fbpx

لبنان بين وهن طائفتين وسلاح ثالثة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لم يكن يعتري الطائفة السنية في لبنان وهن سياسي كالذي تعايشه اليوم، وأغلب الظن أن وهناً كهذا، مرهون بغياب زعامة سنية قادرة على رفعه عن كاهلها.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

البحث عن رئيس سني للحكومة سني، وبالمسار الذي تسلكه طريقة التكليف مؤشر وازن على هذا الوهن. ففي حين تمتلك الطائفة الشيعية “فيتو” لا يملكه غيرها في تسمية رئيس مجلس النواب، وجد المسيحيون في العقد الأخير ضالتهم في الرئيس الأقوى في طائفته، والذي على الأرجح نسف سياقاً دأبت عليه سلطة الوصاية السورية بتمثيل رأس الجمهورية بواحد من أزلامها. تكشف الوقائع اليومية بعد استقالة حكومة حسان دياب (الأضعف في طائفته)، ومسار التكليف حتى قبل استشارات نيابية ملزمة، أن طائفةً كانت حتى الماضي القريب عصية على هذا الوهن الذي تكابده راهناً.

أثقل رفيق الحريري الزعامة السنية على لاحقيه، وهو واقع لا يستعصي على المرء تقصي أثره في طائفة لطالما قيض لها إنتاج زعامات سياسية، على شيء من توازن بينها، لكنها زعامات تصعب كتابة تاريخ لبنان الحديث من دون الوقوف عندها كشخصيات مؤثرة في الأحداث. وحده رفيق الحريري ومنذ عام 1994 بدأ كسر هذا التوازن وفق مسار تجلت ملامحه أكثر منذ عام 1998، ثم ليبلغ مداه مع مقتل الرجل في 14 شباط/ فبراير 2005، وهي زعامة على استثنائيتها في الطائفة السنية، حياةً وموتاً، تقيم في الوجدان الطائفي اللبناني كنموذج لحالات في ملل لبنانية أخرى.

اليتم “الزعاماتي”، إن صح التعبير، تبدو أولى دلالاته في إرث رفيق الحريري تحديداً، إرثه البيولوجي والسياسي، وهو على الأرجح الإرث الذي أثقل فيه الأب الابن أكثر من سواه. فمنذ عام 2005، وهو العام الذي آلت فيه  تركة الحريري الأب إلى ابنه سعد، وصولاً إلى الراهن، يكاد ذاك الإرث يسير في انحدار لافت، وهو بالضرورة يعاكس المسار المنطقي الذي كان يفترض مراكمة السياسة في عقل الوريث، وبتركة تفترِض أيضاً الاتكاء عليها كجدار صلب في سياق بناء الزعامة منذ لحظة الوراثة، ثم في تقادم الزمن، للوصول إلى اللحظة الزعاماتية.

سعد الحريري اليوم هو واحد من نتف زعامات تنوء بها تلك الطائفة التي قدمت على ما يبدو رفيق الحريري شاهداً شهيداً على وهنها، وهو وهن غالباً سيؤول، وربما آل، إلى ثنائية مسيحية- إسلامية، لكن الأخيرة تُصرف راهناً في الجانب الشيعي، والذي إذا ما تجنبنا المكابرة والترف، هو أول بين متساويين في الشكل، فيما المضمون كفيل بتهفيت هذه المساواة إلى حدودها الدنيا، وهو ما يعيدنا إلى رفيق الحريري كنموذج مُقارن في الملل وزعاماتها.

أعطى المسيحيون ميشال عون ما لم يُعطَ لزعيم مسيحي منذ فقدهم “أيقونتهم” بشير الجميل. الأخير هو الوجدان المسيحي العميق الذي راح منشدوه يبحثون عن صورته في أبطالٍ كثر تنكبوا هُم أيضاً وراثة البطولة فيه، لكنَّ بشير بدا أمامهم استعصاءً بعودتين، الأولى أنَّه صار قديس ذلك الوجدان، مع ما تمثله تلك القداسة في عمق المسيحيين الديني، والثانية أنَّ الرجل بدا كمن يؤمن بأنه لا يموت، وهي ملكة تكثّفت أيضاً في مقدسيه إذ “بشير حيٌّ فينا”، فيما رجال ظله لم يكونوا أكثر من ظلال بددتها الحروب والانقلابات بعد قتله.

وحده ميشال عون أتاحت له تلك المقتلات التي تلت موت بشير، والذي بالمناسبة غفر له المسيحيون غالباً حروبه لـ”توحيد البندقية”، وحده استلهم فيه المسيحيون بعضاً من بشيرهم، فمنذ عام 1988 بدأ عون يراكم في نفسه صورة بشير، ومذاك أيضاً بدا للوجدان المسيحي أنَّ الزعامة التي كانت لقديسهم وجدت ضالتها في الجنرال الذي عرف الطريق إلى وجدانهم الجمعي، والذي يعني بالضرورة تثبيت أركان هذا الوجدان الموغل في العداء “للنظام السوري”، والذي يقيم “في التغريب” أكثر بكثير من شرقٍ كان بشير يراه يعج بالشياطين الذين رفع في وجههم مقولته الشهيرة “نحن قديسو هذا الشرق وشياطينه”.

“حرب التحرير”، كثَّفت ميشال عون في ذلك الوجدان، ولأنها الحرب التي تحاكي ما مثّله بشير، غفر المسيحيون لعون تركه ضباطه وجنوده، وغفروا له أنه أول من فر من معركة لطالما قال عنها “إن الجنرال عون آخر من يتركها”، وعلى رغم أنها بالوقائع مثلت “خيبة” لصورة بشير فيه، إذا ما تُرك للذاكرة المُقارِنة أن تقيم حكمها بين هروبه وصمود بشير في معركة “المئة يوم” والتي أعطت بشير قداسته في رفض الاستسلام، من دون القفز أيضاً بين الفارق الهائل للمساحة الزمنية للحربين .

عام 2005 ذهب عون إلى تفاهم مار مخايل مع “حزب الله”، وهو ما آل بالنتيجة إلى المواجهة الحتمية لاحقاً مع الوجدان المسيحي، الذي يصعب عليه تصور المسيحيين في المشهدية التي أراد عون تسليعهم فيها، سوريا وإيران بديلاً (غير شرعي) عن الغرب، ثم المواءمة بين الدولة وجيشها وسلاح الحزب الذي لا يزال يقيم في وعيهم كنظير للسلاح الفلسطيني الذي أسس للإطاحة بالكيان الذي يفاخرون بانتسابه إليهم، والذي أمعن عون وتياره في تقديم أسوأ نموذج في إدارته، قبل وبعد تسيده لرئاسة الجمهورية.

الأسباب الآنفة عجلت في تبديد الزعامة العونية، والتي بالمقارنة مع “الحريرية”، تشكلت أسباب تبددها بوجود عون، ثم ليتكفل طامح آخر للزعامة بتبديدها إلى حدودها الدنيا، هو جبران باسيل.

كان سمير جعجع، يحصي الأخطاء والخطايا العونية، ويراكم عليها، وهو بافتراض الإنتماء الأقرب إلى “البشيرية”، والخارج من سجنٍ لا تغيب عنه صورة “الاحتلال السوري”، وهو ما رفد رصيده في الوجدان المسيحي، وأسس لزعامة موازية للزعامة العونية أقله منذ عام 2009، وربما يتفوق فيها راهناً، لكن مشكلة المسيحيين أنهم قسيمو “زعامتين” متنافرتين حد الخصومة، وهما زعامتان تتجاذبان ذلك الوجدان الذي على ما يبدو قد أقفل على بشير الجميل.

لبنان اليوم، سواء بثنائية حكم على الأرجح، أو ثلاثية مثلها مفترضة، تؤول الغلبة فيه إلى الشيعة، وهذا واقع لا يكابر فيه إلا مكابر، وهذه الغلبة تتكئ على اتفاق أثبت مناعته حتى في التناقضات السياسية، أو الصدامات الموضعية لثنائي الطائفة الذي تبصَّر غالباً فداحة الصدام المرير أكثر من المسيحيين تحديداً، والخصومة السياسية أكثر من السنة، ويستند إلى “زعامتين” غير ملتبستين وإن بتفاوت، إحداهما، وهذا المهم، زعامة تكاد تُطوى لها السياسة في لبنان طوعاً أو قسراً، هذا إذا لم يذهب المرء إلى المبالغة في القول إن لبنان رهن سبابتها، وسلاحها، معطوفاً على عقيدة مذهبية جاذبة لا تتوفر لغيرها، وهي الزعامة التي يتربع عليها بلا ريب أمين عام “حزب الله”.

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.