهم مسؤولون وإن لم يسائلوا فلنأخذ نفساً عميقاً بانتظار ما بعد جريمة المرفأ ومأساة المجاعة، لأن هناك قنبلة موقوتة اخرى، قد لا نعرف ما هي، ولكننا نعرف حتماً أنها آتية.