fbpx

زياد عيتاني والسلطة التي منحت جلاده ترقية

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لم يكد زياد يستوعب صدمة الانفجار حتى طالعه بعد أقل من عشرة أيام مرسوم بترقية الملازم أول فراس عويدات، الضابط الذي أشرف على تعذيب زياد حين اعتقل عام 2017 في قضية تلفيق ملف العمالة الشهير.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

أكثر من ثلاثة أسابيع ولا يزل منزله بلا نوافذ، تماماً كآلاف الناجين من جريمة انفجار المرفأ . 

نجا المسرحي زياد عيتاني من جريمة 4 آب بأعجوبة وبجروح طفيفة ومازال يسعى لترميم منزله في شارع الجميزة والذي ناله ما نال آلاف المنازل من تكسير وأضرار. 

زياد عيتاني على شرفة منزله في الجميزة

لكن، لم يكد زياد يستوعب صدمة الانفجار حتى طالعه بعد أقل من عشرة أيام مرسوم بترقية الملازم أول فراس عويدات، الضابط الذي أشرف على تعذيب زياد حين اعتقل عام 2017 في قضية تلفيق ملف العمالة الشهير، والذي تسبب بسجنه وتعذيبه قبل إعلان برائته بعد سجنه لـ 100 يوم.

يسأل زياد بصدمة، كيف يمكن لسلطة أن تفكر بمثل هذا الأمر في هذا التوقيت، أي بعد أيام قليلة من جريمة كبرى هزت البلد في الصميم؟ كيف وجد في السلطة من يفكر بممارسة “كيدية” ومكافئة “الجاني” ويمعن في محنة الضحية: “شو هالوقاحة؟ هلق انفجر فينا فسادكن” يقول زياد. 

أيام قليلة بعد الترقية ويبدأ تسريب فيديوات لبعض جلسات التحقيق مع زياد في أمن الدولة، لكن التسريب انحصر بالفيديوهات التي لم يكن فيها تعذيب. من يقف خلف نشر هذه الفيديوات أجهزة وجهات في السلطة ربما تريد وسم زياد بالعمالة والتشكيك ببرائته.

تطور طرح تساؤلات كبرى حول مسار العدالة في لبنان وجدية 

العدالة الهزيلة

يعود ملفّ زياد عيتاني إلى ساحة اللعب السياسي مرّة أخرى، هذه المرة يتم استخدام الرجل وسمعته لتبرير الترقية التي حصل عليها معذّبه، الضابط فراس عويدات (صدر مرسوم بإعطائه أقدمية لمدة سنة)، إثر اتهامه بالعمالة لإسرائيل عام 2017.

الرجل الذي خسر بسبب اتهام باطل حياته وأصدقاء له وسلامته النفسية والجسدية، لم تكتفِ السلطة بما فعلته به من دون أي تعويض. هناك الآن من يريد استباحته مجدداً عبر تسريب فيديوات يعترف فيها زياد بالتواصل مع “كوليت”، الشخصية الوهمية التي جنّدته لخدمة إسرائيل. وزياد كان قبل انتشار الفيديو بوقت طويل وعبر المسرحية التي قدّمها بعد ظهور براءته، تحدّث عن وجود هذه الفيديوات والاعترافات التي اضطر إلى اختلاقها تحت التعذيب والضغط.

محامي زياد، نزار صاغية قدّم طلباً للطعن بالمرسوم غير القانوني الذي منح عويدات الترقية، لكنّ السؤال الذي يجب أن يُطرح الآن على الأجهزة الأمنية التي سرّبت المقاطع المصوّرة وسمحت بنشرها، إذا كان زياد متورّطاً كما تقول الفيديوات، لماذا أطلقتم سراحه؟ إنه سؤال يحيلنا مباشرةً إلى نتيجة حتمية، ألا وهي أن للفيديوات دوراً عليها أن تؤديه في هذا الوقت تحديداً، وربما أكثر من دور. فبداية، يبدو عويدات الحاصل على الترقية بطلاً من أبطال العدالة والقبض على المجرمين والعملاء، وثانياً يستفاد من إثارة المسألة لحرف الأنظار إلى مكان آخر. ففيما كان الدمار لسان حال بيروت وفيما كان أهلها يبكون حياتهم وأولادهم وبيوتهم، كانت الأجهزة المختصة تجهد في تحضير الفيديوات لشدّ الانتباه إلى زياد “العميل” الذي اعترف بفعلته بنفسه.

كيف وجد في السلطة من يفكر بممارسة “كيدية” ومكافئة “الجاني” ويمعن في محنة الضحية.

فقرار الترقية العتيد أتى في 14 آب/ أغسطس أي بعد 10 أيام من جريمة نيترات الأمونيوم الذي انفجر في وجوه اللبنانيين. وإذ كان على تلك الأجهزة النشيطة أن تركّز جهودها وزخمها في محاولة إلقاء القبض على من قتل حوالى 200 إنسان وشرّد 300 ألف آخرين إضافة إلى 6 آلاف جريح، إلا أنها لم تكن تملك الوقت لفعل ذلك، لأنها كانت منغمسة في تركيب فيديوات لتدمير ما تبقّى من حياة زياد عيتاني وسمعته.

يقول زياد لـ”درج”: “انا من أول لحظة ضهرت من الحبس كانوا عم يهددوني نحنا مننشر الفيديوات أنا آخر همي الفيديوات لأنه أصلاً الرواية كلها مضحكة نحنا عملنا عنها مسرحية ونحنا بالمسرحية قلنا كيف كانوا عم يصورني”.

جرائم بالجملة

وفق مطالعة قدّمتها “المفكرة القانونية”، “أبرز الجرائم التي تم التغاضي عنها تماماً في قضية عيتاني، حرمانه من حقوق المحتجز في التواصل مع أهله أو مع محام أو طلب طبيب شرعي (المادة 47 من قانون أصول المحاكمات الجزائية)، وهو حرمان تجاوز مدة الشهر بقي فيها وحيداً يتعرّض لشائعات من دون أن يكون بإمكانه الرد على أي منها، تسريب التحقيقات معه احتفالاً بإنجاز الجهاز الأمني الذي عمد للتحقيق معه، وصولاً إلى حفلات التعذيب التي يؤكّد عياني حصولها في الغرفة السوداء في مركز أمن الدولة والتي اعترف عناصره أمام المحكمة العسكرية بوجودها”.

هذه الجرائم والممارسات لم يحقق بها أحد وما زالت شكوى عيتاني ضد عدد من الضباط عالقة أمام النيابة العامة الاستباقية في بيروت منذ منتصف 2019، بعد تراشق بين النيابات التمييزية والعسكرية استمر أكثر من 9 أشهر حول صلاحية التحقيق فيها. 

والآن تأتي ترقية عويدات لتؤكد رغبة السلطة في مكافأة المعتدي وتزامن ذلك مع نشر فيديوات ممنتجة من التحقيق مع زياد عيتاني، بهدف تمييع الحقيقة، والاعتداء مجدداً على الضحية.

قصة براءة

في 23/11/ 2017، وإذ أنهى المسرحي والكاتب زياد عيتاني التمرين على مسرحية جديدة، فوجئ بشابين اقتاداه بالقوة إلى داخل سيارة رباعية الدفع. أحدهما ضربه على وجهه وصدره، وعصبت عيناه، إلا أنّ أحداً من العنصرين لم يعرّف بنفسه أو الجهاز الذي ينتمي إليه، أو أسباب القبض على الرجل. بعد ذلك اقتيد زياد إلى ما يعرف بـ”الغرفة السوداء”، هناك بدأ الأمر بالتهديد بالعنف والتعذيب وبإلحاق الأذى بابنته وزوجته، إذا لم يعترف بأنه عميل. 

ووفق مطالعة “المفكرة القانونية”، لم تمضِ ساعات حتى كان الإعلام على بينة من كل تفاصيل القضية والتحقيقات، وسرعان ما تولت وسائل إعلام مرئية ومسموعة ومكتوبة محاكمة زياد، فيما هو محتجز وغير قادر على الدفاع عن نفسه. 

ومن باب ممارسة المزيد من الضغط، قام المحققون بإطلاع زياد على ردود فعل أصدقاء له وأقارب بعد التسريبات التي نشرت في الإعلام، فأدى ذلك إلى انهيار الرجل تماماً.

وبعد تعرّضه للتعذيب، كان على زياد أن يقابل مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية بيتر جرمانوس وذلك في مكتب الملازم أول فراس عويدات في السوديكو، حيث كان محتجزاً. لم يعرّف جرمانوس بنفسه. وكان ذكر مجريات هذا اللقاء في مرافعته أمام المحكمة العسكرية لاحقاً في 30/ 5/ 2019، وصرّح حينها بأنّ عيتاني كان مضطرباً وكان يجلس على الأرض، ولكن جرمانوس لم يتخذ أي موقف للتحقق من سبب اضطرابه، بل استمع إليه بعدما انتظره ليهدأ 10وفق إفادة جرمانوس)، وبحضور عنصري أمن الدولة اللذين كانا يحققات معه، وأحدهما يمسك بكتف زياد طوال وقت المقابلة. (سرد الأحداث بالاستناد إلى ما ورد في نص الطعن الذي قدّمه المحامي نزار صاغية).

توالت بعد ذلك جلسات التعذيب والتسريب إلى الإعلام، كما تعرّض منزل زياد للمداهمة. وفي 26 شباط/ فبراير أي بعد نحو 3 أشهر، نقل زياد إلى فرع المعلومات وبقي هناك أسبوعين. وتأكدت هناك صحة أقواله، بعدما اكتشف المحققون حصول قرصنة على حسابه من المدعو إيلي غبش، على خلفية دور عيتاني في نشر علامة إعجاب وضعتها المقدمة سوزان الحاج بشأن النساء السعوديات على “تويتر”، ووقفها بعد ذلك عن رئاسة مكافحة جرائم المعلوماتية. وبذلك تم الادعاء على غبش والحاج بتهمة تلفيق العمالة. وأصدرت المحكمة العسكرية ضدهما حكماً قضائياً بالإدانة، فيما النائب التمييزي قدّم استدعاء تمييز ضد الحكم أمام محكمة التمييز، حيث لا يزالان قيد المحاكمة. وأطلق سراح عيتاني في 13 آذار/ مارس 2018، بعدما أعلنت براءته.

يعود ملفّ زياد عيتاني إلى ساحة اللعب السياسي مرّة أخرى، هذه المرة يتم استخدام الرجل وسمعته لتبرير الترقية التي حصل عليها معذّبه.

أما الدعوى القضائية التي تقدم بها زياد ضدّ معذبيه وملفقي الملف في 20 تشرين الثاني/ نوفمر 2020، فما زالت عالقة في النيابة العامة، ما يشكّل تجاوزاً للنص القانوني الذي يفرض عليها البت بالشكوى خلال 48 ساعة.

وكذلك في 8/1/ 2020 تقدّم زياد  بطلب تعويض مع ربط نزاع إلى مجلس الوزراء، إلا أنه لم يتلقَّ أي جواب من المجلس ضمن المهلة القانونية أو حتى خارجها.

وفي 12 آب 2020، تقدم زياد بدعوى أمام مجلس شورى الدولة، وهي دعوى تعويض عن الأضرار ضدّ الدولة اللبنانية، بعد الأضرار الجسدية والمعنوية المثبتة التي تعرّض لها.

فكان الرد أسرع من المتوقع، ففي 14 آب أي بعد يومين، صدر عن مجلس الوزراء مرسوم رقم 6853، والذي منح أربعة ضباط في المديرية العامة لأمن الدولة قدماً استثنائياً للترقية، وهم: النقيب فضل عباس (6 أشهر قدماً استثنائياً) النقيب فادي شبيب (6 أشهر قدماً استثنائياً)، الملازم أول جوزف ملكي (6 أشهر أيضاً) والملازم أول فراس عويدات الذي ميّزه المرسوم غن الضباط الآخرين عبر منحه سنة واحدة قدماً استثنائياً بخلاف زملائه الذين منحوا 6 أشهر.

أما سبب تلك الترقية وفق المرسوم المطعون فيه فهو أنه “ضابط عون نشيط، وانضباطي أظهر مراراً شجاعة فائقة وبراعة خارقة في استثمار الموارد المحدودة بتصرفه…”.

خالد صبيح يلعب دور الضابط الذي عذب عيتاني في مسرحية “وماطلت كوليت”

وهي ترقية تستند إلى المادة 86 من قانون رقم 17، تنظيم قوى الأمن الداخلي التي تجيز إصدار مراسيم من هذا النوع. ووفق المادة: “يجوز منح الضابط قدماً استثنائياً للترقية يتراوح ما بين ثلاثة أشهر وسنتين بسبب إظهاره بسالة فائقة في العمليات الحربية أو في عمليات حفظ النظام وتوطيد الأمن، وما بين ستة أشهر وسنة واحدة بسبب تميزه مراراً بالشجاعة الفائقة أو البراعة الخارقة في اكتشاف الجرائم وتوقيف المطلوبين للعدالة”. 

فأي بسالة وأي شجاعة وجدهما مجلس الوزراء الموقّر في أداء عويدات الذي استلم قضية ملفقة وانهال بالتعذيب والتشويه على المتّهم البريء الذي حرم أبسط حقوقه؟ وإن كانت السلطة القضائية لم تتجه حتى الآن إلى إقرار أحكام حاسمة ونهائية بحق كل من شارك في هذه الجريمة المركّبة، ألم يكن من باب الأخلاق والإنسانية ألا تذهب السلطة السياسية إلى ترقية معذّب عيتاني وتهنئته، ما يشكّل تنكيلاً مضاعفاً بحق الرجل البريء الذي لم يعوّض عليه أحد حتى الآن؟ وقد اكتفى بعض المسؤولين يوم إعلان براءته، بالقول إن على المجتمع اللبناني كله أن يعتذر من زياد. الاعتذار لا يغيّر أي شيء. الأولى أن تتحمل هذه الدولة ثمن الخطأ الجسيم الذي ارتكبته بحق زياد وعائلته وناسه.

وكان صاغية تقدّم بطلب لإبطال المرسوم رقم 6853 لتضمنه عيوباً قانونية سنداً إلى المادة 108، من قانون مجلس شورى الدولة، وقدّم شرحاً مفصلاً لعدم توافق المرسوم مع المبادئ القانون.

خالد صبيح المؤلف الموسيقي وشريك زياد في تأليف مسرحية “وما طلت كوليت”، يقول لـ”درج”: “إنه نظام مستعدّ لفعل أي شيء، ليس دفاعاً عن رئيس أو وزير وحسب، بل حتى دفاعاً عن نجمة على كتف ضابط… إنه نظام غير قابل للاستمرار”.

تثير قضية زياد أسئلة بالغة الجدية عن مفهوم العدالة في بلد دأب على اسقاط محاسبة المرتكبين منذ انتهاء الحرب الأهلية. يتعرض زياد عيتاني لمزيد من الارتكابات بحقه في نفس الوقت الذي يبحث فيه ضحايا جريمة المرفأ عن مسار قضائي يحقق العدالة للضحايا  ويحاسب المرتكبين. السماح للمرتكبين في تلفيق تهم لعيتاني بالنجاة بل وبالمكافأة هو مؤشر بالغ الخطورة للعدالة المفقودة في لبنان.