fbpx

التعطيش التركي للحسكة :
هل تنجح مشاريع بديلة في مواجهته؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“حرمان السكان من المياه في أوج تفشي وباء كورونا هو بمثابة حرب بيولوجية ضد سكان أجزاء من شمال شرق سوريا تمارسها المجموعات التابعة لتركيا”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

 تقطع تركيا المياه عن سكان شمال شرق سوريا منذ 13 من شهر أغسطس/آب 2020 ويواجه أكثر من مليون إنسان العطش جراء ذلك. 

هذه هي المرة الثامنة التي تلجأ فيها تركيا الى معاقبة سكان المنطقة عبر التعطيش منذ احتلالها مدينتي رأس العين وتل أبيض خريف عام 2019. 

تم استهداف محطة “علوك” لتوفير مياه الشرب في مدينة رأس العين، أثناء الاجتياح في خريف عام 2019، ما أدى إلى إلحاق أضرار هائلة بها وايقافها عن الخدمة. منذ ذلك الوقت، بدأت معاناة سكان مدينة الحسكة والبلدات المحيطة بها، ناهيك بنازحي مخيمي (العريشة والهول) جراء استهداف مصادر مياه شربهم بشكل متعاقب. وتعد هذه المحطة المصدر الرئيسي لتوفير المياه في منطقة تعاني أساساً من الجفاف والشح في المياه.

  وظهرت آثار قطع المياه هذه المرة هائلة بالمقارنة مع المرات السابقة، وذلك بسبب تفشي وباء كورونا، اذ تعد المياه السلاح الأول لمواجهته، بحسب تعليمات المؤسسات الصحية الدولية من بينها منظمة الصحة العالمية. 

هناك عاملان أساسيان أديا إلى تدني مياه الأنهر النابعة من الأراضي التركية، أولهما مشاريع السدود العملاقة التي بنيت ضمن مشروع جنوب شرق الأناضول (GAP)، أما العامل الثاني فيتمثل بحفر أعداد هائلة من الآبار في الجانب التركي.

يعتقد المهندس والمهتم بشؤون المياه في المنطقة نضال يوسف بأن “حرمان السكان من المياه في أوج تفشي وباء كورونا هو بمثابة حرب بيولوجية ضد سكان أجزاء من شمال شرق سوريا تمارسها المجموعات التابعة لتركيا”. 

وقد روجت أطراف من المعارضة السورية الموالية لتركيا لفكرة مفادها: قطعت “قسد” أو “قوات سوريا الديمقراطية” الكهرباء عن رأس العين فانقطعت المياه عن الحسكة. 

في المقابل، يتحدث القائمون على مشاريع الكهرباء والمياه في محافظة الحسكة والمناطق التابعة لها عن أسباب أخرى، يعود جزء منها الى عقود من الظلم المائي الناتج عن سياسات تركيا المائية وسوء الإدارة السورية، فيما يعود جزء آخر منها الى أسلَحَة المياه من قبل تركيا ضد جيرانها. تشير العضو من الرئاسة المشتركة في المديرية العامة لمياه الشرب في مقاطعة الحسكة سوزدار احمد، الى ان ما يزيد من صعوبة تشغيل محطة “علوك” هو بالدرجة الأساس التعديات المستمرة على الطاقة الكهربائية التي توفرها محطة “درباسية”. 

تقول سوزدار بهذا الخصوص: “يحتاج تشغيل محطة “علوك” الى 3.5 ميغاواط من الطاقة الكهربائية، إنما يعمد القائمون على مدينة رأس العين بسحب جزء كبير منه لأغراض أخرى، ما يؤدي الى تعطيل المحطة، وليس بمقدور محطة “درباسيه” تغطية أكثر من 3.5، ذاك ان قدرتها الإنتاجية الكاملة تتراوح بين 8 الى 9ميغاواط”.

   يذكر أن النزوح الذي حصل من رأس العين وتل أبيض جراء الاحتلال التركي لهما عام 2019، زاد العبء فتم الشروع بحفر الآبار الجوفية.

يقول العضو في مجلس أعيان المدنية “حكم خلو” في هذا السياق: “لجأت الإدارة الذاتية الكردية في شمال شرق سوريا (روجافا) الى حفر الآبار لتوفير المياه، ذلك على رغم الآثار السلبية التي تتركها الآبار على المياه الجوفية، ناهيك بأن الآبار لا تعد حلاً طويل الأمد، ذلك ان بئراً واحداً حتى في حال غزارته، لا يوفر سوى 20 متر مكعب من المياه في الساعة، أي ان كل 100 بئر يوفر 2000 متر مكعب من المياه، وهذا لا يغطي احتياجات 10٪ من سكان مدينة الحسكة”. 

يشير “حكم خلو”، وهو مهندس مدني، الى صعوبة الاعتماد على نهر خابور لتغذية محطة (حمّة) في الحسكة لتصفية مياه الشرب بعد ان تحول الى ساقية صغيرة، موضحاً بأن احتلال مناطق كثيرة من قبل تركيا والمجموعات المسلحة التابعة لها يشكل صعوبة أخرى أمام الحلول المتوفرة حالياً. 

جذور الأزمة

   وترجع جذور جزء كبير من الأزمة المائية الحالية في مناطق الجزيرة السورية، بحسب نضال يوسف، الى بداية سبعينات القرن المنصرم، عندما بدأت تركيا بتحويل أنهر في شمال شرق سوريا الى مكبّات لمياه الصرف الصحي ومخلفات المواد الزراعية. ومن بين تلك الأنهر التي تأثرت سلباً، هو نهر “جغجغ” الذي ينبع من الأراضي التركية ويصب في نهر الخابور وسط مدينة الحسكة. ويبلغ طول النهر من المنبع حتى المصب 124 كيلومتراً، منها مائة كيلومتر في الأراضي السورية، حيث كانت تسقي مياهه في السابق أكثر من خمسين ألف دونم من الأراضي الزراعية، إضافة الى نهري “زركان” و”جرجب”. 

ويقول يوسف: “كانت تعتمد مدينة الحسكة في السابق على محطة العزيزية التي كان يغذيها نهر جغجغ، ولكن بسبب تغير المواصفات الكيميائية لمياه النهر جراء سياسات التركية المائية، ناهيك بنقص حاد في تدفق المياه فيه، تحولت الأنظار الى سدي الشرقي والغربي في الحسكة في بداية تسعينات القرن المنصرم، وذلك بالاستفادة من نبع الكبريت في مدينة رأس العين”. 

  هناك عاملان أساسيان أديا إلى تدني مياه الأنهر النابعة من الأراضي التركية، أولهما مشاريع السدود العملاقة التي بنيت ضمن مشروع جنوب شرق الأناضول (GAP)، أما العامل الثاني فيتمثل بحفر أعداد هائلة من الآبار في الجانب التركي. ونتج عن كل ذلك تجفيف ينابيع المياه منها نبع الكبريت وانخفاض مستوى سد الحسكة الى حدود الدنيا وعدم القدرة على استجرار المياه وتوفير احتياجات المدينة المائية. ويشير حكم خلو في هذا السياق إلى أن حفر أعداد هائلة من الآبار من الطرفين التركي والسوري كان عشوائياً، ولم يأخذ بعين الاعتبار الآثار التي تركها على المياه الجوفية في منطقة رأس العين. “يعود جزء آخر من فصول هذه الأزمة المائية الى سياسات الحكومة السورية التي لم تضع استراتيجيات سليمة بشأن إدارة المياه في منطقة الجزيرة. وكان المشروع الاستراتيجي الوحيد هو مشروع دجلة الذي بدأ العمل فيه عام 2009 وكان من المفترض انهاؤه عام 2019، إنما الأوضاع التي مرّت فيها البلاد عطّلت المشروع”.  يقول خلو.

   وفي مواجهة ندرة مياه اجتاحت سوريا في العقد الأول من هذا القرن، حولت مديرية المياه في الحسكة والقائمين عليها، الأنظار الى المياه الجوفية في المناطق التي تمتاز بغزارة عالية. وتم تالياً، اختيار موقع محطة علوك لإنشاء مشروع اسعافي لتزويد مدينة الحسكة بالمياه في انتظار مشروع دجلة الكبير والانتهاء منه. وبدأ المشروع الذي تم الانتهاء منه عام 2011 بطاقة إنتاجية تتجاوز 4500 متر مكعب بالساعة، وهو العام الذي بدأت فيه الاحتجاجات في سوريا، وواجه المشروع تالياً، صعوبات كبيرة للاستثمار، وذلك بسبب الأوضاع الأمنية المتردية وصعوبة وصول الفنيين الى مناطق عملهم، ناهيك باعتداءات مستمرة من قبل مسلحين على البنى التحتية.

   فيما خص المفاوضات مع الجانب التركي حول صيانة المحطة وسبل حمايتها من التعطيل، كان الضامن الرئيسي هو الجانب الروسي، إنما عبر قنوات الحكومة السورية وموظفيها الفنيين. وما حصل بعد احتلال رأس العين وتشكيل مجلس مدني لإدارتها، هو قيام السلطات

 التركية بطرد الفريق الفني السوري من المحطة وفرض فريق آخر لم يتميز أفراده بالقدرة العلمية والفنية في تشغيل المحطة، مما زاد من حجم الأزمة. 

من ناحية أخرى هناك وبحسب عاملين في المحطة، تعليمات واضحة من جانب السلطات التركية بعدم تشغيل أكثر من مضختين ومضخة واحدة أحياناً في المحطة.  وما زاد من حجم المشكلة بعد عام 2011 هو نهب الغطاسات والألواح الكهربائية والمضخات المنصوبة على الآبار الموجودة في منطقة رأس العين من قبل مجموعات مسلحة قبل أن يتم طردهم منها عام 2014. 

   يتطلب وصول فريق الخبراء الى المحطة، التدخل على مستوى عال من القوى الضامنة في سوريا بغية إجراء عمليات الصيانة، ذلك أن اتلاف قطعة كهربائية واحدة يعطل المحطة عن العمل نهائياً بحسب نضال يوسف، وتحتاج عملية التصليح تالياً، الى تنسيق اتفاق طويل الأمد بهدف ديمومة شبكات توزيع مياه الشرب. وتشكل هذه النقطة احدى المشاكل المستعصية فيما خص صيانة وتشغيل المحطة، وذلك بسبب الإجراءات القاسية التي تفرضها تركيا والمجموعات المسلحة التابعة لها. وتقول مصادر من داخل الإدارة الذاتية: “فيما خص إدارة المياه ومحطات توزيع مياه الشرب، فإن مصادرنا في الإدارة الذاتية مفتوحة للجميع وقاعدة البيانات لدينا موثقة بالنسبة الى الطاقة الكهربائية التي تغذي محطة المياه بالإضافة الى كميات المياه الواردة الى مدينة الحسكة، وطالبنا أكثر من مرة بدخول فريق دولي بغية التأكد من مصداقية المعلومات الصادرة من قبلنا”. 

هي المرة الثامنة التي تلجأ فيها تركيا الى معاقبة سكان المنطقة عبر التعطيش منذ احتلالها مدينتي رأس العين وتل أبيض خريف عام 2019. 

 هناك صمت دولي ورسمي سوري عما يجري من تعطيش جائر للسكان، ولم تتحرك أية جهة بعد مرور 24 يوماً من تعطيش السكان المحليين جراء قطع المياه عنهم، الا بعد عناء دخول مشروع آبار الحمية في الخدمة حيث تتالت الأحداث بشكل متسارع والسعي لتشغيل محطة علوك. 

وتعمل المؤسسات التابعة للإدارة الذاتية حالياً على مشروع مائي يعتقد القائمون عليه أنه سينتهي بداية عام 2021. يشير خبراء وفنيون، الى أن الآبار ليست سوى حلاً اسعافياً للأزمة الحالية التي يمرّ فيها سكان المنطقة، انما هناك بنية تحتية جاهزة لمحطة تصفية مياه جديدة على السد الشرقي في مدينة الحسكة. ومن شأن هذا المشروع الذي يعتمد على تخزين مياه الأمطار والفيضانات لملء السد، إنهاء مشكلة المياه في المنطقة. يحاول القائمون على إدارة المياه تقليد نماذج يمكن إدراجها ضمن الحلول القائمة على الطبيعة، وذلك من خلال استغلال الأمطار الفصلية والاستثمار فيها بدل إنهاك المياه الجوفية. 

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!