fbpx

العنصرية في المغرب: ذوو البشرة السوداء غير مرئيين!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يتخطى الأمر الألفاظ العنصرية وصولاً إلى “حيْوَنة” الأشخاص السود في المغرب والتقليل من شأنهم، إذ يُنعتون بأوصافٍ مثل: قرد وخنزير وآكل لحم البشر وحيوان.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

ينشر هذا النص بالتعاون مع “مبادرة الإصلاح العربي” 

يتنصّل كثيرون من المغاربة من سمار البشرة بشتّى الوسائل، مستعينين بكريمات التبييض، وتقشير الوجه، وتمليس الشعر، وبناء دقيق للهوية العرقية والثقافية يستبعد كل ما يتصل بذوي العرق الأسود من الأفارقة الذين وصلوا إلى المغرب بالآلاف من طريق تجارة الرقيق عبر الصحراء الكبرى. ومع ذلك، يتنصّل هؤلاء، وتتنصل معهم السلطات الرسمية المغربية من الاعتراف بوجود عنصرية في المملكة. لكن عدداً من النشطاء السود بدأوا يرفعون الصوت عبر مواقع التواصل الاجتماعي: “كفى! لقد حان وقت إنهاء حالة الإنكار وتحطيم المحظورات وزيادة الوعي بالمشكلة ومواجهة العنصرية والتمييز ضد السود في المغرب وتجريمهما”.

العنصرية حاضرة في جميع أنحاء العالم لكن طبيعتها تختلف بحسب البيئة والسياق. وبالنسبة إلى السياق المغربي، فإن العنصرية واضحة للغاية ومنتشرة، لكن غالبية غير السود ينكرون وجودها على رغم مشاركة المغرب في تجارة الرقيق عبر الصحراء الكبرى طيلة 13 قرناً، وعلى رغم التهميش الاقتصادي والاجتماعي الذي تواجهه الأقلية السوداء في البلاد والمستمر إلى يومنا هذا.

يكافح النشطاء المحليون العنصرية ضد السود في المغرب حتى في أبسط مستويات الحياة اليومية، حيث يظهر الخطاب العنصري بوضوحٍ في الكلمات الشائعة التي يستخدمها “البيض” أو المغاربة غير السود -تلقائياً ومن دون تفكير- لوصف الأقلية السوداء من مواطني المغرب مثل: العبد والخادم والحرطاني (وتعني العبد الأسود المعتوق)، و”العزّي” وهي كلمة تشبه لفظة زنجي أو “Negro”و “Nigger باللغة الإنجليزية، والكحلوش (وتعني الأسود): وينا كحلوش؟ (هل أنا شخص أسود؟) وهي دعابة يقولها المغاربة ذوو البشرة البيضاء عندما يُطلب إليهم القيام بأمرٍ مُرهق أو كريه.

ويتخطى الأمر هذه الألفاظ وصولاً إلى “حيْوَنة” الأشخاص السود في المغرب والتقليل من شأنهم، إذ يُنعتون بأوصافٍ مثل: قرد وخنزير وآكل لحم البشر وحيوان. وقد يلقي عليهم الناس التحية بأصوات كالتي تصدرها القرود مردّدين: “غيرا غيرا”. وغالباً ما يجري إنكار إرث المغاربة السود وإزعاجهم من خلال الهجوم المبطن الكامن في تساؤل: “منين انتي؟” (من أين أنت؟) الذي يوجّهه إليهم إخوانهم المواطنون، كما لو أن “المغاربة الأصليين” هم من ذوي البشرة البيضاء حصراً.

لا تحتفظ الحكومة المغربية بإحصاءات ديمغرافية وفقاً للعرق، لهذا لا يزال العدد الدقيق للسكان المغاربة السود مجهولاً.

من المسلّم به أن استخدام هذه الأوصاف في حق البشر هو أمر دنيء وبغيض وعنصري، لكن هذه ليست الحال في السياق المغربي. بل إن كثراً من المغاربة ينكرون تهمة العنصرية، على رغم من تكرارهم لتلك الكلمات واستخدامها من دون قيود، ويدّعون أنه لا وجود للعنصرية في المغرب. لا يتقبل المغاربة السود أيضاً مناداتهم بهذه الكلمات. كما تتصدى المملكة المغربية وحكومتها لمنتقديهما في التقصير بحماية السود من العنصرية، بأن القوانين المغربية تُجرّم أيّ تمييز بين المواطنين على أساس اللون، وأن جميع الوظائف متاحة للفئات كافة في إطار المساواة. وتصرّ السلطات المغربية أن النشطاء يختلقون المشاكل ويحرّضون على الفتنة والشقاق الوطني. وعام 2012، رفضت الحكومة المغربية طلباً بتشكيل رابطة لمكافحة العنصرية ضد السود بحجة أن مفهوم العرق غير سائد في المجتمع المغربي، وعليه فلا وجود للعنصرية فيه. يتساءل النشطاء أيضاً حول ما إذا كانت المملكة قلقة من بزوغ حركة اجتماعية قوية مناهضة للعنصرية ضد السود قد تؤثر على نزاع الصحراء الغربية أو المقاطعات الجنوبية المندلع منذ السبعينات بما أن معظم المغاربة السود يعيشون في جنوب البلاد.

لا تحتفظ الحكومة المغربية بإحصاءات ديمغرافية وفقاً للعرق، لهذا لا يزال العدد الدقيق للسكان المغاربة السود مجهولاً. وعلى الرغم من ذلك، يشكّل السود نسبة كبيرة من مواطني المغرب. وقد شارك المغاربة العرب والأمازيغ من “ذوي البشرة البيضاء” بكثافة في تجارة الرقيق عبر الصحراء الكبرى طيلة 13 قرناً. وحتى بعد مرور فترة طويلة على بداية القرن العشرين، كان امتلاك عبيد في المغرب يعد دلالةً على الوجاهة الاجتماعية. وقد حمل أولئك “العبيد” ألقاب أسيادهم وولاءهم القبلي وظل أبناؤهم وأحفادهم وأبناء أحفادهم يعتبرون جزءاً من الأسرة. وقد كتب مغاربة مشهورون -مثل الكاتبة وعالمة الاجتماع النسوية فاطمة مرنيسي والمؤلف المشهور الطاهر بن جلون- عن العبيد السود الذين جلبوا للخدمة في منازلهم في الخمسينات. وكشفت تحليلات حديثة للحمض النووي أن نحو ربع تجميعة الجينات الأنثوية الحالية في المغرب أو نصفها، تنحدر من أسلافٍ سود من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.

وتجدر الإشارة كذلك إلى إرث المغرب فيما يتعلق بتجنيد السود في الخدمة العسكرية. فقد استفاد مولاي إسماعيل (1672-1727)، السلطان الثاني في سلالة العلويين الفيلاليين الحاكمة، من تجارة الرقيق عبر الصحراء الكبرى واستعبد كثراً من المغاربة السود لتشكيل جيش من الحرس الأسود، عُرف باسم “جيش عبيد البخاري”، الذي تجاوز عدد جنوده 100 ألف رجل. ولا يزال أحفاد بعض جنود هذا الجيش أحياء ويعملون داخل القصر الملكي.

في الآونة الأخيرة، بدأ المغاربة السود -المتحدّرون من نسل السود المستعبدين أو المغاربة السود من السكان الأصليين- في سرد قصصهم على الشبكات الاجتماعية. على رغم أهمية ذلك، إلا أن هذا الأمر اقتصر حتى الآن على أوساط النخبة على “إنستغرام” و”فايسبوك”. ولم تسفر هذه الجهود عن تشكيل حركة اجتماعية للحقوق المدنية لإنهاء العنصرية ضد السود في المغرب، ولا حتى تأسيس جمعيات للدفاع عن هذه القضية.

بالنسبة إلى فاطمة الزهراء قتبو، الناشطة في مجال مناهضة العنصرية ومديرة حساب  “المغاربة السود” على إنستغرام، فإن العنصرية ضد السود في المغرب تبدو وكأنها بدأت منذ فجر التاريخ، وسيكون من الصعب تغييرها. لكنها تعمل على محاولة تغيير الواقع عبر الإضاءة على المشكلة، خصوصاً اللفظية في التعامل مع السود وإهانتهم: “أعتقد أن المنهج التعليمي لا بد أن يتضمن دروساً عن أشكال الرق التي عرفها المغرب، لرفع مستوى الوعي ووقف هذه الاعتداءات اللفظية، يتعين علينا تحطيم التابوهات، ونحتاج إلى تنظيم حملات لمكافحة رُهاب السود وإلى عقد ندوات ومحاضرات ونشر كتب ومواد صوتية وتقارير. كما يجب أن نبرز تجارب المغاربة السود حتى يفهم الناس أن الكلمات تجرح ويمكن أن تعوق التنشئة الصحية للمغاربة البالغين. علينا أن نرى المزيد من التنوع على الشاشة؛ ونسلط الضوء على جمال التنوع الوراثي للمغاربة”.

برأيها، ينبغي التفاخر بالمغاربة السود الناجحين؛ و”إيضاح حقيقة أننا أذكياء ولامعون تماماً كبقية المجتمع”. ينبغي تسليط الضوء علينا، تقول، وإظهار أننا هنا؛ أننا موجودون”. وترى انه منذ انطلاق حركة “حياة السود مهمة”، بدأ بعض المغاربة السود في انتقاد العنصرية التي يتعرض لها السود في المغرب “وأنا واحدة منهم”. تعدّ هذه بداية جيدة للغاية، برأيها. وتتمنى أن تتمكن مع مرور الوقت من إنشاء جمعية رسمية.

يرغب المغاربة السود في ما هو أكثر من مجرد رواية قصصهم . إنهم يرغبون في إصلاح مجتمعهم والتصدي للعنصرية ضد السود في المغرب والقضاء عليها.

اضطر الممثل الكوميدي والكاتب المغربي محمد باسو في بعض الأوقات إلى مواجهة عنصرية بغيضة. ففي نزاع مع شخصية مغربية مؤثرة على منصات التواصل الاجتماعي، هاجمته الأخيرة ذات البشرة البيضاء قائلةً: “يا وجه الغوريلا، إذا كنت تريد إثارة ضجة إعلامية فلا تفعل ذلك على حسابي. أنا أحترمك، لذا فلنحترم بعضنا البعض. صحيح، هناك أمر آخر… لا تنسَ الذهاب إلى الحمام للاستحمام وحاول غسل بشرتك حتى تصبح بيضاء. حينها سوف يكون لديك ملايين المتابعين مثلي”.

ترجع أصول الفنان التشكيلي المغربي الشهير مبارك بوحشيشي إلى واحة في جنوب شرق المغرب، وهو أحد أبناء الجنوب المخلصين. بيد أنه، على رغم مكانته المرموقة في المغرب وأوروبا، يشعر في غالبية الأحيان بأنه غير مرئي في وطنه الأم: “إن المغاربة السود غير مرئيين بالنسبة إلى بقية المجتمع. لون بشرتنا في حد ذاته دليل على عدم الوجود، وعلى عدم الانتماء. في بعض الأحيان يبدي الناس حماسة واستغراباً في الشوارع، عندما يسمعونني أتحدث بالدارجة (اللهجة العامية المغربية). وفي المطار، يحسبني ضباط الشرطة سائحاً أو مهاجراً، ويطلبون مني الوقوف في الصف الخاص بحاملي جوازات السفر غير المغربية”.

تروي حسناء، وهي مواطنة مغربية من الدار البيضاء وواحدة من رواد صفحة “المغاربة السود”، كيف غيّرت حادثة واحدة في حصة اللغة الفرنسية في المدرسة حياتها: “كان اسم الأستاذة سهام البراق، شقيقة الفنانة ليلى البراق. في إحدى المرات نظرت إليّ عن كثب وقالت لي إنني رائعة الجمال مثل الأفارقة الأميركيين؛ وان شعري جميل، وعينيّ فاتنتان. كان ذلك اليوم يفوق الوصف. لم أستطع النوم من الفرحة. نظرت إلى نفسي في المرآة وأطلقت شعري وأنا أرقص. لقد شعرت حينها بسعادة غامرة. وبدأت أقول لنفسي: بالفعل لدي عينان جميلتان… وبدأت أعتني بنفسي أكثر وأتصالح معها. لقد كانت تلك المعلمة أقرب ما تكون إلى طبيبة نفسية بالنسبة إلي، وبفضلها بدأت أحبّ نفسي”.

في كانون الثاني/ يناير 2020، أطلقت صوفيا غريس بيمبي، صفحة العروبة السوداء: مشروع مزيج على تطبيق إنستغرام، وهي شابة مختلطة العرق ولدت ونشأت في فرنسا لأم مغربية وأب من جمهورية أفريقيا الوسطى. وكانت العنصرية عقبة دائمة أمام الوئام داخل أسرتها، لدرجة أن أمها انقطعت علاقتها مع عائلتها في المغرب لأكثر من ثلاثة عقود بسبب اتخاذها قرار الزواج من رجل أسود. خلال زياراتها للمغرب، صُدِمت غريس بيمبي وتفاجأت “في زيارتي الأولى إلى هناك، تعرضت فيها للعنف العنصري (اللفظي)، على الرغم من أن أصولي مغربية وأمي مغربية. لم أكن مستعدة لذلك، وسرعان ما أدركت أن لون بشرتي سيشكل عقبة أمام اندماجي في المجتمع المغربي. وحتى المجاملات قد تنطوي على شيء من الإهانة، مثل “إن أصولك العربية هي التي جعلتك تبدين بهذا الجمال”.

ومن جهة أخرى، تعرضت غريس بيمبي لصدمة ثقافية حقيقية لدى تعرفها على الفلكلور المغربي، وبخاصة ثقافة الكناوة. وقد تعرفت بشكل تدريجي على الوجوه المتعددة للثقافة المغربية والمزيج العرقي الذي يشكل تلك الثقافة. ووجدت أناساً يشبهونها في دمائهم العربية والأفريقية، وقد دفعتها هذه التجربة إلى تدشين “مشروع المزيج” لتوحيد الأفراد المتضررين بسبب هوياتهم. تقدم غريس بيمبي وجهة نظر مثيرة للاهتمام في ما يخص حالة الإنكار للعنصرية ضد السود في المغرب: “إن حالة الإنكار، في الواقع، أكثر حضوراً ووضوحاً داخل الطوائف ذات البشرة السمراء والسوداء نفسها. كنت أتمنى حقاً أن يساهم عملي في الربط بين المجتمعات، بيد أن الكثير من المغاربة السود أنفسهم ينكرون وجود العنصرية من الأساس أو أهمية التصدي للعنصرية بوصفها مشكلة قائمة وسائدة في المغرب”.

يرغب المغاربة السود في ما هو أكثر من مجرد رواية قصصهم . إنهم يرغبون في إصلاح مجتمعهم والتصدي للعنصرية ضد السود في المغرب والقضاء عليها. عام 2013، طرح البرلمان المغربي للمرة الأولى مشكلة العنصرية للنقاش، إذ اقترح حزب الأصالة والمعاصرة المؤيد للملك والذي تأسس على يد صديق طفولة للملك إجراءً لمعاقبة مرتكبي “الأفعال العنصرية” بالسجن لمدة تتراوح بين ثلاثة أشهر وسنة و/أو فرض غرامة على مرتكب الفعل تبدأ من 10 آلاف إلى 100 ألف درهم مغربي. عام 2018، قام حزب الاستقلال بجهود مماثلة. بين عامي 2013 و2018، اقترح حزبان سياسيان تشريعاً يهدف إلى فرض عقوبة على التمييز العنصري لكن من دون طائل. لم يقر النظام الملكي أو الحكومة المغربية رسمياً بوجود عنصرية ضد السود ناهيك بوجوب فعل شيء حيالها.

حتى الساعة، للأسف، لا يزال المغاربة السود غير مرئيين في المغرب.

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!