fbpx

تونس: هل ستمرّ “حكومة الرئيس”؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

أصابع قيس سعيد التي ساهمت في حياكة شكل الحكومة المقترحة، تمتد أيضاً إلى عثمان الجرندي المقترح وزيراً للخارجية، علماً أنه حالياً مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الخارجية في ديوانه.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

قدَّم المكلف بتشكيل الحكومة التونسية هشام المشيشي، في 24 آب/ أغسطس 2020، قائمة بأسماء وزراء حكومته المقترحة إلى رئيس الجمهورية قيس سعيد. وتضمن الاقتراح 28 اسماً، 7 نساء ضمناً، وقال إنها “حكومة كفاءات مستقلة ستنكبُّ على الاستحقاقات التونسيين العاجلة”.

إعلان التركيبة الحكومية المقترحة من هشام المشيشي، أثار ضجة إعلامية وسياسية، فهي تتضمن أسماء تتعارض سيرها الذاتية تماماً مع الشعار الذي رفعه الرجل، “حكومة كفاءات مستقلة”. فالقائمة لم تخلُ من أسماء منخرطة في العمل السياسي ولم يكن من الصعب تحديد انتمائها الحزبي. 

كفاءات مستقلة؟

علي الحفصي الذي ورد اسمه مرشحاً لحقيبة العلاقة مع مجلس نواب الشعب، شغل منذ عام 2019، منصب أمين عام حزب “نداء تونس” الذي أسسه الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي. الحفصي الذي قرر حزبه في تموز/ يوليو الماضي طرده من الحزب هو ونجل السبسي، يخوض معركة قانونية وفق تصريحه الإعلامي وقتها، إذ أشار إلى أنه سيسعى بكل الطرائق لاستعادة منصب الأمين العام. 

ليس الحفصي فحسب من طاولته الانتقادات بانعدام الاستقلالية، محمد الطرابلسي المرشح لوزارة الشؤون الاجتماعية التي استلمها سابقاً في عهد حكومة الرئيس الأسبق يوسف الشاهد لسنوات. وهو عرف بقربه الشديد من حركة “تحيا تونس” التي أسسها الشاهد عام 2019 علاوة على انخراطه لسنوات في “الاتحاد العام التونسي للشغل”، وتقلده منصب أمين عام مساعد في المنظمة

الرئيس التونسي قيس السعيد مع رئيس الحكومة المكلف هشام المشيشي

اسم ثالث شكّل مفاجأة غير متوقعة من المشيشي وهو توفيق شرف الدين، المرشح لمنصب وزير داخلية. شرف الدين كان أشرف على حملة قيس سعيد الانتخابية أثناء الاستحقاق الرئاسي الماضي في محافظة سوسة الساحلية، وبالتالي تنتفي عليه صفة الاستقلالية، حتى وإن لم يكن تحت مظلة حزبية مباشرة.

أصابع قيس سعيد التي ساهمت في حياكة شكل الحكومة المقترحة، تمتد أيضاً إلى عثمان الجرندي المقترح وزيراً للخارجية، علماً أنه حالياً مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الخارجية في ديوانه.

وهناك أسماء أخرى قد تبدو غير مستقلة وذاع صيت بعضها بقربها من الدوائر الحاكمة، لا سيما “حركة النهضة” مثل وزيري العدل وتكنولوجيا الاتصال المقترحين محمد بوستة ومحمد الفاضل كريم.

المحلل السياسي طارق القيزاني يرى أنه لا يمكن الجزم باستقلالية تامة للحكومة المقترحة عن السياسية والأحزاب، طالما أن هناك وزراء راكموا تجارب حزبية سابقة. ولكنه لا يعتقد أن العدد الضيق لهؤلاء سيؤثر في خطة رئيس الحكومة الجديدة للنأي بفريقه عن الحساسيات الحزبية. ثم إن هذه الخبرات قد توفر الحد الأدنى من مطالب أحزاب تدعو إلى المزج بين التكنوقراط والسياسيين في الحكومة. “قد يكون المشيشي وفر جزءاً من هذه المطالب من دون أن يكون ملزماً باستقطاب وزراء من الأحزاب الكبرى الممثلة داخل البرلمان”.

القائمة لم تخلُ من أسماء منخرطة في العمل السياسي ولم يكن من الصعب تحديد انتمائها الحزبي. 

القيزاني يوضح لـ”درج” أنه “منذ تكليف رئيس الجمهورية قيس سعيد، هشام المشيشي، هناك نيات غير معلنة من الرئيس للاتجاه نحو حكومة مستقلة بنسبة كبيرة. الرئيس يرى أن الأحزاب استنفدت الوقت والفرص، وتشتت المشهد السياسي في البرلمان والخلافات الحزبية لن تفرز مطلقاً استقراراً سياسياً وحكومياً فيما تشتد الأزمة الاقتصادية والاجتماعية في البلاد”.

ويرى القيزاني أن رئيس الجمهورية بتكليفه هشام المشيشي في هذه المرحلة، هو في موقف قوة وهو من يدير دفة الحكم، على رغم أننا في سياق نظام برلماني (معدل) ولكن الدستور في هذه المرحلة يمنح المبادرة السياسية لقيس سعيد، إضافة الى شرعيته الانتخابية التي تفوق شرعية الأحزاب مجتمعة عبر الصناديق وفق تعبيره.

ويضيف القيزاني “تأثير الرئيس رجل القانون الدستوري وحتى المشيشي الآتي من الإدارة التونسية، في تركيبة الحكومة كان واضحاً. فهي جمع من رجال قانون وخبرات مستقلة من الإدارة، ولكن هناك أيضاً وزراء كانت لهم تجارب سياسية ضمن أحزاب ومن ثم أصبحوا مستقلين”.

تحفظات

القيادي في حزب “التيار الديموقراطي” نبيل الحاجي أكد أن “التيار لن يمنح الثقة لمشروع حكومة ھشام المشیشي”، مضيفاً في تصريح غداة الإعلان عن التركيبة المقترحة، أن الحزب اتخذ ھذا الموقف، لأنه توصل الى أن حكومة المشيشي لیس لھا برنامج ولم تضع خارطة طريق أو تصوراً”.

وبين أن المشیشي، اكتفى بتجميع أسماء حكومته، وقال إنھا مستقلة تماماً، في حین أن الإعلان عن ھذا الفريق أسقط مقولة الاستقلالية.

وكان المجلس الوطني لـ”حزب التيار الديموقراطي”، قرر عدم منح الثقة لحكومة المشیشي متعھداً بممارسة دوره الرقابي في المعارضة “البناءة والمسؤولة”، وفق بيان صادر عنه.

أما وزير أملاك الدولة والشؤون العقارية غازي الشواشي وهو من التيار الديموقراطي ذاته، فأشار إلى أن حكومة “التكنوقراط” مهما كانت الخلفيات التي تقودها في ظل الوضع المتردي الحالي، فإنها ستزيد الأزمات التي تمر فيها البلاد وستواجه معارضة الجميع وقد تتسبب في “انفجار اجتماعي وإفلاس اقتصادي وانفلات أمني ينسحب على الأخضر واليابس وينسف مسار الانتقال الديموقراطي برمته”، وفق ما جاء في نص تدوينته على “فايسبوك”.

يشار إلى أن التيار الديموقراطي كان ممثلاً في حكومة الياس الفخفاخ بثلاثة وزراء (محمد عبو، غازي الشواشي، محمد الحامدي) وعلى الصعيد البرلماني ينتمي نواب “التيار” مع نواب “حركة الشعب” إلى الكتلة الديموقراطية (38 نائباً). في حين لم يكن حزب التيار ممثلاً في الحكومة الجديدة المقترحة.

 أما “حركة النهضة” فرأى النائب عنها محمد القوماني، أن حكومة ھشام المشیشي ھي حكومة “الرئيس” بامتياز، قاصداً رئيس الجمهورية قيس سعيد. ولفت إلى أن هذا الأخير همّش مقترحات الأحزاب وذھب منفرداً في تكوينھا. واعتبر في تصريح إعلامي أن حكومة المشیشي الأقل استقلالية بین الحكومات السابقة وحتى مقارنة بسالفتھا لإلیاس الفخفاخ والأضعف كفاءة من حيث الأسماء المقترحة. 

أما بخصوص التصويت لها فأوضح القوماني أن مجلس الشورى سینظر في المسألة في الأيام القليلة المقبلة، وھو الطرف الوحيد المخول تحديدھا، مؤكداً أن “النھضة” لن تدعم ھذه الحكومة سیاسیاً حتى وإن صوتت لھا.

تجدر الاشارة إلى أن المشيشي كلّفه رئيس الجمهورية قيس سعيد بتشكيل حكومة جديدة وفق مقتضيات الدستور، وذلك بعد استقالة رئيس حكومة تصريف الأعمال إلياس الفخفاخ بسبب شبهة تضارب مصالح.

ويبقى السؤال الأكبر المطروح، هل ستضحي الأحزاب بالمكسب الوحيد الذي تبقى لها في الحكم أي تمثيلها البرلماني، في حال حثت نوابها على عدم التصويت لحكومة المشيشي وبالتالي سقوطها، فيلجأ عندئذٍ رئيس الجمهورية قيس سعيد إلى حل البرلمان وإجراء انتخابات جديدة؟