fbpx

من “صفر مشكلات” إلى “الوطن الأزرق”: سياسة تركيا الخارجية العدوانية

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يبدو أن تركيا نشطة في جميع الاتجاهات، ولا تشارك في حوارات بل في حروب وتنافس جيوسياسي عدواني.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

قبل عقد فحسب، كانت السياسة الخارجية التركية تهدف إلى الخروج من العزلة الإقليمية من خلال تحسين علاقاتها بجيرانها. حتى أن أحمد داوود أوغلو، وزير الشؤون الخارجية السابق، صاغ شعاراً لتلك السياسة: “صفر مشكلات مع دول الجوار”. ولا يزال موقع وزارة الخارجية التركية يتغنى بهذه السياسة: “من منطلق إدراكها أن التنمية والتقدم الحقيقيين لا يمكن تحقيقهما إلا في ظل مناخ يسوده السلام والاستقرار الدائمين، تضع تركيا هذه الغاية في قلب رؤيتها للسياسة الخارجية. وهذا النهج هو انعكاس طبيعي لسياسة “سلام في الوطن، سلام في العالم” التي أرساها القائد العظيم أتاتورك، مؤسس الجمهورية التركية”.

كانت الغاية من هذا المبدأ هي النهوض بالسياسة الخارجية من أجل حل مشاكل تركيا مع دول الجوار. يشير الموقع إلى “عملية تحاور متعددة الأبعاد مع اليونان منذ عام 1999″، إضافة إلى دول أخرى لها حدود مشتركة مع تركيا. ويمكننا أن نقرأ التالي أيضاً على موقع وزارة الداخلية: “تؤمن تركيا أن النتائج الإيجابية لنهج “صفر مشاكل مع دول الجوار” التي بدأنا نشهدها حتى في الوقت الحاضر، سوف تتزايد رقعتها في منطقتنا أولاً ثم على المستوى العالمي في نهاية المطاف، مثل الدوامات الدائرية الآخذة في الاتساع المتولدة من إلقاء حجر في ماء راكد”.

لكن الحجارة التي تلقيها تركيا هذه الأيام لا تولد دوامات دائرية فحسب، وإنما موجات من العنف. يبدو أن تركيا نشطة في جميع الاتجاهات، ولا تشارك في حوارات بل في حروب وتنافس جيوسياسي عدواني. إذ تشن القوات العسكرية التركية هجمات يومياً على المعارضة الكردية المسلحة في جنوب شرق البلاد، وكذلك في شمالي سوريا والعراق. ويقاتل الجيش التركي في ليبيا أيضاً، في أراضٍ بعيدة من قواعده، وفي مسعى محفوف بالمخاطر ولأجل غايات غامضة. وفي أعقاب الاشتباكات التي وقعت على الحدود بين أرمينيا وآذربيجان في تموز/ يوليو الماضي، هدد مسؤولون أتراك أرمينيا، حليفة روسيا، وبعثوا جنودهم إلى أذربيجان مصحوبين بطائرات مروحية عسكرية للقيام بمناورات عسكرية مشتركة. أضف إلى هذا المطالبات التركية بمساحات كبيرة من مياه شرق البحر المتوسط وأيضاً بحر إيجه والبحر الأسود، وهي مساحات غنية باحتياطات بحرية محتملة من الغاز الطبيعي حددتها تركيا جزءاً من “وطنها الأزرق”.

تواجه تركيا مشكلة وحيدة هنا، وهي أن هناك أجزاءً من تلك المساحات تطالب بها اليونان وقبرص ومصر. فبعدما أوشكت على شن حرب مع سوريا وربما روسيا في الشتاء الماضي، وتدخلها الهائل في ليبيا الذي أفضى إلى نجاحات عسكرية مهمة، أعلنت أنقرة عن تحدٍ جيوسياسي جديد: وهو فرض سيطرتها على النصف الشرقي للبحر المتوسط. لكن الوصول التركي الأخير إلى مستودعات الغاز الطبيعي البحرية في شرق البحر المتوسط، يعد اعتداء جيوسياسياً عالي المخاطر. مطالبات تركيا بـ”الوطن الأزرق” طموحة للغاية بالفعل، فنحن نتحدث عن منطقة بحرية خالصة تبلغ مساحتها 462 ألف كيلومتر، أي ما يعادل نصف مساحة الجمهورية التركية. تتزامن هذه السياسة الحازمة التي تتبعها تركيا مع رغبتها في التنقيب عن موارد الهيدروكربون، القطاع الذي تستثمر فيه تركيا بكثافة منذ عام 2011، بعد توترات خطيرة مع روسيا، أكبر مزودي تركيا بالطاقة. وعام 2019، أنفقت تركيا 41 مليار دولار على واردات الطاقة، وهو ما يعد عبئاً مرهقاً على اقتصادٍ مثقل بالديون.

الحجارة التي تلقيها تركيا هذه الأيام لا تولد دوامات دائرية فحسب، وإنما موجات من العنف.

في تشرين الثاني/ نوفمبر 2019، وقعت أنقرة اتفاقية ترسيم حدود بحرية مع حكومة الوفاق، والتي بموجبها قُسم البحر المتوسط لنصفين. وقد أثارت رد فعل فورياً من مصر، التي أعلنت أن الاتفاقية “غير شرعية”، ومن وزير الخارجية اليوناني الذي أشار إلى أن الاتفاق “يتجاهل وجود كتلة جغرافية شاسعة من الأراضي بين البلدين تتمثل في كريت”.

تزايدت جرأة تصريحات تركيا، وذلك بعدما أدى دعمها الهائل حكومة الوفاق الوطني الليبية إلى انتصارات عسكرية في غرب ليبيا. ووفقاً لمقالٍ نُشر في موقع مؤسسة الإذاعة والتلفزيون التركية (TRT)، فإن “الدور الحيوي الذي أدته تركيا في ليبيا وفي مواجهة أمير الحرب خليفة حفتر قد منح أنقرة نفوذاً كبيراً فيما يتعلق بمعركة بسط السيادة على شرق المتوسط”. قد يكون اكتشاف حقل غاز في البحر الأسود يقدر مخزونه بـ38 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي إنجازاً كبيراً، فهو سيقلص واردات تركيا من الطاقة بدءاً من عام 2023، وسيزيد من حدة المنافسة الجيوسياسية الدائرة رحاها حالياً.

اقتناص الفرص كنهج استراتيجي

كيف يتسنى لأنقرة أن تُحدث مثل هذا التحول الجذري الشامل في سياستها الخارجية بينما لا يزال “حزب العدالة والتنمية” نفسه في السلطة؟ لا يمكن تفسير هذا التحول إلا من خلال التخلي عن الرؤية الاستراتيجية التي انتهجها وزير الخارجية السابق داود أوغلو، واتباع سياسة القوة البراغماتية. ففي داخل تركيا، حلت السياسات القمعية القديمة محل سياسة حل المشكلة الكردية من خلال اتباع نهج الحوار وإجراء الإصلاحات والاعتراف بالحقوق الكردية، وذلك لأن الظروف كانت مواتية مما جعل الأمر ممكناً: فقد استغلت النزعة القومية الشعوبية التي تتسم بها الجماهير التركية، الأمر الذي سهل احتشاد الجماهير خلف الرئيس. فضلاً عن أن انهيار الدولة العراقية وتفتتها، ثم الدولة السورية في ما بعد، أفضيا إلى خلق فراغ في السلطة في جنوب الحدود التركية، ما أعطى أنقرة الفرصة للتوسع نحو حلب والموصل وكركوك، وهي مدن كانت خاضعة لحكم الإمبراطورية العثمانية القديمة، ما يُثير الخيال التوسعي لدى القوميين الأتراك. وقد أتاحت سياسة دونالد ترامب غير الواضحة في التعامل مع القوات الكردية في سوريا فرصة أخرى للتدخل العسكري هناك. بينما كانت الحرب الأهلية في ليبيا بمثابة فرصة لإبراز القوة عبر البحر الأبيض المتوسط.

الواقع أن السياسة التركية في الشرق الأوسط وشرق البحر الأبيض المتوسط مرهونة بانهيار البنية الأمنية الإقليمية، وما يخلفه ذلك من فراغ في السلطة. ومع وجود ترامب في واشنطن، أصبحت سياسات الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي عصية على الفهم. أما الاتحاد الأوروبي فسجله مليء بالتناقضات: ففي ليبيا، في حين تدعم إيطاليا ومالطا تركيا وحكومة الوفاق الوطني، تدعم فرنسا واليونان معسكر حفتر. وبوسعنا أن نقول نفس الشيء عن الخصومة اليونانية التركية؛ ففي حين دعمت فرنسا بقوة اليونان بوصفها عضو في الاتحاد الأوروبي، لا يزال موقف ألمانيا غامضاً، إذ تقترح تسوية النزاعات من طريق “الوساطة”، وتواصل دعم حليفتها التقليدية.

خوض المجازفات

لا ترقى السياسات الانتهازية إلى اعتبارها استراتيجية. ولعل تركيا شاركت في جبهات كثيرة ونشرت قواتها بصورة تتجاوز إمكانياتها الحقيقية. فقد استفزت العديد من الخصوم، وهو ما قد يؤدي إلى ردود فعل عنيفة. فقد أعلنت السلطات الفرنسية في 10 حزيران/ يونيو، أن الفرقاطة الفرنسية “كوربيه” استُهدفت ثلاث مرات تمثلت في “إطلاق ومضات رادارات ضوئية” من قبل سفينة حربية تركية قبالة سواحل ليبيا. وكانت الفرقاطة الفرنسية في مهمة لمراقبة سفينة شحن ترافقها ثلاث سفن تابعة للبحرية التركية في إطار عملية دولية لتطبيق حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة على ليبيا. وقد أثارت الحادثة غضب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. وفي 12 آب/ أغسطس، اصطدمت الفرقاطة اليونانية “لومينوس” بالسفينة الحربية التركية “كمال ريس”، التي كانت ترافق سفينة استكشاف تركية في المياه البحرية التي تدعي اليونان أنها تخضع لولايتها. وقد تسبب الحادث في إلحاق أضرار في الجانب الأيمن من مؤخرة سفينة “كمال ريس” وإحداث ثقب كبير في هيكلها.

وقد تتفاقم حربها ضد المعارضة الكردية المسلحة، والعمليات المتواصلة عبر حدودها الجنوبية، مؤديةً إلى صراع كبير: ففي 11 آب، شنت الطائرات المسيّرة التركية هجوماً داخل العراق، ما أدى إلى مقتل ضابطين عراقيين كانا في اجتماع مع مسؤولين من حزب العمال الكردستاني.

وعلى الصعيد الديبلوماسي، وقعت اليونان ومصر في مطلع آب اتفاقاً حول تعيين المنطقة الاقتصادية الخالصة في شرق البحر الأبيض المتوسط. ويتحدى هذا الاتفاق الاتفاقية السابقة بين تركيا وليبيا. وقد دعت فرنسا إلى وقف التنقيب التركي عن النفط والغاز في المياه المتنازع عليها.

تطول قائمة الاستفزازات التركية المستمرة ضد فرنسا واليونان، والتهديدات بإرسال اللاجئين إلى أوروبا، والتدخلات العسكرية في ليبيا وسوريا والعراق، فضلاً عن صراعاتها الداخلية ضد القوات الكردية. وفي الوقت نفسه، يواجه أردوغان مشكلة في العلاقات مع الجيش المتهم بمحاولة انقلاب عسكري فاشلة عام 2016، تم في أعقابها اعتقال آلاف الضباط أو طردهم من الخدمة. وفي خضم الأزمة المالية التي تمر فيها تركيا، التي أدت إلى خفض قيمة العملة الوطنية، وحدوث أضخم عجز في الحساب الجاري، وتقلص الاحتياطات من النقد الأجنبي، إلى متى قد تتمكن أنقرة من تحمل طموحات سياستها الخارجية؟

قبل عقد مضى اعتزمت تركيا رسم سياستها الخارجية من خلال نهج القوة الناعمة النشطة. والآن يبدو أن تركيا في حالة حرب في الاتجاهات كافة. وقد حان وقت إعادة النظر في الشعار القديم ليكون: “حرب في الوطن، حرب في العالم”.

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.