fbpx

صورة النظام السوري إذ تهتزّ: هل يطلب الشباب العلوي “التسريح”؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يقدّر عدد القتلى من الشباب العلوي منذ اندلاع الثورة يقارب 100 ألف وحوالى 60 ألف مصاب، ما يجدد تهديد كيانهم كأقليّة ويضعف ثقتهم بدور النظام في المرحلة المقبلة خصوصاً بعد تدخّل الميليشيات الإيرانيّة والقوات الروسيّة في تركيبة الجيش السوري.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

ينشر هذا النص بالتعاون مع “مبادرة الإصلاح العربي” 

سُجّل في الآونة الأخيرة، تطوّر لافت لدى فئات من الشباب السوري الموالي للنظام، من العلويين خصوصاً، في موقفهم من النظام ومن آل الأسد تحديداً. فبعد الاندفاع والحماسة في الدفاع عن النظام في الفترة الاولى من الثورة، تزداد اليوم الأصوات التي تتذمّر من عدم تأمين نظام الأسد أولويات العيش وأبسط حقوق الشباب في حياة تغرق في الأزمات الاقتصادية والحروب بشكل مستمر. يبقى من الصعب قياس مدى انتشار هذا التذمّر نظراً إلى الخوف المتربّص بهذه الفئات، كما غيرها، لكننا ننقل هنا أصواتاً تتردد همساً في الغرف المغلقة وخلف الجدران والدشم العسكرية.

تعتبر البيئات العلويّة من أكثر البيئات التزاماً بخدمة التجنيد والخدمة الاحتياطيّة قياساً بغيرها من البيئات الطائفية الأخرى في سوريا. ولا أرقام إحصائية دقيقة يمكن الركون إليها في هذا المجال، “بسبب ضياع جزء كبير من السجلات العسكرية للنظام، واعتماده على وسائل قديمة وورقية في هذا المجال حيث لم تتم مكننة السجلات العسكرية”. لكن النسب التقديرية، والكلام لأحد الباحثين الذين يعيشون في محيط علوي وفضّل عدم ذكر اسمه، تكشف أن العلويين من سن 18 إلى 30 عاماً، الذين يخدمون في الجيش (تجنيد إجباري، احتياطي، تطوّع) تتراوح بين 65 و75 في المئة، ونسبة الشباب العلوي بين 30 و40 عاماً الذين يخدمون في الجيش تتراوح بين 35 و40 في المئة.

غالباً يمضي الشباب العلوي فترات طويلة في صفوف الجيش، تصل لدى نسبة كبيرة منهم إلى ما يزيد على سبع سنوات، ولذلك يواجه معظمهم مصاعب عدّة قد تترك آثاراً نفسيّة وجسديّة مديدة عليهم: فهؤلاء موجودون في جبهات القتال ويشهدون عمليات قتل ويعاينون من قرب إصابات زملائهم، وبعضهم طبعاً يتعرض لإصابات أثناء القتال، ما يترك آثاراً أو إعاقات جسدية دائمة يصعب التعايش معها. كما أنّ شريحة واسعةً منهم شهدت أعمال سلب ونهب وقتل تعسفي للمدنيين أو شاركت فيها، ما يجعلها غير مؤهلة للانخراط في الأعمال المدنيّة، بعد انتهاء الخدمة، فيفضّل كثيرون تمديد بقائهم في صفوف الجيش هرباً من “الحياة الطبيعية”. أما الذين يفكرون بالهرب من هذا المصير، فيلاقون مصائر أشدّ مضاضة في أحيان كثيرة.

تعتبر البيئات العلويّة من أكثر البيئات التزاماً بخدمة التجنيد والخدمة الاحتياطيّة قياساً بغيرها من البيئات الطائفية الأخرى في سوريا.

أحد العسكريين العلويين الذين حاولوا الفرار مرّات عدة، أمضى نحو سنتين متخفياً في بيت أهله في قرية ساحلية، ولم يستطع مغادرة القرية، تجنباً للمرور بحواجز النظام والوقوع في قبضة جنوده. تحوّل منزل أهله إلى سجن نوعاً ما، وبعدها خاطر العسكري، الذي حصلنا على شهادته، بالرحيل إلى طرطوس لمحاولة بدء حياة جديدة، فكانت النتيجة اعتقاله في الطريق. ومع أن العودة إلى المعسكر مؤلمة وخطرة، إلا أنه سجن مع فسحات وبعض المأذونيات، يستطيع خلالها الخروج، ويستطيع أن يحلم بخبر تسريحه النهائي، وإن طال. عسكري آخر أمضى 9 سنوات في الخدمة الإلزامية يأسره الخوف. لا شيء يمنعه من الفرار سوى الخوف من الاعتقال والسجن والتعذيب والمعاملة السيئة: “لا يعنيني الانتصار في الحرب، ولا الانتصار لكبار تجار الأزمات، ما يعنيني هو الخلاص من هذا الكابوس فقط”.

يُعدّ الحصول على عقار وفرصة عمل عاملين حاسمين في حياة الشباب السوري. في بلد يعاني من أزمة اقتصاديّة خانقة وحصار دولي، لا يمكن التنبؤ بقدرة هذا الاقتصاد على توفير فرص عمل للمسرّحين من الجيش. وإن توفرت فرص عمل، فهي عبارة عن بطالة مقنّعة، إذ تدنّت أجور معظم العاملين في القطاعين العام والخاص إلى ما دون الــ25 دولاراً في الشهر، ومع فقدان فرص العمل تزداد حالة العساكر المسرحين صعوبة.

ويبقى امتلاك العقار – وهو عنصر أساس لتشكيل عائلة – حلماً لا يستطيع الشاب في مناطق سيطرة النظام التفكير به، فالعقارات التي ترتفع أسعارها أيضاً ربطاً بارتفاع سعر صرف الدولار، أصبحت الآن مكلفة للغاية. فأي شقة متواضعة في أي ضاحية من ضواحي المدن ستكلّف نحو 10 آلاف دولار. ومع أن مصارف النظام طرحت قروضاً عقاريّة، إلّا أنها لا تكفي لشراء نصف بيت، وأقساطها المديدة تبدو كأنها لا تنتهي، لتبقى عبئاً أبدياً على العسكريين المسرّحين. وهذه المعطيات التي يعرفها النظام جيداً تجعله يفكر طويلاً قبل تسريح الشباب، إذ إنه يطلق جيشاً من المحبطين في مدنه وقراه، الذين لا يمتلكون سوى خيارات قليلة للهرب من إحباطهم.

بعضهم يحاول الهجرة. نتحدّث هنا عن هجرة الشباب من البيئات العلويّة، ولا نتحدّث عن موجات النزوح والتهجير التي عاناها ويعانيها الشعب السوري جرّاء الحرب الدائرة في البلاد. فهجرة الشباب العلوي تأتي من بيئات لم تشهد غالبا قصفاً جوّياً بالبراميل، أو موجات مجاعة، بل من بيئات تعتبر حتى الآن في مأمن من الآثار التدميرية والقاتلة المباشرة للحرب. تأتي ظاهرة هجرة الشباب العلوي لسببين رئيسيّن: أولهما انعدام الأفق العلمي والعملي والاقتصادي في البلاد، وثانيهما الهروب من الخدمة الإلزاميّة.

آخرون ممن لا يمتلكون ترف الهجرة يلجأون إلى المخدرات للـ”سفر” بعيداً. ولا يبدو أن قيادة الجيش السوري تمانع أن يلجأ جنودها إلى تعاطي حبوب مخدّرة تدعى الكبتاغون، انتشرت في فترات بتشجيع من بعض المسؤولين الأمنيين، لأنها تُفقد المقاتل الإحساس بالألم وتعطيه شعوراً مفعماً بالطاقة والاندفاع ليومين كاملين وتزيد من فعاليّته على الجبهات. كما عملت إيران وتجار الحرب الموالون للنظام و”حزب الله اللبناني” على زراعة الحشيشة ونشر تعاطيها بين صفوف المقاتلين، بمن فيهم الشباب العلوي: “كان مقاتلو حزب الله يستمعون لأغاني “اللطميّات” (نمط من الأناشيد الدينيّة الشيعيّة) ويشربون الشاي ويدخنون الحشيشة في كل استراحة وكانوا يصرّون على مشاركتنا إياهم في هذا الطقس، كما أنّهم يحموننا من أي رجل أمن أو شرطة يمسك معنا الحشيشة، ويقولون لنا على الدوام، لا تكترثوا لشيء، لا أحد من الأمن أو الشرطة أو ضباطكم يستطيع مضايقتكم لأنّكم تشربون الحشيش”، يقول عضو سابق لدى ميليشيات الدفاع الوطني قاتل مع ميليشيات “حزب الله” في النبك والقلمون.

“لا يعنيني الانتصار في الحرب، ولا الانتصار لكبار تجار الأزمات، ما يعنيني هو الخلاص من هذا الكابوس فقط”.

استطاع الأسد الأب (حافظ) أن يوهم العلويين بأنّه يكرّس مقدّرات الدولة لمصلحتهم، وبأنه يعمل بلا كلل لرفع شأن العلويين، الذين كانوا يعانون قبل وصوله إلى السلطة من الإهمال والتهديد أحياناً، وانتقلوا إلى وضعيّة المستفيد والمتحكّم، بخاصّة في أمور الجيش والشرطة وقوى الأمن. وعزز ذلك صورة “الأب القائد” لدى الكثير من العلويين، وجعل من مسألة تقديسهم الأسد الأب حالة عابرة لكل المناطق والبيئات العلويّة، الأمر الذي جعل الاسد الابن – خلفاً لوالده – يحتلّ مكانةً مشابهة لديهم. ومع الرخاء الاقتصادي النسبي الذي شهدته البلاد قبل الثورة، تعزز موقع الاسد الابن لدى أبناء الطائفة العلويّة، وانساق جموع الشباب العلويين للدفاع عن النظام وعن مكتسباتهم التي حققوها خلال الأربعين سنة التي سبقت اندلاع الثورة. لكنّ مجريات الأمور بعد عام 2011 تغيرت، وبات على مناصري الأسد دفع أثمان باهظة على مدى السنوات السابقة، ولم ينالوا خلالها سوى القتل والإصابة والتغييب والفقر.

ويقدّر ناشطون أن أعداد القتلى من الشباب العلوي منذ اندلاع الثورة يقارب 100 ألف وحوالى 60 ألف مصاب، ما يجدد تهديد كيانهم كأقليّة ويضعف ثقتهم بدور النظام في المرحلة المقبلة خصوصاً بعد تدخّل الميليشيات الإيرانيّة والقوات الروسيّة في تركيبة الجيش السوري، وكسر هيبة الضباط العلويين، وتسمع همسات كثيرة عن أن العلويين يشعرون بأن النظام أصبح مرتهناً للروس وبأنّ ما كان لهم من نفوذ في السلطة صار من الماضي.

هذه المعطيات لعبت دوراً في تغيير اللغة الداخلية بين العلويين في حديثهم عن النظام وخدمته وقد “أصبح من الطبيعي أن يقول أحدهم أنني جعلت ولدي يسافر ليهرب من الخدمة العسكريّة، ليوافقه جميع الحاضرين الرأي، أو أن يتسابق الناس ليباركوا لأحد المسرحين، وللتغطية على أحد الفارين من الخدمة. هذه الانعطافة حدثت بالتدريج وعلى مدى 9 سنوات ولأسباب كثيرة”، يقول ناشط سياسي علوي معارض ومعتقل رأي سابق. ويوجز آخر هذه التحولات اللافتة: “كنّا نسمع زخّات الرصاص في القرى والأحياء العلويّة عند التحاق أحدهم بالجيش، فيبتهج الأصدقاء ويعم الهرج والمرج القرى والحارات. بعد سنوات صرنا نسمع زخات الرصاص عند استشهاد أحدهم، بعضهم يهنئ أهل الشهيد، وبعضهم يتفاخر بالموت، ومن ثم أصبحت زخات الرصاص للشهداء ترافق الحزن وعويل النساء وخوف الأمهات على أبنائهن في الجبهات واضطراب الآباء. الآن عندما نشيّع شهيداً فإنّ الصمت والحزن والقهر تعمّ المكان ولا شيء يعزّي أهل الضحيّة، فلا الوطن لنا ولا المستقبل”.

ينشر هذا التقرير بالتعاون مع مبادرة الإصلاح العربي.

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!