fbpx

لبنان والوهم الماكروني

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

التنازل الماكروني بتعويم “حزب الله” عبر اعتباره “منتخباً”، لن يحقق لفرنسا مصالحها، بل من المرجح، أن يجعلها تخسر ما لديها من صدقية لدى بعض اللبنانيين.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

بكلمة منتخب تسلّح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، مبرراً اعتبار “حزب الله”، جزءاً من النظام السياسي اللبناني. الكلمة التي تحيل دلالاتها إلى الممارسة الديموقراطية، ليست سوى مفردة من قاموس كلامي غالباً ما يستخدمه سيد الإليزيه، للتعبير عن أفكاره، معتمداً مفاهيم عمومية، لا تستوي في تطبيقها مع بنائها النظري، تبعاً لاختلاف البيئات التي تطبق فيها، واستخدامها بشكل إجرائي أو ضمن مناخ منافٍ لجوهرها. وبدهي أن ماكرون ليس ساذجاً، كي يجهل انفصال معاني مفرداته عن تطبيقاتها لكنه يعمد، على ما طالعنا في تحليلات الصحف، إلى استخدامها كغطاء لما هو أبعد من اللغة، أي بما يتصل بالصفقات والمصالح والحفاظ على النفوذ.

 ففي لبنان، تتحكم في سلوك الزائر الفرنسي، ثلاثة اعتبارات، الأول، الاحتفاظ بالنفوذ على وقع منافسة شرسة مع تركيا، إذ يسعى ماكرون إلى عدم ترك البلد التي ساهمت فرنسا في تأسيسه، يخرج عن خريطة نفوذ باريس، والثاني، التمهيد للعب دور العراب في أي تسوية بين أميركا والغرب، وعليه الانفتاح على “حزب الله”، والثالث، لعب دور الضامن لعدم تحول لبنان إلى بلد أكثر فشلاً بحيث يصدّر الإرهاب واللاجئين إلى الغرب. والاعتبارات تلك التي تسوق في الصحافة كغاية يخفيها ماكرون خلف قاموسه المولع بالانتخاب، ليست سوى امتداد للقاموس نفسه، بمعنى أنها أقرب إلى الأوهام، فالنفوذ في الشرق الأوسط، لم يعد يرسم كما في السابق، انطلاقاً، من النموذج والثقافة والمساهمة بالتأسيس، بل باتت الميليشيات هي التي تحدده وترسم حدوده وطبيعة تأثيرها، فيما صفقة النووي المرتقبة، شديدة التعقيد قياساً، بتحول السياسة الداخلية الإيرانية أكثر فأكثر نحو التشدد، وولادة تحالفات جديدة في المنطقة يجمعها معاداة طهران. أي أن خسارة دونالد ترامب الانتخابات، وعودة أميركا لأوباميتها السابقة، لا يعني صفقة مريحة، تتولى فرنسا هندستها. أما ضمان استقرار لبنان، فهذا تحديداً ما يعمل ماكرون بعكسه، فـ”حزب الله” الذي يريد منا الرئيس الفرنسي، اعتباره منتخباً، كان سبباً دائماً للتوتر وجولات الحروب الأهلية، على ما دلت السنوات الماضية، سواء عبر تفجير الأوضاع في الداخل، بهدف التغلب وفرض معادلات سياسية تحمي السلاح أو عبر استخدام الجبهة مع إسرائيل كلما استدعت الحاجة الإيرانية، وأخيراً القتال في سوريا دعماً لنظام دكتاتوري، أكثر من نصف اللبنانيين يكنون له العداء.

 الرئيس الفرنسي خسر مرتين، الأولى، خسارة قيمية حين اعتبر ميليشياً، “حزباً منتخباً”، والثانية مصلحية، حين ظن أن تنازله القيمي سيحقق له بعض المصالح.

من هنا، فإن ماكرون، لا يفصل الكلام عن تطبيقاته فقط، بل وأيضاً يفصل الأفعال عن بيئات تحققها، فالنفوذ والصفقة النووية والاستقرار، يصعب تحقيقها في لبنان، وسواه من دول المنطقة. فإيران تخلق عبر الميليشيات كيانات موازية داخل الدول، للتحكم بها وشل قدرتها واستخدامها مسرحاً لمصالحها، وبالتالي، فإن تشكيل حكومة جديدة، وتهديد السياسيين بالعقوبات، وتنظيم المساعدات، وتنفيذ الإصلاحات، سينقذ المسرح لا البلد، ذاك أن الأخير مستلب من الميليشيات، ولا إمكان لتغييره سوى بإضعافها. لذا، فإن الطموحات الماكرونية، في لبنان سريعاً ستصبح أوهاماً، لا ترجمة لها سوى لدى “حزب الله” الذي سيجد البلد استعاد عافيته، فيواصل نشاطه، أكثر من السابق، وتتكرر المأساة مرة ثانية.

باختصار، التنازل الماكروني بتعويم “حزب الله” عبر اعتباره “منتخباً”، لن يحقق لفرنسا مصالحها، بل من المرجح، أن يجعلها تخسر ما لديها من صدقية لدى بعض اللبنانيين، لا سيما الذين خرجوا في ثورة ضد الطبقة السياسية الحالية، التي تترسخ أكثر كلما تم تعويم حارسها “حزب الله”.

 الرئيس الفرنسي خسر مرتين، الأولى، خسارة قيمية حين اعتبر ميليشياً، “حزباً منتخباً”، والثانية مصلحية، حين ظن أن تنازله القيمي سيحقق له بعض المصالح، في دولة لم يعد بالإمكان تحقيق المصالح فيها، سوى بالتفجيرات والاغتيالات وتجنيد اللبنانيين للقتال من أجل أنظمة دكتاتورية.