fbpx

التطبيع الإماراتي- الإسرائيلي :
ما مصير صفقات السلاح وخدمات التجسس؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يشعر مسؤولون في دولة الإمارات بالإهانة من نفي رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو علناً، موافقته على صفقة طائرات من طراز أف 35، ومن الخطاب في إسرائيل حولها.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

مراسل موقع “واللا” الإخباري بارك رافيد، نقل عن مسؤول إسرائيلي قوله إن أحد المسؤولين الإماراتيين أبلغه بأن الناس في أبو ظبي يشعرون بأنهم تحولوا إلى “كرة قدم سياسية”، يركلها الوزراء الإسرائيليون في ما بينهم من أجل تحقيق مكاسب في الرأي العام.

إلا أن الحقيقة تشير إلى أن تاريخ العلاقات بين إسرائيل والإمارات قائم على أساس مصلحة الأخيرة، من خلال الدور الذي وضعته لنفسها للتأثير في الإقليم، من تقديم الخدمات وحاجة الإمارات إلى تقنيّات وتكنولوجيا الأمن والمراقبة، والضبط للسيطرة على مفاصل حياة الإماراتيين، ومن حولهم في الدول العربية، والتجسس عليها ومراقبتها، وعلى معارضي السياسة الاماراتية، وبروز دورها في تقويض الثورات العربية. ولم يعد خافياً أن الإمارات استأجرت الكثير من خبراء الاستخبارات الإلكترونية الإسرائيليين لتطوير تقنياتها.

وبناء على احتدام الخلاف حول رفض إسرائيل تزويد الإمارات بطائرات اف35 أميركية، وكي لا يظهر الاتفاق التطبيعي على أنه اتفاق أمني فقط، تم فصل الوفدين الأمني والاقتصادي المتوجهين إلى الإمارات قبل مدة قصيرة، وترأس الوفد الأميركي مستشار ترامب، جاريد كوشنر، يرافقه مستشار الأمن القومي، روبرت أوبريان، ويرأس الوفد الإسرائيلي رئيس مجلس الأمن القومي، مئير بن شبات.

ووفقاً لوسائل إعلام إسرائيلية، فإن قرار فصل المحادثات السياسية والاقتصادية عن المحادثات الأمنية، وتأجيل سفر وفد أمني إسرائيلي إلى أبو ظبي أسبوعين، اتخذته إسرائيل في أعقاب طلب أميركي- إماراتي. وكان التخوف الأميركي والإماراتي من أن وجود مسؤولين أمنيين في الوفد الإسرائيلي سيجعل وسائل الإعلام تركز على صفقة الطائرات إف35.

وتمحورت اللقاءات الأميركية- الإسرائيلية مع الإمارات خلال الزيارة “التاريخية” كما وصفها نتانياهو ووسائل الإعلام الإسرائيلية على تطبيع العلاقات الإسرائيلية- الإماراتية، والتعاون الاقتصادي والمدني والصحي، والتمهيد للتوقيع على الاتفاق في واشنطن، في تشرين الأول/ أكتوبر 2020.

وكان الخلاف على إثر تصريحات صادرة عن مكتب نتانياهو قال فيها إن “اتفاق السلام التاريخي بين إسرائيل والإمارات المتحدة لم يشمل أي موافقة إسرائيلية على أي صفقة سلاح بين الولايات المتحدة والإمارات المتحدة، وأيضاً تصريحات وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، الذي قال في مؤتمر صحافي، إنه لن يتم بيع أسلحة قد تخل بضمانِ التفوّق العسكريّ الإسرائيليّ في المنطقة”.

وعلى رغم رفض إسرائيل تزويد الامارات بطائرات أميركية متطورة إف 35، ذكرت صحيفة “يديعوت أحرونوت” أن “إسرائيل بدأت بتزويد الإمارات بأسلحة حساسة عام 2010 لإسكاتها بعد فضح جريمة اغتيال القيادي الفلسطيني محمود المبحوح داخل فندق البستان في دبي قبل 10 سنوات”.

ونقلت “يديعوت” ان نقاشات حصلت بين المؤسسة السياسية والأمنية  الإسرائيلية حول بيع الإمارات طائرات إف 35 الأميركية، وأجريت نقاشات أخرى وبين نتانياهو وجهاز الموساد والجيش الإسرائيلي. غير إن الجهة الوحيدة في المؤسسة الإسرائيلية التي أصرت على الرفض والمعارضة خشية تسرّب معلومات حول أجهزة متطورة إسرائيلية وأميركية للجهات المعادية، هي الجيش.

وعلى رغم معارضة إسرائيل تزويد الإمارات بهذ الطائرات وأنها قد تُخل في ميزانِ القوّة كما يرى خبراء إسرائيليون، إلا أن المسؤول السابق عن شعبة الاستخبارات في الموساد، حاييم تومر، في حديث إلى الإذاعة العبرية، قال: “لا مشكلة في رفع الحظر عن تزويد الولايات المتحدة طائرات إف 35 للإمارات، وبخاصّة في حين أن الاتفاق مع أبو ظبي يمكن أن يكون مفيداً لإسرائيل ضمن سيناريوات أخرى، في خدمة المواجهة ضد الإيرانيين”. وهذا  يوضح اهتمام إسرائيل بتوسيع التعاون الأمني مع الإمارات التي تلعب دوراً في الاقليم في خدمة مصالحها ومصالح اسرائيل.

قبل توجه الوفدين الأميركي والإسرائيلي الى الامارات أظهرت وسائل الإعلام الإسرائيلية صورة تبين أن الإماراتيين متحمسون للتحالف وتطبيع العلاقات مع إسرائيل، أكثر من حماسة الإسرائيليين للاتفاق، وأن الإماراتيين سعوا لتوضيح أن نياتهم بالسلام حقيقية، ونقلت صحيفة “يديعوت احرنوت” عن موظف رسمي في أبو ظبي قوله إنه “لن نكون مثل مصر، التي تحافظ على سلام بارد مع إسرائيل، ولن نكون مثل الأردن، التي تبنت موقف الرئيس الفلسطيني محمود عباس”.

وذكر كبير المحللين السياسيين في “يديعوت أحرونوت”، ناحوم برنياع، أنه “يحظر أن ننسى الفوارق، فإسرائيل أقيمت بعمل صعب من جانب مواطنيها، بشجاعة في ميدان القتال وبسخاء الشعب اليهودي. وقد تبنت قواعد اللعبة الديموقراطية قبل ولادتها، وليس النفط من بناها ولا العمال الأجانب، ولا يمكنها تبني النموذج الإماراتي – مليون شخص محلي أثرياء وإلى جانبهم 8 ملايين عامل أجنبي بلا حقوق – ونظام غير ديموقراطي”.

ودعا برنياع الإسرائيليين أيضاً إلى أن “ينزلوا إلى أرض الأحلام حول مئات ملايين الدولارات التي ستُضخ إلى هنا مباشرة من دبي، فالاستثمارات الأجنبية هي مسألة حساسة، ويتم التدقيق في أي استثمار في البنية التحتية من خلال التبعات الأمنية”.

بينما أشارت المراسلة السياسية لصحيفة “هآرتس”، نوعا لانداو، إلى أن الإسرائيليين تعاملوا مع الاتفاق مع الإمارات بعدم اكتراث ولا مبالاة، على رغم أن جميعهم أيدوه. لكنها أضافت أن رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتانياهو، “كعادته، يستغل هذه الفرصة لمناكفة اليسار والادعاء أنه حطّم الادعاء الأساسي لمعسكر السلام في إسرائيل بأن السلام مع العالم العربي مقرون بتقديم تنازلات للفلسطينيين. والتنازل عن الضم يضع مصاعب أمام ادعائه”.

وأضافت لانداو “حقيقة أن الحديث عن سلام لم تسبقه أي حرب، مع دولة لا حدود مباشرة لها مع إسرائيل، فيما كان الجميع يعرف بوجود علاقات متشعبة معها طوال سنين كثيرة في مجالات متنوعة، وإن بالسر، كل هذا يقلل أيضاً من الهالة التي يسعى أركان الاتفاق إلى تصويرها”.

والتدقيق في نص اتفاق السلام بين الإمارات وإسرائيل يخالف ما ذهب إليه بعض المحللين، “سيؤدي فتح العلاقات المباشرة بين اثنين من أكثر المجتمعات ديناميكية في الشرق الأوسط والاقتصادات المتقدمة إلى تغيير المنطقة (الشرق الأوسط) من خلال تحفيز النمو الاقتصادي، وتعزيز الابتكار التكنولوجي، وإقامة علاقات أوثق بين الناس”. 

ويتضح من نص الاتفاق أنه قام بناء على مصالح سياسية واقتصادية جيوسياسية، وفي الثنايا تظهر التبعية الإمارتية من خلال ما عرف بـ “تعزيز الابتكار التكنولوجي” من خلالِ التكنولوجيا الإسرائيلية والتي تأتي في سياق عسكري أمني إسرائيلي استعماري، وعلى أساسه تنبع أهمية فهم جذور الاتفاق وأهميته السياسية والاقتصادية.

ذكرت صحيفة “ذي ماركر” الإسرائيلية في 19 آب/ أغسطس الماضي أن “الإمارات هي أوّل ومن أهم زبائن المجموعة”، ويبيّن التقرير التعاون الاستراتيجي بين الشركة الإسرائيلية والإمارات للتجسّس على معارضين سواء داخل الإمارات أو خارجها. وارتبطت شركة تجسّس إماراتية تحت اسم “Dark Matter” بهذه المجموعة الإسرائيلية

وبالنظر إلى طبيعة التحالفِ الإماراتي- الاسرائيلي يجب فهم تاريخ العلاقات السابقة للدولتين والتي تمحورت حولَ التكنولوجيا والتقنيات الحديثة في شتى مرافق الإمارات المدنية والامنية والعسكرية.

ووفقاً لما ذكرته صحيفة “هآرتس” في تقرير راهن، فإن العلاقات الإسرائيلية- الإماراتية ممتدة منذ أكثر من عقدين من الزمن، وتعمل في في الإمارات نحو 500 شركة إسرائيلية. ويمتد التعاون بين الشركات الإسرائيلية والإماراتية، ليشمل مجالات متعدّدة، في قطاع المياه والتكنولوجيا والزراعة والصحة وتكنولوجيا قطاع الخدمات المالية، والأسلحة المتطورة والأمن الداخلي والأمن السيبراني. هذانِ القطاعان الأخيران يمثلّان الأعمدة الأساسية للتحالف.

وذكرت صحيفة “ذي ماركر” الإسرائيلية في 19 آب/ أغسطس الماضي أن “الإمارات هي أوّل ومن أهم زبائن المجموعة”، ويبيّن التقرير التعاون الاستراتيجي بين الشركة الإسرائيلية والإمارات للتجسّس على معارضين سواء داخل الإمارات أو خارجها.

وارتبطت شركة تجسّس إماراتية تحت اسم “Dark Matter” بهذه المجموعة الإسرائيلية، وأن مجموعة من موظفي “NSO” السابقين وجميعهم أيضاً من الخبراء والمختصين السابقين في وحدة الاستخبارات الإسرائيلية 8200.

وفي الخلاصة أن التحالف الاسرائيلي- الاماراتي هو أعمق من تطبيع العلاقات وتبادل الزيارات والسياحة، كما هو الحال مع اتفاقيات السلام مع مصر والأردن التي تنظر اليهما اسرائيل على انهما اتفاقيات حياد ايجابي، يعتمد التحالف الإسرائيلي- الإماراتي أساساً على بعد استراتيجي واستغلال احتدام الانقسامات والصراعات الإقليمية ومرور عقد على الثورات العربية، والترتيبات السياسية التي يجب أن تجرى، وفقاً لاولويات مصالح الإمارات، بالاعتماد على التكنولوجيا العسكرية والأمنية الاسرائيلية، إضافة إلى الاستثمارات الاسرائيلية بفتح أسواق عربية جديدة وزيادةِ صادراتها وخدماتها التكنولوجية والأمنية والعسكرية.

ذلك كله من دون اعتبار للمصالح العربية وللقضية الفلسطينية خصوصاً. الاعتبار الوحيد هو مدى سيطرة إسرائيل على المنطقة العربية وتوسعها في سياق استعماري استيطاني وزيادة استثماراتها وتصفية القضية الفلسطينية، وفي الوقت ذاته ضمان تحصين النظام الإماراتي واستمرار وجوده واستقراره الداخلي من خلال حيازة طائرات اف 35 وأسلحة وتكنولوجيا دقيقة ومتطورة.