fbpx

لبنان: خطوة ضد “نظام الكفالة”… بعيداً من إلغائه!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تبدو البنود الواردة في العقد واعدة، على رغم أنها لا تتطرق إلى بعض العوامل التي تتعلق بالتمييز السافر الذي تتعرض له عاملات المنازل المهاجرات في لبنان بما يمهد الطريق لوصولنا إلى مرحلة يمكننا القول فيها إن نظام الكفالة قد أُلغي.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

أعلنت، لميا يمّين، وزيرة العمل الحالية في حكومة تصريف الأعمال، عن الانتهاء من مشروع عقد موحد جديد للعاملات والعمال المنزليين المهاجرين،  في لبنان، وسيتم قريباً إصداره والعمل به. ومن المتوقع أن يشتمل العقد الموحد على 15 بنداً، من المفترض أن تتدارك جميعها أخطاء النظام السابق مع تكريس حقوق عاملات المنازل المهاجرات. ويتضمن ذلك تحديد راتب العاملة بما لا يقل عن الحد الأدنى للأجور، وضمان حقها في تغيير رب عملها متى شاءت. وقد أشاد كثيرون بهذا القرار بوصفه خطوة كبيرة إلى الأمام، بل ذهب البعض إلى حد اعتباره إلغاءً لنظام الكفالة، لكن الخدعة، كما في معظم الثغرات في الهياكل القانونية اللبنانية، تكمن بين السطور. 

في مقابلة لمناقشة هذا العقد الجديد، انتقت الوزيرة بحماسة الكلمات الطنانة التي تصف هذا العقد بالإنجاز.

وقالت الوزيرة: “أصدرنا عقداً موحداً، كان هذا هو ما ننتظره. عملنا على وضع خارطة طريق، بالتعاون مع منظمة العمل الدولية ومنظمة الهجرة الدولية وآخرين، مثل منظمة العفو الدولية ومنظمة هيومن رايتس ووتش. كانت لدينا لجنة ووضعنا خارطة طريق تهدف إلى إلغاء نظام الكفالة، وتحديد الخطوات الكثيرة التي علينا اتخاذها في سبيل تحقيق ذلك. إحدى هذه الخطوات، إصدار العقد الموحد الذي يكفل لهم حقوقهم الإنسانية”.

نأسف لعدم الإشادة بهذه الأخبار. فقد ملَّ اللبنانيون من المستجدات المؤلمة، بعد الأحداث المدمرة التي ابتليت بها البلاد، والتي بلغت ذروتها بانفجار مرفأ بيروت في 4 آب/ أغسطس. وصار مشهد العاملات المنزليات النائمات في الشوارع بعدما تخلى أرباب أعمالهن عنهن من دون منحهن جوازات سفرهن أو رواتبهن، عادياً إلى حدٍ كبير، قبل الانفجار الذي شرد آلاف العائلات وبعده.

ردت الوزيرة بحسمٍ على سؤالٍ حول ما إذا كان أرباب العمل هؤلاء سيخضعون للمساءلة يوماً ما قائلةً، “لا يحق لهم إطلاقاً رمي العاملات في الشوارع بهذه الطريقة، وسبق أن قلنا ذلك! لكنني سأخبرك شيئاً، لدى وزارة العمل 15 مفتشاً فقط، لذلك ليس في وسعنا بأيّ حالٍ متابعة كل قضية على حدة في لبنان، سواء تلك التي تخص عاملات المنازل المهاجرات أو العمال اللبنانيين… ولهذا فإننا نعتمد على المؤسسات والقنصليات”.

لم يسعني سوى التفكير في أن إقرارها بهذا الأمر أمامي، كان محرجاً، فقد أرجعت عدم كفاءة الوزارة المعنية باستخفافٍ إلى حجم الخدمات اللوجستية المتاحة. من المستحيل بطبيعة الحال أن يتمكن أولئك المفتشون الـ15 من التحقيق في كل حالات إساءة المعاملة المتعلقة بعاملات المنازل المهاجرات، ناهيك بالنظر في أيّ حالات غير قانونية تتعلق بالعمال اللبنانيين وحدهم، لكن هنا تحديداً تكمن المشكلة الجسيمة. 

ديالا حيدر وهي ناشطة عملت على ملف إلغاء نظام الكفالة لدى منظمة العفو الدولية، تقول لـ”درج”: “عندما تسمح الحكومة بقدوم ما يزيد عن 250 ألف عاملة منزلية مهاجرة إلى البلاد والعمل بموجب نظام الكفالة المجحف، فلا بد أن يكون لديها فريق مجهز بآلية تفتيش فعالة وأن يكون قادراً على حماية حقوق أولئك العاملات. لن يضطلع سواهم بتلك المهمة. وهم من سيخضعون للمساءلة عند انتهاك حقوق العاملات”.

مع ذلك، تبدو البنود الواردة في العقد واعدة، على رغم أنها لا تتطرق إلى بعض العوامل التي تتعلق بالتمييز السافر الذي تتعرض له عاملات المنازل المهاجرات في لبنان، بما يمهد الطريق لوصولنا إلى مرحلة يمكننا القول فيها إن نظام الكفالة قد أُلغي. تحدثت الوزيرة عن الحد الأدنى الأجور، والحق في استبدال رب العمل، والحق في فسخ عقد العمل (لكن بشروط)، وحرية التنقل، والحق في الحصول على إجازات وأمور أخرى. وقالت أيضاً إنها وفريقها يعملون بالفعل على تعديل المادة السابعة من قانون العمل، التي تستثني “الخدم في بيوت الأفراد” من أحكام هذا القانون (والتي يجب في النهاية التصويت عليها  في البرلمان بوصفها مشروع قانون). وعلى ما يبدو فإن المشكلة تكمن في كيفية تنفيذ هذه الإجراءات وآلية التنفيذ التي ستُتّبع. 

تضيف حيدر، “قدمنا للوزيرة خطة عمل تتضمن إجراءات للقضاء على نظام الكفالة، منها اعتماد عقد موحد يمكنه معالجة أوجه التفاوت الحالية بين رب العمل والعامل، ولكنها بعد ذلك قدمت نسختها الخاصة من العقد وأدخلت تعديلات على ما قدمناه، ولهذا السبب ليست لدينا أدنى فكرة عما تتضمنه نسختها”.

وتردف، “إذا كانت تتضمن النصوص والإجراءات التي طرحناها، فإن ذلك يعد بخطوة إيجابية إلى الأمام. غير أن هذا العقد لا بد أن يقترن بآلية لتقديم الشكاوى وآلية إنفاذ مناسبة. بمعنى أننا في الوقت الراهن لدينا بالفعل عقد موحد أقرته الوزارة عام 2009، ومع ذلك يتم التخلي عن العاملات في الشوارع من دون منحهن رواتبهن أو أمتعتهن أو جوازات سفرهن ولا يخضع أي من أرباب العمل للمساءلة، على رغم أن ذلك يُعد انتهاكاً لبنود العقد الحالي. إذاً في غياب آليات التنفيذ والمراقبة، فإن جميع العقود لا تُمثل سوى حبر على ورق، بصرف النظر عن البنود الواردة فيها”.

لم يتضح بعد كيف سيتبلور تنفيذ هذا العقد، على رغم أن الوزيرة تُقدم وعوداً كبيرة، منها خطة عمل تتضمن التعاون مع الأمن العام والسفارات المعنية بهذا الشأن، لضمان تنفيذ العقد (نظراً إلى أن وزارة العمل، وفقاً لما صرحت به الوزيرة، غير قادرة على تحقيق ذلك بمفردها).

على رغم أنه من السابق لأوانه أيضاً أن نحكم على كيفية تبلور القصة المبالغ فيها حول إلغاء الكفالة، فمن الجدير بالملاحظة أن هذه الوعود تأتي من الوزيرة ذاتها التي تُصر على أن المعنيين قد اطلعوا على الشكاوى التي قدمت لهم، وأنهم أدرجوا على القائمة السوداء كل أرباب العمل المُسيئين، في حين تتراكم قائمة حالات الانتحار والانتهاكات والهرب في الخلفية. فضلاً عن أن هذه الوعود تأتي أيضاً من الوزيرة ذاتها التي تُصر على أن اللبنانيين يُصورون على أنهم أشرار أكثر من اللازم…

“قدمنا للوزيرة خطة عمل تتضمن إجراءات للقضاء على نظام الكفالة، منها اعتماد عقد موحد يمكنه معالجة أوجه التفاوت الحالية بين رب العمل والعامل، ولكنها بعد ذلك قدمت نسختها الخاصة من العقد وأدخلت تعديلات على ما قدمناه”.

وقالت الوزيرة لـ”درج”، “يجب أن أوضح لكم أمراً، في كثير من الأحيان يتعرض الشعب اللبناني للظلم. ليس الأمر دائماً أن العاملات المهاجرات يقعن ضحايا ويتعرضن للإيذاء ويلقى بهن في الشوارع.  فقد أصبح وضع الكثير من عاملات المنازل المهاجرات غير قانوني لأنهن هربن. لدينا في لبنان 158 ألف عاملة منزلية مسجلة لدى وزارة العمل، إنما لدينا عدد ضخم يتجاوز 100 ألف عاملة، بحسب البيانات الواردة من السفارات، موجودات هنا بشكل غير قانوني، وهذا يسبب المشكلات”.

ولكن لماذا قد يخترن طوعاً أن تكون أوضاعهن غير قانونية؟ أنت يا حضرة الوزيرة تجعلين حقيقة أنهن هربن من سجن تُسرق فيه هوياتهن، وصار تعرضهن للأذى أمراً عادياً ومألوفاً وقانونياً، تبدو سخيفة. حدث ذلك عندما لم يتمكّنّ من تغيير رب العمل من دون فقدان إقامتهن، وعندما حصلن على أجور متدنية للغاية، بلا ساعة راحة واحدة من العمل. أعتقد أن 100 ألف شخص فروا من براثن العبودية إلى أحضان الحرية يُمثل قضية إنسانية بالنسبة إلى البعض، ولكنه لا يتعدى كونه مشكلة تافهة بالنسبة إلى البعض الآخر.

على رغم أنه من السابق لأوانه الحكم على هذا العقد الجديد أو تقييمه، إلا أنه لا يمكننا ألا نتوقع أن يكون مثل الكثير من القوانين التي تسن في هذا البلد، أي أن يظل حبراً على ورق، وأن تظلّ العاملات المهاجرات تحت رحمة نظام الكفالة، تؤخذ منهنّ جوازات سفرهنّ وحقوقهنّ وحرياتهنّ، وقد يرمين في أي ثانية أمام سفارات بلادهم التي أيضاً قد تكون مقفلة.