fbpx

“وجّها سيفيهما إليّ وطالباني بأموالي”… قصص النشل تهدد أمن التونسيين

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تسود قناعة لدى شريحة واسعة من التونسيين بأن الكثير من أعوان الأمن في البلاد لا يبدون صرامة في التعاطي مع منفذي “البركاجات” وأعمال العنف التي باتت منتشرة في الشوارع التونسية، على رغم تقديم كثيرين شكاوى.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“كانت الساعة قرابة الثانية ظهراً، عندما كنت في طريقي إلى محطة المترو في حي الانطلاقة في العاصمة (حي شعبي)، عندما فوجئت بدراجة نارية يستقلها شابان تقطع طريقي، حاولت الابتعاد لكنهما اعترضا سبيلي بقوة السلاح مستلين سيفين طويلين وجهاهما إلى وجهي وطالباني بإخراج ما لدي من أموال وهاتفي الجوال. كان المشهد مرعباً ومخيفاً جداً، تجمد الدم في عروقي وشعرت بأنني أفقد القدرة على التنفس والنطق وقواي انهارت كلياً، وسقطت بعدما فقدت وعيي. لا أدري كم بقيت مرمية على هذه الحالة، كل ما أذكره أنني استفقت لأجد نفسي محاطة بمجموعة من الرجال والنساء يرشون وجهي بالماء لأستعيد وعيي. تفقدت وجوههم بذعر كبير فلم أجدهما بينهم. ساعدوني على الوقوف، كانت قدماي ترتعشان لم أقوَ في البداية على المشي بقيت لبعض الوقت أفترش الأرض وأحاول استعادة نفسي”.

بالكثير من المرارة والخوف تؤكد  روضة أنها لم تشفَ بعد من أثار “براكاج” (العنف بنية السرقة، اعتداء بغاية سلب أحد في مكان ما) مخيف. تروي لـ”درج” عن ذلك اليوم الذي حفر في ذاكرتها وغير الكثير من عاداتها اليومية وأفقدها الثقة في كل غريب يقترب منها في الشارع.  

وحكاية روضة باتت عنواناً يومياً لحياة التونسيين في الشارع في ظل تفاقم ظاهرة ما يسمى “البركاج” المسلح وانتشاره بشكل لافت وباعث على القلق أمام غياب أي بوادر أو رسائل من سلطات الإشراف وبخاصة وزارة الداخلية، تؤكد عزمها أو نيتها تغيير آليات التعامل مع هذه الأنواع من الجرائم ومواصلة اعتماد خطاب دون حجم هذا الخطر المحدق بالبلاد. فإمكان التعرض لتجربة مشابهة لما شهدته روضة هي أكثر الفرضيات الممكنة اليوم في شوارع تونس من دون استثناء وأحياناً تقع مثل هذه الأحداث على مقربة من مراكز للشرطة.   

. وأمست هذه الظاهرة خطراً يستهدف الأفراد والمجموعات والمدارس ومستعملي وسائل النقل العمومية والخاصة وغيرها من الفضاءات الأخرى.

بعد نصف ساعة تقريباً، استجمعت روضة قواها ونهضت. بخطى ثقيلة عادت أدراجها، ولم تعثر على هاتفها المحمول في حقيبتها، وظلت لفترة طويلة تخاف الخروج بمفردها إلى الشارع وتصاب بالهلع بمجرد سماعها صوت دراجة نارية فضلاً عن الكوابيس المزعجة التي قضت مضجعها ليالي طويلة. وعلى رغم المخلفات النفسية الصعبة لهذا الحادث لم تفكر في الذهاب إلى مركز الأمن للإبلاغ عما حدث معها لعدم جدوى ذلك. تقول “عبثاً أكلف نفسي عبء القيام بتقديم شكوى ضد المجرمين، فأنا على يقين أن أعوان الأمن سيكتفون بتحرير محضر وسيطالبونني بسرد الحادثة وصفات المجرمين، ويخبرونني بأنهم سيتصلون بي عند الحاجة وتنتهي الحكاية عند هذا الحد حتى لو حاولت التمسك بملاحقتهما لن يتغير شيء”.

وتسود قناعة لدى شريحة واسعة من التونسيين بأن الكثير من أعوان الامن في البلاد لا يبدون صرامة في التعاطي مع منفذي “البركاجات” وأعمال العنف التي باتت منتشرة في الشوارع التونسية، على رغم تقديم كثيرين شكاوى، وعلى رغم إمكان الوصول إلى المجرمين في أحيان كثيرة. فهل يرتبط الأمر  بعجز المنظومة الأمنية عن مواجهة هذه الظاهرة المستفحلة أو بتراخيها في التعاطي مع هذه القضايا ما ساعد على اتساع نطاق هذه الأعمال الإجرامية وغياب الخوف لدى منفذيها من التتبع القانوني والردع؟   

لا شك في أن هذا الوضع ساعد على انتشار هذه الجرائم على نطاق واسع في تونس ما بعد الثورة، وبخاصة في السنوات الأخيرة. وأمست هذه الظاهرة خطراً يستهدف الأفراد والمجموعات والمدارس ومستعملي وسائل النقل العمومية والخاصة وغيرها من الفضاءات الأخرى، على غرار المقاهي والمطاعم، لتصبح جزءاً من الحياة اليومية. هذا فضلاً عن امتدادها لتشمل الأحياء الفقيرة والراقية، والمدن والأرياف، في غياب برامج رادعة فعالة قادرة على إيقاف هذه الارتكابات أو الحد من استفحالها على رغم مناشدات المواطنين المتواصلة على مواقع التواصل الاجتماعي وعبر وسائل الإعلام، حتى بدا المشهد في تونس وكأن البلاد تتعمد التطبيع مع هذه الظاهرة لأسباب مجهولة.

حسان موظف في إحدى الشركات في العاصمة، تعرّض أيضاً لعملية “براكاج” نفذها عدد من الشباب المنفلتين بينما كان عائداً من عمله في أحد الأحياء الراقية بالعاصمة وكاد ينتهي بطعنه بسكين.

يقول حسان لـ”درج”، “كنت بانتظار سيارة تاكسي عندما وقف أمامي شابان وطالباني بكل ثقة بأن أمد هاتفي الجوال من دون إثارة أي شوشرة، دهشت لثقتهما لا سيما أننا نقف وسط الطريق حيث بعض المارة وسيارات من كل الجهات. لكنني لم أشأ أن أبدي خوفاً وأخبرتهم بسخرية أن ينصرفا، عندها حاولا أخذ الهاتف بالقوة فقاومتهما بشراسة حتى خيل إلي أنني نلت منهما، إلا أنني فوجئت بشابين آخرين يقفان أمامي لا أدري كيف ظهرا فجأة وقد استل أحدهما ضاحكاً سكيناً، ارتبكت. هل أواصل المقاومة؟ خفت أن تصل إلي طعنة واستحضرت الحوادث المماثلة التي سمعت عنها وانتهت بقتل أو طعن من تمسكوا بالدفاع عن أغراضهم، فاستسلمتُ”.

أخذت المجموعة الهاتف المحمول باهظ الثمن من حسان ولاذت بالفرار وتركته في دائرة غضبه وحيرته وخوفه وتساؤله، كيف تحدث هذه الجرائم في وضح النهار وفي مثل هذه الأحياء الراقية؟ وفكر في إبلاغ الشرطة لعله يستعيد هاتفه ما دامت التقنيات الحديثة قادرة على تحديد مكان وجوده بسرعة، لكن فكرته كانت مضحكة بالنسبة إلى أصدقائه الذين أخبرهم بالحادث. أكدوا له أن ذلك بلا جدوى، فأعوان الأمن لن يبذلوا هذا الجهد إلا في حال وجود صديق أو قريب ذي مكانة مهمة داخل المؤسسة الأمنية.

وفق الأرقام والإحصاءات المتوافرة، فإن تونس التي حققت نجاحات لافتة في التصدي للإرهاب، فشلت فشلاً كبيراً في محاصرة الجريمة الاجتماعية التي باتت تهدد أمن المواطنين. ففي أرقام سابقة للإدارة العامة لقوات الأمن الداخلي  تم تسجيل 55 ألفاً و700 عملية سرقة في مختلف أنواعها عام 2012، في مقابل 49 ألف عمليّة سرقة خلال عام 2018، أما عدد عمليات السطو باستعمال القوة أو “البراكاجات”، فإنها في حدود 5500 براكاج في السنة، وبنسبة 40 في المئة من جملة الجرائم المسجلة عام 2019، 20 في المئة منها في تونس الكبرى. 

أكد التقرير السنوي للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية حول ظاهرة العنف في تونس خلال عام 2019، تصدر العنف الإجرامي أشكال العنف المسجلة بنسبة 36.39 في المئة. وبلغت نسبة العنف الفردي 49.63 في المئة، مقابل 50.37 في المئة للعنف الجماعي. علماً أن الكثير من الحوادث لا يشملها الإحصاء لعدم قيام أصحابها بالإبلاغ عن الجماعات التي مارست أشكالاً مختلفة من العنف بغرض النشل والسرقة بسبب ما بات سائداً بشأن التعاطي الامني السلبي مع هذه الجرائم.

وأكد  التقرير تنامي ظاهرة العنف الاجرامي في تونس بمختلف أشكاله (البراكاجات، السرقات، الاغتصاب، القتل) لتبلغ 93 في المئة من مجموع القضايا المسجلة سنة 2018 منها 36.4 في المئة تعلقت بجرائم العنف الشديد والخفيف.

وأشار التقرير إلى أن تونس سجلت في الفترة الممتدة بين عامي 2010 و2017 أكثر من 600 ألف قضية عنف على المستوى الوطني من دون احتساب حالات العنف التي لم تسجل بشأنها قضايا.

أخذت المجموعة الهاتف المحمول باهظ الثمن من حسان ولاذت بالفرار وتركته في دائرة غضبه وحيرته وخوفه وتساؤله، كيف تحدث هذه الجرائم في وضح النهار؟

الخبير في علم الاجتماع الطيب الطويلي يرى أن تنامي ظاهرة “البراكاجات” أو السلب بالقوة له أسباب سوسيولوجية واقتصادية عميقة، إلا أنه انتقد التعاطي الإعلامي مع الظاهرة بخاصة على مستوى التركيز على الخواء الفكري والاجتماعي لصاحب الفعل الإجرامي وتقديمه غالباً كضحية لمنظومة قيمية كاملة ومحاولة ربط النزعة الإجرامية بالفقر المادي الذي يعاني منه مجتمع الفاعل، أو بفقر الحكومات والسلطات على مستوى المبادرة واستبطان بعض التحليلات لتبريرات لجرائم قطع الطريق أو ما يبدو نوعاً من التفهم للأفعال العنيفة السائدة.

ويوضح الطويل: “الحديث الدائم عن الشاب على أنه مفقر ومهمش وعلى أن له حقوقاً مسلوبة ينمي لديه مشاعر اليأس والإحباط ويرفع منسوب العدوانية والعنف لديه إما تجاه الآخر  أو تجاه نفسه. وفي تقديري، يجب أن نكون يقظين في تناولنا ظاهرة تنامي البراكاجات ومختلف أشكال العنف اللفظي والمادي في المجتمع التونسي، فلا يجوز تقديم مجرمين عبر بعض البرامج الاستقصائية التلفزيونية على أنهم مساكين وضحايا ومهمشون مثيرون للشفقة، لأن هذا من شأنه أن يقلب المعايير المجتمعية، ويجعل المجرمين يقدمون لأنفسهم تبريرات لأفعال عدوانية تتعاظم بشاعتها مع الأيام”. 

ويشدد الطويلي على ضرورة  توجيه بوصلة البحث إلى كيفية الحد من البراكاجات بشكل فوري والقيام بتشخيص للسبب الفعلي الذي وراء ارتفاع حالات البراكاج بهذا الشكل الفظيع في مجتمع لم تتغير فيه التركيبة الاقتصادية والاجتماعية والفكرية، وإنما تغير الشكل الإعلامي لتناول بعض الظواهر الإجرامية مع تساهل كبير على مستوى العقوبة. “ويمكننا أن نتصور حجم المأساة بهذا الشكل الكاريكاتوري حيث يحاكم أحدهم بمئة سنة سجنا من أجل بعض الشيكات بدون رصيد، في حين بإمكان أحدهم قطع طريق امرأة وترويعها وهتك عرضها باللفظ أو بالعنف، وسرقة أموالها وقد يشق خدها إلى نصفين بواسطة شفرة ثم يسجن مئة يوم فقط. وهنا يمكننا أن نفهم استسهال القيام بالبراكاج. سبب استفحال البراكاجات الرئيسي أمني قانوني والحل لن يكون إلا عبر الردع القوي والحاسم”.

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.