fbpx

“كورونا” سوريا… عالج نفسك بنفسك

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

بعد أن أعلن وزير الصحة السوري سابقاً أن الجيش العربي السوري “قضى على كل الجراثيم”، وصلت البلاد على حال خطرة من انتشار الوباء . والسوريون يصارعون كورونا بأنفسهم من دون رعاية أو علاج …

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

خلال الأيام الماضية، كانت سيدرة (22 سنة) مضطرّة للذهاب إلى جامعة حلب لتقديم امتحاناتها في كلية الهندسة، علماً أنها في سنتها الجامعية الرابعة.

كانت الشابّة وجميع رفاقها يعلمون جيّداً أن فايروس “كورونا” يتفشّى في مدينة حلب بشكلٍ غير مسبوق، كحال معظم مناطق سوريا، إذ تشهد البلاد هذه الأيام ذروة في تفشّي الوباء، وسط إجراءات معدومة من وزارة الصحة التابعة للنظام السوري، فلا تأجيل للامتحانات الجامعية، ولا إجراءات إغلاق تُذكر بما في ذلك على صعيد التجمّعات غير الضرورية كالأعراس وحفلات أعياد الميلاد والمآتم.

قدّمت سيدرة امتحانها الأول ثم الثاني، وبعد أربعة أيام بدأت تظهر عليها أعراض ارتفاع شديد في درجة الحرارة، وحكّة وآلام في مفاصل الأطراف، وهي تشبه أعراض “كورونا”.

لأنَّ أسرتها التي تعيش في حي الشهباء في حلب غير قادرة على دفع 100 دولار لتحليل فحص “كورونا”، اضطرّت إلى تدبّر أمرها بنفسها.

اقتربت منها والدتها وطلبت منها إغماض عينيها ووضعت على أنفها قطعة بصل مفرومة وطلبت منها أن تستنشقها لتعرف ما إذا كانت حاسة الشم فعّالة أم لا.

لسوء الحظ، لم تنجح سيدرة في تمييز رائحة البصل، ما زاد الشكوك بإصابتها بالفايروس، فعزلتها العائلة داخل غرفة في المنزل وأخذت حذرها في التعامل معها.

بعد أسبوعٍ واحد، بدأت الأعراض تظهر على بقية أفراد العائلة، وفي الوقت ذاته، بدأت سيدرة تتعافى بعدما بقيت 8 أيام طريحة الفراش.

المشكلة أن الفايروس وصل إلى والدها الذي بدأ يعاني من موجة ضيق تنفّس شديد، حتّى أنّه كان يجوب المنزل بشكلٍ عبثي ليلاً في محاولة لاستنشاق الأوكسجين.

أدركت العائلة أن وضعه الصحّي يتدهور، فحاولت نقله إلى ثلاثة مستشفيات حكومية في حلب ولكن من دون جدوى، لأن ممرّات هذه المستشفيات كانت تغص بالمرضى، في حين أن الليلة الواحدة على السرير في المستشفى الخاص تعادل أكثر من 100 دولار، وهذا المبلغ لا تملكه العائلة.

إغلاق قبل الفايروس وإزالة القيود خلاله

تلقّت والدة سيدرة نصيحة من أحد الأطباء بعلاجه في المنزل، قال لها: “في سوريا لا يُعالَج مرضى كورونا في المستشفيات، الجميع يتعالجون في المنزل بسبب عدم اتساع المستشفيات لهم”.

انتقلت العائلة للخوض في رحلة يومية للبحث عن عبوة أوكسجين، إذ يحتاج والدها يومياً إلى عبوتين، وهما غير متوفّرتين إلّا في السوق السوداء بمبالغ مرتفعة، وتحصل عمليات البيع بعيداً من الأعين، تقول سيدرة لـ”ردج”.

بالتزامن مع تفشّي “كورونا” في معظم أنحاء العالم، خرج وزير الصحّة السوري في بدايات الأزمة ليقول: “لا كورونا في سوريا، لأن الجيش العربي السوري قضى على كل الجراثيم”. وفي تلك الفترة، اتخذت السلطات السورية إجراءاتٍ لمنع الفايروس من التفشّي، إذ عزلت المدن عن القرى ومنعت التنقل بين المدن، إضافةً إلى فرض حظر تجوال من السادسة مساءً إلى السادسة صباحاً، فضلاً عن إغلاق المطاعم ودور العبادة وصالات الأفراح والمآتم.

المشكلة في تفشّي الفايروس في سوريا، تتمثّل بأن المدنيين لا يحصلون على أي مساعدة طبّية من الحكومة، إذ يبلغ سعر مسحة فايروس “كورونا” 100 دولار، بينما سعرها في لبنان ما يعادل 30 دولاراً وفي تركيا 19 دولاراً وفي الصين 7 دولارات. كما أن المستشفيات جميعها ممتلئة وبالتالي لا علاج، وكذلك الحال بالنسبة إلى الأدوية التي إمّا مفقودة من الأسواق أو تُباع بأسعار مرتفعة جداً، مقابل الدخل المعدوم في سوريا

في أيار/ مايو الماضي، أعاد “الفريق الحكومي المعني بالتصدّي لفايروس كورونا” فتح الحياة من جديد حتّى ألغى جميع القيود، ليبدأ الفايروس بالتفشّي على نطاقٍ غير مسبوق.

المشكلة في تفشّي الفايروس في سوريا، تتمثّل بأن المدنيين لا يحصلون على أي مساعدة طبّية من الحكومة، إذ يبلغ سعر مسحة فايروس “كورونا” 100 دولار، بينما سعرها في لبنان ما يعادل 30 دولاراً وفي تركيا 19 دولاراً وفي الصين 7 دولارات.

كما أن المستشفيات جميعها ممتلئة وبالتالي لا علاج، وكذلك الحال بالنسبة إلى الأدوية التي إمّا مفقودة من الأسواق أو تُباع بأسعار مرتفعة جداً، مقابل الدخل المعدوم في سوريا، على ما تقول صيدلانية تُدعى بتول في حي الجميلية في حلب.

الوفيات بالجملة

بدأت الأنباء عن تفشّي الفايروس في حزيران/ يونيو الماضي، حين بدأت مواقع تواصل اجتماعي بتداول قوائم لأسماء أشخاص ماتوا بسبب الفيروس.

وفقاً لمراجعة قام بها “درج” لصفحة على “فايسبوك” اسمها “وفيات دمشق” تقوم بنشر النعوات للأشخاص الذين يموتون في دمشق، فإنّه انطلاقاً من تموز/ يوليو الفائت وحتّى الآن تضاعف عدد النعوات أكثر من مرّة، مقارنةً بالفترة التي سبقت تموز.

في تموز، شيّع سكّان العاصمة دمشق، 6 مشايخ دين، ومنهم الشيخ محمد نور الخطيب والشيخ عدنان مصطفى السيروان الذين توفيا يوم 13 تموز، إضافةً إلى وفاة الشيخ حسان طحان خطيب مسجد الفردوس في دمشق، يوم 14 تموز، والشيخ محمد مازن الدمشقي إمام مسجد حمو ليلى في حي ركن الدين بدمشق في 14 تموز أيضاً. وفي السابع عشر من الشهر ذاته، كانت وفاة الشيخين محمد أحمد المبرور إمام مسجد نافذ أفندي في حي المهاجرين، والمربّي الشيخ نظمي الدسوقي.

بعد ذلك، تحدث نائب رئيس جامعة دمشق صبحي البحري، عن وفاة 13 عضواً من الهيئة التدريسية بالجامعة بفايروس “كورونا”، وإصابة 60 آخرين من الهيئة ذاتها، البعض منهم تعافى، ولكن على رغم ذلك استمرّ الدوام الجامعي والامتحانات.

المفاجأة الأكبر كانت في أحد أيام آب/ أغسطس، عندما تم الكشف عن 23 شخصاً مصابين بـ”كورونا”، أتوا من سوريا لحضور اجتماعات اللجنة الدستورية السورية في جنيف السويسرية، وهو ما يكشف حجم الإصابات في داخل سوريا.

على رغم ذلك، لم تعلن الحكومة والفريق المتخصّص بمكافحة الفايروس أي إجراءات وقائية أو إغلاق أو تعليق للدوام.

الأطبّاء على خط المعاناة

قابل “درج” طبيباً يعمل في العاصمة السورية دمشق، مع مصابي الفايروس في المستشفيات، وهو أُصيب خلال احتكاكه المستمر مع المرضى لمدّة 11 ساعة يومياً.

الطبيب الذي رفض الكشف عن هويته قدّر عدد الإصابات الحقيقي بالفايروس في دمشق بما يزيد عن 100 ألف إصابة، لكنّه نفى أيضاً أن يكون هناك تكتّماً على عدد المصابين، إلّا أن عدم الإعلان عن الرقم الحقيقي يعود إلى عدم توفّر إمكانات في المستشفيات لأخذ أعداد كافية من المسحات، وبالتالي يبقى المرضى من دون إجراء تحاليل للكشف عن الفايروس، ومن دون أي علاج أو مساعدة طبّية.

بالاستناد إلى ما شاهده هذا الطبيب داخل المستشفى الذي يعمل فيه، فإن على المصابين بالفايروس في سوريا أن “يقلعوا شوكهم بأيديهم” في إشارة إلى أن على كل شخص أن يتدبّر أمره بنفسه ولا ينتظر المسحات والرعاية الطبية وأجهزة التنفس قائلاً: “لدى المستشفيات إمكانات بسيطة جداً تم استنفادها منذ أول ثلاثة أيام من ذروة الفايروس، وبالتالي بات بقية المرضى خارج حسابات المنظومة الصحّية”.

وتابع: “لا قدرة على تغطية أكثر من 5 في المئة من احتياجات المرضى لأجهزة التنفس الاصطناعي و2 في المئة بالنسبة إلى أسرّة العناية المشدّدة”، موضحاً أن المرضى يتم تكديسهم داخل الغرف بشكلٍ متقارب جداً بحيث تترك مساحة صغيرة من أجل تنقّل الأطباء والممرّضين بين الأسرّة، وأنّه في مرحلة ما تم وضع مرضى في ممرّات المستشفيات.

ورصد “درج” خلال إعداد هذا التقرير منشورات متواترة على مواقع التواصل الاجتماعي تفيد بوفاة حوالى 60 طبيباً في سوريا بسبب “كورونا” كما نشرت “منصّة الصحة السورية” قائمة بأسماء 55 طبيباً وستة صيادلة ماتوا بالفايروس.

وبحسب ما ذكر رئيس دائرة الرعاية الصحية في صحة دمشق، الطبيب شادي النجار، في 16 من آب، لإذاعة “شام إف إم” المحلية فإنه “ليست هناك قائمة أو رقم دقيق لوفيات الأطباء، لكن فقدنا خيرة كوادرنا الطبية والتمريضية جراء إصابتهم بكورونا”.

وأضاف النجار: “القائمة المتداولة لأسماء الأطباء المتوفين “تحتوي على أسماء صحيحة، وأعرفهم بشكل شخصي، وبعضهم زملاؤنا أطباء في مديرية صحة دمشق”.

المجتمع المدني يأخذ دوره

بالتزامن مع تدهور البنى التحتية الطبّية في سوريا، ظهرت مبادرات فردية وفرق تطوّعية، تعمل على تأمين عبوات أوكسجين للمرضى الأكثر احتياجاً في سوريا لمعالجتهم من داخل منازلهم، كما ساهمت هذه المبادرات في حملات التوعية وتوزيع كمامات ومعقّمات في الشوارع.

من بين هذه المبادرات، ما قامت به جمعية “ساعد”، التي عملت على تجهيز خط دفاع أمام الفايروس من خلال تدريب فرق للمساعدة في المجالات الطبّية واللوجستية عبر التعاون مع المخاتير لمساعدة كبار السن وذوي الاحتياجات الخاصّة، إضافةً إلى تأمين عبوات أوكسجين للمرضى الذين تطوّر معهم الفايروس إلى ضيق شديد في التنفّس.

وقامت هذه الجمعية بالتعاون مع مبادرات مشابهة بحملات تعقيم على وسائل النقل العام والمرافق الحياتية التي تعاني من ضغط سكّاني شديد.

https://www.facebook.com/saaed.society/videos/771517000292164